خطر الحرب الإعلامية
 

شهاب الشامي

شهاب الشامي / لا ميديا -
في ظل الثورة التكنولوجية التي يعيشها العالم اليوم تحول الإعلام إلى ‏سلاح فعّال يخوض به صراعات خفية قد تكون تأثيراتها «بيولوجية» أكثر ‏تقليدية؛ إذ لم تعد المعارك تدور فقط في ميادين القتال، بل باتت تُخاض عبر ‏الشاشات، حيث تستخدم الكلمات والصور بشكل مدروس لإعادة تشكيل ‏الحقائق وفرض تصورات جديدة على المجتمعات.‏
الحرب الإعلامية لم تعد مجرد عملية لنقل الأخبار أو عرض الأحداث، بل ‏أصبحت أداة تستخدم بذكاء لتوجيه الرأي العام وصناعة واقع افتراضي ‏يخدم أجندات سياسية واقتصادية محددة في هذا الإطار تتجلى خطورتها في ‏استغلال المشاعر الإنسانية والتأثير على العقل الجمعي وتوجيه قرارات الأفراد بأسلوب ‏غير مباشر.‏
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ازدادت الحرب الإعلامية تعقيداً، ‏فالأخبار الزائفة والمعلومات المضللة تنتشر بسرعة البرق، مدعومة بملايين ‏المشاركات التي تمنحها مظهراً من المصداقية هذه الوسائل التي كان ‏يفترض أن تكون منصات للتواصل وتحولت إلى ساحات لمعركة فكرية ‏تستهدف تشكيل الوعي الجمعي وتوجيهه وفق مصالح خفية. والأخطر من ‏ذلك هو التطور السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث أصبح ‏بالإمكان استخدامها لإنتاج مقاطع فيديو تبدو واقعية ‏تماماً وتظهر شخصيات حقيقية وهي تقول أو تفعل أموراً لم ‏تحدث أبداً ما يؤدي إلى تضليل الجمهور وخلق أزمات سياسية واجتماعية.‏
ما حدث في سورية خلال السنوات الأخيرة يمثل أحد أبرز الأمثلة على قوة ‏الحرب الإعلامية وتأثيرها المدمر، وكانت البلاد مسرحاً لحملات إعلامية ‏مكثفة استهدفت تشويه الحقائق وتصوير الأحداث بطرق معينة لخدمة ‏أجندات مختلفة، فمثلاً انتشار مقاطع فيديو وصور ‏زُعم أنها توثق حالات تعذيب في السجون السورية، في حين أن العديد منها كانت مفبركة أو ‏تم التلاعب بها عبر مونتاج احترافي، بهدف تأجيج الغضب ‏الشعبي وإثارة الرأي العام الدولي ضد الحكومة السورية، بعض هذه ‏المقاطع وصلت إلى منظمات حقوقية واستخدمت كأدلة في تقارير دولية ‏رغم افتقارها إلى المصداقية!‏
في اليمن تبدو الحرب الإعلامية في بداياتها؛ لكنها تحمل مؤشرات خطيرة ‏إلى ما هو قادم مع تزايد التوترات السياسية ومحاولات المرتزقة فتح الجبهات ‏بتوجيهات خارجية، بدأت الحملات الإعلامية الممنهجة تستهدف نشر ‏الوعي التدميري من خلال بث الشائعات وتضخيم الأحداث واستخدام ‏وسائل التواصل الاجتماعي كمنصات لزرع الانقسامات وزعزعة ‏الاستقرار الداخلي، لذا علينا كمجتمع أن نكون أكثر وعياً لما يحدث، وأن ‏نتخذ موقفاً واضحاً تجاه أي محاولة لاستغلال الإعلام لتمزيق النسيج ‏الاجتماعي وبث الفتنة بين أفراد الشعب. وعي الأفراد هو السلاح الأقوى ‏لمواجهة هذه الحرب القادمة التي لا تقل خطورة عن الحروب التقليدية.‏
الحرب الإعلامية هي التحدي الحقيقي لعصرنا الحديث. إنها معركة لا ‏يستخدم فيها السلاح التقليدي، بل الكلمات والصور والأفكار. ومع تطور ‏الذكاء الاصطناعي واستغلال الدول للقنوات الإعلامية أصبحت هذه ‏المعركة أكثر تعقيداً وتهديداً. لذا فإن وعي الأفراد وإدراكهم لهذه التحديات ‏يشكلان حجر الزاوية في بناء مجتمعات قوية قادرة على حماية نفسها من ‏التلاعب واستثمار هذه التحديات، لبناء مستقبل أكثر وعياً واستقلالية.‏

أترك تعليقاً

التعليقات