أُسر فقدت من يعيلها وباتت مشردة بلا مأوى
- تم النشر بواسطة بشرى الغيلي/ لا ميديا

سيستقبلون رمضان (بنصف ابتسامة)... وقلوبٍ مكلومة
أُسر فقدت من يعيلها وباتت مشردة بلا مأوى
بتنا قاب (قوسين) أو أدنى من إطلالة الشهر الكريم، وبات الجميع يستعد لاستقباله رغم الوضع الاقتصادي المتدهور، واستمرار العدوان الغاشم على البلد، والحصار الذي له أكثر من عام، وبين ظهرانينا أسر ستستقبل الشهر الكريم وقد فقدت عائلها، ومسكنها، وباتت مشردة بلا مأوىً، بعد أن كانوا أعزةً كراماً.
هؤلاء استقبالهم الشهر الكريم سينكأ جراحهم التي لم تندمل بعد، لأنهم سيستقبلونه بدموعهم الحرّى، وأوجاعهم التي خلفها القصف العدواني لبيوتهم، وأملاكهم، ومن كانوا يعيلونهم ويشعرونهم بالحياة.
صحيفة (لا) زارت نماذج من أولئك، والتقت البعض منهم في أماكن عامة، فعبّروا عن مشاعرهم وأوجاعهم عبر هذه المساحة المتاحة، علَّ أصواتهم تصل إلى الرأي العام العالمي..
بتنا بلا منزل
أم عماد ـ نازحة من صعدة، وجدتها على رصيف أحد شوارع العاصمة، وهي تنتظرُ خروج ابنها الوحيد عماد الذي ألحقته بإحدى مدارس الأمانة، ليواصل دراسته كنازح، والذي نجا من القصف بعد أن فقدت أفراد أسرتها كاملة ومنزلهم الذي بات أثراً بعد عين، قالت والعبرة تخنقها: كنّا في بيوتنا آمنين، وبتنا مشردين، لا أهل ولا معيل، حياتنا أصبحت أشبه بالجحيم.
وعن كيفية استقبال رمضان، في ظل هذه الظروف المأساوية، أضافت أم عماد: سيكون صعباً وموجعاً، لكنه بكل الأحوال سيحل علينا ضيفاً كريماً لا ذنب له في ما نحن فيه. واستطردت: وجعي سيكون أكثر لأني بتُّ وحيدة إلا من ابني هذا ـ وهي تشير إلى (عماد) - الذي بقي لي من كل شيء، والوضع سيزداد ألماً ووجعاً لأننا أصبحنا مشردين بعد أن كنّا مكرمين ببيوتنا وأملاكنا. وختمت بدمعةٍ انزلقت على برقعها الأسود، وهي تدعو الله بحرارةٍ على تحالف العدوان الذين تسببوا بكل هذه الحرب: الله ينتقم منهم، ويرينا فيهم عجائب قدرته.
الطالبة التي تنبأتْ برحيلها
وأثناء نزولي للميدان وجمع المعلومات لتحرير المادة، كنّا على متن باصٍ يمرُّ على خط (حدة ـ الجامعة)، وإذا بي أرى (الخالة) الجالسة بجواري على نفس المقعد، ترفع يدها وتشير إلى بنايةٍ في الطابق الرابع الذي قصفته طائرات الحقد، وبقي جزء منه، وهي تقول: هذا منزل بنت أختي (سناء البدوي) التي فارقت الحياة بصاروخٍ عشية استعدادها لخوض امتحانات شهادة المرحلة الأساسية. وهنا وجدتها فرصة لأخذ المعلومات منها... فقلت لها: (سناء) باتت حديث الرأي العام، ومن لم يطلع على محادثات (سناء) عبر (واتسآب) وهي تتنبأ برحيلها.. حدثيني عنها، من بقي من عائلتها؟
قالت: كل عائلتها بخير ما عدا (سناء) هي الوحيدة التي فارقت الحياة، وكانت تشعر بذلك الإحساس قبل أيامٍ من وفاتها، وعشية رحيلها حادثت ابنتي (ملوك) التي نشرت رسائلها عبر (واتس)، وهي تقول لها: سامحيني، وأخبري بقية البنات أن يسامحنني، إنني أشعر بدنو الأجل، معللةً ذلك أن منزلهم أمام مقر (قوات الأمن الخاصة)، وكان تنبئها وإحساسها في محله..
رمضان بنكهة الحزن عند عائلة (سناء)
وعن كيفية وضع والدة (سناء)، التي هي شقيقة المتحدثة، قالت: سيأتي رمضان وأقلام، ودفاتر، وكتب سناء، وخزانة ملابسها، عليها مسحة حزنٍ، وألم الفقد.. وتزيد من تأجيج مشاعر والدتها التي تبكيها ليل نهار، كون رحيلها كان له الوقع الأكبر، حيث سبق ذلك إحساسها بوفاتها، وكونها كانت بمفردها في الصالة الداخلية تذاكر عشية الامتحان، بينما بقية أفراد أسرتها كانوا في صالة التلفزيون، مما ضاعف الوجع لأخت (المتحدثة) بجواري على متن الباص، وأضافت وهي تمسح دمعها بطرفي كُم (البالطو): الله يرحم (سناء)، وينتقم ممن جلبوا لنا الحرب الظالمة.
ليتني رحلت معهم
سمر، ابنة الـ13 ربيعاً، هي من تبقّى من أسرةٍ بكاملها أثناء قصف جبل (عطان) بالقنبلة (العنقودية) السيئة الذكر، توجهتُ بأوراقي إلى تلك الطفلة بعد أن دلتني إحدى الزميلات عليها، وكانت شبه شاردة باتت لا تعي ما حولها، كون صدمتها كانت قوية، فقبل القصف كانت (سمر) عند (جدتها) التي يبعد بيتها بضعة أمتارٍ عن منزلهم، قالت: لم أكن أعلم أنني سأخسر كل عائلتي، وإلا بقيتُ معهم، لا أن أواجه الحياة بمفردي. استطردت سمر بنبرة حزنٍ موجعة: كل عائلتي المكونة من ثلاثة إخوتي ولدين وبنت، ووالدي، ووالدتي، ومنزلنا الذي سوِّي بالأرض، لم يعد لديَّ شيء أهتم له في هذه الحياة، حتى رمضان، الذي كنّا نستعدُّ لاستقباله، ليس عندي له سوى دموعي التي أعبّر بها عن وجعي، الحرب لم تترك لي أحداً من عائلتي، أخذت كل شيء... كل شيء. كانت حالتها صعبة، وكان صعباً إتمام الحديث معها.
هذا غيض من فيض قصص كثيرة، خلفها العدوان الهمجي على وطننا، بحربٍ قذرة تركت ندباتٍ من الصعب أن يمحوها الزمن.
آخر إحصائية للشهداء
وحسب إحصائية رسمية أخيرة عن عدد الشهداء والجرحى أثناء العدوان من إجمالي الضحايا: 27.029، منهم 18.424 رجلاً و3813 امرأة و4792 طفلاً.
والعدد في ارتفاعٍ متزايدٍ ضمن التواصل المستمر لخرق وقف إطلاق النار من قبل دول التحالف.
الشاهد هنا: أن الكثير من الأسر ستستقبل الشهر الكريم بطعم الوجع، ومرارة الفقد، بل إن هناك من فقدوا أسراً بكاملها، والبعض الآخر فقدوا بيوتهم، وباتوا مشردين على الأرصفة، وهناك من لم يستطيعوا أن يوفروا ثمن كسرة (الخبز)، بالتأكيد أن فاعلي الخير كثر في مجتمعنا، وأنهم سيقفون معهم ويخففون ما بهم من حزنٍ وألم، لكن تظلُّ إطلالة الشهر الكريم لديهم باهتة، وبلا طعم، بل إنها ستذكرهم بأحبابهم الذين اغتالتهم يد الحرب الوقحة، وتركتهم على رصيف الأوجاع يتجرعون مرارة ذلك.
المصدر بشرى الغيلي/ لا ميديا