عباس الزين

عباس الزين / لا ميديا -

بعد 5 سنوات من الحرب على اليمن، تظهر قوى التحالف السعودي أكثر تضعضعاً وتقهقراً وأكثر بعداً عن تحقيق الأهداف المرسومة لعدوانها، في الوقت الذي تبدو قوات صنعاء متماسكة مع قدراتٍ سياسية وعسكرية أكبر، وذلك استناداً إلى النتائج التي خلفها العام الخامس للحرب.
تحمل الأشهر الأخيرة التي سبقت انتهاء العام الخامس من العدوان السعودي على اليمن، معظم دلالات ومؤشرات الفشل في تحقيق معظم الأهداف المعلنة في مارس من العام 2015، إن كان في الداخل اليمني، على صعيد الجبهات اليمينة وما تراكمه قوات صنعاء من قوة وسيطرة جغرافية أكبر، أو التقهقر الذي أصاب بنية التحالف السعودي، أو على صعيد الداخل السعودي، والتأثيرات المستمرة لتلك الحرب في النظام الحاكم سياسياً واقتصادياً.

صنعاء آمنة
كان الوصول إلى صنعاء والسيطرة عليها من خلال إسقاط "حكومة الإنقاذ" وإعادة ما تصفه السعودية بـ"الشرعية"، الهدف الأبرز الذي عملت قوى التحالف السعودي على إتمامه. في العام الخامس للحرب، يمكن القول، واستناداً إلى وضع الجبهات الحالي، إن هذا الهدف بات صعب المنال أكثر وأكثر، وما صرّحت عنه قوى التحالف من أنها قادرة على الحسم في صنعاء خلال أيام أو أشهر قليلة في العام 2015، تشير المعطيات الميدانية الحالية إلى كونه "بروباغندا" إعلامية ارتدت بشكل عكسي على مطلقها.
سيطرت قوات الجيش واللجان الشعبية خلال الأشهر الماضية على كامل جبهات مديرية نهم الواقعة إلى الشرق من صنعاء، وذلك بعد هجومٍ شنته قوى التحالف ومرتزقتها وحاولت من خلاله التقدم نحو العاصمة اليمنية، إلا أن قوات الجيش واللجان استوعبت الهجوم في مرحلةٍ أولى، وقامت بهجومٍ مضاد في المرحلة الثانية، تمكنت على إثره من السيطرة التامة والشاملة على كل مناطق المديرية الاستراتيجية التي كانت "خاصرة رخوة" بالنسبة إليها. وفي مرحلةٍ ثالثة، ثبّتت مواقعها في تلك المديرية المطلة على محافظة مأرب المعقل الأساسي لقوات هادي في شمال اليمن.
بعد تأمينها شرق العاصمة، بدأت قوات الجيش واللجان التحرك باتجاه الشمال الشرقي للمديرية، وتحديداً صوب محافظة الجوف الحدودية مع السعودية. وبعد أسابيع من المعارك التي بدأت أواخر يناير، تخللتها مؤازرة مباشرة من القبائل، تمكنت قوات الجيش واللجان في منتصف مارس الفائت، من تحرير كل مديريات محافظة الجوف، بما فيها الحزم، عاصمة المحافظة، ودحر ما يسمى "المنطقة العسكرية السادسة" التابعة لقوات هادي.
وبتحرير قوات الجيش واللجان لجبهات نهم شرق العاصمة ومديريات الجوف شمالي شرق العاصمة، باتت العاصمة صنعاء آمنة بشكلٍ كامل من الجهات كافة، إذ إن جميع المحافظات الأخرى المحيطة تحت سيطرتها (ذمار، الحديدة، عمران، حجة، ريمة، المحويت)، باستثناء مأرب شرقاً، التي تتقدم نحوها قوات الجيش واللجان بشكلٍ ملموس ومدروس، وباتت تسيطر على أجزاءٍ منها، مقابل تقدمٍ مماثل باتجاه الحدود مع السعودية.
ولعلّ إطلالة محمد ناصر العاطفي، وزير الدفاع في "حكومة صنعاء"، من جبهات نجران داخل الأراضي السعودية في سبتمبر العام المنصرم، خلال عملية "نصر من الله"، توضح إلى حدٍّ كبير تغيّر موازين القوى سياسياً وعسكرياً بعد 5 سنواتٍ من الحرب.

عام تضعضع قوى التحالف
أيضاً عند الإعلان عن الحرب في 2015، قال التحالف السعودي إن من ضمن أهدافه هو الحفاظ على "الشرعية" ومواجهة "الانقلاب الحوثي" بالتعاون والمشاركة من قبل قوات يمنية حليفة جعلت من عدن "عاصمة مؤقتة" لها.
بعد 5 سنوات على الحرب، تظهر هذه القوى في مشهدٍ مغايرٍ كلياً، ففي الوقت الذي كانت قوات الجيش واللجان تؤمّن العاصمة وتتوسع في سيطرتها الجغرافية خلال الأشهر الماضية، كانت القوى اليمنية المنضوية تحت لواء "التحالف" تخوض معارك ضارية وشرسة في ما بينها، أنتجت تفككاً كبيراً في بنية هذا التحالف، ونقلت المعارك إلى صفوفه بين قوات "المجلس الجنوبي الانتقالي" المدعومة من الإمارات وقوات الرئيس عبد ربه منصور هادي.
وحاولت السعودية في نوفمبر الماضي، من خلال ما عرف بـ"اتفاق الرياض"، وضع نهايةٍ لأشهرٍ دموية من القتال عاشها الجنوب اليمني بين الطرفين، إلا أن الاتفاق وبعد مرور أشهر على إبرامه، لم ينفّذ منه أيّ بندٍ مؤثرٍ، حيث أخفقت السعودية في توحيد صفوف القوات الموالية لمواجهة قوات الجيش واللجان، في حين بدأت أبوظبي الحليف الأبرز للرياض بالتغريد خارج سرب التحالف عبر إعلانها المتكرر الانسحاب منه، ودعمها المباشر والعلني لقوات "الانتقالي" ضد حكومة هادي، أي "الشرعية" وفق وصف التحالف، وهي الذريعة الأبرز لبدء التحالف ومن ضمنه الإمارات بشكلٍ أساسي الحرب على اليمن.. فأين موقع تلك "الشرعية" الآن من أهداف الحرب على اليمن؟

الكلفة الاقتصادية على السعودية
الكلفة الأكبر للحرب السعودية على اليمن لا تقتصر على ما تدفعه السعودية على السلاح المستورد، بل أيضاً وبشكلٍ أكثر تأثيراً في الضربات التي وجهتها القوة الصاروخية في الجيش اليمني ضد منشآت "أرامكو" النفطية السعودية، والتي تعتبر العمود الفقري الذي يقوم عليه الاقتصاد السعودي. 
أنفقت السعودية مئات مليارات الدولارات على الحرب في اليمن. كل هذا الإنفاق الذي وصل إلى أكثر من 800 مليار دولار "بشكلٍ عام" وفق بعض المعلومات المنتشرة، والسعودية تجد حالياً مطاراتها العسكرية ومنشآتها النفطية والحيوية مستهدفة من قبل القوة الصاروخية اليمنية بشكلٍ مستمر. 
وفي مقاربة أرقام سنوات العدوان، تتضح الصورة القاتمة للاقتصاد السعودي، والتي يحاول النظام حجبها. فمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى قال إن نفقات الحرب المباشرة التي تصرفها السعودية تقدر بـ6 مليارات دولار شهرياً. وقد تراجع احتياطي النقد الأجنبي للسعودية من 787 مليار دولار في 2014 إلى 503 مليارات دولارٍ عام 2019، في حين لجأت السعودية للاستدانة الداخلية والخارجية، حيث من المتوقع أن يصل عام 2020 إلى 180 مليار دولار بعد أن كان 91 ملياراً قبل بدء الحرب.
يضاف إلى ذلك الخسارة التي سببها استهداف الجيش اليمني واللجان الشعبية المتكرر لمنشآت "أرامكو" بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية، لاسيما المنشآت التي يتم فيهما معالجة معظم خام النفط السعودي قبل تصديره أو تكريره، وقد أدت الضربة في سبتمبر الماضي إلى خفض إنتاج المملكة من النفط الخام بمقدار 7.5 مليون برميل في اليوم، ما يعادل نصف إنتاج السعودية من النفط تقريباً، وهو ما أثّر بشكلٍ مباشر في الاقتصاد السعودي النفطي الذي يعاني أساساً من انخفاض سعر النفط في السوق العالمي، والذي وصل مؤخراً إلى حدود 20 دولاراً، في حين أن الميزانية السعودية ترصد حوالى 80 دولاراً للبرميل من أجل الخروج من العجز.
ويشير مايكل ستيفنز، خبير شؤون الخليج في مركز الخدمات المتحدة الملكي في لندن، إلى أن "الحرب لم تحقق فائدة تذكر للسعودية. ومن الناحية الاستراتيجية يمكن القول إن الرياض في وضع أضعف مما كانت عليه في 2015".

* كاتب وصحفي لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات