خطر الحرب الإعلامية
- شهاب الشامي الثلاثاء , 31 ديـسـمـبـر , 2024 الساعة 12:25:29 AM
- 0 تعليقات
شهاب الشامي / لا ميديا -
في ظل الثورة التكنولوجية التي يعيشها العالم اليوم تحول الإعلام إلى سلاح فعّال يخوض به صراعات خفية قد تكون تأثيراتها «بيولوجية» أكثر تقليدية؛ إذ لم تعد المعارك تدور فقط في ميادين القتال، بل باتت تُخاض عبر الشاشات، حيث تستخدم الكلمات والصور بشكل مدروس لإعادة تشكيل الحقائق وفرض تصورات جديدة على المجتمعات.
الحرب الإعلامية لم تعد مجرد عملية لنقل الأخبار أو عرض الأحداث، بل أصبحت أداة تستخدم بذكاء لتوجيه الرأي العام وصناعة واقع افتراضي يخدم أجندات سياسية واقتصادية محددة في هذا الإطار تتجلى خطورتها في استغلال المشاعر الإنسانية والتأثير على العقل الجمعي وتوجيه قرارات الأفراد بأسلوب غير مباشر.
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ازدادت الحرب الإعلامية تعقيداً، فالأخبار الزائفة والمعلومات المضللة تنتشر بسرعة البرق، مدعومة بملايين المشاركات التي تمنحها مظهراً من المصداقية هذه الوسائل التي كان يفترض أن تكون منصات للتواصل وتحولت إلى ساحات لمعركة فكرية تستهدف تشكيل الوعي الجمعي وتوجيهه وفق مصالح خفية. والأخطر من ذلك هو التطور السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث أصبح بالإمكان استخدامها لإنتاج مقاطع فيديو تبدو واقعية تماماً وتظهر شخصيات حقيقية وهي تقول أو تفعل أموراً لم تحدث أبداً ما يؤدي إلى تضليل الجمهور وخلق أزمات سياسية واجتماعية.
ما حدث في سورية خلال السنوات الأخيرة يمثل أحد أبرز الأمثلة على قوة الحرب الإعلامية وتأثيرها المدمر، وكانت البلاد مسرحاً لحملات إعلامية مكثفة استهدفت تشويه الحقائق وتصوير الأحداث بطرق معينة لخدمة أجندات مختلفة، فمثلاً انتشار مقاطع فيديو وصور زُعم أنها توثق حالات تعذيب في السجون السورية، في حين أن العديد منها كانت مفبركة أو تم التلاعب بها عبر مونتاج احترافي، بهدف تأجيج الغضب الشعبي وإثارة الرأي العام الدولي ضد الحكومة السورية، بعض هذه المقاطع وصلت إلى منظمات حقوقية واستخدمت كأدلة في تقارير دولية رغم افتقارها إلى المصداقية!
في اليمن تبدو الحرب الإعلامية في بداياتها؛ لكنها تحمل مؤشرات خطيرة إلى ما هو قادم مع تزايد التوترات السياسية ومحاولات المرتزقة فتح الجبهات بتوجيهات خارجية، بدأت الحملات الإعلامية الممنهجة تستهدف نشر الوعي التدميري من خلال بث الشائعات وتضخيم الأحداث واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كمنصات لزرع الانقسامات وزعزعة الاستقرار الداخلي، لذا علينا كمجتمع أن نكون أكثر وعياً لما يحدث، وأن نتخذ موقفاً واضحاً تجاه أي محاولة لاستغلال الإعلام لتمزيق النسيج الاجتماعي وبث الفتنة بين أفراد الشعب. وعي الأفراد هو السلاح الأقوى لمواجهة هذه الحرب القادمة التي لا تقل خطورة عن الحروب التقليدية.
الحرب الإعلامية هي التحدي الحقيقي لعصرنا الحديث. إنها معركة لا يستخدم فيها السلاح التقليدي، بل الكلمات والصور والأفكار. ومع تطور الذكاء الاصطناعي واستغلال الدول للقنوات الإعلامية أصبحت هذه المعركة أكثر تعقيداً وتهديداً. لذا فإن وعي الأفراد وإدراكهم لهذه التحديات يشكلان حجر الزاوية في بناء مجتمعات قوية قادرة على حماية نفسها من التلاعب واستثمار هذه التحديات، لبناء مستقبل أكثر وعياً واستقلالية.
المصدر شهاب الشامي
زيارة جميع مقالات: شهاب الشامي