
كتب عليكم الصيام.. وعليهم أيضاً؟!
شعيـــــرة عالميــــــة
للصومِ مكانةٌ خاصة بين العباداتِ في معظم الأديان، السماوية منها وغير السماوية، فهو يعتبر عبادة تربوية، الغرض منها تطهير النفس، وتهذيب الروح، وإخضاع الجسد، وتختلف طرائق الصيام لدى أكثر من ديانة حول العالم، رغم الاتفاق على أن الهدف يظل واحدًا في جميعِ الدياناتِ كتهذيب الروح والجسد، والابتعادِ عن المنكراتِ، وما يُخل بقدسيةِ الصوم، ومن خلالِ سياقِ الموضوع سيتعرف القارئ الكريم على أساليبَ مختلفةٍ للصوم حول العالم لدياناتٍ مختلفة، وممارسة طقوسه بعاداتٍ قد يكون فيها تجاوز لما عُرف عن الصوم، خاصة لدى المسلمين..
صيام عيد (خدر إلياس)
يقدس (الإيزيديون) الصوم في ديانتهم، بالرغم من كونه أياماً قليلة في السنة، فهناك صيام لمدة ثلاثة أيام يسمى (روزبيت ئيزي)، أي صوم إيزيد، ويكون في منتصف كانون الأول، وتمتد فترة الصيام من شروق الشمس وحتى الغروب، يمتنعون فيها عن تناول الطعام والشراب والتدخين والعلاقة الجنسية، ويحرص الصائم أيضاً على عدم التفوه بكلمات مسيئة، فالهدف من الصيام تطهير النفس.
وهناك أيضاً صيام تطوعي، أشهره صيام عيد (خدر إلياس)، حيث يصوم فيه كل من يحمل هذا الاسم، تكريماً لنبيهم خدر إلياس.
أسلوب حياة صحية
(السيخية) إحدى ديانات الهند، والصيام لدى هذه الديانة ليس فرضاً ولا واجباً بقدر ما هو وسيلة وأسلوب لحياة صحية، فهو ليس بالصيام المعتاد، ولكنه يهدف إلى عدم الإفراط في تناول الطعام، وعدم التجويع أيضاً، أي الوسطية والاعتدال.
الصيام عن تناول لحوم الحيوانات
أما الصيام لدى ديانة (الصابئة المندائية)، فإنه يعتبر الركن الخامس من أركان الدين الصابئي. ويقسم الصيام عند الصابئة المندائية إلى نوعين: الصيام الكبير والصيام الصغير، ويقصد بالصيام الكبير الامتناع عن الكبائر والمحرمات، كالقتل والسرقة والزنا... إلخ.. أما الصيام الصغير فيقصد به الصيام عن الطعام، تحديداً عن تناول لحوم الحيوانات، وهذا النوع من الصيام يكون خلال أيام محددة من كل عام، تصل إلى 36 يوماً. ومن الجدير بالذكر أن صابئة اليوم يحرمون الصوم بحجة أنه تحريم لما أحله الله.
تشابه بين البهائيين والإسلام
يتشابه الصيام في الديانة (البهائية) والإسلام، كثيراً، في كونه مرتبطاً بشهر معين من شهور السنة، وهو الشهر الأخير من السنة البهائية، أي الشهر التاسع عشر، فالرقم 19 مقدس في الديانة البهائية، فالعام يتكون من 19 شهراً، وكذلك الشهر من 19 يوماً. تبدأ فترة الصيام في البهائية أيضاً كما في الإسلام، من شروق الشمس إلى غروبها، وفيها يمتنع الصائم عن الشراب والطعام تماماً.
صيامٌ حتى الموت
الديانة (اليانية) قد تكون مجهولة بالنسبة للكثيرين، بالرغم من أن عدد أتباعها وصل إلى 6 ملايين شخص حول العالم. ويمارس الصوم في اليانية بطريقة غريبة، وربما جنونية، حيث يصوم أتباع هذه الديانة عن الطعام والشراب حتى الموت !
ويخوض غالبية من ينتمون لهذه الديانة، هذه التجربة الجريئة والقوية، رغبةً في تطهير النفس، وإيماناً بتناسخ الأرواح. والمثير للدهشة أن النساء هن الأكثر إقبالاً على هذا النوع من الصيام، بحجة أنهن الأكثر قدرة على التحمل من الرجال.
صيام من الظهر حتى اليوم التالي
(البوذيون) يعتبرون الصيام نوعاً من أنواع تهذيب النفس وتدريبها على حياة الزهد، بالإضافة إلى كونه أسلوب حياة، فمن تعاليم (بوذا) المتبعة في هذا السياق، أن الإفراط في الطعام مضر بصحة الإنسان، وكذلك الامتناع الكامل عنه، والصحة تكمن في الاعتدال والوسطية، ولهذا يصوم الرهبان عن الطعام بداية من الظهر حتى صباح اليوم التالي، بهدف عيش حياة الزهد، والصحة الجيدة التي تساعد على التأمل.
الاستغناء عن المتعِ الدنيوية
تعد (الهندوسية) واحداً من أقدم المعتقدات الهندية، ويدين بها حوالي 80% من سكان الهند، وللصيام لدى (الهندوس) أهمية كبيرة، فغايته تهذيب النفس وتدريبها على الاستغناء عن المتع الدنيوية.
ويختلف موعد الصوم في الهندوسية بحسب كل طائفة والإله الذي تتبعه، فطائفة الإله (فيشنو) تصوم يوم الخميس، وطائفة الإله (شيفا) تصوم يوم الاثنين، وهناك أيضاً صيام 9 أيام في بداية كل فصل من فصول السنة، صيامها فرض على كل الهندوس باختلاف طوائفهم، وفيها يمتنعون عن الطعام والشراب من غروب الشمس وحتى شروق اليوم التالي، بالإضافة إلى صوم نصف كل شهر قمري.
ومن طرق الصيام بين طوائف الهندوسية منهم من يمتنع عن الطعام والشراب تماماً لمدة يومين، ومنهم من يصوم بداية من شروق الشمس حتى الغروب، وهذا النوع من الصيام يكون بالامتناع عن المنتجات الحيوانية فقط، كالصيام في المسيحية.
المسيحية تسمح بتناول الطعام والشراب
يختلف الصيام في (المسيحية) عن صوم المسلمين واليهود، بالرغم من أن الغاية واحدة، وهي التطهر من الذنوب، إلا أن طريقة الصوم مختلفة، حيث يسمح للصائم بالطعام والشراب، شرط الابتعاد عن المنتجات الحيوانية، أي طعام عدا ذلك مسموح به، أما العلاقة الجنسية بين الزوجين فهي لا تفسد الصيام أيضاً.
والصيام في المسيحية يختلف اختلافاً كبيراً بين كل طائفة وأخرى.. فلدى الكنيسة الأرثوذكسية: تبدأ فترة الصيام من الفجر وحتى الغروب، وأيام الصيام عندهم هي: صوم الأربعين يوماً (الصيام الموسوي)، وصيام الأسبوع العظيم، وصيام المهد، والصوم الكبير وهو يسبق عيد القيامة، وصوم عيد الميلاد، وصوم السيدة العذراء، وصوم يونان، وصوم الرسل الذي يسبق عيد الرسل. بينما الكنيسة الكاثوليكية تعتبر من أكثر الطوائف المسيحية إقبالاً على الصيام، وتصوم عدة أيام على مدى السنة، كالصوم الكبير السابق لعيد الفصح، وصيام الجمعة والسبت، وصوم الأزمنة الأربعة، وصوم البارامون أيضاً الذي يسبق عيد الميلاد، هذه المناسبات التي يصوم فيها المسيحيون التابعون للكنيسة اللاتينية. ومن الجدير بالذكر أن هناك عدة اختلافات بينها وبين الكنيسة الكاثوليكية الشرقية في قواعد الصوم..
أما (الكنيسة الإنجيلية) فإنها تعترف بوجود الصيام في كافة الأديان السماوية وغير السماوية، ولكنها تعتبره نوعاً من أنواع التعبد السري الذي يهدف لإصلاح العلاقة مع الله، فالهدف منه ليس اتباعاً للإنجيل، بقدر ما هو عبادة بين العبد وربه، هدفها توثيق العلاقة بالله. وصيام الكنيسة الإنجيلية يشبه صيام المسلمين، ويكون بالانقطاع عن الطعام والشراب والشهوات.
تحريم الاستحمام
الصوم في الديانة (اليهودية) له مكانة قوية، وهو يشبه الصيام في الإسلام، بالامتناع عن الجنس والطعام والشراب وكل سيئ من قول أو فعل، أضف إلى ذلك تحريمهم الاستحمام وانتعال الأحذية الجلدية أثناء الصيام..!
هناك نوعان من الصيام في اليهودية: صيام فردي، وهو صيام الفرد للتكفير عن خطيئة أو ذنب ارتكبه، وصيام جماعي، وفيه يصوم اليهود جميعاً عند وقوع كارثة عامة، كهزيمة في حرب أو دمار محصول أو أي بلاء عام.
ويندرج هذان النوعان تحت ثلاثة تصنيفات للصيام في اليهودية؛ الصوم الفرض كصوم يوم الغفران، وصوم يوم هدم الهيكل، والصيام التطوعي كصيام يومي الاثنين والأربعاء، وأخيراً صوم الحاخامات.

التطهر من الذنوب..
ويظلُّ الدين الإسلامي خاتمة الأديان جميعاً، الذي عمل على توازن الحياة في كل شيء...
والصيام في الإسلام ركن أساسي من الأركان الخمسة، وموعده شهر رمضان من كل عام، وصيامه واجب على كل مسلم بالغ، وتبدأ فترة الصيام من الفجر إلى الغروب، حيث يمتنع الصائم عن الطعام والشراب والعلاقة الجنسية بين الزوجين، وعن كل فعل سيئ أو قول بذيء، فالصوم في الإسلام غايته التطهر من الذنوب، والتجرد عن كافةِ الشهوات، هذا بجانب الصيام التطوعي، وهو أيام متفرقة من السنة.
صيام غاندي..
وللبطل السياسي العالمي الهندي (المهاتما غاندي)، حكاية شهيرة مع الصيام.. فلما وجد غاندي ما لصومه من أثر عميق في نفوس الهنود، أدرك بفطرته النفاذة، وفهمه السليم لروح شعبه، أنه يمكن أن يتخذ من الصوم ذريعة روحية مفيدة، يخدم بها أغراضه الإصلاحية من تقويم أخلاق قومه، وإصلاح حياتهم المادية والاجتماعية، وترقية مستواهم السياسي؛ كما أدرك أن قوة مفعول الصوم في نفوس الهنود سببها أنهم قوم لا يرهبون إلا قوة الروح، ولا يخضعون إلا لسلطان الدين، فتعمد مخاطبتهم باللغة التي يجيدون معرفتها ويصدعون إليها. فاستعان بالصوم لخدمة مصالحهم، لأنه يعبر عن قوة دينية، وعن مظهر من مظاهر القدرة على تحمل الآلام ومقاساة الجوع، فضلاً عن أنه وسيلة من وسائل تطهير الروح، فسهل عليه السيطرة به على قومه، ونجح في استخدامه إلى أبعد حد، بحيث أصبح الصوم أمضى سلاح سياسي يعتمد عليه غاندي بصفته الشخصية، للقضاء على الاضطرابات والقلاقل التي كثيراً ما تحدث في الهند، ولتهدئة ثورات النفوس الهائجة حتى يشملها الحب والوئام، أو لتفادي ما تتعرض له من أزمات سياسية، وما يهددها من كوارث اجتماعية.
ويرجع توفيق غاندي في استخدام هذا السلاح الديني في السياسة، إلى أسباب أهمها فهم غاندي العميق لمزاج شعبه الروحي، ومعاملته بالأسلوب الوحيد الذي يصدع له دائماً، وكذلك حساسية غاندي وصدقها في تلمس خطايا الشعب الحقيقية.
المصدر بشرى الغيلي/ لا ميديا