عادل بشر / لا ميديا -
لا تزال تداعيات وتبعات الحظر البحري الذي فرضه اليمن على الكيان الصهيوني في البحر الأحمر، خلال معركة إسناد غزة، مستمرة على الاقتصاد الصهيوني وبوابته الجنوبية «إيلات». ويبدو أن تلك التبعات ستتواصل إلى وقت غير قريب، باعتراف كيان الاحتلال نفسه، الذي يطالعنا عبر إعلامهِ بين يوم وآخر بتقارير تكشف مدى الضرر الذي ألحقته صنعاء بالكيان «الإسرائيلي».
في جديد تلك الاعترافات، نشر موقع «أخبار إيلات» الصهيوني، أمس الأول، تقريراً مطولاً بعنوان «ميناء إيلات.. حتى لو عادت السفن ستبقى المشكلة»، أكد فيه أنه رغم وقف إطلاق النار في غزة، ومع التزام صنعاء بإيقاف عملياتها البحرية ضد الملاحة الصهيونية في البحر الأحمر طالما التزمت «تل أبيب» بالهدنة الموقعة مع المقاومة الفلسطينية، إلا أن ميناء «إيلات» (أم الرشراش) سيستمر في الركود نتيجة للانهيار الاقتصادي وحتى الهيكلي غير المسبوق الذي تعرض له الميناء منذ أواخر العام 2023.
ورسم التقرير صورة قاتمة لمستقبل الميناء، كاشفاً أن الأزمة ليست عابرة أو ناتجة عن الحرب فقط، بل نتيجة تحول جذري فرضته هجمات صنعاء على الملاحة الصهيونية في البحر الأحمر، وما رافقها من إعادة رسم كاملة لمسارات التجارة العالمية.
وأفاد التقرير بأنه «في ظل وقف إطلاق النار المتوتر بغزة، يقف ميناء إيلات عند مفترق طريق مصيري، فبين وابل الطائرات المسيّرة من الحوثيين في الجنوب، والدعوات إلى حملة أخرى ضد إيران، تجد إسرائيل نفسها في عصر من عدم الاستقرار المطول»، مشيراً إلى أن «الميناء الذي كان من المفترض أن يكون بمثابة احتياطي استراتيجي وبنية تحتية للطوارئ، بات الآن مثل حجر أُلقي بعيداً بلا عودة، ومستقبله محاط بالضبابية حتى في حالة الهدوء والاستقرار».

من المربح إلى المشلول
وفقاً للتقرير فإنه خلال عقد من الزمن (2013–2023)، عاش ميناء «إيلات» فترة ذهبية، استفاد فيها من الامتيازات الضريبية واحتكاره لعمليات تفريغ السيارات القادمة من الشرق، ليحقق أرباحاً ضخمة تجاوزت 160 مليون شيكل.
لكن تلك الطفرة كانت استثناء قصير الأجل. فمنذ مطلع 2024، ومع تصاعد الهجمات اليمنية على السفن «الإسرائيلية» والأمريكية في البحر الأحمر، انهارت حركة السفن بنسبة 90٪ وانخفضت الإيرادات من 212 مليون شيكل إلى 42 مليون فقط، فيما أُغلقت الأرصفة وسُرّح عشرات العمال، وسط ديون متراكمة وحجز على الممتلكات.

صنعاء تغيّر قواعد اللعبة
بحسب التقرير، فإن من وصفهم بـ«الحوثيين» حولوا «باب المندب إلى نقطة ضُعف لإسرائيل»، من خلال تعطيلهم الملاحة إلى فلسطين المحتلة، ما دفع شركات الشحن العالمية الالتفاف حول أفريقيا رغم التكلفة والزمن الإضافيين.
وأضاف: «ظلّ ميناء إسرائيل الجنوبيّ متوقفاً عن العمل. ومع  ذلك، حتى لو ثبتت مصداقية إعلان زعيم الحوثيين عن وقف إسرائيل هجماتها، فإنّ شركات التأمين التابعة لشركات الشحن العملاقة لا تتصرّف بناءً على تصريحات سياسية، بل بناءً على تقييم المخاطر»، لافتاً إلى أنه وفي ظل الهدنة الهشة في غزة ومع استمرار التوقعات بعودة الحرب إلى القطاع فإن عودة الحركة إلى الميناء أمر غير متوقع، وقد يحتاج إلى أشهر وربما عام أو أكثر.
بهذا المعنى، لا تبدو الأزمة مسألة تشغيلية أو مؤقتة، بل هي تحول استراتيجي فرضته معادلة الردع اليمنية، التي أعادت تشكيل الموازين في البحر الأحمر من جذورها.

بين القاهرة وواشنطن
في السياق، أكد التقرير ما كانت قد كشفته قبل أيام صحيفة «كالكاليست» الصهيونية، عن أن إدارة ميناء «إيلات» تواصلت خلال الأيام الماضية مع السفارة الأمريكية في فلسطين المحتلة، طالبةً منها الضغط على القاهرة للتدخل ضد «الحوثيين»، ومحاولة ما وصفته بـ«رفع الحصار عن قناة السويس».
ورغم اعتراف الصحيفة بأن صنعاء أعلنت التزامها بعدم استهداف كيان الاحتلال ومصالحه طالما التزم باتفاق إيقاف الحرب في غزة؛ إلا أنها تعمدت الإشارة إلى تراجع الحركة الملاحية في قناة السويس نتيجة الحصار المفروض على «إيلات». والهدف من ذلك لم يكن إنصاف الحقيقة، بل تحريض القاهرة على صنعاء ودفعها إلى الانخراط في مواجهة بحرية تخدم المصالح الأمريكية و«الإسرائيلية» المشتركة.
وأفاد تقرير موقع «أخبار إيلات» بأن «مسؤولين في ميناء إيلات تقدموا بطلب إلى السفارة الأمريكية لإدراج قضية ميناء إيلات وقناة السويس ضمن الاتفاقية الموقعة برعاية الرئيس دونالد ترامب لوقف النار في غزة، وفي الوقت ذاته تواصلت تل أبيب مع القاهرة، صاحبة قناة السويس، أملاً في أن يتعاون المصريون مع الدول العربية والولايات المتحدة للضغط على الحوثيين وإقناعهم برفع الحصار البحري ووصول السفن إلى إيلات».