بعد عامين من معركة إسناد غزة.. تقرير غربي:صنعاء انتصرت وأصبحت مركز القرار في المنطقة
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا

عادل بشر / لا ميديا -
في وقت تتهيأ فيه دول وحكومات في المنطقة وخارجها لإعادة ترتيب أوراقها بعد الحرب الطويلة على قطاع غزة والممتدة لعامين متواصلين، وبينما "تل أبيب" تتنفس بصعوبة إثر هذه الحرب التي انبثقت عن جبهات متعددة داعمة لغزة، وفيما تحاول "واشنطن" والإدارة الأمريكية ترميم صورتها الممزقة في الشرق الأوسط، تبرز صنعاء الصامدة كجبالها والعاصفة كصواريخها، لتكتب فصلاً جديداً من معادلة الردع وتعيد رسم خرائط النفوذ كلاعب إقليمي رئيسي.
هذه خلاصة ما اعترف به إعلام غربي استند خلالها على تصريحات محللين غربيين وعرب أجمعوا في مجملها بأن صنعاء خرجت من معركة إسناد غزة ليست فقط صامدة، بل منتصرة بِسلاح الإرادة والشجاعة وقوة القيادة.
ففي شهادة جديدة من الإعلام الغربي، نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أمس، تقريراً مطولاً بعنوان: "كيف انتصر الحوثيون بعد حرب إسرائيل على الجبهات المتعددة"، ليعلن بصراحة ما حاولت دوائر غربية وعربية تجاهله طوال عامين وهو أن صنعاء أصبحت اليوم فاعلاً إقليمياً يفرض شروطه على "إسرائيل والولايات المتحدة"، ويُعيد تعريف معادلة الردع في الشرق الأوسط.
صمود استثنائي
التقرير البريطاني أفاد نقلاً عن مصادر وتقارير عربية لم يحددها، أن سيد الجهاد والمقاومة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وجه القوات المسلحة بوقف الهجمات العسكرية التي تستهدف الكيان "الإسرائيلي" في عمق فلسطين المحتلة، وكذلك إيقاف العمليات على السفن المرتبطة بالاحتلال في البحر الأحمر، ارتباطاً بوقف إطلاق النار في غزة، مشيراً إلى أن هذا القرار سيستمر طالما التزم الكيان الصهيوني ببنود الاتفاق الموقع مع المقاومة الفلسطينية.
ووصف التقرير هذا الشرط بأنه "تأكيد على موقف القوة لا الضعف"، إذ ربط الهدوء في البحر الأحمر وفي الأجواء الفلسطينية المحتلة باستمرار وقف النار في غزة.
وبذلك، كما قال موقع "ميدل إيست آي" لم تكن صنعاء بحاجة إلى أي وساطة أو تفاوض مع "تل أبيب"، بل فرضت شروط التهدئة بقرار أحادي الجانب، لافتاً إلى أن "الحوثيين نفذوا هجمات بشكل متواصل على مدار عامين تضامناً مع الفلسطينيين دون الحاجة إلى التفاوض مع إسرائيل -بشكل مباشر أو غير مباشر- بشأن الهدنة".
واعتبر الموقع البريطاني أن هذا الموقف يعكس نقلة نوعية في موقع اليمن السياسي والعسكري، حيث تحولت صنعاء من طرف محاصر إلى مركز قرار قادر على التأثير في التحولات الاستراتيجية بالمنطقة وربما العالم.
مرونة عسكرية
الأستاذ في كلية كينغز بلندن "أندرياس كريغ" أكد لـ"ميدل إيست آي" أن من وصفهم بالحوثيين "حققوا أداءً عسكرياً قوياً خلال العامين الماضيين"، مؤكداً بأن الهجمات اليمنية على السفن المرتبطة بالاحتلال "الإسرائيلي" في البحر الأحمر وخليج عدن، جاءت "تضامناً مع الفلسطينيين الذي يتعرضون للإبادة الجماعية من جانب إسرائيل الأمر الذي أجبر الشركات العالمية على اتخاذ مسارات أطول عبر رأس الرجاء الصالح، ما خفض حركة الملاحة عبر خليج عدن بنسبة 70%".
وأضاف "كريغ" أن صنعاء نجحت في إطلاق صواريخ طويلة المدى بشكل دوري على العدو في فلسطين المحتلة، وتمكنت من كسر الدفاعات الجوية الصهيونية، حتى أن عدداً من الضربات أصابت أهدافا حساسة في عمق الاحتلال، بينها مطارا "بن غوريون" و"رامون" وفنادق في "إيلات".
فشل أمريكي
بالإضافة إلى المعركة مع الكيان "الإسرائيلي" وما شملته من تصاعد وتيرة الهجمات اليمنية باتجاه الاحتلال وفي البحر الأحمر، وما تعرضت له صنعاء ومحافظات يمنية أخرى من عدوان "إسرائيلي" متكرر، أشار تقرير "ميدل إيست آي" إلى المعركة التي خاضها اليمن مع الولايات المتحدة وتحالف غربي قادته واشنطن بهدف كسر جبهة الاسناد اليمنية لغزة.
ونقل الموقع البريطاني عن المحلل السياسي اللبناني علي رزق قوله "عندما شارك الأميركيون وقصفوا اليمن، رد الحوثيون، وفي النهاية تراجع ترامب"، مضيفاً "الحوثيون أجبروا أميركا على فك الارتباط مع إسرائيل على الصعيد اليمني، وهو إنجاز ليس بالهين".
وأشار الموقع إلى أن "الأمريكيين أنفقوا مليارات الدولارات على الحملة الهجومية على اليمن، ومع ذلك فشلوا في تحقيق التفوق الجوي على الحوثيين"، ولم تتراجع صنعاء عن موقفها المساند لغزة بالرغم من آلاف الغارات الجوية التي شنها العدوان الأمريكي والبريطاني و"الإسرائيلي".
وقال الباحث البريطاني "أندرياس كريغ" إن "محرك هذه المرونة يكمن في بنيتها التي هي عبارة عن شبكة من الشبكات -قبلية وأمنية وتجارية- متداخلة ومتكررة تجعل استهدافها أو شلّها شبه مستحيل، فإذا قُطع رأس أو مستودع، سيتعثر النظام قليلاً، لكنه نادراً ما يتوقف".
انتصار السرد والرمز
لم يكتفِ تقرير "ميدل إيست آي" بوصف المكاسب العسكرية، بل ركّز على "الانتصار السردي" الذي حققته صنعاء، مؤكداً بأن استخدام اليمن لورقة البحر الأحمر وباب المندب في معركة الإسناد لغزة ضد العدو "الإسرائيلي" ومواجهة قوات صنعاء للأساطيل البحرية الأمريكية والبريطانية في أقوى معارك تشهدها بحرية واشنطن منذ الحرب العالمية الثانية، كل ذلك "عزز من شرعية صنعاء في الداخل اليمني وجلب لها شهرة وتقديرين دوليين"، باعتبار أن "صنعاء هي القوة العربية الوحيدة التي وقفت عملياً إلى جانب غزة".
وأضاف التقرير: "رغم أن الحوثيين يوصفون منذ فترة طويلة بأنهم جماعة متمردة مدعومة من إيران، فإن هذا الإطار قد تغير الآن بحيث أصبحوا الممثل العربي الوحيد الذي يضرب داخل إسرائيل بشكل روتيني، مما منحهم ثقلاً سردياً"، مردفاً "لقد برزوا كقوة مؤثرة في المخيلة والخطاب العربي".
سقوط "حكومة الفنادق" وصعود الدولة الفعلية
وتطرق التقرير البريطاني إلى "حكومة الفنادق" الموالية للسعودية والإمارات والمناهضة لصنعاء، واصفاً هذه الحكومة بأنها "فاقدة للأهمية"، بينما أصبحت صنعاء الجهة التي تتعامل معها القوى الإقليمية والكبرى مباشرة، بما في ذلك السعودية، لافتاً إلى أن "مصطلح الحكومة المعترف بها دوليا، لم تعد موجودة إلا على الورق" بينما الواقع يقول إن من يملك القرار والسيادة على الأرض هو الطرف الذي صمد وحمى نفسه.
ملامح المرحلة المقبلة
يخلص تقرير "ميدل إيست آي" إلى سؤال فحواه: "هل سيحافظ الحوثيون على مكانتهم الإقليمية مع تراجع حدة التوترات في الشرق الأوسط بعد هدوء جبهات غزة؟"، لكن الوقائع الميدانية والسياسية -وفقاً لخبراء- تشير إلى أن صنعاء لم تعد في موقع ردّ الفعل، بل في موقع صياغة الفعل نفسه، فمن وقف النار بشروطه، إلى ردع الأساطيل الغربية، إلى التأثير في المشهد العربي، اليمن حجز موقعه في طاولة الكبار بقوة الإرادة وصدق الموقف وحدّ السيف.
المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا