
مطارق عمال اليمن تقض مضاجع تحالف البترودولار
العاصمة: العدوان يفطر بـ(بفك العاقل) بعد صيام قسري لشهور
كعادته يترك عبد الحكيم البرطي (45 عاماً) زوجته وفلذات كبده، السابعة صباحاً، متوجهاً لأداء عمله في مصنع العاقل للمواد الغذائية الواقع بحي النهضة في العاصمة صنعاء, ويعود إليهم الرابعة عصراً، ليحصل في آخر الشهر على ما يمكنهم من الاستمرار ومواجهة صعوبة الحياة, ويستمر على هذا الحال منذ عدة سنوات، وهو من أقدم عمال المصنع, غير أن آلة القتل الخاصة بالعدوان السعودي أبت صباح الثلاثاء 9 أغسطس 2016، إلا أن يخرج عبدالحكيم من بيته دون عودة، فاستهدفت المصنع الذي يعمل فيه مع الكثير من زملاء عمله، بصاروخ أصاب مخزن زيت المصنع, ما تسبب باندلاع حريق هائل أودى بحياته إلى جانب ستة آخرين من العمال، وإصابة 13 آخرين بجروح خطيرة, لتكون التاسعة صباحاً موعد فراقه أسرته وفراق بقية الضحايا لأسرهم، وساعة لن يسناها سكان العاصمة.
فائزة (22 عاماً) وسلوى وتقية وغيرهن، بالإضافة إلى طفل لم نستطع الوصول لأهله لمعرفة اسمه, هم من ضحايا مجزرة الثلاثاء التي ارتكبها طيران العدوان السعودي الأمريكي بحق عمال مصنع العاقل, والتي ذُرفت لضحاياها دموع العاصمة كأولى مجزرة يرتكبها العدوان في أمانة العاصمة بعد غياب لأشهر, ليحصد المزيد من أرواح عمال المصانع في اليمن الذين كبقية أبناء الشعب لا ذنب لهم سوى أن العدوان السعودي اشتهى شرب دمائهم الطاهرة, وقرر أن يكون العمل من أجل توفير لقمة العيش ومواجهة قسوة الحياة ذنباً يستحق صاحبه الموت.
استيقظت العاصمة صنعاء، صباح الثلاثاء الماضي، على بكاء أهالي شهداء صعدت أرواحهم إلى السماء، وأنين وجع جرحى يرقدون في المستشفيات, لتوحي لساكنيها بأن العدوان قد ارتكب مجازر جديدة بحقهم أبشعها تلك التي في مصنع العاقل للمواد الغذائية.
ويصف أطباء في مستشفى الشرطة النموذجي مناظر جثث شهداء المصنع بالبشعة وبتلك التي تقشعر لها الأبدان, حيث إن بعضها تفحمت من الحريق الذي نشب في مخزن الزيت وانتشر في أرجاء المصنع, والبعض الآخر تقطعت بشظايا الصاروخ الذي استهدف المصنع. ويذكر أن المستشفى استقبل ضحايا المصنع كونه الأقرب إلى موقع الجريمة.
محمد علي عبادي، أحد سكان حي النهضة، يقول: استيقظنا على غارة شنها طيران العدوان على الكلية الحربية, وفي طريقنا إلى مقرها للقيام بإسعاف الضحايا تفاجأنا بصوت قوي لصاروخ مر من فوقنا ليستهدف مصنع العاقل الذي كنا قريبين منه, ونرى حريقاً هائلاً يندلع منه، فهرعنا إليه لنقدم المساعدة لمن كانوا في المصنع, وفور وصولنا إلى هناك صدمتنا مناظر المصنع والجثث المتفحمة التي تعود للعمال المشغلين له.
واصل حمام الدماء تدفقه في العاصمة صنعاء بعودة القصف الوحشي الذي يشنه العدوان السعودي عليها تزامناً مع إعلان حزب المؤتمر وأنصار الله عن أسماء أعضاء المجلس السياسي الذي وقعوا على تشكيله مسبقاً, والقيام بأولى خطواته لإدارة شؤون البلاد وسد فراغ السلطة فيه، وكذلك مواجهة العدوان, مع استمرار الحصار الشامل والمفروض منذ بداية العدوان كورقة ضغط في حرب اقتصادية يأمل فيها العدوان تحقيق ولو القليل من بوادر النصر.

الشارع اليمني: مع اتفاق القوى الوطنية ولن تهزنا غاراتهم
بعد أن عاود طيران العدوان قصفه على العاصمة، أدرك المواطنون أن الاتفاق الذي وقعه حزب المؤتمر وحركة أنصار الله وحلفاؤهما، وجه ضربة موجعة للواقفين وراء العدوان، وما القصف الهستيري على أنحاء متفرقة من العاصمة إلا دليل على مدى صحة هذا.
المواطن عبدالجليل العميسي (38 عاماً): لم نتفاجأ من معاودة العدوان قصف العاصمة بعد توقفه لعدة أشهر, فالاتفاق الوطني على إنشاء مجلس سياسي لإدارة البلد حلم تحقق بعد طول انتظار, والمعتدون كانوا يسعون للحيلولة دون حدوث هذا.
أما طالب العلوم السياسية أمين الشرعبي (23 عاماً) فيقول: عانينا من وحشية العدوان كثيراً دون أن نستطيع القيام بشيء بسبب فراغ السلطة الذي حل على البلاد منذ هروب هادي ومن معه وبدء العدوان, إلا أن ما قام به أنصار الله والمؤتمر من خطوات لتشكيل سلطة تدير البلد من شأنها سد ذلك الفراغ الذي منع وجود صوت دولي يعبر عنا في الأمم المتحدة. ولا نهم القصف الذي سيزداد وحشية، لأنه سيتوقف رغم أنف الأعداء ومرتزقتهم.
ما يهمنا قصفهم مادام الاتفاق سيدكهم؛ هذا ما قاله الحاج محمد المطري (50 عاماً) من مديرية خولان محافظة صنعاء، الذي أضاف أن ما يقوم به آل سعود من قصف للأبرياء دليل على تلقيه صفعات وهزائم متتالية داخل أراضيه على أيدي رجال الجيش واللجان الشعبية, وهذا ما أخبره به أحد أبنائه العائد من جبهة جيزان.
العدوان يحصد أرواح أكثر من 116 عاملاً يمنياً
لم يكتفِ العدوان السعودي بالحصار كأداة يستخدمها في حربه الاقتصادية على اليمن، والتي تأتي محاولة منه لإخضاع الشعب وكسر شوكتهم، فاستهدف المصانع التابعة للقطاعين الحكومي والخاص، منذ بدايته الأولى، في مناطق متفرقة من البلاد.
كما أن عبدالحكيم البرطي وزملاءه ليسوا الأولين والوحيدين من عمال المصانع الذين أزهقت السعودية وحلفاؤها أرواحهم بطريقة بشعة, فالكثير غيرهم كانوا ضحايا لهمجية المعتدين، وأهدافاً لصواريخ طائراته التي قصف بها البشر والشجر والحجر والآلة.
ففي تقارير الائتلاف المدني اليمني لرصد جرائم العدوان بقيادة السعودية، والتي يعدها دورياً، أشار إلى المصانع التي طالها القصف، وإلى عدد الضحايا من الأيدي العاملة فيها.
ونذكر هنا أول مجزرة ارتكبها العدوان بحق عمال اليمن، والتي كانت في مصنع الألبان والأغذية (يماني) بمحافظة الحديدة، في 31 مارس 2015، حيث أسفر قصف المصنع عن استشهاد 40 عاملاً وجرح أكثر من 80 آخرين، بالإضافة إلى تدمير المصنع كلياً. تلتها مجازر عديدة في مصانع مختلفة بحق العمالة اليمنية التي بلغ عدد شهدائها قرابة 116، وجرحاها بالمئات، كما في التقرير, وبلغ عدد المصانع المدمرة أكثر من 180 مصنعاً إلى تاريخ 10 يناير 2016, وتبعها استهداف لعدد من المصانع كان آخرها مصنع العاقل للمواد الغذائية الذي تم استهدافه الثلاثاء الماضي.
استهداف قطاع المصانع وعمالها دليل على إفلاس العدوان
إن تدمير المصانع وقتل الأيدي العاملة بهذا الشكل المخيف، يظهر تعمد العدوان استهدافها, لأنها تساهم بشكل فاعل في زيادة النشاط الاقتصادي، ودعم الإنتاج المحلي، وتشغيل العاطلين عن العمل, وهذا يدل على أن القائمين بالعدون يهدفون إلى زيادة العبء على الحكومة التي يؤمنون بأنها ستولد من رحم القوى الوطنية الممثلة بالشعب، وبالتالي لن تكون تحت وصايتهم, بزيادة معدلات البطالة والفقر.
وقالت الغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة إن التقديرات الأولية للأضرار والخسائر التي لحقت بالمصانع في القطاعين، تزيد عن 39 مليار دولار, وفي تقرير سابق لوزارة الصناعة والتجارة ذكرت أن العدوان أوقف 40 ألف منشأة صغيرة ومتوسطة، فضلاً عن توقف مئات الآلاف من الأيدي العاملة.
ويرى محللون اقتصاديون أن استهداف السعودية للبنية التحتية لاقتصاد البلد يأتي كوسيلة ضغط على اليمنيين وتحويل تبعية اقتصادهم إليها.
ويرى سياسيون أن العدوان السعودي وضع منشآت القطاع الصناعي في مرمى أهدافه بعد إدراكه أن بنك أهدافه العسكرية لن يحقق له النصر في حربه الظالمة ضد اليمانيين, والتي بدأت بوادر هزيمته فيها تلوح في الأفق.
إن العدوان يفقد اليمن يوماً بعد يوم وشهراً بعد آخر، ولقرابة عامين، مقوماً جديداً من مقومات الاقتصاد وعشرات الأيدي العاملة, ليحقق مخططه الهادف إلى إعادة اليمن تحت وصايته أو قتله شعباً وأرضاً وحضارة وصناعة, وتجويعه وهدم مقومات الحياة فيه. غير أن هذا كله يفشل أمام صلابة أبناء الشعب وجلدهم، وتمسكهم بحريتهم وعدم تفريطهم بها حتى ولو استخدم العدوان أسلحة جديدة ومتطورة, فالحرية ثمنها باهظ، ومنالها صعب، والنيل منها بعد ظهورها أمر مستحيل.
المصدر صحيفة لا / شايف العين