«قمر مشغرة وبدر وادي التيم» الشاعر اللبناني زاهـر أبو حلا في حوار مع «لا»:بانتظار أجيال تخطو إلى المستقبل بلا شيوخ وساسة
- تم النشر بواسطة نشوان دماج / لا ميديا

حاوره:نشوان دماج / لا ميديا -
من قلب وادي التيم في البقاع اللبناني، ومن قرية المحيدثة المشتعلة بالأخضر، يطل الشاعر زاهر أبو حلا متشحا بالقصيدة العمودية التي ليست عنده الشكل الوحيد فحسب، بل الشكل الأوحد بكل شراسة التسمية كما يقول. لا ينظر إلى الشعر من خلال مشهدية، بل يعليه عن التحديات، فيراه في تحدٍّ دائم مع نفسه ليأتي بالدهشة. على الشعر أن يقود، فهو المحتوي وليس المحتوى، والشعر الحقيقي هو دائماً البوصلة. أما غزة فبقدر ما تفضح جرائم العدو فهي مثال حاد لحالة الهوان العربي الذي سهل علينا وارتضيناه لأنفسنا.
في هذا الحوار المكثف يبحر الشاعر زاهر أبو حلا من (المجامر) إلى (سفر في الضوء والريح) فـ(صبا الأبد) في رحلة اكتشافية بامتياز، للذات وللوجود معا، وإطلاع الجمالي منهما وانهمارها عليهما أيضاً، فإلى الحوار:
مكان يضج بالشاعرية
حبذا لو بدأنا حوارنا بنبذة عن الشاعــــر زاهــــــر أبو حلا...؟
أنا، مواليد 1974، من قرية تشتعل بالأخضر، اسمها المحيدثة، في البقاع اللبناني، ومن منطقة اسمها اللاإداري وادي التيم، وأرى في هذا الاسم الكثير من الشاعرية، وأنا محظوظ بطبيعة يقول فيها المكان شعراً ولا أعلى، قبالة قمة حرمون وسلسلة جبال لبنان الشرقية.
تشظيات متوالية
إلى أي مدى أمكن للشاعر زاهر أبو حلا أن يجد صوته المميز في القصيدة العمودية؟
في شعري، أكون أنا، وأقول ما أفترضه يزيد على الجمال، في مخاضات وتشظيات متوالية، تكتبني قصيدتي ونمضي، أفرح بشعري دون أن يأتي ببالي حجم التميّز فيه، حسبي أني في ولادات كثيرة مع كل شطر وفكرة وقافية.
هل معنى ذلك أن العمودي هو الشكل الوحيد لشعرك؟
العمودي هو ليس الشكل الوحيد فقط، إنه الشكل الأوحد بكل شراسة التسمية.
فردية لا مشهدية
ما تقييمك لمشهد الشعر العربي اليوم؟ وهل هو على مستوى التحديات القائمة؟
أنا لا أنظر إلى الشعر من خلال مشهدية، إنما حالات فردية بخصوصية خالصة، فلا أقول الشعر العربي اليوم، بل شعر فلان وقصيدة فلان وهكذا.
وأعلي الشعر عن التحديات، فأراه في تحدٍّ دائم مع نفسه ليأتي بالدهشة.
حالة تسطيح طبيعية
برأيك لماذا لم يكن لوسائل التواصل الاجتماعي ووفور إمكانيات النشر أن تجعل من الشاعر مشهورا أو مقروءا مقارنة بما كان يحدث سابقا حين لم يكن متاحا للشاعر سوى مناسبات مهرجانية تقام من وقت لآخر؟
أرى أن ضخ الكم الهائل في وسائل التواصل من غث كثير وسمين قليل أضاع إلى حد بعيد النصوص الوازنة، ناهيك عن دخول من ليس لديهم الحدود الدنيا من الإبداع، وولوجهم هذا الفضاء وخلفهم متابعون على شاكلتهم، بينما كان زمان المهرجان زمان رصانة ووضوح في أهل الفكر والثقافة. بالتالي حالة التسطيح اليوم طبيعية لأننا في شتى المجالات نحن غير حاضرين، على مستوى الجماعة، ويبقى الإبداع الحقيقي لا تلغيه غوغائية أو هوان، ويأتي زمن يرى فيه النور، عندما نخرج من كهوفنا ودهاليزنا، ونقدم حضوراً حقيقياً أسوة بالآخرين.
السلطات الحاكمة أقل من الشعر
ما سبب هذا الانحسار؟ وهل كان لمهرجانات الشعر ولما كانت السلطات الحاكمة توليه من اهتمام بالحالة الثقافية علاقة بشهرة الشاعر أو الأديب؟
واضح انزياح واقعنا على كافة المستويات، وهذا يطال عالم الثقافة، وبالتالي الشعر وحضوره.
أما فيما تقول عن السلطات الحاكمة السابقة والحالية فهي دائماً أقل من الشعر، وواحد من كينونة الشعر مقارعتها، وهي باهتمامها أحياناً بالشعر من خلال المهرجانات وغيرها، إنما أرى هذا محاولات للاحتواء.
على الشعر أن يقود، فهو المحتوي وليس المحتوى، والشعر الحقيقي هو دائماً البوصلة. على أمل أن نكتب أجمل المراثي في واقعنا وحاكميه.
شرارة البدايات
حدثنا عن ديوانك الأول «المجامر» والذي صدر عام 1993.. ما الصدى الذي أحدثه في الساحة الأدبية اللبنانية؟
المجامر، ديواني الأول، هو شعر البدايات عندي، كانت شرارة الشعر فيه واضحة ومبشرة، وتوافر له تتويج بمقدمة من شاعر بحجم الوجود، اسمه نقولا يواكيم، وهذا ما وضعني باكراً في ساحة شعرية شديدة الخطورة، هنا بيروت.. هنا لبنان.
طريق بلا نهاية
مع ديوانيك الأخيرين «سفر في الضوء والريح» و«صبا الأبد».. هل نستطيع الحديث عن تطور في التجربة الشعرية فيهما؟ وكم من المسافة يمكننا القول إنك قطعتها حتى الآن لتصل إليك؟
«سفر في الضوء والريح»، ديواني الثاني، له مناخه الخاص، في اللغة والروح، وهو ما أسس لاحقاً لـ«صبا الأبد» الأول والثاني بعد سنوات، وما تلاهما من شعر.
الحالة الشعرية، عندي، على رغم تأسيسها في الكلاسيك وانطلاقها منه، ولكنها اكتشافية بامتياز، اكتشاف الذات واكتشاف الوجود، وإطلاع الجمالي منهما، وانهمارها عليهما أيضاً.
الوصول بالنسبة إلي يعني النهاية، وأراني في طريق بلا آخر.
شعر عالمي بالعربية
ماذا عنى لك تقديم الشاعر المعروف سعيد عقل لديوانك الثالث «صبا الأبد»؟ وأين تضع بالضبط وصفه لك بـ«شاعر ولا أشعَر»؟
سعيد عقل، سلسلة جبال لبنان الثالثة، قدم صبا الأبد برائعته التي قال فيها ما قال بي وبشعري، وغاص في الأعمق، وذهب في احتفاله هذا إلى بعيد البعيد.
فرحت به أيما فرح، وحمّلني مسؤولية الجِّدة أكثر، لا لنكتب شعراً عربياً بالعربية إنما شعراً عالمياً بالعربية.
هذا ما رأيت في تقديم سعيد عقل لي، وأنا إزاء هذا الأمر الجلل كلي شغف، والشعر الشعر يستحق إطلالة على كينونة الوجود.
المتابع ليس لديه جلد للمطولات
فـــي صفحتك على فيسبوك.. يلاحظ أنك تكتفي عادة بذكر بيتين لا أكثر في كل منشور.. ويلاحظ أيضا أن غالبيتها تتحدث بضمير الأنا.. هل أن ذلك تعبير عن كونها صفحة شخصية أم ماذا؟
من يكتب بيتين بلغة عالية وشعرية فاتحة آفاق، بمقدوره أن يطيل، وأما على وسائل التواصل، إزاء ضخ الكم الهائل، لا أرى المتابع لديه جلد للمطولات، ومن جهة ثانية، أنا مع اتساع الرؤية وتضييق العبارة. ففي هذا الحشد سحر ما بعده سحر. والشعر عندي حشد الكثير من الرؤى في القليل من الكلمات.
انتقال إلى الفضاء الإنساني
في العام 2024 غنت الفنانة الأوبرالية أسيل مسعود قصيدة لك بعنوان «رؤى الأحلى» من ألحان وعزف المؤلف الإسباني كالارس ماريغو، وترجمة الكاتبة إليا كينيونس.. ما الذي يعنيه أن يكون أول عمل كلاسيكي لقصيدة عربية بغناء أوبرالي هو قصيدة لزاهر أبو حلا؟
في إسبانيا، أسيل مسعود وكارلاس ماريغو وإليا لينيونس وأنا، أطلعنا تحفة ولا أروع، وبهذا انتقلنا من محلياتنا إلى الفضاء الإنساني، والقصيدة العربية باستطاعتها أن تكون هناك متى توافرت لها المناخات الإبداعية المرافقة، الإعلام.
أنا وشركائي في العمل أطللنا على المسرح الأوبرالي من علٍ.
المكان قوّلني ما قلت
في أحد لقاءاتها، أكدت الفنانة أسيل أن اختيارها لقصيدة «رؤى الأحلى» لما فيها من حديث عن دمشق وجمالها وتفاصيلها، وعن بردى والغوطة وقاسيون، عن الياسمين وأصوات الحب.. هل يمكن هنا أن نعتبر العلاقة بالتفاصيل الجمالية للمكان هي سمة إجمالية في شعر زاهر أبو حلا؟
عمر «رؤى الأحلى» ثلاثة عقود، وما تقوله أسيل فيما يتعلق بالمكان وأشيائه صحيح، أنا عشت القصيدة آنذاك بالمعنى الحرفي، والمكان قوّلني ما قلت.
ورأيت في كل تفصيل ما رأيت وأصببته في وزني وقوافيَّ، «رؤى الأحلى» قصيدة ولا أروع وصارت في حنجرة أسيل وعلى يدي المترجمة والملحن والموسيقيين أكثر روعة.
هزمنا قضايانا بأيدينا
لو انتقلنا إلى الحالة العربية العامة.. كيف تصف ما يحدث في غزة من قتل وتدمير وتجويع؟ وهل للكلمة شعرا وأدبا موقف مما يحدث؟
غزة، لا تحتاج إلى المراثي، هي مثال حاد للحالة العربية، فقد سهل علينا الهوان، وارتضيناه لأنفسنا، وعملنا جاهدين لأن نبقى في القعر، ونحن والعلم في عداء، وألبسنا قضايانا لبوساً دينياً، وننتظر الغيب بما أوتينا من بلاهة وهبل، برأيي ما زلنا نسكن في كهوف التاريخ العفنة، والعالم يشرق من الرياضيات والفيزياء والعلوم.
حتى قضايانا العادلة هزمناها بأيدينا.
بهذا السلوك سنسحق أكثر، بانتظار أجيال تخطو إلى المستقبل بلا شيوخ وساسة على شاكلة شيوخنا وساستنا.
كلمة أخيرة تقولها عبر صحيفة لا..؟
إلى «لا» ومن خلالها إلى اليمن، كل محبتي وفائض تقديري، ولكم عندي الكثير الكثير من التمنيات العالية، ولي فيكم أحبة وأهل، وعلى أمل تواصل وتفاعل دائمين.
المصدر نشوان دماج / لا ميديا