شرحبيل الغريب

شرحبيل الغريب / لا ميديا -
لماذا يعتبر صاروخ اليمن فشلاً كبيراً لـ«إسرائيل»؟
11 دقيقة ونصف الدقيقة هي المدة التي استغرقها وصول صاروخ بالستي فرط صوتي من طراز جديد أطلقته القوات المسلحة اليمنية تجاه “تل أبيب”، أخفقت الدفاعات الجوية في اعتراضه، وأصاب هدفه، وأدخل أكثر من مليوني مستوطن “إسرائيلي” إلى الملاجئ، جاء كرسالة ثقيلة على “إسرائيل”، وشكل عملية نوعية مفاجئة من اليمن انتصاراً لغزة.
سجلت القوات المسلحة اليمنية نجاحاً كبيراً بعدما كانت قد استهدفت سابقاً مدينتي “إيلات” و”تل أبيب” بطائرات مسيرة، وهي تسجل اليوم نجاحاً جديداً بعدما ضربت “تل أبيب” بصاروخ بالستي قطع أكثر من 2000 كيلومتر، وضرب هدفاً قرب مطار اللد أو ما يعرف بـ”مطار بن غوريون”.
ما يميز هذا النوع من الصواريخ هو القدرة على تغيير مساره فجأة، ما جعل الدفاعات الجوية عاجزة عن اعتراضه، الأمر الذي أثار تساؤلات في “إسرائيل” أكبر من الانفجار الذي أحدثه، إذ أشار معهد الأمن القومي “الإسرائيلي” إلى أن القوات المسلحة اليمنية باتت تشكل تهديداً حقيقياً لـ”إسرائيل”، إلى جانب تهديد حزب الله على الجبهة الشمالية.
ويذهب المعهد في تقديره إلى أن الصاروخ اليمني البالستي يعكس قدرة اليمن على الوصول إلى المراكز الحيوية والاستراتيجية في “إسرائيل”، وهذا انعكاس ومؤشر إلى النجاح في تطوير القدرات العسكرية، وأن مثل هذا التهديد ينضم إلى تهديدات سابقة انطلقت من اليمن. ويشير المعهد إلى سلاح الطائرات المسيرة الذي يمتلكه اليمن، والذي ضرب “تل أبيب” في وقت سابق، والحرب البحرية المستمرة على السفن في البحر الأحمر.
لماذا يعتبر صاروخ اليمن فشلاً كبيراً لـ”إسرائيل”؟ سؤال مهم يطرح نفسه أمام هذا الصاروخ الذي أحدث صدمة وإرباكاً كبيرين، وأيقظ “إسرائيل” كلها، كما علقت الصحافة العبرية.
من الضروري التوقف عند هذه الاعتبارات، فالصاروخ قطع مسافة تتجاوز 2000 كيلومتر من مكان انطلاقه، وهذا المسار الطويل فيه كثير من العقبات “الإسرائيلية” والدولية. تتمثل تلك العقبات في:
الأولى: الفشل في التعقب والرصد والاعتراض من قوة دولية موجودة على مقربة من اليمن، تتمثّل بالقيادة المركزية الأمريكية الوسطى والقطع البحرية المنتشرة في البحر الأحمر وسلسلة من الأساطيل تتبع لمجموعة من الدول تعد شريكة أساسية في التحالف والتصدي لهجمات اليمن التي تستهدف السفن “الإسرائيلية” أو التي تتوجه إلى “إسرائيل” من دول أخرى.
الثانية: وجود المنظومة الدفاعية “الإسرائيلية” لأكثر من جيل لطالما تفاخرت به “إسرائيل”، كـ”منظومة حيتس”، و”منظومة السهم”، و”منظومة مقلاع داود”، و”منظومة القبة الحديدية”، وجميعها منظومات تعمل لغرض الرصد والتصدي لأي تهديد صاروخي خارجي، وتعد من المنظومات الأكثر تطوراً لدى “إسرائيل”، وهي قادرة على رصد الأهداف بدقة بالغة قبل وصولها.
الثالثة: فشل المنظومات الدفاعية المنتشرة في وسط “إسرائيل” في التصدي للصاروخ وتمكنه من الوصول إلى منطقة حيوية كمطار حيوي ومهم يعكس حال تهاوي الردع في الكيان.
ثمة دلالات يحملها الصاروخ اليمني الذي ضرب “تل أبيب”، تتمثل بفشل ما تدّعيه “إسرائيل” من امتلاكها قوة الردع المطلقة، بل باتت بلا رادع استراتيجي، وأن معركة “طوفان الأقصى” أكدت أن “إسرائيل” كيان أوهن من بيت العنكبوت وقابل للانكسار والهزيمة. ومن دون حلفائها الغربيين هي كيان هش لا يستطيع حماية نفسه بنفسه.
تؤكد القوات المسلحة اليمنية، إلى جانب حزب الله في لبنان، أن موقف النصرة والإسناد لغزة ما زال قائماً رغم فاتورة المواجهة التي يمكن أن يدفعها اليمن. كما تؤكد أن امتلاك هذا النوع من الصواريخ تجاوز عقدة البعد الجغرافي عن فلسطين. أما عن الاستخدام فإنه يعكس الإرادة السياسية لدى اليمن بالانتقال إلى مرحلة متقدمة من المواجهة واستخدام ما يملك من ترسانة عسكرية لمصلحة قضية فلسطين ونصرة قطاع غزة. أما على الصعيد العملياتي والقدرة على تجاوز منظومة الدفع الجوي، فهو نجاح لليمن وفشل كبير لـ”إسرائيل”، ويرشح احتمال تصاعد شكل وطبيعة المواجهة بين “إسرائيل” وأطراف محور المقاومة من جهة أخرى.
قرع الصاروخ البالستي اليمني الجرس في وجه نتنياهو الذي يريد إشعال حرب واسعة في لبنان بات يلمح لها كثيراً، في وقت بات جيشه منهكاً عالقاً في غزة، ليبعث رسالة ثقيلة مفادها أنَّ مثل هذا الصاروخ البالستي يمكن أن ينطلق من لبنان ويضرب مراكز حيوية استراتيجية بدقة أكبر مما انطلق عليه من اليمن. وقتها، ستكون المعادلة قد اختلفت كلياً، وستقضي على أطماع نتنياهو وطموحاته باللهاث وراء نصر مطلق بحث عنه طيلة 11 شهراً.
خيارات “إسرائيل” تضيق بعد وصول صاروخ فرط صوتي يمني إلى “تل أبيب”، ونتنياهو وشركاؤه يأخذونها نحو الهاوية، فكل الحسابات يجب أن تختلف، وما قبل وصول الصاروخ إلى “تل أبيب” ليس كما بعده، والرهان على تفجير حرب مع لبنان سيجعل أطرافاً عديدة تعيد حساباتها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الأكبر لـ”إسرائيل”، والتي يريد نتنياهو توريطها في حرب كبيرة في المنطقة، في وقت تتجهّز لانتخابات رئاسية مقبلة، والمنطقة برمتها باتت أمام أسابيع حاسمة ومهمة تجعلها على مفترق طرق؛ إما وقف الحرب والتسوية نتيجة لمراجعة الحسابات بعد الصاروخ اليمني وإما الذهاب إلى مواجهة واسعة مع لبنان، وهذا ما لا ترغب فيه كثير من الدول في المنطقة، ولا يخدم أجندة إدارة بايدن الحالية.

كاتب ومحلل سياسي فلسطيني

أترك تعليقاً

التعليقات