متلك قدرة فائقة في التصرف باللغة وفي تشذيبها وفي موسقتها وفي بناء جملها المتوازية وتدويرها ووصلها لتصبح مقطعاً طويلاً خالياً من الركاكة والحشو، استطاعت لغته أن تحافظ على ألقها ونضارتها.
هكذا كنت أشاهده عندما كان مراسلاً لقناة (المسيرة)، فكانت تقاريره تعتمد أيضاً على شاعرية الأداء والجمل السريعة المؤثرة التي تخترق المشاعر وتتسلل في ثنايا الوجدان.
كما أبدع في كتابة القصيدة والزامل في لغة راقية زادتها الألحان والأصوات الحماسية جمالاً، فاستمتع بها الناس في كل أرجاء الوطن.
له موهبته الشعرية القوية وثقافته العصرية المتنوعة، فعندما تسمع بعضاً من زوامله تقف على تكوين هائل من الإبداع لبه الإحساس العميق.
زوامله خيار وجودي ورغبة في الحياة وتحدٍّ لهذا العدوان السعودي المهفوف، لذا جند طاقته وحواسه وسعة خياله في لحظة تنكتب بين الولادة والموت وبين الفرح والحزن.
إنه المذيع والشاعر حمود شرف الدين.
 من هو حمود محمد شرف الإنسان؟
هو ذلك الطفل في (كوكبان) الذي تسهره ليلةُ العيد، وتطربه دقاتُ (البَرَع) في صباحاته، ويشتاقُ لعودة والده كلَّ خميس من صنعاء.. هو ذلك الفتى الذي كانت تملأ رئتيه رائحةُ المطر في شوارع (الجِرَاف) التّرابية، قبل أن تتحجّرَ بالإسفلت، يلاحقُ أسرابَ الجرَاد ويتفيَّأ ظلالَ بساتين العنب و(الفرسِك) في (الحِشَيشِيّة)، قبل أن يلتهمَها الإسمنت.. وهو اليافع الذي تتوزّعُه طيبةُ أبيه وإحسانُه لمن يعرف ومن لا يعرف، وحنكةُ أمِّه في حُسن تقدير الأمور، وتقييم الأشخاص والمواقف.. وهو الشاب الذي ترك كلَّ ما وراءه إلى جَنّة الحُبّ، وأغمض عينيه عمّا عداها ليستفيقَ على قساوةِ الفُراق تُصَوِّحُ أوراقَها وتُحيلُ عهداً فردوسَهُ عدَماً.. وهو اليوم زوجتُه (فاطمة) وولدُه (محمد) وابنته (إيلاف)، والناسُ من حوله، ومسيرةٌ قرآنيّةٌ وجدَ فيها اكتمالَ إنسانيّته. 

 من أين تاتي القصيدة؟ وإلى أين تذهب؟
  مما حولكَ وإليه. 

 هل يكتب الشاعر القصيدة أم القصيدة التي تكتب الشاعر؟
  أنا أكتب القصيدة؛ أنا ملِكُها وخالِقُها. 

 القصيدة كائنٌ خفي متطور دوماً تعيش في الأعماق، فإذا قرّرت الخروجَ تدقُّ جرسَ الأرق فتستفزَّ الشاعر.. متى تستفزّك القصيدة؟
تستفزّني القصيدة حين أراودُها، حينها فتتمنّع. 

 هل تجد نفسك في كتابة القصيدة أم في كتابة الزامل؟
الزامل هو قصيدة، والعبرة ليست بتعداد أبيات القصيدة؛ القصيدةُ مضمارٌ والزاملُ طلقة.. ولكلٍّ خصوصيتُه. 

 (قل للملك وابنه المهفوف) زامل انتشر كثيراً.. ماذا يعني لك؟
  هو تقرير واقع، وأدين بالشكر فيه لسلمان وابنه المهفوف. 

 الكثير من المراقبين الفنيين في الساحة اليمنية يقولون برحيل الحنجرة الباليستية (لطف القحوم)، إن الزامل فقد بريقه وأصابه ضمورٌ وخفوت.. ما تعليقك؟
(لطف) من قومٍ إذا غابَ منهم سيّدٌ قامَ صاحبُه.. كان لطف لسانَ الفروسيّة، وفارساً حقيقياً قدّمَ وأعطى ووصل إلى أمنيته. ما صنعه لطفاً في (الزّامل) جعل الناسَ - وهم معذورون لعظمةِ عطائه - يعتقدون أنه لن يتكرر..! لكنه قدرُ هذا الشعب العظيم، كما قلت لك إنه قادرٌ على الخلق، وأن يُخرجَ لطف آخر.. هناك الآن على الساحة مبدعون في هذا الجانب، أخصّ بالذكر منهم - ولا أحصرهم - الليث عيسى وآخرين. 

 هل لك أعمال شعرية مطبوعة؟
  لم أولِ هذا الجانب اهتماماً حتى الآن. 

 كنتَ مراسلاً لقناة (المسيرة) ثم انتقلتَ للعمل كمديرٍ عام لإذاعة (سام إف إم).. كيف تقيّم تجربتك الإذاعية؟
وجدتُ نفسي أقربَ إلى الناس أكثر؛ لستُ مقيّداً بجدول القناة، ومحصوراً في تقرير إخباري أو برنامج عابر.. كان عملي في القناة بالنسبة لي تجربةً ثرّةً ومدخلاً مهمّاً أحسستُ أنني استفدت منه وأوصلتُ الكثير مما أريده للمشاهدين.. لكنني كما أسلفت لك وجدت نفسي أكثر في الإذاعة؛ الوقتُ مفتوح أكثر.. والفضاء متاحٌ بيني وبين المستمعين أكثر.. شعرتُ أنني قريبٌ جداً من المستمع، ولذلك تجدني كثيراً ما أخرج عن العُرف الإذاعي، وأتحدثُ مع المخرج مع طاقم الإذاعة على الهواء بحيث يشعر المستمع بأنه لا حواجز بينه وبين الإذاعة التي يصغي إليها بجميع من فيها، وليس فقط المذيع الذي يحدثه.. لا يختلفُ ما هو على الهواء عمّا هو تحته في إذاعة (سام إف إم).. وأعتقد أنها تجربة راق لإذاعاتٍ أخرى أن تقتديَ بها؛ وأعدُّ هذا نجاحاً لهذه التجربة في الأداء، ولإذاعة (سام إف إم) بصفة عامة. 

 هل تستطيع أن تتحدث عن نسبة معينة من النجاح مثلاً في تجربة (سام إف إم)؟
أدع الإجابة على هذا السؤال لك وللمستمعين، وسأكون راضياً بالنسبة التي تضعونها.

 لماذا تخلو إذاعة (سام إف إم) من البرامج الفنية؟ 
الفنُّ لا يعني الغِناء فقط إن كنتَ تعني به الفن.. وهذا لا يعني أنّ لدينا موقفاً معادياً للغناء.. حمود شرف الدين من (كوكبان)، ولعلّك تعلم ما يعنيه هذان الاسمان.. لكنّ المرحلة فرضت نفسها، والأبطال في الجبهات وملاحم الصمود التي يسطرها شعبنا اليمنيّ العظيم من أروع ما يمكن تخليده من أغانٍ وملاحم.. الواقع له أولويّاته، ولكلِّ ظرفٍ طرَبُه.

 هل ستقترب الإذاعة في الأيام القادمة من الأنشودة الوطنية والأغنية العاطفية؟
بالنسبة للأغنية الوطنية موجودة تُذاع من (سام إف إم)، وبالنسبة للأغنية العاطفية فكما قلتُ لك فإنه لكلِّ ظرفٍ طرَبُه. 

 إذا غصنا في أعماقك، ماذا سنجد؟
ستجد حمود محمد شرف الذي وصفتُه لك.. ظاهرُهُ كباطنِه، ربما راقتني عبارةُ صديقي (أحمد الحسني) حينما قال واصفاً (حمود شرف قطرةُ طَلٍّ على خدِّ وردة).. لكنّي سأكشف لك وله ما لم تشفَّ عنهُ قطرةُ الطلّ.. دمعةٌ في زوايا القلب لا تبرح على أبٍ تعلّقتُ به كثيراً، وأخٍ شرّفنا وأمثالُه باستشهادهم في مقدمة الصفوف قتالاً في سبيل الله دفاعاً عن أغلى ما نملك، غيرَ واهنينَ ولا ناكصين.. جرحٌ غائرٌ على جارةٍ تحت الأنقاض قضت محتضنةً طفلها في غارةٍ للعدوان.. على بقايا من بوّابة (كوكبان) التاريخية التي أمطرها العدوّ بصواريخ حقده على عظمتها وشممها.. ثُمّ مَراحٌ من الحُبّ وفضاءٌ رحبٌ بالثّقة بالله والحلمِ بغدِ النّصرِ الحافلِ بوعدِ اللهِ لأوليائه والمستضعفينَ الذين يقولون ربَّنا أفرغ علينا صبراً وثبّت أقدامَنا وانصرنا على القومِ الكافرين. 

 كلمة أخيرة.. 
  أشكرك.