بعد فقدان الأمل في احتلال اليمن وترويض لبنان وكسر سورية.. ليس أمام أمريكا سوى الانسحاب من المنطقة
- د. إسماعيل النجار الأثنين , 4 أكـتـوبـر , 2021 الساعة 7:36:17 PM
- 0 تعليقات
د. إسماعيل النجار / لا ميديا -
الجمهورية الإسلامية الإيرانية أصبَحت رغم أنف الولايات المتحدة الأمريكية سيدة ضِفَّتَي الخليج، واليَمَن في طريقه ليصبح قوة إقليمية كبرى ستعيد صياغة معادلات وخرائط الخليج والمنطقة الجديدة، وسورية عبرت الخطر وتجاوزت الامتحان، ولبنان أوقفَ عدُوَّته على قدم واحدة، وبلاد الرافدين تتعافى.
فماذا تستطيع أن تفعل أمريكا و"إسرائيل" بعد أن قُطِعَ الأمل لديهما من ترويض لبنان وكسر سورية وتمزيق العراق واحتلال اليمن؟!
ثلاثون عامٍاً من الأُحاديَة والغطرَسَة الأمريكية كانت كافية لتظهر حقيقة ديمقراطيتهم وحمايتهم لحقوق الإنسان، وكانت كافية للأعمى لكي يَرَىَ وللأطرش كي يسمَع وللمجنون كي يَعقل.
أمريكا هذه أكبر دولَة كاذبة واستبدادية ومجرمة بكل ما للكلمة من معنى، فهي لا تحترم عهودها ولا المواثيق محترمة عندها، وتَرَى العالم كلهُ مختصراً في مصالحها وفي الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين، ولا قيمة لأحد غير ذلك.
خَرَجَت من الاتفاق النووي مع إيران كما يخرج رئيسها من الحمام، ولَم تحترم تعهداتها وتوقيعها أو الدُوَل الراعية له، ضاربةً بعرض الحائط عَظَمَة الدُوَل التي رعَتهُ لـ12 عاما قبل إقراره رسمياً والتوقيع عليه، واليوم تشترط على الجمهورية الإسلامية الإيرانية العودَة والالتزام بهِ قبل أن تُحَرِّك أقدامها باتجاهه، لكن المفاجأة كانت عندما أدرَكَ الرئيس بايدن أن دخول الحمَّام لا يشبه الخروج منه، وأن العودة إلى الاتفاق مُثقَلة بشروط إيرانية قاسية، وعليه دفع التعويضات لإيران على أقل تقدير.
واشنطن، التي ترغب في العودة إلى الالتزام ببنود الاتفاق ضمن أجندتها فقط وعلى طريقتها الخاصة، فوجئت بأنَّ كَمَّاً كبيراً من أحلامها قد تبخرَ عندما اصطدمَت بصخرة عناد الطرف الإيراني الذي رفض التفاوض على أي ملف آخر أو إضافة أي بَند إلى ورقة الاتفاق، ورفضت طهران أيضاَ الجلوس مع الأمريكيين وجهاً لوجه، حيث تم تشغيل محرك المفاوضات فيينا بالواسطة، وكانَ قد سبقَ الرفض الإيراني هذا ازدياد حركة التطوير داخل مفاعلات "آراك" و"فَردو"، وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي ومنذ أكثر من عام، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية استراتيجية مع الصين طويلَة الأمَد وسط تصفيق روسي وكوري شمالي والبعض من دوَل العالم.
العالم يسير باتجاه بعيد عن بوصلة الرئيس الأمريكي جو بايدن وهو داخل البيت الأبيض يدور حول نفسه، فهوَ لا عاد إلى الاتفاق النووي، ولا اتخذَ قراراً مصيرياً بالنسبة للحرب على اليَمَن الذي انتصرَ فيها "الحوثيون" وقلبوا المعادلَة وأصبحت كل تفاصيل الميدان لصالحهم، ولا حققَ أي تقدم على المسار الفلسطيني، ولا يعرف ماذا سيفعل في سورية بعد الانسحاب من أفغانستان، وخصوصاً بعدما سيطر الجيش الروسي على أكثر من 90% من أراضي البلاد وضمها إلى حُضن الدولة الشرعية.
روسيا بدورها تفاوض واشنطن في هلسنكي، وهناك قضايا دولية عِدَّة موضوعة على الطاولة تحتاج إلى نقاش، لكن موضوع الحرب على اليمن يشكل جوهر اللقاءات، وقضية الأكراد في سورية تأتي في المرتبة الثانية. أما الصين الهادئة جداَ بتعاملها مع الولايات المتحدة، لا تستفزها التصريحات الأمريكية ولا التهديدات، أو أي خطوات عقابية على الأرض، فالتنين الصيني الذي أصبحَ الإمساك بهِ أو لجمه من المستحيلات يمتلك اليوم القدرة والأرضية للرَد على واشنطن في كل الميادين.
من هنا يخرج سؤال وجيه مفاده: كيفَ يريد بايدن أن يطفئ كل النيران التي أشعلتها إدارات أسلافه السابقة؟ وماذا استفادت أمريكا من كل تلك النزاعات السياسية التي صنعوها؟
المراقبون السياسيون بدؤوا يلحظون تخبطاً أمريكياً وعدم استقرار نمطي في العمل السياسي واتخاذ القرارات، وهذا أمر يشير إلى رغبتها في التخريب أكثر من البناء، لأن طبيعة هذه الدولة تآمرية وإجرامية ولن تتغير.
أيضاَ نستطيع القَول بأن واشنطن أصبحت اليوم على شفير الهاوية والانحدار السياسي، وأن إدارتها غير قابلة للتأقلُم مع المتغيرات الجذرية في غرب ووسط آسيا، ولا ترغب بأن تغير سلوكها العدواني تجاه الشعوب، بسبب تمسكها بسياسة تلبية الرغبات "الإسرائيلية".
لذلك، فإن العالم أُحادي القطب أو الجانب لن يبقى على هذه الصورة، والحرب الباردة القادمة ستكون رباعية الهندسَة وليست ثنائية أو ثلاثية، لا بل سيطرأ تغيير جذري على سياسة النظام العالمي الحالي، وربما أن تطورات كثيرة ومتغيرات ستحصل وتفرض واقعاً جديداً يشمل التركيبة السياسية الدولية، وربما لاحقاً قد يصبح النقاش يدور حول العضوية الدائمة لمجلس الأمن القابل للاتساع ليستوعب ثلاث دوَل أخرَى والأمر ليسَ ببعيد، وإلا دونه نزاعات دولية واسعة ستشمل دولاً لم تكُن في قائمة الحسبان.
النظام العالمي الحالي أصبَحَ ميتاً وغير مكتوب له الحياة، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية أصبَحت رغم أنف الولايات المتحدة الأمريكية سيدة ضِفَّتَي الخليج، واليَمَن سيصبح قوة إقليمية كبرى في المنطقة، وسورية عبرت الخطر وتجاوزت الامتحان، ولبنان أوقفَ عدُوّته على قدم واحدة، وبلاد الرافدين تتعافى.
فماذا تستطيع أن تفعل أمريكا و"إسرائيل" بعد أن قُطِعَ الأمل لديهما من ترويض لبنان وكسر سورية وتمزيق العراق واحتلال اليمن؟!
بقيَ الحل الوحيد هو الانسحاب من المنطقة، وعلى ربيبتها "إسرائيل" أن تُدَبِّر رأسها، لأن مواجهة التمدد الصيني هيَ الأهم والأولَى.
كاتب ومحلل سياسي لبناني
المصدر د. إسماعيل النجار
زيارة جميع مقالات: د. إسماعيل النجار