عوض المسلمي
 

أبو شادي الصغير

أبو شادي الصغير / لا ميديا -

يتفق المشتغلون بالموسيقى وعلومها على أن حنجرة الإنسان كانت ولاتزال هي أعظم آلة موسيقية مصدرة للصوت، ليس في مدى مساحة طبقاتها المتميزة فحسب، بل في كثافة وتنوع المشاعر والأحاسيس المنبعثة من نسيج الصوت البشري. من هذه الحقيقة ينطلق هواة الطرب والغناء والإنشاد والتلاوة، وبالتدريب المستمر والممارسة والاستماع والدراسة يمتلكون مهارات التحكم بأصواتهم وتطويعها والتلاعب بها ارتفاعا وانخفاضا، امتدادا وقصرا، سرعة وبطئا... الخ، بما يحقق جودة الأداء.
"الهاشمي قال هذي مسألة". لحن هذه الأغنية علق بين أذني وذهني وأنا في الثالثة عشرة من العمر، أدندن لحنها عفويا بتكرار رتيب، ولمرات لا عدد لها، مع كلمات متناثرة لا تعني لي شيئا. أما ما كنت أعرفه عن هذه الأغنية فهو اسم "المسلمي"، فقد كرره عمي كلما سئل عن الفنان.
عام 1909 قافلة جمال تشق طريقها من شبوة إلى حضرموت. وفي قرية "بير علي" المتاخمة لحضرموت تتوقف القافلة لانتظار طفل قرر مغادرة محارته والخروج إلى النور في تلك اللحظة العابرة. هل كان "عوض البير" (هكذا لقب عوض المسلمي) يخاتل الزمن ليطيل سنوات بقائه في النور قبل أن يُدخِله مرض الجدري في العتمة وهو في الثانية عشرة؟!
رغم فداحة خسارة البصر فلا يزال لدى عوض ما يراهن عليه: صوته. سحره الذي سيحز به العتمة لتنبثق بهجة الفرح، فمن علبة صفيح (جالون)، شد عليها أوتار صخبه، صنع عوده الأول. وبإضافة السمسمية وملازمة أصدقائه له بدأ يشكل فرقته الغنائية في مدينة الشحر -حضرموت، وشدوا ببعض الألحان الحضرمية المشهورة للشيخ علي هرهرة. في الخامسة عشرة يغادر عوض المسلمي إلى الخليج، وللأسف تشح المعلومات عن السنوات الثلاث التي أمضاها هناك! 
 عام 1929 يعود إلى الشحر ليغادرها بعد عام إلى عدن على ظهر ساعية قبل "ناخوذتها" مقابل نقله أن يكون مطرب الساعية.
ليس لمفتون بصوته كعوض المسلمي أن يمتصه الصمت والنسيان في عدن، ففيها أصوات تصدح في المخادر والمقايل. بإعجاب الفنان "عمر محفوظ غابة" بصوته، وتعليمه ضبط أوتار العود والعزف عليه، وتقديمه في المقايل والمناسبات، أخذت شهرته تتمدد إلى الحبشة والصومال وجيبوتي.
للمسلمي صوت قوي، جميل، واضح، وأداء دقيق، أجاد به تقديم الألحان المشهورة للأغنية الصنعانية واللحجية والحضرمية واليافعية. تفاعل كغيره مع الأحداث التي كانت تضطرم في محيطه يمنيا وعربيا وعبر عنها في ألحانه، ومنها الأغنية الشهيرة: "الهاشمي قال هبوا يا رجال/ كل العرب رددت يحيا جمال" و"ما يباك شعبي"...
 أسس "تختا" موسيقيا (فرقة عزف بالآلات التقليدية) ضم عددا من العازفين، أشهرهم الفنان المعروف محمد سعد عبدالله الذي تأثر به كثيرا، ويستطيع أي متابع لأداء الفنانين أن يلحظ هذا التأثر بوضوح في أساليب أداء الأغنية الصنعانية بالذات، مثل أغنية "غنى على نايف البواسق" و"يقرب الله لي بالعافية والسلامة" وغيرهما.
للمسلمي ما يزيد على 100 أغنية، منها: "أسمر كحيل الطرف" و"ألا قامت ليلى"، "السعيد الذي"، و"دام الأنس"، "ملكت على القلب"، "يا رعى الله أيام منها الدهر غار"، "يا مكحل عيوني بالسهر"، "يا من لقي قلبي المضنى"، "يا هلال الفلك"، " تذكر يا حياة الروح"... 
أصيب المسلمي بمرض السرطان وأمضى في الكويت ثلاثة أشهر للعلاج، وعاد إلى عدن بعد تحسن طفيف وتوفي في نوفمبر من العام 1975.

أترك تعليقاً

التعليقات