تعدد ولاءات المرتزقة تفتح قنوات لنفوذ خليجي متعدد في اليمن
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / عبدالقادر حسين

هادي سعودياً , بحاح إماراتياً , المخلافي قطرياً
تعدد ولاءات المرتزقة تفتح قنوات لنفوذ خليجي متعدد في اليمن
بتعدد أطراف العدوان ينتج صراع في صفوف العدو نفسه، الأمر الذي يجعل تزمين مشاورات الكويت مرهوناً بمخاض صراعات وفد الرياض، فبالرغم من اشتراكها في العدوان على الشعب اليمني، إلا أن خلافات سياسية بين (الرياض) و(أبوظبي) تتعاظم، وتبرز (الدوحة) طرفاً ثالثاً في هذا الصراع المحموم، وتقوم هذه الأطراف بتصدير خلافاتها، وتعمل على حرف مسار المشاورات السياسية المنعقدة في الكويت، من كونها مخصصة لحل نزاع الأطراف اليمنية، إلى تحويلها ساحة مناورة لأطراف العدوان أنفسهم.
لقد فشلت دول العدوان في محاولتها اختراق الصف الوطني، وإحداث انشقاق بين أنصار الله و المؤتمر، عبر مرتزقتها، للفت النظر عن خلافاتها التي طفت على السطح في المشاورات الكويتية، وحسم معركة تقاسم التمثيل في اليمن بعيداً عن أنظار الوفد الوطني، مما يخفف على الوفد الوطني عبء تقديم التنازلات في سبيل إنجاح المشاورات، إذ إن أوراق الوفد الوطني تضاعفت، بزيادة ورقة الصراع البيني في صفوف العدو على الورقة الميدانية، وإحكام السيطرة على الأرض.. وفي الأثناء التي تشير مشاورات الكويت إلى التوصل لاتفاق يتضمن عزل علي محسن الأحمر من منصب نائب الرئيس، وبقاء هادي رئيساً منزوع الصلاحيات لمدة شهر ونصف، على أن تنتقل صلاحياته إلى نائب جديد يتم التوافق عليه؛ تحتدم الصراعات الداخلية بين الأطراف الخليجية، خصوصاً مع الوصول إلى مرحلة تحديد المناصب، وتتنافس بأوراق ضغط مناطقية داخل وفد الرياض.
وفيما تتخذ الكويت وسلطنة عمان موقفاً داعماً لمسار المشاورات بين الأطراف اليمنية، تدخل الدوحة كطرف ثالث في العراك المحموم بين الإمارات والسعودية اللتين تتخذان من وفد الرياض ساحة للعراك على الرغم من كون جميع الأطراف المتصارعة تنضوي تحت المظلة الأمريكية الراعية للعدوان على الشعب اليمني.
عقب لقاء هامشي جمع أمير قطر بهادي، بحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أفضى إلى إعادة وفد الرياض إلى المشاورات، بعد تعليق مشاركته لستة أيام، دون الكشف عن أي تفاصيل بشأن الدور القطري، ونوعية الضغوط والمغريات المقدمة لهادي ووفده، ضجت وسائل إعلامية قطرية وسعودية بالدور القطري، في محاولة لإيجاد أوراق ضغط سياسية تعيد قطر كلاعب مهم في واحدة من القضايا الرئيسة في المنطقة.
وبالرغم من صعوبة إدخال الدوحة- التي احتضنت ومولت جماعة الإخوان في اليمن - ضمن دائرة الفاعلين الرئيسيين في تسيير وفد الرياض الموالي للعدوان، لاسيما مع بروز الإمارات - المعادية للإخوان - كفاعل مؤثر، وتستمد تأثيرها من بسط سيطرتها على أغلب المناطق اليمنية الواقعة تحت سلطة الاحتلال، فقد تم اختيار قطر للعب دور الوسيط المنقذ الذي دخل بصورة مفاجئة وغير متوقعة لإنقاذ المشاورات في أصعب أوقاتها، رغم محدودية ووقتية ذلك الدور.
ولإضفاء أهمية للدور القطري في المشاورات، جرى تمثيله عبر تدخل أميرها بشكل مباشر، وليس عبر وزير خارجيتها، كما يفترض في مثل هذه الحالات، وتمت ممارسة الضغط على هادي كورقة أكثر حظوة من وزير خارجيته عبدالملك المخلافي، وبحضور وتنسيق مع أرفع مسؤول أممي (بان كي مون)، وليس مع إسماعيل ولد الشيخ أحمد.. وبات المخلافي عدواً لهادي، إذ أفادت مصادر خاصة لـ(لا)، أن هادي أوعز لأمين عام الأمم المتحدة بأن المخلافي غير مرغوب به، مما يشير إلى أن (الشرعية المزعومة) التي تصدرت الواجهة منذ بدء العدوان، لم تعد ذات قيمة وازنة، خصوصاً مع الاقتراب من الحل السياسي، وظهور الأطماع الحقيقية لدول العدوان التي يعتبر (هادي، المخلافي، بن دغر، ومحسن) وكلاء لمصالحها، تناور بهم على طاولات الكويت، وترمي بثقل المجازر والدمار الذي خلفه العدوان عليهم، في محاولة للتنصل من مسؤولية الدول المعتدية والدول الداعمة بارتكابها جرائم الحرب والجرائم المعادية للإنسانية، بحسبما أفاد البيان الأخير الصادر عن تحالف العدوان، بأن الأهداف التي تم قصفها على امتداد 14 شهراً من العدوان، كانت تتم بناء على إحداثيات مقدمة من (حكومة هادي).
وبذلك تُنهي دول العدوان تعاقدها مع عملائها، وتعتبرهم قفازات منتهية الصلاحية، لكن ثمة تغيراً في استراتيجية تعاملها مع عملائها في المشاورات الكويتية، خصوصاً أنها لاتزال تستخدمهم لإنهاء صراعاتها الداخلية، إذ إن المصالح الشخصية وتنافس الأشخاص المؤيدين للعدوان للحصول على المناصب والتقاسم السياسي، يلتقي مع مصالح دول العدوان في هذه المرحلة.
إلى ذلك، فقد كانت الزيارة الأخيرة لأمير قطر إلى الإمارات، في آذار الفائت، كشفت أن ثمة تقارباً قطرياً إماراتياً يكسر حالة الخلافات التي خيمت لفترة طويلة بين البلدين، في ملفات عميقة، لكن ذلك التقارب جاء في إطار ما تقوده السعودية في تقريب الأطراف الخليجية، ولعل الدور القطري الأخير الذي احتفى به الإعلام السعودي، يفصح بأن السعودية استعانت بقطر لمناصرتها في الصراع مع الإمارات التي تتمتع بأوراق ضغط ميدانية في الجنوب اليمني.
فلم تكتفِ أبوظبي بإعادة سيطرتها على ميناء عدن، وقد أضيف لها جزيرة سقطرى كثمن لمشاركتها في العدوان، بل تتفتح شهيتها، وتسعى لتقليص التواجد السعودي في محافظة حضرموت، باعتبارها من أهم المحافظات التي تروم السعودية السيطرة عليها، حيث تسعى للاستحواذ على حقل (واعد) النفطي الممتد من محافظة الجوف في اليمن، وحتى صحراء الربع الخالي، ويقع في معظمه ضمن الأراضي اليمنية، لتتمكن من زيادة إنتاجها النفطي، بالإضافة إلى تأمين تصدير نفطها عبر بحر العرب، بدلاً من مضيق هرمز على الخليج الفارسي، وذلك يعد من أبرز المطامع السعودية في اليمن، وتتصدر قائمة دوافع العدوان على الشعب اليمني.
فمنذ تسليم نظام بني سعود حضرموت للقاعدة في بداية العدوان لضمان السيطرة عليها، سارعت الإمارات إلى إنشاء ثلاثة معسكرات فيها في الوادي وهضبة حضرموت، في ثلاث مناطق هي عبوة والخايرة وثومة، وبدورها ردت السعودية بتمكين عناصر القاعدة وداعش من عدد من المؤسسات الحكومية في عدن، وشراء ولاءات بعض قيادات ما يسمى المقاومة، كما عملت مع مليشيات الإصلاح للسيطرة على الميدان لصالح بني سعود في عدن، حتى تطورت الخلافات، ووصلت للمواجهات المسلحة بين عملاء الدولتين، وسعت كلا الدولتين لتصفية عملاء الأخرى بالضربات الجوية، كما حدث في أبين ولحج والعند، وآخرها في الوازعية بتعز، لتنعكس سياسياً بخلافات واسعة.
وعلى الرغم من أن كلا النظامين يعملان كأدوات للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن سعيهما خلال فترة العدوان على اليمن، إلى التقارب المعلن مع الكيان الصهيوني، ويشتد التنافس بتناولات مستقلة في مسألة العدوان على الشعب اليمني، حتى امتد صراع النظامين إلى القرن الأفريقي، فمنذ علمت الإمارات بمخطط السعودية الذي يقضي بربط اليمن بجيبوتي عبر الجسر البحري، سارعت إلى استئجار ميناء عصب الجيبوتي لمدة 30 عاماً، ولتقويض السعي الإماراتي، عملت السعودية، إبان فترة العدوان، على إلغاء هذه الاتفاقية، وكسب جيبوتي لصفها، والإعلان عن بناء قاعدة عسكرية هناك، ما أدى إلى نشوب أزمة بين جيبوتي والإمارات، على إثرها تم سحب القنصل الإماراتي من جيبوتي، وقامت الإمارات بإرسال ثلاث سفن حربية إلى إريتريا، واستقدام مرتزقة منها إلى عدن.
ولعل ذلك الصراع يعود لأسباب عديدة، أهمها أن الإمارات تبدو منزعجة من الأبوية التي تمارسها السعودية في الخليج، ومساعي الأخيرة إلى تقاسم زعامة (العرب السنة) مع تركيا، حيث تجد الإمارات نفسها جديرة بلعب هذا الدور بدلاً من تركيا التي تسعى لإحياء (الخلافة العثمانية)، حسب تصريح أدلى به وزير الشؤون الخارجية الإماراتي، وذلك يأتي في إطار تخليق كانتونات مجزأة في الوطن العربي، خدمة لمصالح العدو الأمريكي.
ومع استمرار الصراع بين الطرفين في المحافظات الجنوبية، وتوجه قوات الاحتلال نحو محافظة مأرب شرق العاصمة صنعاء، أدرك الإماراتيون أنهم وقعوا في الفخ بخوض معارك مأرب لصالح السعودية، لذلك لجأوا إلى تعزيز تواجدهم في عدن، وأوكلوا إلى (بحاح) مهمة تقطيع أوصال الفصائل المحسوبة على السعودية من المراكز القيادية في المحافظة، وتسليم بعض المعسكرات للمقربين من الإمارات.
لقد مضى ما يزيد عن شهر من عمر المشاورات اليمنية في الكويت، ليكون نتاج هذه الأيام هو تحييد هادي وعلي محسن من المشهد السياسي، لينتقل صراع الأطراف الخليجية إلى تعيين نائب له ورئيس للحكومة الجديدة الناتجة عن مخاض هذه المحادثات، وبتحييد هادي ومحسن تكون قطر والسعودية قد خسرتا ورقة هامة في الوفد الموالي للعدوان، بينما ازدادت حظوظ الإمارات فيه.
قبيل انعقاد المشاورات الكويتية، حاول هادي الحفاظ على تماسك وفد الرياض بإقالة بحاح من منصبيه، وتعيين علي محسن الأحمر نائباً له، وأحمد عبيد بن دغر رئيساً للوزراء، الأمر الذي دفع بوزير الشؤون الخارجية الإماراتي للاعتراض، ووصف ذلك القرار بأنه انفرادي، معتبراً إياه بأنه يأتي في خدمة أشخاص، لا موقع اليمن في المحيط الخليجي. وجاء موقف الوزير الإماراتي عقب أن أصدر بحاح بياناً رفض فيه القرارات التي أصدرها هادي، بعد إبلاغ الإمارات السلطات اليمنية رسمياً احتجاجها على عدم قيام هادي بمشاورتها في اتخاذ القرار.
وقتها شعرت الإمارات بخيبة الأمل لعدم قدرتها على السيطرة على هادي، بعد سجالات حادة بين الطرفين، على إثر رفض هادي طلب أبوظبي عدم زيارة تركيا في وقت سابق، وكذلك تعيينه علي محسن، الذي تقول الإمارات إنه ينتمي إلى الإخوان المسلمين، نائباً له، بالإضافة إلى عدم تجاوبه مع مطالبها بإبعاد الإخوان المسلمين من كافة المناصب، بعد أن نفذ لهم طلب تعيين الزبيدي كمحافظ لعدن بدلاً عن نائف البكري، وشلال شائع مديراً للأمن.
لكنها - كما يبدو - استطاعت إدارة عملاء العدوان باستخدام النزعة المناطقية، فبحاح الذي ينتمي لمحافظة حضرموت التي تنوي السعودية إنشاء مدينة النور فيها، لتكون ممراً برياً لنفطها إلى بحر العرب، وربطها بمدينة النور التي ستنشئها في جيبوتي، عبر جسر يربط البلدين، والبسط على ما يسمى بحر النفط الذي يقع في الجوف، ويمتد إلى الربع الخالي، استطاعت الإمارات تجنيده لصالحها، كما أن تعيين بن دغر الذي ينتمي للجغرافيا ذاتها، لا يعد مضموناً بالنسبة للسعودية، إذ تفيد معلومات بأن مساعي الإمارات في هذا الجانب حثيثة، وتغدق أموالاً طائلة لعملاء العدوان.
أما بالنسبة لعبدالملك المخلافي، فهو ينتمي لمحافظة تعز، وتعيينه رئيساً لوفد الرياض يعتبر خدمة للإمارات، لاسيما أنه أمين عام أسبق للتنظيم الناصري، ولا ينتمي لجماعة الإخوان، بالرغم من كون قائد عصابات المرتزقة في تعز هو حمود المخلافي، ويعد واحداً من رموز الإخوان الذين هاجمهم الإماراتيون.
الصراع داخل أطراف العدوان على أشده، وتستخدم العملاء كقفازات لتواري تعدد المصالح والأهداف التي جمعت هذه الدول في العدوان على اليمن، وهنا تبدو الكرة في ملعب الوفد الوطني، إذ إن الخلافات في صفوف العدو فرصة سانحة لتحقيق مكاسب وطنية على الصعيدين العسكري والسياسي.
المصدر صحيفة لا / عبدالقادر حسين