عادل بشر / لا ميديا -
منذ قرابة عامين، يقف الكيان الصهيوني أمام مشهد غير مسبوق في تاريخه البحري، فبوابته الجنوبية ممثلة بميناء أم الرشراش "إيلات" مغلقة بالكامل. السفن التجارية توقفت، واردات السيارات والإمدادات انقطعت، والبحر الأحمر تحول من ممر آمنٍ للملاحة الصهيونية إلى ساحة سيطرة على علاقة طردية متينة بممارسات الاحتلال وجرائمه في قطاع غزة، وضابط الإيقاع في هذه المعادلة هي صنعاء.
ورغم محاولات الإعلام العبري التقليل من حجم الأزمة، فإن صحيفتي "معاريف" و"كالكاليست" العبريتين كشفتا في تقريرين متزامنين، أمس، حجم الانهيار في حركة الملاحة الصهيونية وارتباك سلاسل التوريد، جراء الحصار البحري الذي فرضته صنعاء على عدو الأمة في البحر الأحمر، تضامناً مع قطاع غزة المحاصر والذي يتعرض لإبادة جماعية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023م، لتجد "تل أبيب" نفسها مضطرة لطرق أبواب واشنطن والقاهرة في محاولة يائسة لإنقاذ ما تبقّى من الشريان البحري الجنوبي لفلسطين المحتلة.

رمز للفشل "الإسرائيلي"
في تقريرها بعنوان "بوابة الدخول إلى إسرائيل مغلقة: السفن لن تصل إلى هنا في المستقبل"، ذكرت صحيفة "معاريف" أن "ميناء إيلات  يواصل التدهور من أزمة اقتصادية محلية إلى رمز للفشل الوطني، بعد أشهر من الإغلاق شبه الكامل بسبب هجمات الحوثيين وتوقف الواردات عبر البحر الأحمر".
وما كان يُفترض أن يكون نقاشا فنيا في لجنة المالية بالكنيست "الإسرائيلي" حول إنقاذ ميناء "إيلات"، تحول، أمس، إلى جلسة اعتراف بالهزيمة، نواب من الليكود والمعارضة على السواء أقروا بأن "إسرائيل" لم تعد تملك خطة لإعادة فتح الميناء، وأن "السفن لن تصل إلى إيلات في المستقبل المنظور"، فيما تتقاذف الوزارات المعنية في كيان الاحتلال مسؤولية استمرار توقف الميناء، فوزارة الاقتصاد أحالت الأزمة إلى المواصلات، والأخيرة تتهم المالية بالتقاعس، بينما الحساب البنكي للميناء مجمّد بفعل الديون.
كل ذلك، كما علقت معاريف، "كشف عن فوضى حكومية وانهيار إداري داخل إسرائيل التي كانت تتغنى بدقة مؤسساتها وتماسكها"، بينما يرى مراقبون أن هذا الانقسام الإداري والسياسي ليس إلا انعكاسا لهشاشة الكيان أمام قوة ميدانية عربية صاعدة من صنعاء، استطاعت بوسائلها المحلية أن تُحوّل التفوق الصهيوني في الجو والبحر إلى عبءٍ داخلي وخسارة اقتصادية.
وفي اعتراف بأن العمليات اليمنية وطوال فترة الإسناد لغزة لم تكن تستهدف سوى السفن "الإسرائيلية" أو المرتبطة بالاحتلال أو المتجهة إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة، صرح النائب في الكنيست "عوديد فورير" خلال جلسة أمس، قائلا: "البوابة الجنوبية للبلاد مغلقة منذ عامين، هذا أمر غير معقول، كما أنه من غير المعقول ألا تدخل السفن ميناء إيلات بينما تدخل ميناء العقبة الأردني".

الكيان يستغيث بواشنطن والقاهرة
أمام هذا الانسداد الكامل، لم تجد "تل أبيب" سوى التوسل لواشنطن والقاهرة، في محاولة لفك الحصار اليمني عن ميناء أم الرشراش.
حول هذا نشرت صحيفة "كالكاليست" العبرية، أمس، تقريراً بعنوان (الحكومة لا تعمل- ميناء إيلات يطلب تدخلاً أميركياً ومصرياً مع حصار الحوثيين لقناة السويس) كشفت فيه أن إدارة ميناء "إيلات" تواصلت خلال الأيام الماضية مع السفارة الأمريكية في فلسطين المحتلة، طالبةً منها الضغط على القاهرة للتدخل ضد "الحوثيين"، ومحاولة ما وصفته بـ"رفع الحصار عن قناة السويس".
ورغم اعتراف الصحيفة بأن صنعاء أعلنت التزامها بعدم استهداف كيان الاحتلال ومصالحه طالما والأخير ملتزم باتفاق إيقاف الحرب في غزة، إلا أنها تعمدت الإشارة إلى تراجع الحركة الملاحية في قناة السويس نتيجة الحصار المفروض على "إيلات" والهدف من ذلك لم يكن إنصاف الحقيقة، بل تحريض القاهرة على صنعاء ودفعها إلى الانخراط في مواجهة بحرية تخدم المصالح الأمريكية و"الإسرائيلية" المشتركة.
وقالت الصحيفة إن "مسؤولين في ميناء إيلات تقدموا بطلب إلى السفارة الأمريكية لإدراج قضية ميناء إيلات وقناة السويس ضمن الاتفاقية الموقعة برعاية الرئيس دونالد ترامب لوقف النار في غزة. كما طُلب من هيئة النقل البحري حشد جهود الوكالات الدولية للمساعدة في إزالة التهديد الحوثي لهذا المعبر البحري المهم".
لم يكتفِ الاحتلال بهذا، بل أوضحت الصحيفة العبرية أن "تل أبيب تسعى للتواصل مع القاهرة، صاحبة قناة السويس. وتأمل أن يتعاون المصريون مع الدول العربية والولايات المتحدة للضغط على الحوثيين وإقناعهم برفع الحصار عن القناة".
وأضافت أن "ميناء إيلات يأمل أن تنجح الضغوط المصرية على الدول العربية، والتي ستؤدي إلى الضغط على الحوثيين، في انتزاع إعلان منهم بأنهم سيتوقفون عن المساس بالمعبر، وسيسمحون للسفن بالوصول إلى إيلات".

اليمن في قلب المعادلة
ما تحاول الصحف العبرية تفادي قوله صراحة هو أن القوة اليمنية أصبحت اليوم فاعلا مركزيا في معادلة الملاحة الإقليمية. فالهجمات البحرية المساندة للشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتطورات الأوضاع في غزة، تحولت إلى نظام ردع بحري فعلي وجدت "تل أبيب" نفسها أمامه عاجزة عن حماية مصالحها البحرية وأن صنعاء بمعادلة الردع التي فرضتها، وضعت الاحتلال الصهيوني بين خيارين: الانكشاف الكامل أو الاستنجاد بالمظلة الأمريكية والمصرية.