تقييم فرنسـي لمعركة البحر الأحمر:الجيش الأمريكي في حالة سيئة بعد خساراته أمام اليمن
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا
عادل بشر / لا ميديا -
تتوالى الاعترافات الغربية بحجم الفشل الذي مُنيت به الولايات المتحدة خلال تورطها بالعدوان على اليمن دفاعاً عن الكيان الصهيوني، في المعركة التي خاضتها صنعاء ضد العدو "الإسرائيلي" إسناداً لقطاع غزة.
جديد هذه الاعترافات جاء عبر صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية الشهيرة عالمياً، التي قدّمت، في عددها الصادر أمس الأول، قراءة صادمة لنتائج المواجهة التي شهدها البحر الأحمر بين قوات صنعاء والبحرية الأمريكية وحلفائها، راصدة بدقة حجم الإخفاق الأمريكي الذي تكلل في نهاية المطاف بخضوع واشنطن لهدنة مع صنعاء استثنت فيها "اسرائيل".
وبأسلوب الصحافة الرياضية، عنونت "لوموند ديبلوماتيك" تقريرها بـ"الجيش الأمريكي في حالة سيئة.. الحوثيون 1، واشنطن 0"، وذلك بعد أشهر من المواجهة المفتوحة لواحد من أعظم الجيوش العالمية تسليحاً وتطوراً، مع "قوة يمنية فقيرة لكنها أثبتت كفاءة قتالية عالية وقدرة لافتة على استنزاف الترسانة الأمريكية الحديثة".
من المقاومة إلى المواجهة المفتوحة
استهلت الصحيفة الفرنسية تقريرها بإطلالة على بداية ظهور حركة "أنصار الله" مطلع الألفية، معتبرة أن أيديولوجية الحركة يرتكز على معاداة "إسرائيل" وأمريكا، وأن ظهورها كقوة عسكرية عام 2004 كان في أساسه احتجاجاً على الاحتلال "الإسرائيلي" لفلسطين وكذلك الغزو الأمريكي للعراق. ومنذ ذلك العام -وفقاً للصحيفة- دخل "أنصار الله" في سلسلة مواجهات مع أمريكا والسعودية؛ لكن لحظة التحول المفصلي كانت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حين نفذت المقاومة الفلسطينية في غزة عملية "طوفان الأقصى" ضد العدو الصهيوني، وما تلا ذلك من حرب إبادة جماعية نفذها كيان الاحتلال في القطاع على مدى أكثر من عامين.
تلك اللحظة -تقول الصحيفة- دفعت اليمنيين إلى الانخراط في معركة جديدة، ليس على أراضيهم أو في الحدود مع السعودية، بل في البحر الأحمر، مشيرة إلى أن "اليمنيين، الذين عانوا ما يقرب من عقد من المجاعة تحت وطأة الحصار السعودي المدعوم أمريكياً على موانئهم، قرروا تحويل موقعهم الجغرافي إلى ورقة ضغط على إسرائيل وحلفائها، فأطلقوا عمليات متصاعدة ضد السفن التجارية والعسكرية الأمريكية والإسرائيلية والسفن المرتبطة بإسرائيل، وذلك بهدف إجبار الأخيرة على رفع الحصار عن غزة".
وأفادت بأن قوات صنعاء استخدمت في المعركة البحرية "الزوارق السريعة وترسانتهم محلية الصنع من الصواريخ والطائرات المسيّرة والمركبات البحرية غير المأهولة".
واشنطن ترد.. والفشل يتكرر
وأكدت صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" أن "إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وتحت ذريعة حماية حرية الملاحة، شنت في كانون الثاني/ يناير 2024 حملة جوية وبحرية واسعة ضد اليمن، وأرسلت أسطولاً بحرياً إلى مضيق باب المندب. لكن النتائج جاءت عكس المتوقع، إذ غرق جنديان من قوات النخبة البحرية الأمريكية، وأُسقطت طائرة مقاتلة من طراز "إف. إيه-18 سوبر هورنت"، بعد إقلاعها من إحدى أبرز حاملات الطائرات الأمريكية، هي الحاملة "يو إس إس هاري ترومان".
كانت تلك الحوادث، وفق الصحيفة، إشارات مبكرة على أن واشنطن دخلت حرباً لا تُجيدها.
ترامب يضاعف الكلفة دون نتائج
الصحيفة الفرنسية أشارت إلى أنه مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مطلع 2025، اتخذ الصراع منحى أكثر حدة. فقد أعلن ترامب حركة "أنصار الله" منظمة إرهابية، وقرر مضاعفة الحرب التي خاضها سلفه بايدن ضد اليمنيين.
وأضافت: "لقد زاد ترامب الوجود الأمريكي في المنطقة بمجموعة هجومية أخرى لحاملة طائرات، والتي تكلف 6.5 مليون دولار في اليوم لتشغيلها؛ وقاذفات الشبح (B-2)، والتي تكلف 90 ألف دولار لكل ساعة طيران، وصواريخ اعتراض تصل قيمة الواحد منها إلى 2.7 مليون دولار".
وأوضحت أنه خلال أذار/ مارس ونيسان/ أبريل، شنت الولايات المتحدة مئات الغارات الجوية على اليمن؛ لكن كثافة النيران الأمريكية لم تُسقط اليمنيين. فقد أظهر الحوثيون -كما وصفتهم الصحيفة- "إبداعاً وصلابة نادرتين لدى قوة محاصرة وفقيرة"، محتمين بتضاريسهم الجبلية الصعبة، ومستخدمين أسلحة محلية الصنع بأساليب مفاجئة.
اليمنيون يقلبون المعادلة
في غضون أشهر، وفقاً للصحيفة، تحول الميدان إلى كابوس لواشنطن، إذ أسقطت قوات صنعاء العديد من طائرات "إم كيو ريبر" الأمريكية بقيمة مئات الملايين من الدولارات، ونجحت الدفاعات الجوية اليمنية في التهديد المباشر لطائرات (F-16) و(F-35)، بل إن صنعاء تمكنت من إرسال طائرات مسيّرة بعيدة المدى اخترقت الدفاعات الأمريكية و"الإسرائيلية" ووصلت إلى العمق "الإسرائيلي". وفوق كل ذلك، استمر الوضع المشتعل في البحر الأحمر على ما هو عليه، ولم يوقف اليمنيون عملياتهم العسكرية ضد الملاحة الصهيونية إسناداً لغزة.
من المأساة إلى الانسحاب
وتابعت الصحيفة الفرنسية: "بلغ التصعيد ذروته عندما قصفت الطائرات الأمريكية مركز احتجاز للمهاجرين في مدينة صعدة، ثم ألقت المزيد من القنابل على عمال الطوارئ الذين وصلوا في أعقاب الحادث، ما أسفر عنه مقتل 68 شخصاً، بينهم عمال إغاثة. ورداً على ذلك أطلق الحوثيون في هجوم مكثف وابلاً من الصواريخ الباليستية على حاملة الطائرات ترومان، التي استدارت وابتعدت، ما تسبب في انزلاق طائرة سوبر هورنت أخرى من على سطحها إلى المحيط"، وهو ما اعتبرته الصحيفة "رمزاً لانهيار الهيبة الأمريكية أمام خصم صغير لكن عنيد".
وقالت الصحيفة: "إن خسارة المقاتلة الثانية، التي تبلغ قيمتها 67 مليون دولار، كانت نقطة تحول بالنسبة لترامب. ففي شهر واحد، استنفدت الولايات المتحدة تقريباً كل مخزونها من الصواريخ الموجهة؛ لكنها فشلت في تحقيق تفوق جوي على بلد يقل فيه نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بكثير عن نصيب الفرد في هايتي".
وأضافت: "ولحفظ ماء الوجه، أعلن مسؤولو ترامب نجاح عملية الراكب الخشن، وأمروا القيادة المركزية الأمريكية بـ"إيقاف" العمليات، مستسلمين بذلك للحوثيين". وتابعت الصحيفة: "اعترف ترامب قائلاً: لقد ضربناهم بشدة. كانت لديهم قدرة كبيرة على تحمل العقاب. وأضاف: يمكن القول إن لديهم شجاعة كبيرة. في ذلك اليوم، أخطأت طائرة سوبر هورنت أخرى بقيمة 67 مليون دولار هبوطها، وانزلقت من على سطح حاملة الطائرات ترومان وغرقت".
نتيجة الحرب: فقراء يهزمون الأثرياء
وخلص تقرير "لوموند ديبلوماتيك" إلى أن نتيجة هذه المواجهة غير المتكافئة كانت واضحة: اليمنيون 1 – واشنطن صفر، إذ لم تفلح التكنولوجيا ولا الأساطيل ولا حاملات الطائرات في كسر إرادة شعب مُحارَب ومحاصَر؛ لكنه استطاع إلحاق أفدح الخسائر بالقوة العظمى الأولى في العالم، وأن اليمن -رغم فقره- بات رقماً صعباً في معادلة الشرق الأوسط، وخصماً لا يمكن تجاهله في أي معادلة مقبلة.










المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا