تقرير / لا ميديا -
رغم مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على إعلان «اتفاق وقف إطلاق النار» في قطاع غزة، لا تزال آلة الحرب الصهيونية تواصل القتل والتدمير، في مشهد يؤكد أن «الهدنة» ليست سوى غطاء لتجديد أنفاس الجريمة واستمرارها بوتيرةٍ أقل صخباً وأكثر وحشية.
فالمجازر الصهيونية لم تتوقف، بل اتخذت شكلاً جديداً من الإبادة المتقطعة، التي تفتك يومياً بأرواح الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية على حد سواء.

الهدنة مسرح دم
ودخلت غزة، أمس، يومها الثاني والعشرين من «اتفاق وقف إطلاق النار»، الذي أُعلن في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2025؛ لكن الصمت المفترض تحوّل إلى دويّ انفجاراتٍ متكررة وقصفٍ مدفعيٍ متواصلٍ على أطراف القطاع. وأفادت وزارة الصحة في غزة بأن 22 شهيداً ارتقوا وأصيب 9 في الـ48 ساعة الماضية. وأوضحت الوزارة أن عدد الشهداء منذ سريان الهدنة بلغ 226 شهيداً، فيما ارتفع عدد الجرحى إلى 594 إصابة، إضافة إلى 499 جثماناً جرى انتشالها من تحت الأنقاض في مناطق متفرقة.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان وصف المشهد بأنه إبادة جماعية بطيئة تنفذها «إسرائيل» بأسلوب جديد يقوم على خرق اتفاق وقف إطلاق النار بشكل يومي عبر قصف محدود يستهدف مناطق النزوح والمنازل والخيام، قبل أن يتطور كل بضعة أيام إلى حملات قصف واسعة النطاق. وأشار المرصد، في بيانه الأخير، إلى أنّ الاحتلال الصهيوني قتل 219 فلسطينياً بينهم 85 طفلاً منذ بدء الهدنة، بمعدل يزيد على عشرة قتلى يومياً، في سياسة تصعيد متدرّج تُحوّل غزة إلى مختبر للموت المتواصل.
وشنّت طائرات الاحتلال، أمس، سلسلة غاراتٍ جوية على مناطق شرقي خان يونس وشرقي مدينة غزة، بالتزامن مع قصفٍ مدفعيٍ شمالي بيت لاهيا، فيما تواصل قوات الاحتلال عمليات نسفٍ للمنازل في بلدة عبسان الجديدة، في استهدافٍ متعمّد للبنية السكنية والمدنية، وكأنّ الاحتلال يصرّ على جعل «الهدنة» غطاءً لمرحلة تدميرٍ من نوع آخر.

الحصار مستمر والمساعدات رهينة
على الصعيد الإغاثي، لا يزال العدو الصهيوني يفرض حصاراً خانقاً على القطاع، مانعاً دخول معظم الشاحنات الإغاثية والوقود والمواد الطبية.
وتشير تقارير أممية إلى أن عدد الشاحنات التي سمح الاحتلال بدخولها لا يقارن حتى بالحد الأدنى الذي أقرّ في الاتفاق ضمن المرحلة الأولى.
وفي الوقت الذي التزمت فيه المقاومة الفلسطينية بتعهداتها بتسليم جثامين عدد من الأسرى «الإسرائيليين»، وحرصت على التعاون الكامل مع الوسطاء، تذرع العدو الصهيوني بعدم تسليم حركة المقاومة الإسلامية حماس جميع الجثث لديها، في محاولةٍ مفضوحة لتبرير استمرار الحصار والقصف.
من جانبها، أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام - الجناح العسكري لحركة «حماس» جهوزيتها الكاملة للعمل على استخراج جثث الأسرى «الإسرائيليين» داخل ما يسمى «الخط الأصفر»، في وقتٍ متزامن وفي كل الأماكن، مؤكدةً أنها عرضت تسليم عينات من الجثامين المجهولة الهوية لتسريع العملية؛ لكن العدو رفض وفضّل استخدام الملف كورقة ضغطٍ سياسيةٍ وإعلاميةٍ عدوانية.

الجبهة الشعبية: المعتقلات ميادين للموت البطيء
بدورها حملت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الاحتلال الصهيوني المسؤولية الكاملة عن الجرائم المتصاعدة بحق الأسرى الفلسطينيين، مؤكدةً أن ما يجري داخل زنازين الاحتلال يمثل جريمة إبادة بطيئة ممنهجة، تشمل التعذيب الجسدي والنفسي والإهمال الطبي المتعمد وعمليات تصفيةٍ بعد الاعتقال.
وقالت الجبهة إن ما يُمارس بحق الأسرى يعكس توجهاً داخل المؤسسة الحاكمة الصهيونية يسعى إلى تحويل السجون إلى ميادين للموت البطيء، بإشراف مباشر من شخصياتٍ مجرمة على رأسها من يسمى وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير. ودعت الجبهة الأمم المتحدة والصليب الأحمر إلى فتح تحقيقٍ دولي عاجل ومستقل لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، مؤكدة أن ما يجري يمثل ذروة الفاشية السياسية والعنصرية في كيان الاحتلال.

احتلالٌ بلا كوابح
لا تتوقف الانتهاكات الصهيونية عند حدود غزة، بل هي ممتدة إلى الضفة الغربية المحتلة، حيث يتواصل الطمس الممنهج والاعتداءات اليومية على القرى والمدن الفلسطينية. ففي قرية المنيا، جنوب شرق بيت لحم، أصيب ثلاثة مواطنين برصاص غاصبين هاجموا القرية تحت حماية قوات الاحتلال، في مشهدٍ بات يتكرر يومياً، ويعكس التحالف الإجرامي بين قوات الاحتلال وعصابات الغاصبين.
رئيس مجلس قروي المنيا، زايد كوازبة، أكد أن الغاصبين أطلقوا النار بشكل مباشر على المواطنين، ما أدى إلى إصابتهم في الأطراف السفلية، ونُقلوا إلى المستشفى للعلاج.
وفي رام الله، أغلقت قوات الاحتلال مدخل قرية المغير الشمالي الشرقي للمدينة، ومنعت المواطنين من الدخول أو الخروج، بينما نفّذت في جنين حملة اعتقالاتٍ طالت ستة مواطنين من بلدتي يعبد وقباطية بعد مداهمة منازلهم وتحطيم محتوياتها. كما تعرض شاب للضرب المبرح أثناء عملية الاقتحام.
وفي نابلس، اقتحمت قوات الاحتلال مخيم عسكر الجديد، وداهمت عدداً من المنازل والعمارات السكنية، بينما أعلنت سرايا القدس – كتيبة نابلس تفجير عبوة ناسفة موجهة من نوع «سجيل» في آلية صهيونية بشكل مباشر، ما أدى إلى إعطابها.

موسم زيتون دامٍ
هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية كشفت أنّ قوات الاحتلال والغاصبين نفذوا 259 اعتداءً ضد قاطفي الزيتون منذ مطلع تشرين الأول/ أكتوبر، تنوعت بين اعتداءات جسدية واعتقالات ومنعٍ من الوصول إلى الأراضي الزراعية.
وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أنّ موسم الزيتون هذا العام شهد أعلى معدل هجمات للغاصبين منذ خمس سنوات، حيث سُجّل 126 هجوماً ضد 70 بلدة فلسطينية، وتدمير أكثر من 4000 شجرة وشتلة زيتون، وإصابة 17 مواطناً وتخريب 19 مركبة خلال الأسبوع الأخير فقط.
هذه الاعتداءات ليست أحداثاً عابرة، بل هي جزء من سياسة ممنهجة تسعى إلى اقتلاع الفلسطيني من أرضه وتحويلها إلى محميات صهيونية، في إطار خطة تهويدٍ متسارعةٍ تُدار من داخل حكومة العدو التي تتبنى سياسة «الحسم» ضد الفلسطينيين.
وفي القدس المحتلة، أعلن محافظ المدينة أن الاحتلال أصدر أمراً عسكرياً يقضي بالسيطرة على 5856 دونماً من أراضي بلدة عناتا، بزعم «الأغراض العسكرية»، في خطوة جديدة لاستكمال مشروع التهويد وطمس ما تبقى من الوجود الفلسطيني.