الدمار يتجاوز الحجر.. صدمة وجودية في «إسرائيل»
- ليلى عماشا الأثنين , 16 يـونـيـو , 2025 الساعة 2:00:03 AM
- 0 تعليقات
ليلى عماشا / لا ميديا -
بدأت ترد عبارات مثل: «البحث عن مفقودين» و»الدمار الهائل» و»المباني المنهارة» وغيرها، من الحقل المعجمي نفسه، في السياق الإخباري «العبري»! هذه العبارات اعتادها الجمهور في بلادنا، حتى في العالم كله، فعل فاعله («إسرائيل») ومفعوله دائماً على أرضنا. وكما العبارات، كذلك الصور التي باتت ترد من فلسطين المحتلة، وترينا ما لم نرَه قبلاً في عدوّنا، رغم التشدّد «الإسرائيلي» الهائل في منع تصوير أماكن سقوط الصواريخ المباركة والأضرار التي تسبّبها.
إذن، يعيش العالم، لا «إسرائيل» فحسب، صدمة غير مسبوقة: مباني تسوّى بالأرض في لحظة، فرق إسعاف تبحث عن مفقودين وتنتشل جثثاً وجرحى على وقع اضطراب الحاضرين وحزنهم، عجزاً واضحاً عن استيعاب ما يجري، وقد ظنّوا طوال سنين أنّهم لن يدخلوا دوماً خانة «المفعول به»... لكنّ القواعد تغيّرت، والوجع الذي عرفوه سابقاً بـ»المفرّق» وفي أوقات متباعدة وبوتيرة بطيئة، يرونه اليوم مكثّفاً وسريعاً، لا يترك لهم لحظة للاستيعاب، بسرعة المبارك الفرط صوتي الذي تعجز قبّتهم عن اعتراضه، فيختار مكاناً لسقوطه بعناية ودقّة، ينفجّر ويفجّر كلّ أحلامهم معه.
عرفت «إسرائيل» هذا النوع من الدمار قبلاً -وحصراً- في «معركة أولي البأس»، في مستوطنات الشمال الفلسطيني المحتل التي كانت طوال أيام المعركة -ولم تزل حتى اليوم- خالية من المستوطنين. وكانت وتيرة حدوثه أبطأ بطبيعة الحال، وبعيدة عن أعين الإعلام، الذي مُنع أصلاً من تفقّد أضرار المعركة. ولنقل: نجحت إلى حدّ ما في التعتيم على خسائرها الكبيرة التي خلّفتها صواريخ حزب الله في مستوطنات الشمال. إلّا أنّ جهود التعتيم، اليوم، سقطت بوصول أول دفعة من «الوعد الصادق 3» إلى أهدافها في «تل أبيب» بنجاح، وتوالت بعدها الدفعات، ومعها سقطت بالكامل نظرية أنّهم يدمّرون ويقتلون حيث شاؤوا، ويبقى مستوطنوهم بأمان.
أسوأ ما كان يرد في بال المستوطنين، عندما تدوّي صافرات الإنذار، أن يهرعوا مرعوبين إلى الملاجئ والأماكن المحمية، وأن «يتهجروا» من مستوطنات الشمال نحو الوسط، خلال أو بعد معركة مع المقاومة في لبنان أو من مستوطنات غلاف غزّة خلال أو بعد المعارك مع المقاومة في فلسطين أو من محيط «بن غوريون» ومن مختلف الأماكن التي تستهدفها الصواريخ العزيزة من اليمن. أما أن يصبح كامل الأرض المحتلة في مرمى صواريخ الجمهورية الإسلامية في إيران، وألّا يعرف الصهاينة لحظة أمان واحدة بانتظار الدفعة التالية، بل وأن يجدوا بعد الدمار أنّ المباني سُوّيت بالأرض، والمنشآت الاقتصادية قد خرجت عن العمل، وأنّ من بينهم من هو عالق تحت الأنقاض، فتلك مشاهد لم يعهدوها، ومعهم العالم لم يعهدها أيضاً. وهذا يشكّل حرفياً صدمة وجودية بالنسبة إليهم، ولكلّ من ظنّ يوماً أنّ هذا الوجود الهجين الهمجيّ قابل للبقاء ومحصّن إلى الأبد!
إذن، هي أخبار تثلج القلوب ومشاهد تسرّ الناظرين منّا.
في صباح الأحد، على سبيل المثال، أوردت «القناة 12» العبرية أنّ عشرين شخصاً ما يزالون في عداد المفقودين تحت الأنقاض في «بات يام» جنوبي «تل أبيب»، وارتفاع عدد المصابين جراء سقوط الصواريخ الإيرانية في مركز «إسرائيل» إلى 240 بين قتيل وجريح. وإذ خرج الإعلام العبري بعنوان «تل أبيب منكوبة»، أكدت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنّ «أضراراً كبيرة وقعت في «معهد وايزمن للأبحاث»، في «رحوفوت»، جراء سقوط صاروخ إيراني». كما نُقل عن مصادر حكومية للاحتلال أن التقارير العسكرية والأمنية تتوقع وصول عدد القتلى إلى ما بين 800 و4000 مستوطن حتى انتهاء الجولة الحالية من الصراع مع إيران. هذه العيّنات القليلة ممّا ورد من أخبار الكيان المؤقّت جاءت مصحوبة بصور وتسجيلات تُظهر ما كان في العادة يُصوّر في غزّة والضاحية الجنوبية وقرى جنوب لبنان وبقاعه: أحياء وأبنية مغرقة بالدمار!
وإن كان الصهاينة يواجهون الصدمة بما يشبه الذهول المرتبط بالواقع، بدا أن المتصهينين في بلادنا آثروا الدخول في حالٍ من الإنكار والهرب من مواجهة الحقيقة. بعضهم آثر التركيز على الأضرار في الجمهورية الإسلامية في إيران المعتدى عليها، وغرقوا بين شماتة وتمنيّات بأن يكون هذا الدمار سبباً لسقوط جمهورية الحق ونصرة المستضعفين، وبعضهم يجتهد في ترقيع صورة «إسرائيل»، والتي بنظرهم لا تُمسّ ولا تُهزم، فصار يهدّد ويتوعّد بالانتقام من إيران على تجرّؤها هذا!
هؤلاء جميعاً معذورون في صدمتهم، فهم لطالما ارتزقوا وعاشوا داخل فقاعة وهم الكيان «الذي لا يُهزم»، وهم اليوم يرون بأعينهم ما لا يحبّون!
المصدر ليلى عماشا
زيارة جميع مقالات: ليلى عماشا