الزامل أداء جماعي أم فردي؟
 

أبو شادي الصغير

أبو شادي الصغير / لا ميديا -

يُعرف الزامل أنه أحد الفنون الغنائية الشعبية. والفنون الغنائية بصورة عامة لا تزال -عدا للقلة من المتخصصين والمهتمين- معالمها غير واضحة من حيث أشكالها وصيغها؛ فالحديث عن الغناء التقليدي يختلط بالحديث عن الغناء الشعبي "الفلكلوري". وحتى في مجال الغناء التقليدي نفسه، لا يذكر غير الموشح والقصيدة، والتمييز بينهما يتم دائما على المستوى الأدبي القائم على الفوارق في شكل بناء القصيدة أو الموشح بصرياً، وتنوع الموسيقى المتولدة عن تنوع القوافي بين البيت والتوشيح... إلخ، كما في الموشحة.
 أما عن القوالب الغنائية والصياغات اللحنية لهما والعلاقة بين الألحان فلا يوجد وضوح كاف في هذا الشأن.
ولا يقل الأمر تشويشا مع الاقتراب من الفنون الغنائية الشعبية، ومنها الزامل.
والزامل، بحسب الشاعر عبدالله البردوني "من يوميات الحياة الجارية يختلط فيها وجه الحياة بصوت الإنسان... وهذا النوع من الأدب أشبه بأراجيز الحرب والمناظرات القولية من حيث التعبير المباشر عن الغرض ومن حيث التحمس المعنوي للاستقتال ورد المقاتلين". و"عندما يجتمع الناس في القرى لتلبية أي حادث، يصنع (البداع) شطرين أو ثلاثة أشطر يرددها الصف الأول بأصوات قراءة للحفظ، وثانياً لتجربة الأداء بأصوات خافتة، وبعد أن يتأكد (البداع) من حسن الأداء تعلو الأصوات بالزامل. ولا بد أن يكون معبرا عن الحدث الذي استدعاه. وحين يكون الجمع كثيفا يقسم إلى صفوف، الصف الأول يفصح عن المناسبة كما بدأها (البداع) والصفوف الأخرى تطلق زوامل متعددة الإيقاع لا يشترط أن تعبر عن المناسبة، وإنما تتوخى مجرد رفع الصوت كبرهان على الكثرة المندفعة. ولا يشترط أن يكون القائل معروفا، لأن المراد هو رفع الصوت بأي أثر محفوظ. وقد يختلف الأداء. فزامل الخروج هو نوع زامل الوصول أما ما بين المكانين فلا يكون الزامل إلَّا مجرد تنشيط حركة متعددة الإيقاع والصفوف. ويشترط في لغة الزامل أن تكون منظومة على عدة أنغام متقاربة الإيقاع*". هذه الفقرة توجز بدقة ووضوح مستويين في الزامل: الشكل الأدبي (القولي)، ومستوى الأداء.
فالشكل الأدبي (شطران أو ثلاثة) ومضمونها (يعبر عن المناسبة) وصياغة فنية تحتفي بتعدد الأنغام وتقارب إيقاعها. 
وعلى مستوى الأداء: قراءة للحفظ، أداء تجريبي بصوت منخفض، ثم ارتفاع الصوت بعد إجادة الأداء. ومع العدد الكبير يتوزعون في صفوف: الأول ينشد بما بدأه البداع، وتطلق الصفوف الأخرى زوامل متعددة الإيقاع لنصوص محفوظة، هدفها فقط منح الصوت زخما مستمرا متصاعدا للإيحاء بالكثرة والتعدد الإيقاعي المتولد من تتالي الإنشاد بين الصف الأول والصف أو الصفوف الأخرى. ومن المعروف أن ألحان الزامل هي ألحان شعبية تتنوع بتعدد المناطق الجغرافية.. وقد شهد الزامل في السنوات الأخيرة ما يشبه الطفرة، وتسيد ما سواه منذ بدء عدوان التحالف السعودي الإماراتي على البلد، ولا نريد الوقوف هنا عند الدور الذي لعبه الزامل في التعبئة وبث الحماسة للتصدي للعدوان ... الخ.
ولكن سنثير بعض الأسئلة حول أساليب الأداء.
 بالاستناد على أهم سمات الزامل التي وردت في الفقرة، وخصوصا ما يتعلق بأساليب الأداء، وفي الجوهر منها تلك التي تمنحه هويته؛ كالأداء الجماعي مثلا والتناوب في الإنشاد بين الصوت الجماعي الأول وصوت المجموعة أو المجموعات الأخرى؛ هل يمكن أن نقول إن تخلي الزامل عن الأداء الجماعي وغيره كان استجابة لظرف طارئ يتطلب مواكبته، ولا يتيح الوقت وإمكانات الإنتاج تحقق تلك الشروط؟ أو نذهب مع الزعم أن تجديدا قد تحقق في أساليب الأداء في الزامل الذي نسمعه هذه الأيام؟ وإن كان كذلك، فما الذي خسره الزامل بتخليه عن الأداء الجماعي؟ وما الذي كسبه في الأداء الجديد؟
هناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى مزيد من التمعن في فن الزامل وإمكانية تطوره أو انحساره.

* الفقرة للشاعر عبد الله البردوني وردت في كتاب "الغناء اليمني ومشاهيره" للفنان محمد مرشد ناجي

أترك تعليقاً

التعليقات