للطوابع البريدية دلالات رمزية تتعدى البعد الوظيفي.. فجمعها ليس مجرد هواية، بل تعدى ذلك إلى مرحلة التوثيق، لأن لكل طابع بريدي قصة أو ذكرى، كما أن الكثير من دول العالم أصبحت تعتمد على كتابة تاريخها عبر إصدار طوابع خاصة في المناسبات والأحداث التي تمر بها.. وتشكل الطوابع على مر العصور سفارات متنقلة للجهات الصادرة عنها، وظلت تحمل على الدوام رسائل ذات معانٍ قوية في جميع الاتجاهات، ومؤشرات على مستوى رقي الشعوب في جميع الميادين، مثلما عنونت لمراحل وأحداث وشخصيات تاريخية لعبت ولا تزال أدواراً حاسمة في تحديد الوجهة الحضارية للإنسان.
كما لعبت الطوابع البريدية دوراً مهماً في مواكبة الأحداث والتحولات السياسية التي طرأت على الكثير من دول العالم.
يمثل الطابع البريدي إحدى صور السلطة السياسية في صياغة الحدث المراد تخليده - من وجهة نظرها - وبالتالي لها الحق في نفي أحداث (مثلاً لم تصدر هيئة البريد في اليمن طابعاً يخلد ثورة 2011 حتى اليوم) قد تبدو هامة في رأي البعض, لكنها - أي السلطة - لا تريدها كذلك, وبالتالي تعمل على نفيها أو تجميدها في شكل ذكرى ليس أكثر, لتبدو مطالعة أحد هذه االطوابع التذكارية مدعاة للأسى أو السخرية مما آل إليه الحدث، وليس من الحدث نفسه كـ(الطابع الذي أصدرته مصر عام 2012م بمناسبة ذكرى ثورة 25 يناير 2011).
وخلال عقود ماضية مثَّل الطابع البريدي توجه الدولة على كافة الأصعدة، وألقى الضوء على مسيرتها السياسية والاجتماعية والتنموية, مثلاً كانت طوابع الجمهورية في شمال الوطن في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي، تحكي عن قصة حرب السبعين وحركة التعاونيات, وفي عهد ما بعد الحمدي تحولت إلى صورة أخرى متعددة الجوانب، أهمها: تكريس صورة الحاكم الجديد، والدعوة إلى الوحدة اليمنية. كذلك الحال في الجزء الجنوبي من الوطن الذي شهد صدور طوابع توشحت بصور الجبهة القومية (بعد خروج المستعمر البريطاني)، تلتها بسنوات قليلة صور أخرى تتحدث عن دولة الحزب وشعارات بروليتاريا العمال، والصداقة مع دول المحور الاشتراكي، وتخليد قادة العمل الثوري في العالم.
ومن بوابة التحرر والثورة, كانت طوابع بريد فيتنام رمزاً عالمياً لشعب ناضل طويلاً في وجه المغتصب الأمريكي القذر, فيما كانت على النقيض تظهر طوابع نظام الأبارتيد العنصري في جنوب أفريقيا، بوجه سافر ووقح أمام أصحاب الأرض وأمام العالم، وهو يصور السود كجماعة لا تستحق الأرض أو حتى الحياة, ليعود بعدها الأمر إلى نصابه مع استعادة نيلسون مانديلا لحقوق مواطنيه من المغتصب الأبيض، وهنا كان طابع الدولة الجديدة عبارة عن دعوة للتعايش السلمي والعرقي بين السود والبيض.
مرحلة التوثيق
لكل طابع بريدي هدف أو قصة أو ذكرى من ورائه، وكثير من دول العالم تعتمد على كتابة تاريخها عبر إصدار طوابع خاصة في المناسبات التاريخية والأحداث التي تمر بها.
تعد الطوابع البريدية وثائق تاريخية يمنية هامة، ووسيلة من وسائل نشر الثقافة والترويج الاقتصادي والثقافي والسياحي، وكذلك التوجه السياسي للنظام.
وثمة طوابع نادرة وقيمة، وربما لا تكون متداولة بين شريحة واسعة من الناس, كما أن أهميتها تنبع من كونها تلقي أضواء على مرحلة تاريخية مرت بها اليمن في بداية القرن العشرين, كان جزء منها يخضع للاحتلال البريطاني, فيما جزء آخر يخضع لحكم المملكة المتوكلية.
وعلى مدى عقود طويلة رصدت الإصدارات المتعاقبة للطوابع البريدية, كل المنجزات ومعظم الأحداث البارزة التي شهدتها اليمن منذ قيام الثورة عام 1962م, وحتى الآن.
أول طابع صدر باسم الجمهورية اليمنية، كان في العام 1990م، ثم تلاه إصدار العديد من الطوابع البريدية في العديد من المناسبات، منها إعلان الوحدة اليمنية، إلى جانب إصدار طوابع حول القضايا العربية والعالمية (كالتضامن مع الشعب الفلسطيني)، بالإضافة إلى الآثار اليمنية، ومنها طابع يحمل تمثال الملك الحميري ذمار علي، الأكثر شهرة بين طوابع البريد اليمنية.
عام 2003, أصدر البريد اليمني 24 نموذجاً من الطوابع البريدية، طبع منها 730 ألف طابع، وكذا 124 ألف بطاقة، و26 ألف مظروف بريدي، بقيمة 50 مليون ريال.
كما أصدرت الهيئة طوابع بريدية عن إبداعات الأطفال، اختير منها 6 طوابع حول السلام العالمي والبيئة، بالإضافة إلى طوابع تعريفية بالأزياء الشعبية في عدد من محافظات الجمهورية، وكذا طوابع تخلد كبار الشعراء والأدباء اليمنيين كالبردوني والمحضار, وأصدرت الهيئة 4 طوابع بريدية وبطاقة عن بطولة كأس العالم للناشئين والآثار اليمنية.
وفي العام 2004م أصدرت الهيئة العامة 5 طوابع بريدية وبطاقة ونشرة تعريفية عن صنعاء عاصمة للثقافة العربية، فيما شهد العام الذي يليه إصدار مجموعة من الطوابع البريدية تناولت الذكرى الـ15 للوحدة اليمنية، والإنجازات المحققة خلال الفترة نفسها، وشملت هذه الإصدارات 3 نماذج يحمل الأول صورة علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية حينها، رافعاً علم الوحدة, والثاني صوراً لأهم الإنجازات التي تحققت في ظل الوحدة.
المنطلق الأول للبريد في اليمن بشكله الرسمي ومضمونه الوطني، بدأ في العام 1926, حيث صدر أول طابع بريدي مطبوع محلياً باسم المملكة المتوكلية، وفي العام 1930 تم إصدار أول طابع بريدي بمقاييس ومعايير دولية، طبع في ألمانيا، وفي العام 1937 صدر طابع بريدي يحمل اسم مدينة عدن باللغة الإنجليزية، إبان الاحتلال البريطاني لعدن، وعدد آخر من الإصدارات أهمها طابع اتحاد الجنوب العربي عام 1963م, وبعد الثورة والاستقلال صدر أول طابع في مارس 1963م بصنعاء، وفي عدن في مايو 1968.
دخل البريد إلى اليمن بشكل مبكر, بل كان مع الانطلاقة الأولى للبريد في العالم (مع الاحتلالين العثماني للشمال والبريطاني للجنوب)، فمدينة عدن عرفت البريد منذ 15 يونيو 1839م، أي بعد سنة من الاحتلال البريطاني، برغم أن مكتب البريد الرسمي لم يدشنه الاستعمار البريطاني في عدن إلا عام 1857.
وفي العام 1930م انضمت عدن للاتحاد البريدي العالمي، وفي نفس العام تم إصدار أول طابع بريدي في عدن بالمعايير الدولية، وكانت إحدى الدول الخمس المؤسسة للاتحاد البريدي العالمي.
استخدمت في عدن الطوابع البريدية لكل من بريطانيا والهند، إلى أن صارت تسمى مستعمرة عدن في 1 أبريل 1937.. لقد جعل موقع عدن الاستراتيجي منها ميناء مشهوراً ومحطة مشهورة أيضاً لتبادل البريد من المحيط الهندي إلى أوروبا، من بداية ظهور الطوابع.
وعلى الرغم من أن طوابع هذه المرحلة لم تحمل أية إشارة مميزة، لكن استخدام الرقم 124 كرمز بريدي ينسب لعدن كجزء من النظام العددي البريدي الهندي.
فعندما أعلن البريطانيون بسط أيديهم على عدن عام 1937م، أصبح لها مجموعات من الطوابع البريدية التي تحتوي على صور، ويطبع اسم عدن (بالإنجليزية: Aden) عليها. في العام 1939 أصدرت مجموعة بريدية جديدة تحتوي على صورة للملك جورج السادس، لكن سلاطين حضرموت -الذين كانوا تحت مظلة محمية عدن التي تسيطر عليها بريطانيا منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر- رفضوا ذلك، ولهذا أصدرت بريطانيا مجموعة بريدية منفصلة عام 1942، وهذه المرة مع إدراج عبارة وصور تعبر عن السلطنة الكثيرية في سيئون والسلطنة القعيطية في الشحر والمكلا -صارت لاحقاً السلطنة القعيطية في حضرموت- إضافة لصور السلاطين.
ألقت الكثير من الطوابع الأضواء على دويلات اليمن في ظل الاحتلال البريطاني, فقد ظهرت معظم الطوابع في عهد الاستعمار البريطاني لعدن, وهي تحمل صور معالم المدينة إلى جانب صورة ملكة بريطانيا, كما أن هناك طوابع عليها شعار واسم الدولة القعيطية الحضرمية، صدرت بين عامي 1948 و1962, وهناك أيضاً طوابع للدولة المهرية يعود تاريخها إلى العام 1960، وطوابع لدولة يافع العليا تعود لعام 1967م, بالإضافة إلى طوابع بريد الدولة الكثيرية (حكومة سيئون الحضرمية), وهذه الدويلات كانت خاضعة للحماية البريطانية، وعرفت حينها بالجنوب العربي.
فيما شهدت الطوابع الصادرة عن المملكة المتوكلية اليمنية, وهي تحتفي وتؤرخ لأول رائد فضاء تطأ قدمه القمر, بالإضافة إلى رواد أبوللو11, كما توزعت مجموعة طوابع المملكة المتوكلية بين عرض للآثار اليمنية ورعاية الأمومة والطفولة والفن المعماري, كما ترصد مجموعة أخرى من الطوابع مرحلة ثورة سبتمبر 1962م في الشمال، وقيام دولة اليمن الجنوبية عقب الاستقلال من الاستعمار البريطاني عام 1967م.
وتمثل الطوابع البريدية تراثًا ثقافيًا هامًا لكل شعب من الشعوب، إلى جانب الصورة السياسية التي تسيطر على الحكم (مستعمر أو جماعات وطنية). 
لقد كان لبريد عدن (الضارب في القدم) دور هام ومتميز في تقديم الخدمات البريدية السريعة والارتباط بالعديد من دول العالم والدول المجاورة، وفي عدن تغنى العديد من الشعراء بدور البريد وخدماته، ومنهم الشاعر والفنان محمد سعد عبدالله الذي قال في إحدى أغنياته (كلمة ولو جبر خاطر ولّا سلام من بعيد ولّا رسالة يا هاجر بيد ساعي البريد)، وغيرها كثير من الأغاني التي تغنى بها الفنانون، وجعلوا من البريد همزة وصل بين المحبين والمشتاقين لأهلهم وذويهم. 
كانت الطوابع البريدية القديمة في عدن يكتب عليها اسم العملة في عدن مثل (آنه أو عانه) ثم بعدها (السنت) وهي كسور الشلن، واللافت للنظر أن أقدم طابع بريدي في عدن رسم عليه صورة الملك (جورج السادس) والد الملكة (إليزابيث الثانية)، ورسمت كذلك عدد من السفن في وجه البحر، وفي الجانبين الأيمن والأيسر من الطابع رسم عليه خنجران، وفي أسفله كتبت كلمة (أنا) بالحروف العربية، وجاء بعده طابع رسم عليه وجه الملكة (إليزابيث الثانية) وقد توّج رأسها بالتاج البريطاني الشهير، وفي وسط الطابع تظهر منارة كريتر الشهيرة، وخلف المنارة قلعة صيرة التاريخية، وفي أعلى الطابع كلمة (عدن) بالحروف العربية، وبجانبها رقم (5)، وأسفلها كلمة (سنت) بالحروف العربية، وتحتها كتبت كلمة (ADEN)، وهذان الطابعان يعدان من أقدم الطوابع في تاريخ الطوابع البريدية في عدن. 
أما حضرموت الساحل فطابع بريدها كان يكتب عليه باللغتين العربية والإنجليزية، ما يلي: الدولة القعيطية الحضرمية (بريد القعيطية الحضرمية) التي أصدرت طوابعها بين عامي 1948 و1962م، وفي أعلى الصورة كلمة عدن بالإنجليزية بالحروف الكبيرة، وتظهر في أعلى اليمين صورة السلطان القعيطي، وهو مرتدٍ زي المهراجا الهندي، ومن المعروف أن سلاطين الدولة القعيطية نشأوا في أحضان الهند من الصغر. أما بالنسبة لحضرموت الداخل فكان لها طابع بريدي خاص بها كُتب عليه باللغة العربية (حكومة سيئون وحضرموت)، وصورة لأحد سلاطين الدولة الكثيرية، وهو مرتدٍ عقالاً. وتوجد أيضاً طوابع بريدية خاصة بالمهرة.
لم تكن مكاتب البريد في اليمن أو في الدول العربية بالشكل المتعارف عليه الآن بين الناس، ولم تكن الدول العربية تعرف طوابع بريد خاصة بها، ولكنها كانت تعرف فقط مكاتب البريد العثمانية والبريطانية والفرنسية، بحكم أن معظم الدول العربية حينها كانت خاضعة لحكم هذه الدول الاستعمارية.
فقد صدر أول طابع بريد عثماني، وتم تعميمه على جميع الدول، عام 1863، واستمرت مكاتب البريد العثمانية تقدم خدماتها في كافة الدول العربية حتى بداية الحرب العالمية الأولى ما بين عامي 1914و1918، عندها بدأت تظهر مكاتب البريد الأجنبية في الدول العربية، والتي أصبحت لها السيطرة على كافة المراسلات، وتضاءلت بجوارها مكاتب البريد العثمانية.
وكانت الطوابع حينها تحمل نقوشاً عثمانية حتى عام 1893م، حيث ظهرت الطوابع الحكومية (اليمن في عهد المملكة المتوكلية عام 1926م، ومصر الخديوية نموذجاً).

بصمة تاريخية
في معرض الحديث عن الطابع البريدي، لابد أن نعرج على النشوء والانتشار لهذه اللوحات التاريخية في أنحاء العالم:
أول من اخترع الطوابع البريدية ووضعها في الرسائل، هي المملكة المتحدة (بريطانيا) التي أطلق عليها (الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس)، وكانت هذه الطوابع البريطانية من الراجح أنها تريد أن تثبت للآخرين مدى اتساع رقعة إمبراطوريتها في أنحاء إنجلترا، وتداولتها في إمبراطوريتها من باب التأكيد على ارتباط مستعمراتها بها، ولهذا فبريطانيا هي الدولة الوحيدة التي لا تكتب اسم بلادها على الطوابع.
ويعبر الطابع البريدي عن تراث الشعوب وثقافتها, فالطابع البريدي مثله مثل كتاب التاريخ، يمثل وثيقة تاريخية هامة لأي بلد، وأيضًا تمثل الطوابع تراثًا ثقافيًا هامًا لشعب من الشعوب، فنحن إذا نظرنا في طابع ما من طوابع شرق آسيا (الهند، ماليزيا، بورما)، ستلفت نظرنا العادات والتقاليد المتنوعة التي رسمت على الطوابع، أو بعبارة أخرى التراث الثقافي النابع من بيئة حياتهم الأصلية، هذا من ناحية التراث الثقافي أو الحضاري، أما من ناحية التراث السياسي ـ إذا صح التعبير ـ فإننا نلاحظ في الطوابع القديمة التي تنتمي إلى فترة الأربعينيات، من بينها طوابع دولة فلسطين قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1948م، ومملكة شرق الأردن، وطوابع الدول قبل استقلالها من مختلف القارات في العالم، وبعضها يضم دولة واحدة إلى أربع دول في طابع واحد عندما كان الاحتلال وخاصة من بريطانيا، مثل طوابع تضم أوغندا، كينيا، زنجبار، تنزانيا، هذه في قارة أفريقيا، أما في شرق آسيا تحتوي سنغافورة والملايو (ماليزيا)، وأيضا طوابع عليها الاسم القديم مثل سيلان صارت الآن سيرلانكا، وفي أوروبا الغربية كانت تسمى سويسرا قديمًا (هلفيتيا)، ودولة الإمارات العربية المتحدة التي كانت كل إمارة منها لها طابع بريدي خاص يصدر باسم المشيخات العمانية. 
كما تعد الطوابع البريدية رفائف لآفاق واسعة من المعلومات, فطوابع البريد تمثل للباحثين مرجعًا تاريخيًا هامًا، فهواية جمع الطوابع تفتح آفاقًا واسعة من المعلومات المتنوعة والمعارف عن تلك البلدان التي لا تعرف أسماؤها من قبل، ومن خلال الطوابع نتعرف على العملات لكل بلد وأنواع الطيور والحيوانات والأسماك التي تعيش في حياة تلك البلدان، ونتعرف على أهم الصناعات وأبرز المعالم الأثرية والتاريخية، وعلى ثقافتها الإنسانية وأبرز مفكريها وعلمائها ومثقفيها وسياسييها، وفضلاً عن ذلك تفرد الكثير من الطوابع أنواعًا من الألعاب الرياضية، فطوابع البريد هي عبارة عن مفاتيح يستطيع الباحث الناشئ من خلالها التعرف على تاريخ البلد الذي يدرسه من عدة جوانب, بالإضافة إلى أهميتها في دراسة وجوه عديدة من حياة شعوب العالم من حيث عاداتها وتقاليدها وأعرافها وثقافتها الإنسانية.

مسار تاريخي
بعد خروج فكرة استخدام طوابع بريدية ولصقها على الرسائل من رأس البريطاني رونالد هيل الذي فعل ذلك عام 1839, عدت الطوابع من الجانب الوظيفي كوسيلة للدفع مقدماً أو تغطية للتعرفة البريدية، لتوضع معها على أغلفة الرسائل أو الرزم المعدة للإرسال بالبريد، وإلصاقها على وثيقة تبين أن الرسوم قد دفعت، وأن الوثيقة معتمدة.
ومع مرور الوقت, أصبح للطابع وظائف عديدة كوسيلة دعائية، أو احتفالاً بالمناسبات، أو تخليداً لشخصيات كبيرة تاريخية، أو تكريماً لرؤساء وملوك، فالدول التي تولي اهتماماً بالطوابع يعني هذا احتراماً لثقافتها وتاريخها، وهو وجه من الوجوه التي تعكس كل شيء عن الدولة؛ تاريخها وحضارتها وثقافتها، وحتى عملتها المالية وموقعها الجغرافي وعلمها ونظامها السياسي، وكل ما يخص الدولة يختصر في هذا الطابع.
فالطوابع ترتبط بالكيان السياسي للدولة.. فيما تعتبر الطوابع سفيرة تمرر من خلالها رسائل سياسية قد تؤدي إلى حروب بيضاء، بينما تعبر في الوقت نفسه عن الوضع السياسي لهذه الدولة أو تلك.
ومن الفنون والتقنيات التي تدخل في صناعة الطوابع، فإننا سنقف في نهاية المطاف أمام لوحة فنية تبدأ من فكرة الإصدار عندما تخطط الدولة وتحدد مواضيع الإصدارات، ومن ثم تتم مخاطبة الجهات المعنية أو فنانين مرموقين لتزويدهم بالتصميمات الأولية، ليختاروا أفضل التصميمات، ومن ثم تبعث إلى المطابع للمعاينة، حيث تقوم الإدارة المعنية بالبريد باختيار أفضل التصاميم والفئات التي تتناسب مع التعرفة المطلوبة بريدياً، ومن ثم تطبع الطوابع على أوراق ذات جودة عالية.

متغيرات ودلالات الصورة
تأخذ طوابع البريد، اليوم، أهمية مختلفة عمّا كانت عليه سابقاً، حيث كان جزء رئيسي من المراسلات بين البلدان يتمّ عن طريق البريد العادي, وتكمن قيمة طوابع البريد في كونها إحدى أدوات توثيق أحداث البلد الذي تصدر عنه، سواء كانت حروباً، أم إنجازات ثقافية أو علمية، أم صوراً لشخصيات بارزة. من ناحية أخرى، قد تدل تلك الطوابع على شخصيات حكمت تلك البلدان بالقوة، فتكون شبه توثيق لشخصية الرئيس وتعظيمه.
أكثر طوابع البريد في الدول العربية دلالة على ذلك هي الطوابع الليبية في عهد الرئيس السابق معمر القذافي, ورغم أنها احتوت على العديد من المواضيع الأخرى، مثل شكل العمارة الليبية، أصناف الحيوانات والنباتات التي تعيش في ليبيا، والأهداف التي تسعى الدولة الليبية لتحقيقها، مثل الإقلاع عن التدخين أو نشر التعليم، إلا أن الجزء الأكبر منها كان بغرض توثيق مسيرة حياة (القائد) معمر القذافي، بدءاً بثورة الفاتح عام 1969، التي رافقتها مجموعة بريدية في كل عام صادف ذكراها، مع ظهور الصورة الشخصية للقذافي في صدارتها، وصولاً إلى رحلته إلى الحج، التي وضعت داخل تصميم لأحد الطوابع, والترويج للكتاب الأخضر.
بعد أحداث ليبيا ومقتل القذافي، قام البريد الليبي الجديد بمحو جميع الطوابع التي تظهر أي رمز يشير إلى معمر القذافي، لا بل إن الطوابع الحديثة احتفلت بالقضاء على حكمه، وتَصدَّرها علم ليبيا الجديد الذي عاد من زمن المملكة السنوسية عبر طيران حلف الناتو.
في شؤون فلسطين، ونسبة إلى الأحداث التاريخية المتسارعة، كان لطابع البريد الفلسطيني محتويات وسياسات مختلفة تماماً, فقد كانت الطوابع في بداية الانتداب البريطاني تختم باسم (فلسطين)، وكان يطبع قسم منها في المطبعة الأرثوذكسية في القدس، والقسم الآخر في مطابع مصر.
غير أن تغييراً طرأ على نفس الطابع، مما أدى إلى رفض المطابع المصرية الاستمرار في طباعته، وتحويله إلى بريطانيا. هذا التغيير تجلى بتصغير اسم فلسطين باللغة العربية، وإضافة كلمة فلسطين بالعبرية من خلال حرفي (ألف) و(يود)، اختصاراً للكلمة العبرية (أيرتس يسرائيل)، أي أرض إسرائيل.
ويبدو أن السياسة والأحداث الجسام قد طغت على إصدارات العديد من الطوابع, حيث ظهر طابع بريد يؤرخ لمذبحة دير ياسين التي ارتكبتها العصابات اليهودية في 9 أبريل 1948م، وقد صدر هذا الطابع عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1965م.
بعد عقد اتفاقية أوسلو والاعتراف بالسلطة الفلسطينية الناشئة على الضفة والقطاع، تولت السلطة الفلسطينية إصدار طوابعها الخاصة بالشروط التي تحددها إسرائيل.. وأحد أبرز الشروط كان عدم السماح بتوقيع الطابع باسم فلسطين، ولا بالسلطة الوطنية الفلسطينية، بل بـ(السلطة الفلسطينية) فقط. من المعروف أن أول طابع أصدرته السلطة كان موقعاً باسم السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو الذي تم إلغاؤه ومنع تداوله لاحتوائه على كلمة (الوطنية) باعتبارها (كلمة تحريضية). ضمن الشروط الأخرى المقيدة لإصدار الطوابع، وضعُ الأحداث الداعية للسلام، مثل الصورة المعروفة للرئيس الراحل أبو عمار الذي يصافح فيها شمعون بيريز ويتوسطهما بيل كلنتون عند عقد اتفاقية أوسلو للسلام.
وكردّ فعلٍ على تدخل إسرائيل في تحديد محتوى الطابع الفلسطيني، قامت المقاومة الفلسطينية بإصدار طوابع تحمل توقيع المقاومة الفلسطينية، وتشمل هذه الطوابع مواضيع مختلفة، مثل إضافة عبارة (فلسطين للعرب)، كما عملت على إصدار طوابع تساند الثورة السورية واللبنانية ضد الانتداب الفرنسي في ذلك الوقت.
بعد عام 1948 إلى حين وصول السلطة، أصبحت مهمة إصدار الطوابع الفلسطينية تقع كاملة على عاتق المقاومة الفلسطينية. حينها تميزت الطوابع بتوثيقها للأحداث، من مجزرة دير ياسين إلى معركة الكرامة، وتخليد المناضلين والمناضلات والشهداء, كما أخذت لوحات الفنان إسماعيل شموط مساحة واسعة في اعتمادها لتكون طوابع موثقة للأحداث، وكانت تلك الفترة من أغنى فترات الطوابع الفلسطينية من حيث المضمون. شاعت هذه الطوابع بكثرة أعوام الثمانينيات، وكان للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية، وحركة فتح، دورٌ كبير في إنجازها وتوزيعها.
كان للبلدان العربية، وبعض البلدان الأجنبية، دور ملموس في إدخال قضية فلسطين ضمن محتويات طوابعها، كنوع من المساندة المعنوية والإعلامية, فبعد احتلال فلسطين، قام العراق بتوشيح جميع طوابعه بـ(إنقاذ فلسطين)، كما كان من مواضيع الطوابع في ذلك الوقت: اليوم الدولي للتعاون مع الشعب الفلسطيني، وإظهار خارطة فلسطين كاملة على العديد من طوابعها, وسلكت العديد من الدول العربية هذا المسلك في إصدار طوابعها، فقد أصدرت جميع الدول العربية تقريباً نفس الطابع، مع اختلاف الألوان، في ذكرى مجزرة دير ياسين، وهو تصوير لخارطة فلسطين كاملة وقد غُرس في قلبها خنجر.. أما مصر، فمضامين طوابعها كانت مليئة بالمواضيع، بداية بصور الأهرامات والحضارة الفرعونية، إلى أهم الإنجازات التي حققها الرؤساء السابقون لمصر مثل تأميم قناة السويس وإنشاء السد العالي والعدوان الثلاثي وملحمة العبور، إلى صور أبرز الفنانين الذين ينتمون إلى (الزمن الجميل) في الغناء والموسيقى.
وبعد ثورة 25 يناير 2011، ظهر أول طابع يوثق الثورة المصرية، كما أصدرت تونس طابعاً يتصدّره وجه البوعزيزي الذي أشعل الثورة في تونس، ثم امتدت نارها لتطال العديد من الدول العربية.
في ختام هذا العرض الموجز لتاريخ الطوابع ومضموناتها، تجب الإشارة إلى الطوابع البديلة التي ظهرت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث كان بعضها رمزياً لتوثيق الأحداث، وبعضها الآخر استخدم كطابع رسميّ، أي أنه لقاء بدل مدفوع (ضريبة)، لكن مضامينه لم تتولَّ الإشراف عليها أية جهة حكومية, من أبرز هذه الطوابع الوليدة طوابع صادرة عما تدعى الثورة السورية، التي غطت الأحداث والشخصيات التي عُرفت خلال أحداث سوريا ولم تزل حتى الآن، كالطابع الذي يخلد ذكرى مغني الجيش الحر إبراهيم قاشوش، بعد أن اقتلعت حنجرته، وآخر للصحافية المقتولة ماري كولفين، وقد صدرت بعد مرور سنة على بداية العدوان على سوريا في مارس 2011.

رموز النصر والثورة والسلام
حملت الكثير من الطوابع البريدية صورة أكثر رحابة على الأفق العالمي, منها الطابع الموشح بصورة الدخول والفتح للعاصمة الكوبية هافانا لقادة الثورة الكوبية الشقيقان فيدال وراؤل كاسترو مع أرنستو جيفارا، بعد دحر نظام الديكتاتور باتيستا أبرز عميل للولايات المتحدة الأمريكية.
كما كانت الأيقونة العالمية للثورة تترصع بصور الثائر الخالد تشي جيفارا وتوماس سنكارا وهواري بومدين وجمال عبدالناصر وفيدال كاسترو وبياتريس لومومبا وفلاديمير لينين والجنرالين الفيتناميين هو تشي منه وجياب، وغاندي ومانديلا, كما شملت الكثير من الوجوه الإنسانية (الأم تريزا ومحمد علي كلاي).
شملت طوابع البريد في حقبة الاتحاد السوفيتي، وبالذات ما بعد الحرب العالمية، قصة من نوع آخر.. قصة القناصة السوفييتية ليودميلا بافيلتشينكو – المرأة الحديدية.
كانت ليودميلا من النساء اللواتي تم تدريبهن على أعمال القنص، وبرعن فيه أثناء الحرب العالمية الثانية. وأبصرت تلك المرأة الحديدية الحياة في 12 يوليو 1916 بمدينة بيلا سيرفيكا بأوكرانيا.
عندما بدأ أدولف هتلر بتنفيذ خطة بربروسا في 21 يونيو 1941م، لغزو الاتحاد السوفييتي، كان عمر ليودميلا في ذلك الوقت 24 عاماً، وكانت تدرس التاريخ بجامعة كييف، فقطعت دراستها وقررت الانضمام إلى صفوف الجيش الأحمر، فدخلت الخدمة بالفرقة 25 مشاة.
وخلال معركة أوديسا بشرق أوكرانيا، كافحت ليودميلا ضد الألمان، وسجلت إصابات مؤكدة خلال فترة شهر ونصف، ما يقرب من 187 إصابة، ولكن نظراً للهجوم الألماني الكاسح، نجحوا في الاستيلاء على أوديسا، فتم إرسال وحدتها (25 مشاة – الجيش الأحمر) إلى ميناء سيباستبول Sevastopol بشبه جزيرة القرم، وفي مايو 1942 تم تكريمها من قبل الجيش الأحمر الجنوبي لدورها في قنص 267 جندياً ألمانياً، بالإضافة إلى 36 قناصاً ألمانياً، ونتيجة لذلك، اشتهرت ليودميلا، فجن جنون الألمان، فقرروا قتلها، فقاموا بقصف موقع اختبائها بقذائف الهاون، فجرحت بشدة، وتم سحبها من المعركة للتعافي من جرحها.
وبعد حصولها علي رتبة الرائد Major، لم تعاود ليودميلا مهنة القنص ثانية، واكتفت بتدريب القناصين السوفييت حتى نهاية الحرب، في 1943م منحت وسام النجم الذهبي لبطل الاتحاد السوفييتي، وتم وضع صورتها على أحد طوابع البريد كنوع من التكريم لها.
كما شهدت عقود السوفييت صوراً أخرى على طوابعها.. فمع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، أصبح التعاون الدولي في مجال غزو الفضاء أحد الاتجاهات الأكثر شعبية لجمع الطوابع على مستوى العالم، وقتئذ قام الاتحاد السوفيتي بسلسلة من الرحلات الفضائية، واستطاع ممثلو 11 بلداً التحليق إلى الفضاء على متن السفن الفضائية السوفيتية، وشاركوا في أبحاث علمية على المحطات السوفيتية. وبطبيعة الحال فإن كل رحلة فضاء رافقها سلسلة من إصدارات الطوابع، والتي تصور مراحل عديدة من الرحلات الفضائية. وهذه الطوابع تظهر شعارات وأعلاماً وطنية لرواد الفضاء الأجانب المشاركين في الرحلة، ولكن ذات يوم حدث شيء مزعج..!
كان ذلك عام 1983 عندما تم إصدار مجموعة من الطوابع المكرسة لإحياء يوم الفضاء، وبمناسبة الذكرى السنوية الخامسة على برنامج التعاون الفضاء الدولي، وقد ظهر على هذه الطوابع سفينة الفضاء (سويوز) التي نفذت على متنها معظم الرحلات الدولية المشتركة، في حين طبع على أطراف الطوابع شعار برامج (انتركوسموس) مؤطرة بشعارات الرحلات السوفيتية وأعلام الدول المشاركة في هذه الرحلات. تم إصدار مجموعة محدودة من هذه الطوابع، ولم تكن متاحة للبيع في الأسواق بشكل كبير، مع أن هواة جمع الطوابع بذلوا جهوداً كبيرة للحصول على هذه المجموعة، حتى إنهم اضطروا في بعض الأحيان لشراء طوابع غير مهمة إلى جانب هذه المجموعة، وفي أحيان أخرى كانوا يشترونها بمبالغ باهظة جداً من أيدي المضاربين في السوق السوداء, ولكن فجأة في لحظة من اللحظات اختفت هذه المجموعة، ولم تكن هناك إمكانية للعثور عليها في أي متجر أو بريد أو نادٍ، وبدأت الإشاعات تنتشر بين هواة جمع الطوابع، تقول إن المجموعة بأكملها سحبت من الأسواق وتم إتلافها.
وعلى مستوى قصة طابع بريدي عالمي يحكي عن النضال والشتات من الأرض, ظهر (حنظلة) الطفل الفلسطيني الصغير على طابع بريد ألماني صدر منتصف العام الماضي، بدعم من جمعية ألمانية خيرية تسعى إلى تعريف الجمهور الألماني بهذه الشخصية، لجمع تبرعات تدعم القطاع الصحي في فلسطين. . وقدم الطابع للألمان لمحة عن قضية الإنسان العربي والفلسطيني (الفن والنضال)، خاصة شخصية حنظلة للفنان ناجي العلي، التي تجسد طفولة هذا الفنان، بعد أن أجبر على مغادرة وطنه وهو صغير السن.