عادل بشر / لا ميديا -
لم يعد الحديث عن العلاقة المتنامية بين مرتزقة الانتقالي الجنوبي (أدوات الاحتلال الإماراتي في اليمن) والكيان الصهيوني مجرد اتهام سياسي أو استنتاج تحليلي، بل بات حقيقة مثبتة باعتراف صحافة غربية نافذة كشفت عن تطور تلك العلاقة إلى مستوى عقد اجتماعات مباشرة بين ممثلين عن المرتزقة، في مقدمتهم ما يسمى "المجلس الانتقالي"، ومسؤولين "إسرائيليين" برعاية إماراتية.
وذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية، في تقرير حديث، أن "الانتقالي" برئاسة المرتزق عيدروس الزبيدي "أرسل وفداً للالتقاء بمسؤولين إسرائيليين، انطلاقاً من قضية مشتركة لديهم ضد صنعاء"، مشيرة إلى أن الوفد الذي اجتمع بالمسؤولين الصهاينة عقد أيضاً اجتماعاً مع أعضاء في مجلس الأمن، الثلاثاء الماضي، وأبلغ دبلوماسيين غربيين أن "اليمن لن يكون موحداً بعد الآن، وأنهم يسعون لإعلان دولة مستقلة في الجنوب"، حسب قول الصحيفة.
ونقلت الصحيفة عن مصدرين غربيين أن "الانتقالي يأمل كسب ود الرئيس ترامب، الذي يرغب في توسيع اتفاقيات إبراهام بين إسرائيل والدول العربية، من خلال الوعد بالاعتراف بإسرائيل فور استقلال جنوب اليمن".
هذه المعلومات، وفقاً لمراقبين، ليست مفاجأة، خصوصاً وأنها تأتي بعد شهور طويلة من ممارسات سياسية وإعلامية مكشوفة كان خلالها مرتزقة الإمارات يغازلون الكيان الصهيوني بشكل مباشر، عبر خطابات سياسية وأدوات إعلامية وتصريحات متكررة تتماشى مع الرؤية الصهيونية تجاه اليمن والمنطقة؛ إلا أنها تؤكد أن ما يجري في المحافظات المحتلة ليس "صراعاً داخلياً" بين فصائل المرتزقة، بل جزء من مشروع "إقليمي إسرائيلي" أوسع، تُستخدم فيه تلك الفصائل كأدوات محلية لتنفيذ أجندات تتجاوز اليمن وحدوده والمنطقة برمتها.
ويرى محللون أن ما كشفته صحيفة "التايمز" البريطانية حول لقاءات جمعت وفداً مما يسمى "الانتقالي" بمسؤولين "إسرائيليين" لا يمكن قراءته بوصفه مجرد تقاطع مصالح عابر فرضته ظروف المرحلة كما يصوغها البعض، بل هي علاقة وظيفية بامتياز بين مدير تنفيذي من "تل أبيب" وأدوات صنعتها الإمارات في جنوب اليمن وجزء من الساحل الغربي.
في هذه المعادلة، لا يقف ما يسمى  "المجلس الانتقالي" كطرف سياسي مستقل ينسق مع عدو الأمة من منطلق "شراكة استراتيجية"، وإنما تعمل أدوات الاحتلال الإماراتي في اليمن، لخدمة مشروع إقليمي أوسع لصالح الكيان الصهيوني، وهو مشروع تتولى أبوظبي توفير بيئته التنفيذية واللوجستية.
التقرير البريطاني لم يكتفِ بالإشارة إلى وجود تواصل أو قنوات خلفية، بل وضع هذه العلاقة في سياق سعي "مجلس الزبيدي" لتسويق نفسه خارجياً، وتقديم أوراق اعتماده بوصفه شريكاً جاهزاً في مواجهة صنعاء. هنا، وفقاً لمراقبين، تنتفي فكرة تبادل المصالح، ويبرز منطق التوظيف؛ الكيان الصهيوني كعقل مُدير للمشهد، وفصائل مرتزقة مدعومة إماراتياً كأدوات ميدانية وسياسية قابلة للاستخدام في واحدة من أكثر الساحات حساسية في المنطقة.
هذا الفهم يزداد وضوحاً إذا ما وُضع ما كشفته "التايمز" في سياق الخلفية السياسية لمرتزقة "الانتقالي"، فالمرتزق عيدروس الزبيدي سبق أن أعلن في أكثر من مناسبة أنه لا مانع لديه من تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، ووصف اتفاقيات التطبيع التي دخلت فيها الإمارات والبحرين والمغرب بأنها "خطوة نحو السلام الإقليمي"، لهذا يؤكد مراقبون أن التقرير البريطاني يأتي كحلقة متقدمة في مسار بدأ بالخطاب، ثم انتقل إلى القنوات الخلفية، قبل أن يصل إلى مستوى اللقاءات المباشرة. وهو مسار يتكامل تماماً مع الدور الإماراتي في المحافظات المحتلة بالجنوب، حيث لم تكتفِ أبوظبي بدعم مليشيات مسلحة، بل عملت على إعادة تشكيل البنية السياسية والأمنية لتلك المحافظات بما يسمح بتمرير مشاريع إقليمية أكبر، في مقدمتها فتح الممرات البحرية الحساسة أمام النفوذ "الإسرائيلي"، من باب المندب إلى خليج عدن، وإدخال الجنوب اليمني في محور معادٍ لقوى المقاومة في المنطقة، وفي المقدمة تطويق صنعاء، وضرب أي نموذج يمني مستقل يرفض الخضوع للهيمنة الأمريكية "الإسرائيلية".