الفضاء السيبراني..ساحة الحروب الجديدة
 

نبيل الضيفي

نبيل قاسم الضيفي / لا ميديا -
فيما يخوض عرب البترودولار سباق التنافس لإقامة المهرجانات المليئة بالتفاهات، مثل: سباق الكلاب، أجمل تيس، أغلى عنزة، أسرع ناقة...! يعمل كيان العدو الصهيوني في الطرف الآخر، ليل نهار، لتطوير قدراته العسكرية، من خلال تطعيم ترسانة أسلحته بأحدث العتاد والطائرات والقنابل الفتاكة، الهجومية منها والدفاعية، في حروبه التي يخوضها في غزة ولبنان واليمن وسورية وإيران... لينتقل مؤخراً إلى فتح جبهة أخرى لا تقل خطورة عن القنابل الفتاكة، بل أكثرها خطراً وتأثيراً على سير المعركة، وهي جبهة «الفضاء الرقمي» (السيبراني)، التي أفصح عنها رئيس أركان قوات الاحتلال «الإسرائيلي» في العام 2015 بإعلانه إنشاء «سلاح رابع في الجيش الإسرائيلي»، إلى جانب سلاح الجو والبر والبحر، هو «السيبر».
تنويه لا بد منه
قبل الخوض في التفاصيل، لا بد من الإشارة إلى أن الهدف من تناول هذا الموضوع ليس التهويل أو المبالغة في إمكانات وقدرات العدو، بقدر ما هو استدعاء لليقظة العربية والإسلامية قبل فوات الأوان، واللحاق بركب الدول المصنعة للتكنولوجيا، ومواجهة العدو بالأسلوب نفسه والسلاح أيضاً.

قطعة من «إسرائيل»!
قبل حوالى أسبوعين تقريباً، تداولت وسائل الإعلام العالمية والعربية، فضائيات ومواقع إلكترونية، تصريحاً للمجرم الصهيوني نتنياهو في لقاء جمعه بوفد من الكونجرس الأمريكي في القدس المحتلة، يقول فيها: «كل من يملك هاتفاً خلوياً يحمل قطعة من إسرائيل»!
تصريح نتنياهو هذا لم يأتِ اعتباطاً أو من فراغ، وإن بدا في ظاهره التباهي بالقوة الاقتصادية التي يمتلكها الكيان الصهيوني، وإعلاناً استراتيجياً خطيراً أراد من خلاله إيصال رسالة إلى العالم بشكل عام، ورؤساء وملوك وأمراء الدول العربية وشعوبهم بشكل خاص، بأن لـ»إسرائيل» نفوذاً واسعاً في بنية العالم التكنولوجي والرقمي، وأنها قادرة على الوصول إلى أي شخص كان في أي مكان، مقاوماً كان أو عميلاً.

صناعة الاختراقات!
تقارير صحفية أكدت امتلاك الكيان الصهيوني أسهماً عبر رؤوس أموال في عدد من شركات تصنيع وتطوير أجهزة الحاسوب والهواتف والاتصالات المتقدمة، وتطوير البرمجيات والشرائح الإلكترونية والتطبيقات، بما في ذلك الذكاء الصناعي والأمن السيبراني، في الصين وتايوان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، تعمل بالتنسيق مع وحدة «السيغنيت سايبر 8200»، التابعة لـ«الموساد الإسرائيلي»، وشركات أمنية مثل (NSO) تستخدم برمجيات صُنعت خصيصاً للتجسس، مثل برنامج «بيغاسوس» (PEGASUS)، صُممت لاختراق الهواتف واستخراج بيانات مستخدميها، مثل الرسائل وجهات الاتصال والكاميرا والميكرفون... كما تُستخدم هذه البرمجيات في العمليات الميدانية الاستخباراتية عبر اختراق الشبكات الخلوية لتعقب الأفراد وتحديد مواقع تواجدهم، وهي طرق استُخدمت في اغتيال العلماء والقادة النوويين الإيرانيين، عن طريق تحديد مواقعهم عبر هواتفهم الشخصية أو هواتف مرافقيهم، كما حدث في محاولة اغتيال قيادات حركة حماس في دولة قطر عن طريق تحديد موقعهم عبر هواتفهم المستخدمة لتطبيقات من الممكن أن برمجتها تمت في «إسرائيل»!

تكنولوجيا الاغتيالات عن بُعد!
في يومي 17 و18 أيلول/ سبتمبر 2024 نفذت «إسرائيل» عملية اغتيالات واسعة في لبنان استهدفت قيادات وأفراداً في حزب الله، استشهد على إثرها 12 شخصاً وأصيب أكثر من 2,780 آخرين، عبر تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية المعروفة باسم «البيجر» عن بُعد، والتي كانت البديل للهواتف المحمولة في التواصل الداخلي للحزب، وذلك في محاولة لتعطيل وشلّ قدرات حزب الله القتالية في وقت متزامن، عن طريق إرسال إشارات عالية الكثافة.
وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» فإن «إسرائيل» لم تتلاعب فقط بأجهزة حزب الله اللاسلكية (البيجر) التي انفجرت، بل إنها صنعتها، إذ كانت قد وضعت خطة استخباراتية دقيقة تتضمن إنشاء شركة وهمية في المجر باسم (BAC Consulting)، لتصنيع أجهزة «البيجر»، بترخيص من شركة (Gold Apollo) التايوانية المصنعة لهذا الجهاز، وأن الشركة الوهمية (BAC) تعاملت مع عملاء عاديين وصنعت لهم مجموعة من أجهزة النداء العادية؛ لكن العميل الذي كان مهتماً بها حقاً هو حزب الله، لذا صنعت له أجهزته بشكل منفصل، وكانت تحتوي على بطاريات مملوءة بمادة (PETN) المتفجرة، قبل شحنها إلى لبنان في صيف 2022 بأعداد صغيرة، وتم تكثيف الإنتاج بعد أن حظر الشهيد السيد حسن نصر الله استخدام الهواتف الجوالة.

«محتوى عنيف»!
تحت هذا العنوان استنفرت أجهزة الكيان الصهيوني الافتراضية، عقب الصفعة التي تلقاها في عملية «طوفان الأقصى» التي نفذها أبطال المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وعبر التواصل والتنسيق مع الشركات المتواجدة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مثل شركة «ميتا» المالكة لتطبيقات التواصل الاجتماعي «فيسبوك، «واتسأب»، «إنستغرام»، و«ثريدز»، التي أغلقت منذ انطلاق «طوفان الأقصى» حتى الآن نحو أكثر من 22 مليون حساب حول العالم، بالإضافة إلى شركة «ألفابت» المالكة لمحرك البحث «جوجل» ومنصة «يوتيوب»، والتي أغلقت آلاف القنوات للسبب ذاته تحت شعارات «محتوى عنيف»، «سلوك عدائي ونشر الكراهية»... وذلك للحد من انتشار مقاطع الفيديوهات التي أظهرت خيبة الكيان وهزيمته أمام أبطال «طوفان الأقصى» الذين كشفوا عجز وهشاشة «الجيش الذي لا يُقهَر» وأظهروه مجرد «نمر من ورق». كما عملت هذه الشركات أيضاً على إخراس وإغلاق ومصادرة الحسابات التي تنشر وتتداول مقاطع الفيديو والصور والمنشورات التي تتناول المجازر البشعة التي يرتكبها الكيان الصهيوني في حق أبناء غزة ولبنان واليمن وسورية.

«تيك توك» في قبضة الكيان
في أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلن الكيان الصهيوني أنه نجح في إحكام قبضته على تطبيق «تيك توك»، عبر ضغوط أمريكية مباشرة على الشركة الصينية المالكة للتطبيق، بدافع الحد من سيطرتها على السوق الأمريكية، وأجبرتها على نقل ملكية عمليات التطبيق إلى الملياردير اليهودي الأمريكي لاري إليسون، مؤسس ومالك شركة «أوراكل»، أبرز مانحي قوات الكيان الصهيوني، وأبرز رجال الأعمال النافذين في الاقتصاد والسياسة الأمريكية.
وسائل الإعلام العالمية والعربية، فضائيات وصحفاً ومواقع إخبارية، تناقلت الخبر واستضافت خبراء ومتخصصين في مجال التقنيات والبرمجيات والأمن السيبراني، أشاروا فيها إلى أن المستفيد من هذه الخطوة بالدرجة الرئيسية هو الكيان الصهيوني، وجاءت تلبية لمطالب رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، الذي حذر من خطورة تطبيق «تيك توك» و»تأثيره على عقول الشباب»، في محاولة للحد من تداول مقاطع الفيديو التي تكشف بشاعة المجازر التي يرتكبها الكيان ضد أبناء غزة والضفة ولبنان واليمن وسورية، بالإضافة إلى محاولة إخراس الرأي العام العالمي المطالب بإيقاف الحرب على غزة ومحاكمة الكيان على كل جرائمه وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية معه وجعله منبوذاً عالمياً.

المستقبل للتكنولوجيا!
استراتيجياً، من الضروري للدول العربية، وخاصة دول محور المقاومة، اللحاق بركب التكنولوجيا، وخصوصاً تكنولوجيا المخابرات؛ ما لم فإنها ستواجه مصاعب كبيرة في الحروب الحديثة؛ إذ لم تعد المواجهة «جيش مقابل جيش»، و»سلاح مقابل سلاح»، كما هو متعارف عليه، بل توسعت المواجهة من ساحات القتال إلى الفضاءات «السيبرانية» التي باستطاعتها إسكات منظومات الرادارات، وتعقب القادة وتصفيتهم... وباختصار: المستقبل للتكنولوجيا!

أترك تعليقاً

التعليقات