دمشق - خاص / لا ميديا -
كان من المتوقع أن يكون أكثر من حدث سياسي فرصة لتوضيح مسار الأمور في سورية وإخراج النقاشات حول مستقبل سورية ونظام الحكم فيها من الكواليس إلى حيز الإعلان والتنفيذ؛ لكن أسباب عديدة أجلت هذه التوقعات.
السبب الأول: تعثر عقد اللقاء الذي كان مقرراً بين رئيس السلطة الانتقالية المؤقتة في دمشق "أحمد الشرع" (أبو محمد الجولاني) ورئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيانين نتنياهو، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بسبب الاختلاف على تفاصيل الموضوع الأمني، وتردد نتنياهو في عقد اتفاق مع سلطة الشرع، المحسوبة على الجهاديين. والثاني: تأجيل القمة العربية - الروسية، التي كانت مقررة في موسكو، بحضور "الشرع"، والتي تأجلت -كما أعلن الكرملين- بسبب الاتفاق على تطبيق خطة الرئيس ترامب لوقف القتال في غزة.
لكن هذه التطورات لم تلغِ الفرصة الممنوحة للسلطات السورية لتنفيذ المطلوب منها من القوى الإقليمية والدولية المعنية بالشأن السوري والشرائح الأكبر من المجتمع السوري، وفي مقدمتها إخراج الفصائل والعناصر الأجنبية الموجودة في سورية، ومنهم من يحتلون مناصب عليا في الجيش السوري، وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2254)، وما يتضمنه من تشكيل حكومة انتقالية، وإقرار دستور وطني يحمي حقوق الأقليات، وشروط أخرى.
أما الجديد اللافت في الساحة السياسية السورية فكان بروز اسم العميد مناف طلاس، ابن وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس، الذي انشق عن نظام الرئيس بشار الأسد منذ العام 2012، ويقيم في باريس، كشخصية مقبولة داخلياً وخارجيا لتنفيذ المرحلة الانتقالية.
تعويم طلاس يبدو أنه يأخذ خطوات جدية وواقعية يؤكدها نشاطه، وخاصة محاضرته في باريس، التي وفرت لها فرنسا والجهات المنظمة تغطية إعلامية واسعة ومدروسة، وحركته مؤخراً بين باريس وأنقرة وموسكو، التي كان مقرراً أن يكون فيها، خلال زيارة "الشرع" لموسكو، مع تسريبات قالت بأن لقاء كان سيتم بينهما.
الآراء حول نشاط ودور طلاس انقسمت بين من يقول بأنه يتم تعويمه كبديل عن "الشرع"، ومن يقول بأنه يتم إعداده للعمل مع "الشرع"؛ لكن الخطوات التي تجري تؤكد الاحتمال الثاني، على الأقل خلال المرحلة الانتقالية.
الشروط التي أعلنها طلاس في محاضرة باريس للعمل في المرحلة المقبلة، لا يمكن النظر إليها على أنها رأيه الشخصي، وإنما تعكس مطالب القوى الإقليمية والدولية، المعنية بالشأن السوري، وفي مقدمتها فرنسا، التي كانت أول دولة أوروبية استضافت "أحمد الشرع"، ومنحته الشرعية، وكذلك معظم القوى الداخلية، وهي:
- تسريح كل الفصائل المسلحة، وصرف كل الأجانب المتواجدين في الفصائل وإخراجهم من سورية، وهذه الفصائل هي التي بايعت "الشرع" لتولي السلطة، وأصبحت الجزء الأساسي من جيش السلطة والقوى الأمنية.
- إخلاء سبيل الضباط والعناصر من الجيش السوري السابق، الذين اعتقلوا بعد سقوط نظام الأسد، وإجرائهم التسوية التي طلبتها السلطة منهم.
- إعادة عشرة آلاف ضابط من الجيش السابق إلى الخدمة، منهم ضباط كبار، من رتبة لواء وعميد، وضباط شرطة وبعض الضباط الأمنيين.
أما الدور المتوقع لطلاس في المرحلة المقبلة، وفي حال تم التوافق على هذه الأسس، فسيكون كشريك لـ"الشرع" في السلطة، كرئيس للحكومة أو وزير للدفاع. وهذا يؤكد أن موضوع استبدال طلاس بالجولاني غير مطروح حالياً (على الأقل في المرحلة الانتقالية)، خاصة وأن القرار الدولي (2254) لا يدخل في لعبة الأسماء لتحديد من يتولى السلطة في سورية.
تركيا، التي ترى نفسها وهي تفقد نفوذها ودورها في سورية شيئاً فشيئاً، حاولت الدخول من باب مناف طلاس، واستقبلته بحفاوة، وقدمت له عرضاً باستلام وزارة الدفاع، بكامل الصلاحيات، وإعادة هيكلة الجيش السوري، وتشكيل حكومة شاملة من جميع المكونات الوطنية، وتمثيل عادل للأقليات، وضمان ذهاب "الشرع" بعد المرحلة الانتقالية، أي بعد ثلاث سنوات، وذلك رغم علم أردوغان بعدم قدرته على فرض خطة في سورية لوحده.
القيادي السابق في "جبهة النصرة" صالح الحموي، الذي كان يعمل مع الجولاني وانشق عنه، أكد هذه المعلومات في سلسلة من المقالات كتبها على موقع (x) تحت عنوان "أس الصراع في الشام"، وأشار فيها إلى أن الجهود التركية فشلت، بسبب عدم التوصل إلى توافق حول الفصائل المسلحة التي يريد طلاس تسريحها.
‏ورأى الحموي أن طلاس قد يكون خياراً وطنياً يستطيع لم شمل سورية من جديد، بعدما فرّط بها "الشرع" وأضاع الفرصة، رغم كل الزخم الدولي الذي تلقاه.
كما كشفت مصادر خليجية عن توجه عربي ودولي لفرض تغيير جديد في سورية بعد فشل "الشرع" وتنظيمه "هيئة تحرير الشام" في وقف إطلاق النار في البلاد والتخلص من المقاتلين الأجانب، بالإضافة إلى الخضوع للإرادة التركية.
وأوضحت المصادر أن "خطة التغـيير تقوم على تشكيل مجلس عسكري وحكومة طوارئ". وبحسب المعلومات فإن المجلس العسكري يضم خمس شخصيات، هي: مناف طلاس وأحمد الحاج علي (كممثلين عن الضباط المنشقين)، وسيبان حمو كممثل عن "قسد"، إضافة إلى شخصية عسكرية درزية، وأخرى علوية.
هذه الشروط والخطط تضع سلطة "الشرع" في موقف محرج أمام الفصائل التي بايعته وأمنت الحماية له، وأيضاً أمام الجمهور المؤيد لها، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية، أسعد الشيباني، المحسوب بقوة على تركيا، والذي قال: "صعب جداً على عناصرنا أن يقبلوا بمناف وزير دفاع، وقتها ينقلبون علينا"؛ لكن الجميع يدرك أن هذه الشروط أساسية ولا بد من تنفيذها في حال أراد "الشرع" تعويم سلطته وتأمين قبول داخلي وخارجي لها.
مع هذه التحركات، وتأجيل قمة موسكو، التي كانت ستحسم الكثير من هذه الاتصالات، بات الأمر يتطلب الانتظار بعض الوقت، وحتى نهاية هذا العام، لتكون الفرصة شبه الأخيرة لسلطة "الشرع" لتنفيذ ما هو مطلوب منها، داخلياً وخارجياً، وهو ما تحدث عنه المبعوث الأمريكي، توماس براك، قبل أيام، بأنها "فرصة أخيرة" أم أن هذه الفرصة ستضيع ويصبح الحديث بعدها عن تغيير "الشرع"، بدلاً من الحديث اليوم عن العمل معه.