العميد عابد الشرقي

العميد عابد الشرقي / لا ميديا -
ها نحن من جديد مع أحد شهداء المنطقة العسكرية المركزية، أبو يحيى حجر، وها نحن أمام قائد عظيم آخر قدم نفسه ودمه فداء للدين والوطن، والذي سنتعرف عليه من خلال السطور التالية، راجياً أن يحالفني الحظ في إنصاف هذا القائد العظيم الذي أعترف أنني مهما كتبت عنه لم ولن أعطيه حقه، وألتمس العذر مسبقاً.
ولد الشهيد إسماعيل أحمد يحيى حجر في مدينة صعدة عام 1987. متزوج  وله 4 بنات وولد. وهو من أسرة عريقة وكريمة متدينة تعد من أوائل الأسر التي استجابت لنداء الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، وكانت تتواصل معه وتدعمه بما تستطيع، ولم تكن الظروف مهيئة بعد لأي دور آخر تقدمه هذه الأسرة للشهيد القائد إلا التواصل عن بعد، إلى أن ضاقت الظروف وازداد الظلم والجور من النظام السابق كان لزاما أن تؤدي دورها في مواجهة الظلم والظالمين ولا تزال.
نشأ الشهيد أبو يحيى حجر ملتزما مطيعا لأسرته، يحترمه كل من حوله من رفاقه ويسلمون له بالرغم من صغر سنه، بل إنهم كانوا ينادونه بـ"العم إسماعيل". فلنتابع معا قصته.

"العم إسماعيل" رغم صغر سنه
كان لي شرف الالتقاء بالمجاهد محمد حجر أبو إسماعيل، شقيق الشهيد الذي تحدث معنا عن الشهيد، وكان أول ما قال عن أخيه أنه لا يعرف عنه الشيء الكثير، فقد كان رحمه الله كتوما في عمله وأسرته، لا تعرف الكثير عن طبيعة عمله، لحرصه على سرية العمل. واعترف مبتسما أن علاقة أخيه بوالديه كانت على أرقى مستوى، بل "كان أفضلنا نحن الإخوة علاقة بهما"، فقد كان مطيعا ملازما للمسجد متخلقا بالأخلاق القرآنية، وكان "أحبنا إلى الأسرة وإلى كل من عرفه"، وهو رغم صغر سنه كان رفاقه ينادونه بـ"العم إسماعيل". التحق بالمسيرة في نهاية الحرب الخامسة وشارك في السادسة وكان أول عمل يقوم به هو العمل الإعلامي الذي كان يحبه جداً ويمارسه ويهواه.

كان يوثق المعارك دون ساتر أو غطاء ناري أمام العدو
أيضاً، كان من الأوائل الذين التحقوا بالعمل الإعلامي لدى الشهيد أبو يحيى حجر، المجاهد الإعلامي أبو ضياء، الذي التقيناه وهو في طريقه إلى جبهة مأرب، ولكنه توقف معنا للحظات وقال: "في بداية انطلاقتي وبعد التدريبات الأولية أرسلونا وحولونا إلى الشهيد أبو يحيى للعمل في الإعلام الحربي، فقام باستقبالنا وتعليمنا وتأهيلنا للعمل في مجال الإعلام الحربي والتوثيق الإعلامي، وقد اشتركت معه في توثيق حرب القطعة وحرب دماج الأولى والثانية، وقد أدهشتني الشجاعة التي كان يتميز بها؛ فقد كان يوثق المعركة بدون ساتر أو غطاء ناري أمام العدو، بكل شجاعة وإقدام، متوكلاً على الله، وقد استطاع أن يوثق مشاهد قوية جداً لاتزال حتى اليوم شاهداً قوياً على شجاعته، فقد صور مشاهد قوية قلما يتمكن أي إعلامي من توثيقها، واستطاع أن يغرس فينا هذه الصفة التي يتميز بها كل من يعمل في الإعلام الحربي الآن، وصارت صفة يجب أن يمتاز بها من يعمل في الإعلام الحربي، فمنذ رأيناه يقوم بالتوثيق أمام العدو بكل شجاعة وبدون أي خوف أو جزع اقتدينا به، واستطاع أن يغرس فينا هذه الميزة، وكان قدوة لكل الإعلاميين ومثلاً يحتذى به في توثيق المعارك، فهو فعلاً حول الكاميرا التي في يد الإعلامي إلى مدفع حقيقي في المعركة، كما يعلمنا السيد القائد يحفظه الله حين يقول: إن الكاميرا في يد الإعلامي بمثابة المدفع في يد المقاتل المجاهد في سبيل الله".

مهاجر في سبيل الله وصادق في أقواله وأفعاله
أقل ما يُقال عن الشهيد أنه كان مهاجراً في سبيل الله، صادقاً في أقواله وأفعاله، يتحرك في الواقع العملي بكل إخلاص مستشعراً المسؤولية متوكلاً على الله في كل أعماله.
رفيقه المجاهد طه الحجازي حدثنا عنه أيضاً وقال: "انطلق الشهيد من نهاية الحرب الخامسة، وشاركوا في السادسة وحرب القطعة ودماج وعمران وصنعاء وعدن وجيزان ونهم.
كان يهتم بهدى الله اهتماماً كبيراً، مستشعراً عظمة الجهاد، لا يمكن أن يداهن في الصدق والإخلاص والتواضع والمتابعة الحثيثة للأعمال، وفي الوقت نفسه كان كثير العبادة وذكر الله.
كان يمثل العون للأخ قائد المنطقة (يحفظه الله)، وهو من أسس الهيكل الإداري والعمل المكتبي في المنطقة المركزية".
ويقول المجاهد عبدالعالم المتوكل: "كان الشهيد من النماذج القرآنية، وهو إلى جانب كونه في الإعلام الحربي فقد انتقل إلى العمل الإداري، وكان يمثل العون للقائد أبو يونس (يحفظه الله) في العمل الإداري، وهو من وضع الهيكل لكل قسم من الأقسام الإدارية ومتابعتها، بمعنى أنه أسس العمل الإداري والمكتبي في المنطقة المركزية بعد استشهاد أبو طارق الحمران (رضوان الله عليه)، فكان قائداً رحيماً بالأفراد، محباً لهم، محسناً إليهم، تأثر به كل من حوله وكل من عرفه".
أما المجاهد حسين محمد حجر فقد قال: "عندما كان في شؤون أفراد المنطقة المركزية كان معروفاً بحكمته ومنطقه وصبره وحبه للأفراد، وقد تأثرت بتصرفاته التي كان يفاجئنا بها جميعاً، حيث يتصرف غير ما نتوقع في معظم الأحيان. أذكر في أحد المواقف التي حصلت بين أفراده وهو من المواقف التي لن أنساها، فقد فاجأني في حل المشكلات بين الأفراد بأسلوب الثقافة القرآنية، وحدث أن اشتكى إليه أحد المجاهدين وقوع مشكلة كبيرة بينه وبين مجاهد آخر وانتظر تدخلاً من أبو يحيى في الحل، وكان رد فعله قرآنياً على عكس ما كان يتوقع حتى صاحب المشكلة نفسه.
فبعد أن شرح لأبو يحيى حجر المشكلة وكيف أن أحد المجاهدين غلط عليه وفعل كذا وكذا... وكان يتوقع أن يقوم أبو يحيى بالذهاب إلى خصمه ومساءلته والتحقيق معه و... و... إلخ.
وكنت شخصيا أتساءل ماذا سيرد أبو يحيى؟ وكانت المفاجأة لي أولاً ولذلك المجاهد الذي يشكو زميله.. فقد كانت المشكلة كبيرة جداً، إلا أنه رد عليه بكل رحمة وخشوع أن عليه أن يصبر، وأن يكتم غيظه وأن يعفو عن زميله وأنه غير قادر على فعل أي شيء له، الأمر الذي أدهشنا جميعاً، وفعلاً حلت المشكلة، فقد نفذ ما قال أبو يحيى وتصالح مع زميله وحلت المشكلة التي كنت أعتقد أنها لن تحل".

حمل مواصفات ومميزات المسيرة القرآنية
بعد استشهاد أبو أحمد محضة تولى أبو يحيى الجانب العسكري وبذل فيه كل جهده، فكان يطوف على الأفراد ويتفقد متطلباتهم ويحسن إليهم، وهذا الإحسان هو ما أهله أن تحول إلى مشرف عسكري، وهذه من صفات ومميزات المسيرة القرآنية.
كما يقول المجاهد عبدالعالم المتوكل: "جندي الله مهامه شاملة، وكما كان كفواً ومقتدراً في العمل الإعلامي والإداري كان ناجحاً أيضاً في الجانب العسكري وقام بدوره على أكمل وجه وسخر وقته للجهاد في سبيل الله، فقد كان مرابطاً كثير الغياب والبعد عن الأهل والأولاد لفترات طويلة رحمه الله.
وقد كانت الجبهة تشهد زحوفات مستمرة ومتتالية، إلا أنه جعل الوضع متماسكاً بمثابرته وإشرافه الميداني المباشر بتنقله بين الأفراد من جبهة إلى أخرى".

كلما صعد العدو كان يطلب من الله التدخل 
كان كلما اشتد التصعيد واشتدت المواجهة لجأ لله عز وجل، فيقوم يصلي ركعتين لله ويدعو الله أن يحقق النصر، ويشكو لله الضعف والحالة التي عليها المجاهدون وأنهم قد عملوا بالأسباب وأنهم ينتظرون النصر والتمكين منه سبحانه وتعالى. هذا ما قاله رفاقه المجاهدون الذين عرفوه، فقد كان دائم الصلة بالله في السراء والضراء، دائم الدعاء لله. وفي آخر تصعيد للعدو وقد تفاقم التصعيد بقوة، كعادته التجأ أبو يحيى لله عز وجل وقام بتدارس القرآن الكريم مع رفاقه حتى جاء النصر وتمكن المجاهدون من كسر الزحف وتحقيق النصر.
وفي تلك المعركة نال الشهادة رضوان الله عليه بغارة جوية للعدو استهدفته ورفاقه، ليرتقي بذلك مع الأنبياء والصديقين والشهداء و"حسن أولئك رفيقا".
بعد حياة حافلة بالعطاء والجهاد والإحسان والبذل والاستبسال والفداء، رحل رضوان الله عليه وقد ترك مدرسةً في الإعلام والإدارة والعمل العسكري، فهنيئاً له الشهادة.
اللهم ألحقنا به صادقين صالحين واجمعنا به في جنة النعيم يا رب العالمين.

أترك تعليقاً

التعليقات