أفق النهضة
 

محمد القاسم

محمد القاسم / لا ميديا -

إن النهضة الاقتصادية الحقيقية لا تقاس فقط بحجم ما تراه من تطور في الإنتاج وتوسع في الاستثمار ونمو في السوق وتحسن في الدخل ومظاهر الرفاه، وإنما تقاس بالظروف الإقليمية والمناخ السياسي والاستقرار الأمني، التي حصل في ظلها هذا النماء.
وتقاس النهضة بطبيعة السياسات الاقتصادية التي أحدثت هذه النهضة، هل هي سياسات قائمة على تأسيس اقتصاد استقلالي ومنتج ومقاوم قابل لأن يتحمل الصدمات عند حدوث تحديات خارجية من صراعات وعقوبات ونزاعات... الخ، أم أنها مجرد فقاعة أفرزت على هامش حركة سوق المال والأعمال بطريقة مخادعة توهم دولاً وكيانات أن هذا هو الطريق الأقصر لتحقيق الرخاء والرفاه؟! (هل الأفضل أن يصبح البلد منتجا لحاجياته الأساسية من الغذاء التي لو لم يكن منتجاً لها فستقصم ظهره وتذله وتخضعه عند النوازل والملمات، أم يكون منتجا للمشروبات الغازية، والمستلزمات الرياضية، والسياحة الجنسية... الخ التي ستدر أموالاً طائلة قد يركن إليها الحمقى والعملاء، وعند أبسط تحدٍّ ينهار كل شيء بما فيه الكرامة الإنسانية والسيادة الوطنية والهوية الدينية... الخ؟!
وتقاس النهضة بحجم استقلالية قرارك السياسي، ومواقفك الأخلاقية والدينية من قضايا أمتك فيأتي السؤال: هل هذه النهضة هي جزء من تطور شامل ومتكامل في القوة العسكرية واستقلالية القرار السياسي، وثبات وتنامي المواقف المبدئية تجاه القضايا الإنسانية والوطنية والإسلامية، أم أنها نهضة عابرة ومجرد طعم وثمن لتخليك عن مناعتك العسكرية والاقتصادية وهويتك الإسلامية والوطنية وقيمك الإنسانية ومشروعك الحضاري الاستقلالي؟
وبالتالي فالإنسان السوي هو من يستطيع أن يدير معركة الحفاظ على السيادة الوطنية والاستقلال السياسي، من أجل الحفاظ على القيمة الحضارية في المستقبل كأمة قائمة بذاتها بين الأمم تتحرك بمطلق الحرية والانعتاق في ميدان السباق الحضاري، مهما كانت هذه الطريق محفوفة بالمخاطر ومفروشة بالأشواك، ومهما ظهر من تخلف اجتماعي واقتصادي كأعراض حتمية لاتباع السياسة الدوائية الاستراتيجية ضد فيروس التبعية والخضوع للقوى المستكبرة.
أما الإنسان المعوج في ضميره وتفكيره فهو الذي يزايد بشعارات التعددية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحريات الفردية... وغيرها من مظاهر الخداع، وهو متكئ على دعم المستعمر أو يأوي في أحضان المستكبر أو مجرد سمسار يعرض وطنه في مزاد الطامعين تحت شعارات اللحاق بركب الأصدقاء وتحقيق الشراكة معهم والاستفادة من تجربتهم... وغيرها من الادعاءات التي يمهر الخونة في ترديدها وتسويقها.
تقف كل الدول النامية الطامحة للنهضة الاقتصادية بين مطرقة التحديات والصراعات التي سيفتعلها النظام العالمي الرأسمالي والتي ستجعل طريقهم مليئاً بالأشواك التي ستمس معيشة الشعب بالبؤس والحرمان، وبين سندان الماكنة الإعلامية الضخمة الجاهزة للتشويه والتشهير والتحقير بكل مسارات البناء الاقتصادي المتحررة من قبضة النظام الاقتصادي العالمي الذي يتاجر بالإنسان والإنسانية في أسواق الاحتكار.

أترك تعليقاً

التعليقات