هدير البحر في الليالي المقمرة والسكون يلف كل شيء، له جماله الذي لا يتناقض مع جمال الغابة أو مشهد العاصفة. فالجمال متعدد ومتنوع، منه اقتران الشعر بالغناء أو بالإنشاد في مبنى ونسق واحد.
ومن الأصوات المبدعة، المنشد الرائع والجميل عبدالخالق النبهان، الذي لم أدركه على هذا النحو من العمق من قبل، وهو عمق أخذ يتأصل في نفسي عندما سمعته يشدو بمواويله التي استقرت في وجداني، كما أن في صوته الكثير من الجوانب العبقرية التي يجب أن نتعرف عليها في نضج وتأمل.
سيظل صوته منساباً ومتدفقاً ومحلقاً إلى الذرا العالية، فجمال صوته يعبر عن موهبة لافتة وحساسة، خاصة في التوغل في باطن اللحن برهافة. كما أن صوته آسر ومؤثر، يأخذك إلى زمن العظماء من عهد الطرب الأصيل.. كما تميز بأداء الشيلة التي كان لها دور في مواجهة العدوان السعودي القبيح.. إنه منشد وشاعر رقيق في حيائه، جميل في بساطته، نقي في تواضعه، يحب كل ما هو أصيل وجوهري وصادق.
إنه من المنشدين القلائل الذين تستولي عليهم الرقة والعذوبة وشفافية الحالم. 
 لو تحدثنا عن الشيلة، ما الذي يميز الشيلة عن الزامل أو عن الأنشودة؟
طبعاً الشيلة اتخذناها رداً على العدوان، لأنهم في البلدان الخليجية، وبالذات في السعودية، لا يفهمون الزوامل، وليس لها مستمعون كثر، ولا رغبة لديهم، لكنهم يرغبون الشيلات، فوددنا أن نوصل رسالتنا عبر المجال الذي يرغبون به.

 ما هو الفرق بين الشيلة اليمنية والخليجية؟
الفرق هو في اللون والإيقاع، وهناك شيء في الهندسة الصوتية يسمى (الأوتوتيون)، يستخدمونها في الشيلات، وهي خاصة بهم، ونحن نعمل على هذا الأساس بأسلوبهم ولونهم، نحن نختلف عنهم، أما اللحن فيأخذونه من ألحاننا، ويغنونه بإيقاع وبأسلوب شيلة خاص بهم.

 هل تتميز الشيلة بندرة شعرائها؟
لا تتميز بندرة شعرائها، فهي نفس الزامل، نفس البحور في الشعر ونفس التفعيلة.

 هل هناك مناطق محددة تتميز بالشيلة؟
الشيلة هي خليفة الأغنية، والناس قد يستمعون لها أكثر من الأغنية، وفي أبين وشبوة الشيلة هي تراثهم الأصلي.

 لماذا لا يتم تطوير الشيلة أو الزامل بتوزيع موسيقي وبتسجيل وبماسترينج احترافي حتى ولو كانت تكاليفها كبيرة.. برأيك لماذا؟
أعتقد لا يتم توزيع هو للتفريق بين الأغنية والزامل، فالناس والمجتمع أذواق، بعض الناس يحب أن يسمع الشيلة بدون إيقاع، بدون توزيع موسيقي، وبعضهم يحب أن يسمع الزامل بالطاسة، وبعضهم يحب أن يسمع الشيلة بالإيقاع.

 كيف كانت علاقتك بالمنشد لطف القحوم؟
كان صديقاً لي من زمان، كنا أعداء فنيين نتعادى فنياً كل واحد يحاول أن يخرب على الثاني، يمكن كانت غيرة بيننا في البداية، إلا أن العدوان وحدنا، ورجعنا لبعض، حتى أننا عندما التقينا ضحكنا ضحكة كبيرة جداً، جاءني إلى البيت فتفاجأت وقلت معقول أنت تأتي إلى البيت، وتصافحنا وحضنته إلى صدري.

 هل كان يوجد خلاف غير فني؟
لا يوجد خلاف بيننا غير فني، لأني كنت مشهوراً في صعدة قبله، وبعد ذلك ظهر لطف القحوم بقوة، وتألق، وأنا من أكثر المعجبين به، ثم بعد ذلك ذهب إلى صنعاء، واشتهر كثيراً، أما أنا فبقيت في صعدة، ثم بعد ذلك ذهبت إلى صنعاء، وبدأت أشتهر أكثر.

 ما هي المقامات العربية التي تتحدى حنجرة المنشد عبدالخالق النبهان؟
المقامات التي تتحدى حنجرتي هي مقام السيكا والصبا.
 ولكن مقام السيكا والصبا هي مقامات صعبة بالنسبة للعازفين؟
للعازفين والمؤدين كذلك.

 أنت أحد المنشدين القلائل الذين يتميزون في أداء الموال؟
أكيد هذه نبرة خاصة، لأني أحب الموالات وهذا اللون.

 (يلي تماديت في جرمك على شعبي) من كتب هذه القصيدة؟
هذه من كلمات الأستاذ أحمد درهم المؤيد.

  ومن لحنها؟
ألحان تراثية.

 المنشدون الشباب متهمون بعدم الاهتمام بالتراث، وأنت واحد منهم.. ما تعليقك؟
أصبحت رسالتنا عالمية، وتراثنا قد تم استهلاكه كثيراً، ونحن نحب أن نأتي بالجديد فقط، وتراثنا غني بالفنون والألحان.

 الفنانون والمنشدون في الخليج يصعدون بالسطو على تراثنا.. برأيك أين يكمن الخلل؟
الخلل يكمن في إدارة الحقوق الملكية والفكرية، فهناك قانون دولي يفرض عقوبات على هذا السطو، لكن لا ندري لماذا الجهات المعنية لا تتابع مثل هذه الأشياء.

 مع من تعاملت من الشعراء؟
تعاملت مع العديد من الشعراء مثل الأستاذ محمد الجرموزي وأحمد درهم المؤيد والأستاذ عباد أبو حاتم والأستاذ القدير عادل بن صبر والسقاف شاعر مأرب والأستاذ محمد عائض شاعر صعدة وائلة.

 إذا غصنا في أعماق المنشد عبدالخالق النبهان.. ماذا سنجد؟
ستجد إنساناً يهوى الفنون والشيلات، ويهوى الشعر، وإنساناً لديه مشاكل خاصة.

 ما هي المشاكل الخاصة؟
المشاكل تكون عائلية مثل الغيرة، لأني منشد مشهور لدي معجبون، فهذه المشاكل تزعجني.

 أنت منشد مشهور جداً، هل تشعر بالغرور؟
أتمنى ألا أصل إلى مرحلة الغرور، لكني أتكبر على الأعداء، لأن التواضع معهم ذلة.

 ما الذي يستفزك؟
يستفزني عدم الاهتمام من الجهات الخاصة، إلى الآن لم أعتمد كمنشد، لم أحظَ باهتمام، سيارتي في الورشة لها فترة من يوم تعرضت للحادث، وأنا دائماً أحاول أن أحل مشاكلي بنفسي، أعتقد أن كل مختص يفكر بأني تابع لفلان، أنا إلى الآن لم أحظ باهتمام من أية جهة.

 عمل تعتز به كثيراً؟
أعتز بالإنشاد، وأكتب الشعر، وأهوى الكاراتيه، وحصلت على دورات عالمية في مصر في جامعة الدول العربية، الثالث على العرب في الكوماتيه السابع الكاته في 2002م.

 هل لك مشاركات خارجية في الإنشاد؟
مشاركات خارجية لا، ولكن شاركت في الكشافة والمرشدات، وحصلت على المركز الأول في الجمهورية مرتين، لأن الكشافة كانت تهتم بالمنشدين، بينما كانت وزارة الثقافة تهتم بالفنانين فقط.

 ما هو الشيء الذي تمنيته ولم يتحقق؟
تمنيت أن يكون لي مؤسسة تسجيل خاصة، لأني أدعم المنشدين بتسجيلات ضعيفة جداً، أتمنى أن يكون لي هذه المؤسسة كي أحترف في مجالي، وأتطور أكثر.
 كلمة أخيرة..
الكلمة الأخيرة هي لم أكن في يوم من الأيام معادياً للمسيرة، وأنا كنت مؤتمرياً، وفي البداية كانت عندنا فكرة بأن الحوثيين دمويون، وبعد ذلك اكتشفنا أن هذا الكلام غير صحيح.. وأوجه رسالة لكل المعنيين والمجاهدين الذين يقولون بأن عبدالخالق النبهان ما انطلق من قلب أو جاهد من قلب، أتمنى أن يصححوا هذه الفكرة لأنهم ما هم داخل قلبي. وشكراً لك ولصحيفة لا.