الشيطان واعظاً في الأمم المتحدة
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / صلاح علي

الكيان الصهيوني نائباً لرئيس لجنة مكافحة الاستعمار والسعودية رئيساً لمجلس حقوق الإنسان
الشيطان واعظاً في الأمم المتحدة
خلال عام وثلاثة أشهر من مسلسل الإبادة والخراب والتجويع الذي تتعرض له اليمن بفعل العدوان، ظلت منظمة (الأمم المتحدة) في موقف يناقض تعريفها لنفسها ونشاطاتها، إنسانية ومحايدة، إذ لم يصدر عنها موقف جدي أمام الوحشية العدوانية، برغم شواهدها الجلية، بما فيها تقارير جهات دولية عدة. وهُنا يتبادر للذهن سؤال حول ما هو الدور الذي لعبته المنظمة الدولية في اليمن خلال العدوان؟!
التحالف في (القائمة السوداء)..
التحالف ليس فيها!
بهذه الفجاجة ظهرت منظمة الأمم المتحدة وأمينها العام للناس بعد عام و3 أشهر، كأنها تزاول لعبة لخداع العواطف وضرب معنويات الشعب المظلوم، أو تلطف من حالة السخط المتزايدة ضدها من قبل الرأي العام العالمي أمام المشهد الدموي المتجاهل في اليمن! ودوافع أخرى بلا شك.. ببدء العدوان في 26 مارس العام الماضي، ظهرت الأمم المتحدة لتقول: نرجو عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وعدم زعزعة الاستقرار! ولم تزد عن ذلك.. بعدها، أصدرت عبر مجلس الأمن القرار 2216 القاضي بشرعنة الحرب على اليمن والذهاب إلى الرياض لتقديم الولاء والطاعة للعدوان.
وأمام (هيروشيما) منطقة (فج عطان) بالعاصمة صنعاء التي صنعتها القنبلة الفراغية، لم تنطق المنظمة بكلمة، ولم يرد تعليق على دمار شمل مساحة 5 كيلومترات مربعة (دمرت أكثر من 700 منزل ومنشأة) قضى فيها 83 شهيداً وأكثر من 530 جريحاً، معظمهم من النساء والأطفال.. عشرات الجرائم التي تندرج تحت تصنيف جرائم الحرب والإبادة الجماعية، ارتكبها العدوان على اليمن، وأبرزها الإغارة على المدينة السكنية في المخا بتعز، ثم مخيم (العرس)، وفج عطان، ومجزرة زفاف قرية سنبان، وسوق مستبأ المستهدف بالقنابل العنقودية.
وفي القانون الدولي، تعد جرائم قتل الأطفال ضمن جرائم الإبادة الجماعية، وتتعدى كونها انتهاكات لحقوق الأطفال، وهو ما يفرض تدخل محكمة الجنايات الدولية، إلا أن ذلك لم يحدث لدى المنظمة، لذا فإن التقرير الذي أصدرته بشأن إدراج (التحالف)، بما في ذلك المملكة السعودية، بالقائمة السوداء، يعد مجحفاً بحق اليمنيين، إذ يتجاوز الواقع الفعلي للجريمة، كما أن حصر الجريمة والانتهاك في جانب الأطفال دون المدنيين الآخرين، وتجاهل كمية الدمار الهائل والخسائر الاقتصادية، وعدم ذكرها، لهو فضيحة أخرى للمنظمة ودورها الذي لم يعد مشبوهاً، بل مفضوحاً تماماً.
فصول من الأسلحة الحرام في الحرب الحرام
وبحسب ما تداولته الصحافة الغربية عن جرائم العدوان بالأسلحة المحرمة دولياً، نقلاً عن منظمات وهيئات دولية، فقد استخدم العدوان العديد من الأسلحة المحرمة المصنعة أمريكياً وبريطانياً...، على المدن السكنية والأسواق والمنشآت الحيوية والمرافق الصحية والحكومية والممتلكات الخاصة والبنية التحتية، خلفت الآلاف من الضحايا المدنيين بين شهيد وجريح.
ونقلت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية، في تقرير لها، نقلاً عن منظمة (هيومن رايتس ووتش)، أن (التحالف الذي تقوده السعودية) استخدم قنابل عنقودية مستوردة أمريكياً، في هجوم على أسواق في اليمن، أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين، غالبيتهم من النساء والأطفال، وأكدت المنظمة أنها عثرت على شظايا قنبلتين أمريكيتي الصنع في سوق الخميس بمديرية مستبأ الشمالية، وقعت يوم 15 مارس الفائت، والمرشحة أن تكون الأعنف منذ بدء العدوان على اليمن.
وأكدت الصحيفة، نقلاً عن جهات دولية، استخدام تحالف العدوان قنابل عنقودية محظورة بموجب المعاهدات الدولية، في عدة غارات، وبأماكن مختلفة، خاصة في محافظات صعدة وحجة وصنعاء، موضحة أن استخدام هذه الأسلحة يعد خرقاً صارخاً لقانون الولايات المتحدة نفسها.. من زاوية أخرى، وصفت صحيفة (نيو برسه) النمساوية ما يقوم به العدوان بجرائم حرب منهجية ضد اليمنيين، وتحدثت الصحفية الدولية العاملة في اليمن لونا كريغ، لموقع (ذي إنتر سبتف فور أورت)، تصف الحرب على اليمنيين باللاهوادة فيها، محيلة الحياة لبؤس متعاظم مع استمرار الحرب على اليمن، التي خلفت ما يزيد عن 7 آلاف شهيد و27 ألف جريح، غالبيتهم من النساء والأطفال، وأكثر من مليوني نازح، وكلفت اليمن خسائر مادية بقيمة عشرات المليارات من الدولارات. وكانت الأمم المتحدة نشرت عدة تقارير عن الحالة المأساوية التي يعيشها اليمنيون تحدثت عن أن ثلاثة أرباع السكان لا يستطيعون الحصول على مياه شرب نظيفة، واصفة الوضع في اليمن بالكارثي؛ لكن دون موقف جدي يضع حداً للكارثة التي صنعها العدوان على شعبنا.
القنابل العنقودية، ليست هي الوحيدة التي استخدمها العدوان على اليمن، فقد كشف خبراء محليون ودوليون، في أبريل العام المنصرم، أن العدوان استخدم قنابل محرمة هي (القنابل الفراغية) التي تتلاعب بالضغط الجوي (النيترونية المحتوية على يورانيوم مستنفذ)، خاصة على (جبل عطان)، فيما نشرت الصحافة الأوروبية، وعلى رأسها (الإندبندنت) البريطانية، أن العدوان استخدم اليورانيوم المستنفذ في حربه على اليمن، إضافة لقنابل (النابلم الحارق) التي وجدت آثارها في محافظة تعز، وكانت نتيجة هذه الأسلحة أن دمرت مئات المنازل، وانتشرت أوبئة وسموم بين المواطنين، وخربت آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، علاوة على حالات التشوه التي تسببت بها لدى عدد من المواليد.
منظمة حقوقية أم لوبي سياسي؟!
تاريخ هزلي..
في ذروة هذه الجرائم المهولة، تكثفت بأغسطس العام الماضي، الجهود الحقوقية الدولية والمحلية، لتشكيل لجنة تحقيق بجرائم العدوان في اليمن، لتكون المفاجأة الموجعة للمنظمة الدولية في الشهر التالي، أن السعودية ترأس لجنة الخبراء المستقلين في مجلس حقوق الإنسان، كعملية التفافية على أي نجاح تنتزعه الجهود الحقوقية.
منظمة (مراسلون بلاد حدود) علقت على رئاسة السعودية للجنة بأنه (تعيين سخيف للغاية) يتغاضى عن كون المملكة من أكثر الدول قمعاً في مجال حقوق الإنسان، خاصة عملية الإعدامات بقطع الرأس التي مارستها ضد المواطنين السعوديين، في 2015م.
المراسل والصحفي في الشؤون الخارجية في الأمم المتحدة جو لوريا، كشف في أغسطس 2015م، أن الأمين العام للمنظمة بان كي مون (لم يكن يهتم للعملية التي تقودها السعودية منذ البداية)، وأكثر ما يقلقه هو الحفاظ على صورة الحياد للمنظمة.
كما كشفت الصحافة الغربية، أن دولة هولندا بجانب ست دول بينها ألمانيا، حاولت تشكيل لجنة تحقيق في مجلس حقوق الإنسان، بجرائم العدوان، لتقوم المنظمة مطلع أكتوبر الماضي، بسحب مشروع القرار الذي قدمته هولندا لتشكيل لجنة دولية للتحقيق في جرائم العدوان السعودي على اليمن، واستبداله بمشروع قرار تشكيل لجنة تحقيق قدمه تحالف العدوان! ورفضت الاستجابة للدعوة التي جاءت في مشروع القرار الهولندي من رئيس مجلس حقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين، بـ(إرسال بعثة لمراقبة وضع حقوق الإنسان في اليمن ورفع تقرير بشأنه).. وسبق أن رفضت المنظمة مقترحاً قدمته دولة نيوزلندا إلى مجلس الأمن، يقضي (بشق ممرٍّ آمنٍ للإغاثة الإنسانية داخل المناطق المنكوبة في اليمن). وعلاوة على ذلك، فإن اللجنة التي سبق أن شكلت في المنظمة للتحقيق، مكونة من خبراء دوليين، تعرضت لعملية ضغوط متعددة (سعودية وأمريكية وبريطانية)، لحجب الأدلة التي تدين المملكة وتحالف العدوان على اليمن، ما أدى إلى استقالة خبيرين من اللجنة، هما فيرجينيا هيل ولوسي ماثيسون.. وعلى ذات الشاكلة، أخرجت المنظمة تحالف العدوان من (القائمة السوداء)، وأعلنت تشكيل فريق مشترك معه لمراجعة الإحصائيات والأرقام والمعلومات الواردة في التحقيق، تحت مبرر الضغط والابتزاز المالي الذي مارسته السعودية ودول أخرى على المنظمة والأمم المتحدة، وكل ذلك على حساب الدماء اليمنية المراقة وجموع الأطفال الجائعة والأسر المشردة على امتداد الأرض اليمنية.
وقد استدعت هذه الخطوة انتقادات لاذعة من الرأي العام العالمي، والتركيز على الدور الفعلي الذي تلعبه الأمم المتحدة في اليمن وسائر الأزمات الإنسانية في العالم.. فقد اتهمت منظمة العفو الدولية الأمم المتحدة بممارسة (مداهنة مخزية) بهذا القرار، بينما قالت منظمة (هيومن رايتس ووتش) إن المنظمة الدولية (رضخت لضغوط السعودية)، متهمين إياها بـ(الاستسلام) أمام مطالب الرياض، ووصف المدير المساعد لهيومان رايتس ووتش، فيليب بولوبيون، هذه العملية بانكشاف الدور الفعلي الذي تلعبه المنظمة، وأن القائمة صارت خاضعة للعبة السياسية.
لقد مثلت الأمم المتحدة غطاءً على جرائم العدوان، وبحجم بشاعة الجريمة، كانت بشاعة الدور الأممي في ممارسة هذا الدور القميء، إذ أصبحت في واقع الحال لوبياً سياسياً متستراً بلبوس العمل الإنساني والحقوقي المحايد.
وكان جلياً الوضع الفعلي للأمم المتحدة حين لم تتخذ موقفاً بناء على تصريح مبعوثها السابق جمال بنعمر، الذي قال فيه إنه توصل مع القوى السياسية اليمنية إلى حل شبه نهائي حول السلطة، لكن بدء الغارات على اليمن أفشل كل الجهود التي بذلها برعاية المنظمة. وأكد ذلك حين أصبح مبعوثها التالي لليمن إسماعيل ولد الشيخ (مبعوثاً عن أزمة خاصة سعودية)، وسيارة إسعافها حين تقع في مخنق العمليات العسكرية للجيش واللجان الشعبية.
المنظمة، بحسب ما تفيد المعلومات والتقارير، لم تكن غطاءً على الجرائم فقط، بل إنها شاركت بجريمة الحصار الجماعي المفروض على الشعب اليمني، ففي الوقت الذي كانت تعلن فيه الأمم المتحدة مهددات المجاعة والكوارث الإنسانية في اليمن، لاسيما مع شحة المعونات الإنسانية، وتضخم الاحتياجات العاجلة، كانت السفن التي ترسلها الأمم المتحدة إلى اليمن محملة بالمعونات، تسحب بعد أن يتم التقاط الصور لها في الموانئ المحلية، وأبرز هذه الأعمال، ما حدث مع السفينة (سي أثينا) في ميناء الصليف بالحديدة، ونشرت صحيفة (الثورة) صورة الوثيقة التي طالب فيها (برنامج الغذاء العالمي) السفينة بالعودة إلى ميناء جيبوتي، بذريعة أن التوزيع من جيبوتي أسهل! والأمر ذاته مع السفينة التابعة للمنظمة، واحتجزتها قوات العدوان في البحر، تحت دعوى حملها السلاح.
وكانت الأمم المتحدة طالبت السعودية بتقديم مبلغ قدره 257 مليون دولار احتياجات عاجلة لتنفيذ أعمالها الإغاثية في اليمن، لكن المبالغ المذكورة تم وضعها في منظمة (الملك سلمان) وتصريفها بناء على ما يحدده العدوان بنفسه.. هذا المسار الذي تخطوه الأمم المتحدة، يذكرنا جميعاً بالوضع المشابه الذي دار مع الكيان الصهيوني المتحل للأراضي الفلسطينية، ففي العام الماضي، وبعد مرور أكثر من 70 عاماً، تذكرت المنظمة الدولية أن تعلن الكيان الصهيوني ضمن (القائمة السوداء) لمرتكبي الجرائم ضد الأطفال!
لكنها، في الوقت ذاته، أوكلت إليه رئاسة اللجنة القانونية بالأمم المتحدة (لتتولى دولة الكيان الصهيوني للمرة الأولى رئاسة واحدة من اللجان الدائمة الست للمنظمة الدولية منذ انضمامها لها في العام 1949م)، في عملية تجاهل تام للتاريخ الدموي للكيان منذ أربعينيات القرن المنصرم.
كما سبق ورشح الكيان الإسرائيلي لمنصب نائب رئيس لجنة مكافحة الاستعمار!
الدور السياسي الذي تلعبه
المنظمة الدولية في اليمن..
مراقبون يرون أن الأمم المتحدة استُخدمت لفرض خيارات سياسية بعينها، وهي منظمة سياسية في جوهرها أكثر من كونها منظمة إنسانية، إذ تخضع شروط نشاطها لمحاذير الدول الداعمة والمهيمنة على قرارها ومسار عملها. وكما هو الحال في السابق، تتجه الأمم المتحدة حالياً لفرض تسوية سياسية في اليمن، على غرار تسوية (المبادرة الخليجية)، خارج إرادة اليمنيين والتوافق الوطني بين القوى السياسية، وبما يخدم مشروع العدوان ومصالحه الاستعمارية على البلد.
صحيفة (لا)، قامت في هذا السياق باستطلاع آراء ناشطين حقوقيين وسياسيين يمنيين حول دور الأمم المتحدة في اليمن خلال العدوان.
رئيس المركز اليمني لدراسة وتحليل الأزمات صلاح علي صلاح، يقول إن دور المنظمة بعيد عن الدور الإنساني، ولعبت دوراً سياسياً بعيداً عما كان منتظراً منها في الحرب العدوانية على اليمن، وكان هناك الكثير من التراخي والمحاباة لصالح العدوان في قيامها بدورها الأممي المفترض تجاه معاناة شعبنا.
أما وكيل الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية في وزارة الثقافة أمة الرزاق جحاف، فتوضح أن الأمم المتحدة أصبحت في نظر اليمنيين شريكة في العدوان على بلادهم، وهذا ما أسقط عنها ورقة التوت التي كانت تحاول أن تتستر بها أمام العالم، وكشف صمود اليمنيين تجاه هذا العدوان حقيقتها لأنها تدرك هي أكثر من غيرها أنه عدوان ظالم لا شرعية له ولا غطاء قانوني يدعمه. وتضيف أن المنظمة، وبدلاً من أن تعاقب المعتدي على دولة تعتبر من الدول الأعضاء فيها، إذا بها تقف موقف المتفرج، بل تحاول أن تخترع له حججاً تتنافى مع قوانينها، ومع الأهداف التي أنشئت من أجلها، ويعتبر اعتراف أمينها العام مؤخراً بخضوع الأمم المتحدة لضغوط السعودية، دليلاً واضحاً أسقط عن المنظمة مصداقيتها. معتقدة أن هذا بداية النهاية للمنظمة، وعلى دول العالم أن تعيد النظر في وضع هذه المنظمة التي أصبحت تشرعن للجرائم والإرهاب.
ويفيد القعقاع محمد الجنيد، ناشط سياسي، بأن العدوان السعودي الأمريكي على اليمن أظهر الدور الحقيقي الذي تلعبه الأمم المتحدة، وتحول دورها المفترض في الانتصار للإنسانية، ومن مرجعية دولية لإرساء العدل والسلام، إلى أداة طيعة بيد قوى الشر والإجرام، المتمثلة بالصهيونية والأمريكان، وفي تنفيذ أجندتهم وتوفير الغطاء لمشاريعهم، معتبراً أن المنظمة أصبحت شريكة أساسية في تدمير العراق وليبيا وسوريا واليمن.. إعلان المنظمة، إخراج دول العدوان، بما في ذلك السعودية، من القائمة السوداء، ينطق بلا شك أن المال هو من يسير مهام المنظمة ويحدد موقفها، وهو ما يذهب إليه الناشط الحقوقي شفيع ناشر، مؤكداً أن المنظمة فقدت مصداقيتها، واعترفت بأنها تقوم على نظام (رأسمالي)، ولا يمكن بأية حال من الأحوال أن تتجاوز ممولي أنشطتها.
أخيراً، كما هو الحال من (برنامج نزع الأسلحة) الذي في ظله انتشرت الأسلحة بأنواعها في جميع العالم، يبقى الحال مع دورها في اليمن، الذي في ظله تتواصل عمليات الإبادة الجماعية لليمنيين، والتجويع والحصار وصنوف الخراب.
المصدر صحيفة لا / صلاح علي