التداوي من الأزمة بأزمة
(هادي) في عيون ضحاياه

بعد أن أثبت فشله الذريع في قيادةِ شعبه، وإخراجه من الأزمات، أغرق المركب بمن فيه، وأباح دماء شعبه، دمر بنيته التحتية، ولم يكترث لحصاره لأكثر من عام، بل في عُمقِ القصف وشدته ارتفع صوته (لمقاتلات العدوان): دمروا.. اقصفوا..
لم يكترث لدموعِ الثكالى، ورعب الأطفالِ والنساء.. ولم يرحم عجز الشيوخ، وأنين الجرحى، والمكلومين.
لم يهمه أمر من شُردوا من قراهم، ومدنهم، وسوِّيت بيوتهم بالأرض، وباتوا في العراءِ يبحثون عن كِسرةِ خبزٍ، وقطرةِ ماء.. 
ولم يعنه من نزحوا خارج وطنهم، وباتوا مشردين في دولِ القرنِ الأفريقي، وأُذلوا بعد أن كانوا كرامًا في بلدهم..
كل ذلك وأكثر فعله (هادي) بأبناء شعبه، ولا زالت (دول العدوان) تستخدمه كورقةِ ضغطٍ على الوطن الجريح، ليكون جزءًا من الحل السياسي في اليمن.
صحيفة (لا) وضعت تساؤلاتها على مجموعةٍ من الإعلاميين، والمثقفين، والمؤثرين في الرأي العام، وطرحت عليهم: هل سيتقبل الشارع السياسي والمواطن المتعب، بعودةِ (هادي)؟ وهل عودته جزء من الحل أو مجرد ترحيل أزمة؟
غير مُرحب به وغير مقبول
الأستاذ يحيى محمد جحاف ـ باحث تاريخي ـ يؤكد أن (هادي) حصل على تأييدٍ محلي وعربي ودولي، ودعم مالي وعسكري لم يحصل عليه رئيس من قبله، ورغم ذلك لم يستطع أن يحقق أي شيء يذكر.
ويضيف: وهذا في اعتقادي يعود إلى قدراته المحدودة.. أصبحت معظم المحافظات الجنوبية تحت سلطة الجماعات الإرهابية، حتى مسقط رأسه محافظة أبين، بما في ذلك قريته، غير قادر على دخولها أو تأمينها.. فالجيش والمقاومة الشعبية والقوى الدولية المحتلة للجنوب والمرتزقة الذين جلبوهم من العالم، والتي يشار إلى أنها موالية له، هي في الأساس موالية لحزب التجمع اليمني للإصلاح واللواء الركن علي محسن الأحمر.
ويستطرد جحاف: معظم القيادات التي يعينها مقتصرة على أبناء منطقته، أو محاصصة مع هذه القوى الفاعلة في المحافظات الجنوبية, ومع ذلك هي غير موالية له، بما فيها التعيينات الأخيرة. شرعيته الدستورية المشكوك فيها ازدادت ضعفاً بإقالة الكثير من أعضاء حكومة التوافق المشكلة في صنعاء، واستبدالهم بآخرين ولاؤهم لجهات متعددة.
ويختم جحاف: إذن، كل المعطيات تؤكد أن الحكومة في الرياض غير شرعية، ولا تتمتع بقاعدة ووجود على الأرض، وضعه في الجنوب لا يحسد عليه، فكيف سيكون في الشمال, فقد أصبح أسوأ بعد هروبه إليه ومنه، بل تركه مستباحاً ومرتهناً للخارج يقوم بتدميره، فكيف سيكون وضعه في الشمال؟! فهو لم يستطع حتى الآن ترميم مدرسة وتأمين شارع! فكيف بالأشياء الأخرى، والوسائل التي كانت قائمة من تلفزيون وإذاعة ووسائل إعلامية, إذن سيكون وضعه في الشمال لا يحسد عليه، خصوصاً بعد تعيينه لعلي محسن الأحمر نائباً له، لقد سلم (هادي) مقاليد السلطة فعلياً للأحمر, وكأن ذلك يشير إلى أنه يدرك أن عودته إلى صنعاء أمر مستحيل، وأن دول الخليج توصلت إلى قناعة بأن هادي غير مفيد لها، رغم ما قدمته له من دعم مالي كبير وعسكري وسياسي أكبر, وسيتم الإبقاء عليه لفترة محدودة فقط، ومن هذا المنطلق سيكون هادي غير مقبول، وغير مرحب به في الشمال، ولا في الجنوب، وأن الحل لا يكون إلاّ بحكومة توافقية أو كفاءات من جميع التيارات الوطنية دون استثناء، وهي الأقرب إلى القبول والمنطق والعقل.
سينقسم الشارع لعدة انقسامات
ويتوقع عبدالرحيم السعيدي ـ شاعرـ أن الشارع سينقسم حول عودة هادي، كما انقسم حول الفتن القائمة، إنما الفرق هنا هو أن الرافضين لعودته سيتمسكون بقرار الرفض بشدة، على عكس المؤيدين لعودته، فقد يرحبون بعدم عودته رئيساً في حال اتفق السياسيون على ذلك، فهم لايرون فيه الرجل المنقذ الذي يستحق الوقوف بقوة من أجل عودته.
وعن الشارع السياسي يقول السعيدي: أما السياسيون فليست قراراتهم مستقلة، هذا ما أثق به، فمسألة بهذا الحجم لن يكون لها أي صدى أو تأثير إلا ما يريده هؤلاء الساسة من خلف الكواليس.
ويختم السعيدي عن ردة فعل الشارع المتعب: أما في حال عودته فلا أراه بأكثر من تخفيف أزمة أو أخذ نفس بعيداً عن الحرب، لأن الشخص من وجهة نظري هزيل الشخصية، وسرعان ما تتلاطم في صابريه الأمواج كما كان حاصلاً ومازال، لذا فإن عودته ستضر أكثر بكثير مما تنفع.

عودته تعني تفجير أزمات أخرى
فيما يعتقد جمال الغراب ـ كاتب صحفي، ورئيس موقع (الفجر الجديد) ـ أن اليمنيين لم يعد خافياً عليهم أن (هادي) سبب كل ما لحق باليمن من مشاكل وحروب وضياع للدولة، ويؤكد أن اليمنيين أرجعوا سبب ذلك لضعف شخصيته، وعدم قدرته على إدارة المرحلة بالشكل الذي ينبغي، ما يجعل غالبيتهم يرفضون عودته، معتبرين أنها ستشكل أزمة يمنية أخرى تحتاج لتدخل أممي آخر.
ويضيف الغراب: لذلك فعودته ستكون تعميقاً للحرب والتفرقة، وتمزيقاً للنسيج الاجتماعي اليمني، وهو ما تريده دول الخليج التي وجدت ضالتها بهذا الرجل لتحقيق أهدافها في اليمن.
ويختم الغراب متشائماً: لا عودة ولا ترحيل أزمة، عودته تعني تفجير أزمات أخرى، عودته تعني استفحال وتفاقم الأزمة الحالية، عودته تعني القضاء على اليمن كلياً .

جزء من الحل
فيما يختلف مع الآراء السابقة عبدالعزيز البدوي ـ إعلامي ـ ويقول: إن الواقع يفرض ضرورة عودته رفقة بقية المكونات التابعة له، كونهم جزءاً من الشعب، ولديهم قاعدة شعبية مؤيدة لهم، مستدركاً: لكن هذا لا يعني عودته كرئيس.
ويضيف البدوي: بعودته إلى جانب القوى السياسية المؤيدة له، ستكون هناك أرضية مناسبة للحل وانتهاء الحرب، فهادي وكل من فروا إلى الرياض هم جزء من هذا الشعب أيضاً. ويختم: بالتأكيد عودته جزء من الحل مهما كانت الأسباب.

مجرد بيدق بيد أُمراء النفط
أحمد عوضة ـ كاتب صحفي ـ بعكس الرأي السابق يرد بالقول: يخطئ من يعتقد أن عودة (هادي) هي محك الإشكال، فهادي ليس أكثر من بيدق بيد أمراء النفط، يخولهم الغطاء المشروع لفعل ما تواصوا عليه, وبيتوا النية لأجله، خصوصاً أن فرار هادي إلى الخليج كان فرصة تاريخية لن تتكرر، وبالتالي فإن بقاءه في السعودية يعطيها صك البراءة أمام المجتمع الدولي، ويقدمها للعالم في دور المنافح عن رئيسٍ أُخرِجَ من دياره وسلطانه.
ويختم عوضة: بصرف النظر عن كون (هادي) خائناً, ربما يحق لعاقلٍ أن يتساءل ما المانع من عودةِ الرجل إلى البلاد ما دامت عودته تقطع دابر الذرائع في الاستمرار بالحرب التي يتجرع ويلاتها المواطن الغلبان, الذي باتت غاية همه رغيفاً يمد في عمره إلى ساعة الأجل!

لم يكن بقدر طموحاتِ الشعب
أماني علوان ـ مذيعة تلفزيونية ـ تقول: باعتقادي لن يقبل الشارع عودة هادي, لأنه لم يكن بقدر طموحات الشعب. مضيفة: هادي للأسف لم يستوعب أنه رئيس لكل اليمنيين، أخفق في سياسته، ولم يستطع قيادة البلد.. قرارات خاطئة ومخيبة لآمال اليمنيين؛ من خلال الشخصيات التي يختارها، وليس لديه سياسة واضحة.
وتختم علوان: وبالتالي الشعب فقد الثقة به، وأصبحوا لا يعولون عليه أبداً، لا في وقت السلم، ولا في وقت الحرب. وهو يعرف تماماً أنه لن يرجع بسبب الكوارث التي تسبب بها، لذا رحيله سيكون جزءاً من الحل، ويجب عليه أن يقدم تنازلاً ويرحل، لأن رحيله جزء من الحل.

الاتجاه نحو مستقبل مظلم
الوضع الذي يعيشه البلد لم يعد يحتمل أكثر مما هو عليه، فالتراكمات الاقتصادية أصبحت بالنسبة للمواطن اليمني عبئاً كبيراً لا يُطاق.. بهذه الكلمات بدأ رأيه صدام المثيل ـ محرر صحفي ـ مضيفاً: وحرب ضروس التهمت كل شيء، في انتظار أية مفاوضات تخرج بالبلد إلى دائرة السلام أياً كانت نتائجها.. وعن الشارع السياسي يقول المثيل: عودة الرئيس (هادي) إلى المشهد السياسي اليمني من جديد، دون الولوج إلى اتفاقيات وحلول وبناء أرضية صلبة لمرحلة قادمة تحدد مصير الدولة، وضمانات استقرار الوضع السياسي والأمني والاقتصادي، سيعني ذلك الاتجاه نحو مستقبل مظلم مجهول ومخيف، والدخول بالبلد نحو مزيد من تغذية الصراعات والاقتتال الداخلي، ولا يستبعد أن يتطور الوضع إلى تجاوز الحدود الجغرافية اليمنية، وتصبح ساحة صراع إقليمية. 
ويخلص المثيل إلى القول: إن الطرفين وصلا إلى مرحلة انعدام الثقة بينهما، ولكن ما ينبغي هو أن يكون على المتصارعين تقديم التنازلات التي تساعد على انتشال الحالة المأساوية والإنسانية التي يعيشها البلد، وتعزيز الوحدة السياسية، ومعالجة كل القضايا الحساسة، حتى لا نظل ندور في قوقعة حواراتية مستمرة أو حلقة مفرغة .

(التحالف) لا يريد الشعور بانكساره أمام العالم
ويختم هذه الرزنامة من الآراء عُمر الورفي ـ مذيع تلفزيوني ـ قائلاً: لا أعتقد أن هناك يمنياً يقدس وطنه، ويحب أهله، سيقبل بعودة شخص بسببه أصبح اليمن غير سعيد.. قتلنا العالم ودمر بلدنا بــ(هادي).. يجب ألا يعود أحد من السياسيين السابقين للحراك السياسي، فهم غير جديرين له.. انفراج الأزمة بحاجة لعقول تقدس الوطن، لا لقطيع من الذئاب.
ويضيف الورفي: أعداء اليمن أباطرة في الإجرام، لا يريدون الانكسار أمام العالم، لذلك يحاولون إعادة هادي ليظهروا للعالم أنهم انتصروا.. ولكن حقيقة الأمر من وجهة نظري أن هادي فاشل، وعودته ليست مجدية لليمن، قد يكون لها فائدة في تقدم الحل السياسي عبر وسائل الإعلام، أما في الواقع فليست حلاً، فهو مرتبط باتساع رقعة الصراعات داخل اليمن.