زفــاف علــى حافــة مقبــرة
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / شايف العين

خلال عام.. 485 حالة إصابة بأعيرة نارية خلال حفلات عرس سجلت فقط في مستشفى الثورة بصنعاء
زفــاف علــى حافــة مقبــرة
لقي كهلان درّاج (20 عاماً)، طالب في الثانوية العامة، حتفه في طريق عودته من البقالة حاملاً وجبة العشاء له وزملائه المنتظرين في سكنهم بشارع خولان، إثر رصاصة نزلت على رأسه من السماء، بعد أن صعدت إليها معبرةً عن فرح وابتهاج أحد الأعراس في العاصمة، لتحكم على زوجته ووالديه بالمؤبد خلف قضبان الحزن والألم.. ترك كهلان زوجته بعد ستة أشهر من زفافهما في قرية الهجرين بخولان محافظة صنعاء، ليكمل امتحانات الشهادة العامة بالعاصمة، ويضمن مستقبلاً أفضل يحقق لهما أحلامهما، لكن فرحة مجهول أعادت جثمانه دون أحلام تحققت، ولا مستقبل صُنع، فقط دموع حزن عودته اقتحمت حدقات أعيُنٍ فرحت قبل ذهابه، وطفلة وليدة لن ترى أباها أبداً.
كثيرون غيره أزهقت أرواحهم الأعيرة النارية التي يتم إطلاقها عشوائياً للتعبير عن الفرح والسرور في المناسبات المختلفة, وتسببت في إصابات خطيرة لآخرين, فقد سُجّلت فقط في مستشفى الثورة بصنعاء 485 حالة متوزعة بين وفيات وجرحى إثر الراجع، خلال العام المنصرم, واستقبل المستشفى في الأعوام السابقة أضعاف هذا الرقم، كما أفاد محمد الزايدي، أحد ضباط البحث بالمستشفى.
إن ما يزيد من ألم أهالي الضحايا هو عدم قدرتهم على محاسبة الجناة, لأن معظم هذه الجرائم تكون أمام مرأى ومسمع من الناس، غير أن مرتكبيها يظلون مجهولين، ودون محاسبة، ولا يعرف عنهم شيء، عدا أن الرصاصات سقطت من أعلى، فمن يحاسب السماء؟
جرائم تحصل أمام العامة وتُسجّل ضد مجهول
يقول المواطن من المحويت محمد البراشي: عانت ابنتي أحلام (15 عاماً) من طلقة رصاص راجع أصابتها في ظهرها وهي عائدة من المدرسة, وقد قمت ببيع كل ما أملك في سبيل علاجها, ولم أقم بتقديم بلاغ إلى قسم الشرطة لضبط الجاني الذي قام بإطلاق الرصاصة، لأنني لا أعرفه, لهذا يجب على أجهزة الأمن واللجان أن تقوم بمنع هذه الظاهرة السلبية, كي لا يتكرر ما حصل لنا في أسرة أخرى.
وعن هذا القاتل المجهول، يقول ضباط إدارة أمن العاصمة إن العائق الذي يواجهونه في حوادث الرصاص الراجع، هو كيفية معرفة الجاني الذي تسبب بمقتل أو إصابة أحد الأشخاص, كي تتم إضافته في قائمة المتهمين، ومحاسبته على هذا الجرم, ولهذا فإن وزارة الداخلية تولي ظاهرة إطلاق النار في الأعراس أهمية كبيرة، كونها تجلب العديد من المساوئ عند إطلاقها فرحاً وعند رجوعها إلى الأرض, فسقوط الضحايا وحدوث إصابات جسيمة، بالإضافة إلى إقلاق السكينة العامة، وغيرها من الأضرار، تندرج تحت مساوئها.. وعمدت الوزارة إلى منع هذه الظاهرة، وتعميم البلاغ على مختلف أقسام الشرطة داخل العاصمة وخارجها, وقامت بتحرير نص تهنئة وتحذير يتم تسليمه لمن هو في طور تجهيز مراسيم العرس, كي يلتزم بالأوامر المنصوص عليها فيه, وعند مخالفته لذلك يتم التعامل معه كما هو منصوص في الإخطار الذي حصلت صحيفة (لا) على صورة له.
العمل المشترك ضروري لتحقيق الأمن
تستمر وزارة الداخلية في التحذير من مخاطر إطلاق العيارات والألعاب النارية في الأعراس، وفي حملاتها التوعوية بمدى خطرها، وكان آخرها حملة لها بعنوان (لاتقتلني بفرحتك), ورغم هذه التحذيرات المتكررة، إلا أن بعض المواطنين لم يدركوا بعد خطورة هذه الظاهرة السيئة وتبعاتها وويلاتها.
ويتطلب العمل الأمني تعاون وشراكة المواطن باعتباره صاحب الدور الأكبر في تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي تسعى وحدات الأمن العام واللجان الشعبية لتحقيقها, إلى جانب تفعيل الشراكة مع أبناء المجتمع المحلي لمعالجة جميع المشاكل المتعلقة بالسلوكيات السلبية الشاذة، وضبط متسببيها للحيلولة دون تأثيرها على أمن المجتمع وسلامته.
وشددت الوزارة مؤخراً على مراقبة ظواهر إطلاق النار والحزم في التعامل معها لما تشكله من خطورة بالغة, يعاونها في هذا عقال الحارات ومشائخ الأحياء في العاصمة صنعاء.
ويتفاوت مدى استجابة المواطنين في العاصمة لأوامر وزارة الداخلية التي تقتضي بمنع إطلاق الأعيرة النارية في الأعراس والمناسبات، وفي هذا يقول الشيخ عبدالله حسان، عاقل حارة الوفاق بحي الأصبحي: تلقينا أوامر من أقسام الشرطة بإبلاغ كل محتفل بالزفاف، أن إطلاق الرصاص ممنوع، ويمكن استبداله بالألعاب النارية دون إسفاف، للتعبير عن الفرحة والبهجة, ولكن أحياناً لا نلاقي استجابة من البعض، فيتم إبلاغ الجهات المختصة عنهم لاتخاذ إجراءاتها اللازمة تجاههم, وبعضهم يستجيب للإخطار، إلا أن ضيوفه القادمين من القرية يصرون على إطلاق الرصاص في العرس، ليتحمل مضيفهم المسؤولية تجاه هذا الفعل. ومع الأيام نتمنى أن تختفي هذه الظاهرة التي نعاني منها كثيراً.
وصلت عدوى هذه الظاهرة إلى الحضر قادمة من الريف، حيث كانت بداياتها الأولى, وهذا بسبب ظهور أسواق بيع السلاح هناك، وانتشارها الذي ساهم كثيراً في انتقال هذه الظاهرة وانتشارها لتشمل كافة أرجاء البلاد, مسببة الكثير من المآسي. والغريب أنه لا يدرك معظم الناس خطرها إلا بعد أن تؤذي أحد أقاربهم أو أصدقائهم، خصوصاً في الريف.
سكان الريف بين مستشعرين بالمسؤولية بعد الكارثة ومستمرين في ممارسة العادة
استشعر سكان العديد من المناطق الريفية المسؤولية تجاه ما يسببه إطلاق النار في الأعراس من حوادث قتل وإصابات يتعرض لها أبرياء في مناطقهم أو مناطق أخرى جراء إطلاق الرصاص عشوائياً في السماء، وسقوط ضحايا بسبب الراجع منه, ما جعل البعض منهم يقومون بصياغة قانون قَبَلي يُجرِّم إطلاق النار العشوائي، ويفرض على من يقوم بذلك عقوبات, والبعض الآخر يستمرون في القيام بهذه الأفعال، لأنهم يعتبرونها من العادات والتقاليد المجتمعية التي يجب الالتزام بها.
ليث الصيادي، أحد أبناء مخلاف عمّار بمديرية دمت محافظة إب، يقول: قام أبناء القرية بمنع إطلاق النار بعد أن أصيب شخص في أحد أعراس القرية نتيجة العبث بالسلاح, وفرض غرامة مالية على من يقوم بهذا، وقد اقتدت عدة قرى في المديرية بهذه البادرة، وقاموا بمنع إطلاق الأعيرة النارية عشوائياً في الأعراس والمناسبات, ونتمنى أن تبادر بقية قرى المديرية والمحافظة بما قمنا به لمنع إزهاق أرواح أخرى ووقوع إصابات لأبرياء يمشون بأمان في طرقاتهم ويعملون بكدّ في مزارعهم.
أما مختار الزراعي، من محافظة حجة، فيقول: يعد إطلاق الأعيرة النارية أثناء المناسبات والأعراس ظاهرة سائدة وطبيعية في قرانا رغم كل المشاكل التي تسببها الرصاصات الراجعة من قتل للمواشي وإصابات للمواطنين في القرى الأخرى المجاورة, ونتيجة لزيادة عدد المتضررين منها قامت بعض القرى بتوقيع اتفاقيات تنص على منع إطلاق الرصاص، وتغريم كل من يخالف, تفادياً لحدوث مزيد من الإصابات جراء ذلك.
وأضاف الزراعي أن الناس التزموا في بادئ الأمر، ولكنهم سرعان ما عادوا نسبياً إلى ممارسة هذه الظاهرة, ويعود ذلك إلى عدم وجود قوة ردع قادرة على منعها وإيقافها عند حدها.
من جانبه، قال أكرم البروشي: تفاجأت عندما ذهبت لحضور عرس أحد أقاربي في محافظة عمران، بعدم قيام الناس بإطلاق الرصاص احتفالاً بالعرس, واتضح أنه بعد وصول أنصار الله إلى المحافظة التي تركتها منذ فترة، قاموا بمنع هذه الظاهرة، وحققوا رغبتنا التي كنا نرجوها منذ زمن في اختفاء هذه الظاهرة التي لطالما جلبت المآسي للناس.
فيما يرى آخرون أن هذه العادة السلبية يفضل أن تبقى في القرى الريفية، وتختفي من المدن الحضرية التي تعاني من ازدحام سكاني غير متوفر في الريف, ويعتبرون هذه الظاهرة من ضمن الأعراف والتقاليد المجتمعية التي يتميز بها الشعب اليمني, حيث تظهر فيها الشدة وقوة البأس والتفاخر، غير مدركين أن هناك أرواحاً تموت بسبب هذه الظاهرة في الحضر والريف على حد سواء.
إن إطلاق العيارات النارية في الهواء في الأعراس والمناسبات، لا يجوز، وهو عادة منافية للشرع لما فيها من تخويف وأذى للناس, وحدث كثيراً أن الطلقات أثناء رجوعها أصابت مواطنين أبرياء، فأدت إلى وفاتهم، وأحياناً جرحهم والتسبب بعاهات مستديمة لهم.
كما أن فيها إتلافاً للمال بلا فائدة، وهذا تبذير وإسراف، وهو من الصفات الشيطانية التي سماها القرآن, والعتاد الذي يُستهلك في هذه الظاهرة صنع للدفاع عن الوطن وحماية أمن المواطنين, فلا يجوز استعماله بهذه الطريقة العبثية البعيدة عما صُنع من أجله.
المصدر صحيفة لا / شايف العين