عادل عبده / لا ميديا -
يبدو أن تداعيات العدوان الأمريكي على اليمن، والتي لا تزال تتفاعل في الأوساط السياسية والمؤسساتية الأمريكية، ستستمر إلى أمد غير قريب. فالحديث لا يتوقف في الولايات المتحدة عن التجربة المريرة والفاشلة في اليمن، حين حُشدت الأساطيل في البحر الأحمر، وشُنّت آلاف الغارات بهدف القضاء على قدرات صنعاء العسكرية ومنع إسنادها لقطاع غزة خلال الحرب الصهيونية على القطاع منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023م.
ففي اعتراف جديد يعكس حجم المأزق العسكري الأمريكي الذي واجهه في البحر الأحمر، نشر المعهد البحري الأمريكي في عدده الصادر لشهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري تقريرا بعنوان «دع البحر الأحمر يكن حقل اختبار للسفن السطحية غير المأهولة للبحرية»، أقر فيه صراحة بأن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من مليار دولار من الذخائر الحيوية، فقط، في عمليات الاعتراض والهجمات الجوية، دون أن تتمكن من إيقاف هجمات قوات صنعاء، التي وصفها التقرير بأنها «الأكثر ابتكارا ونشاطا في العالم».
ويُعد هذا الاعتراف الصادر عن مؤسسة بحرية عريقة تمثل العقل المفكر للبحرية الأمريكية، بمثابة شهادة جديدة على فشل المشروع الأمريكي في البحر الأحمر، حيث لم تفلح حاملات الطائرات والبوارج المتطورة ولا شبكة الأقمار الصناعية والرادارات في حماية المصالح الأمريكية و«الإسرائيلية» من الضربات اليمنية المتواصلة أثناء معركة إسناد غزة.
ورغم مضي نحو خمسة أشهر على إيقاف النار بين واشنطن وصنعاء، إثر لجوء الإدارة الأمريكية إلى الدخول في هدنة مع صنعاء مطلع أيار/ مايو الماضي بوساطة عمانية، إلا أن تبعات الفشل الأمريكي لا تزال تلقي بظلالها على الأوساط العسكرية والأمنية والمراكز البحثية في الولايات المتحدة.

حقل تجارب
وأشار التقرير إلى أن واشنطن باتت ترى البحر الأحمر ليس كساحة معركة فحسب، بل كـ«ميدان اختبار» لتقنياتها الفاشلة. فبعد عجزها عن مواجهة الزوارق والطائرات اليمنية المُسيّرة، يدعو التقرير وزارة الدفاع الأمريكية إلى تحويل المنطقة إلى مختبر مفتوح لتجريب السفن السطحية غير المأهولة (USVs) في محاولة يائسة لتقليل الخسائر و»تسريع الابتكار».
ووصف التقرير القوات المسلحة اليمنية بأنها «ليست قوة بحرية تقليدية، لكنها من أكثر المهاجمين البحريين نشاطا وإبداعا في العالم»، وهي عبارة تكشف عن دهشة المؤسسة العسكرية الأمريكية من القدرات اليمنية التي قلبت معادلات الحرب البحرية رأسا على عقب.
وأقر التقرير بأن البيئة التي خلقتها صنعاء في البحر الأحمر تُعد «الأكثر تعقيدا في العالم» بما تتضمنه من تقنيات متعددة «صواريخ باليستية، طائرات مسيّرة، ألغام بحرية، وأسراب زوارق هجومية» أثبتت القوات اليمنية إجادة استخدامها في وقت واحد، مشيراً إلى أن ذلك حدث في هجمات متعددة تعرضت لها حاملات الطائرات والسفن الحربية المرافقة لها، وهي العوامل التي جعلت البحرية الأمريكية تبحث عن حلول تجريبية بعد فشل أنظمتها الكلاسيكية.

التعلم من اليمن
ما يثير الانتباه في التقرير أن المعهد البحري الأمريكي طالب وزارة الدفاع «البنتاغون» بأن تتعلم من ساحة البحر الأحمر بالطريقة التي تعلمت بها شركات السلاح في أوكرانيا. لافتاً بأن على واشنطن أن تستفيد من التقنيات والتكتيكات العسكرية اليمنية واعتبارها فرصة تطوير وتعليم ميداني للجيش الأمريكي.
ودعا التقرير إلى نشر أنظمة استطلاع وإنذار مبكر، وسفن آلية قادرة على جمع البيانات وتحليلها في «البيئة القتالية اليمنية»، بهدف معرفة كيفية صمود هذه الأنظمة أمام هجمات الأسلحة الصغيرة والطائرات المسيّرة والصواريخ اليمنية، وهو ما اعتبره محللون عسكريون اعترافا ضمنيا بأن واشنطن لم تفهم تكتيكات صنعاء البحرية، وأنها عاجزة عن بناء رد فعال أمام حرب ذكية تعتمد على الابتكار، لا على الحجم أو التكنولوجيا الباهظة.
ووفقاً لاعتراف المعهد البحري الأمريكي، يرى محللون بأن البحر الأحمر خلال معركة إسناد غزة، تحول إلى منطقة حرب حقيقية لم تتمكن واشنطن من السيطرة عليها رغم تفوقها العددي والتقني. بل إن التقرير يقترح أن يتم تحويله إلى «ميدان تجارب»، في تأكيد واضح لحالة اليأس من الحسم العسكري التي وصلت إليها أمريكا، الأمر الذي دفع «ترامب» في 6 أيار/ مايو الماضي، إلى إعلان الهدنة مع صنعاء مقابل أن توقف الأخيرة هجماتها على السفن الأمريكية في البحر الأحمر.

من التحدي إلى صناعة التاريخ
من خلال هذا التقرير، يتأكد أن ما حققته القوات المسلحة اليمنية لم يعد مجرد نجاح ميداني، بل أصبح تحولا استراتيجيا في فهم القوة البحرية الحديثة. فاليمن، الذي كان يُنظر إليه كبلد محاصر وفقير، نجح في كسر هيبة الأسطول الأمريكي الخامس وفرض قواعد اشتباك جديدة في البحر الأحمر، حتى باتت واشنطن تبحث عن «مناهج جديدة» لمجابهة اليمن، بعد أن استنفدت ترسانتها من الأسلحة الذكية دون جدوى.
يُذكر أنه ومع شن الكيان «الإسرائيلي» عدوانه الإجرامي على قطاع غزة بعد ملحمة «طوفان الأقصى» الفلسطينية، أعلنت صنعاء خوض الحرب إلى جانب الشعب الفلسطيني، بتوجيه ضربات صاروخية وبالطائرات المسيرة إلى عمق فلسطين المحتلة، إلى جانب حظر الملاحة البحرية «الإسرائيلية» في البحر الأحمر، وربطت صنعاء عملياتها العسكرية مباشرة بالتطورات في قطاع غزة، مؤكدة أن تلك العمليات ستتوقف بمجرد وقف العدوان ورفع الحصار عن القطاع، وهو ما أثبتته في فترات الهُدن وآخرها الهدنة التي تشهدها غزة منذ العاشر من الشهر الجاري.