نصر الله كما لم يُرَ من قبل.. جواد نصر الله في حوار خاص مع «لا»:السيد حسن دائم الحضور وإن غاب
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا

لأهل اليمن أقول:أحبكم وأسأل الله أن يجمعني بكم في الدنيا قبل الآخرة
حوار - عادل عبده بشر / لا ميديا -
بين الذكرى والذاكرة
عامٌ على الرحيل وما زال الحضور أكبر من الغياب. السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني، سيد شهداء الأمة وأحد أبرز قادتها في العقود الأخيرة، استشهد جسدًا لكن سيرته وأثره ونهجه ما زالا يترددان في كل بيت عربي وإسلامي، من لبنان إلى فلسطين واليمن والعراق وإيران وسورية وغيرها. هو القائد الذي واجه أعتى آلة عسكرية في المنطقة، وأبقى شعلة المقاومة متقدة، وأثبت أن «إسرائيل» أوهن من بيت العنكبوت.
عُرف عن السيد نصر الله أنه القائد الصلب في الميدان، والرمز الذي حمل هموم الأمة على كتفيه، لكن خلف هذه الملامح التي عرفها الملايين، كان ثمة وجه آخر.. وجه الأب الذي اقتطع من روحه ليمنحها لعائلته الصغيرة، رغم أن الأمة كلّها كانت تقتطع من وقته ومن عمره.
في الذكرى الأولى لاستشهاده، كان لا بد أن نفتش عن هذا الوجه الإنساني، أن نستمع إلى صدى صوته في البيت، وأن نقترب من تفاصيله التي لا ترويها الخطب ولا تحكيها بيانات النصر. لذلك حملنا أسئلتنا إلى نجله السيد جواد حسن نصر الله، الذي فتح قلبه لحديث صادق مع «لا» ليضيء على جوانب خفية من شخصية والده، وليضعنا أمام تجربة نادرة لرؤية القائد من نافذة العائلة، حيث تختلط العاطفة بالحكمة، والدمعة بالبأس، والبيت الصغير بفضاء الأمة الواسع.
في ما يلي نص الحوار:
السيد الأب
في ذاكرة العائلة محطات لا يراها الناس في شخصية القائد.. لو تركت الكلمات تقودك إلى صورة السيد حسن نصر الله بينكم كأب، أي ملامح تطفو أولاً؟
الملامح كثيرة والحديث عنها قد يطول كثيراً، ولكن الملامح التي تطفو أولاً هي اللطافة والإنسان الخفيف المؤونة، الدمث، العطوف، يحمل كل صفات الأبوة الحقيقية، الذي نلجأ إليه لأخذ النصيحة والاستشارة والاستخارة، ومجرد الجلوس معه فقط لتحصيل الأُنس والطمأنينة.
كان سماحته يحب العائلة كثيراً، وحين يكون جالساً بيننا نحرص على عدم سؤاله عن العمل والسياسة. كان عطوفاً على أبنائه ولطالما شكّل مع والدتي الثنائي النموذج المميّز والمثالي بالنسبة لنا نحن الأبناء. ثنائيا في الاحترام والأدب في التعامل والمخاطبة.
كانت هوايته المفضلة «القراءة»، وكان يتميز بقراءته السريعة لأي كتاب يريد الاطلاع على محتواه، يقرأ ويفهم ويحفظ من المرة الأولى، ومن هوايته، أيضاً، لعبة «كرة القدم» يتابع السيد المباريات من بعيد لبعيد كلما سنحت له الفرصة، وبالمجمل كانت قضايا الأمة لا تغيب عن باله في أي موقف كان.
حضور دائم رغم الغياب
رجل انشغل بأمة كاملة، ومع ذلك حمل بيتاً صغيراً بين ضلوعه.. كيف انعكس ذلك على يومياتكم كأبناء؟
سماحته رضوان الله عليه كان دائم الحضور رغم كثرة الغياب، لأنه كان يُتقن فن زراعة أفكاره وتعليماته وإرشاداته، والحب المكنون له، أصلاً، يجعله حاضراً في نفسك ووجدانك، وراء هذه الكاريزما والحضور سر لا ندركه، ووراء هذا التعلق شيء رباني، صحيح أن الوالدة تولّت جزءاً مهماً من تربيتنا، إلا أن وصايا الوالد الرؤوف والحنون والحليم لطالما كانت ولازالت حاضرة على الدوام، ومثّلَت خطوطاً حمراء لا يمكننا تجاوزها، من أبرزها احترام الناس، بكل ما يحمله الاحترام من معنى، وعدم التدخل في خصوصياتهم أو التعدي على حقوقهم أياً كانت سواء المادية أو المعنوية، وعدم الكذب والوفاء بالعهود والتواضع والبساطة والإحسان والكثير من الوصايا التي أنشأنا عليها منذ الطفولة، وكان للجانب العبادي جزءاً كبيراً في تربيتنا، كان السيد حريصاً جداً على تعريفنا بالله وشدنا إليه بأسلوب مُحبب وذكي، وبحيث يُشكل رضا الله عزّ وجل المعيار لأي عمل نقوم به.
صلابة الميدان ورقة القلب
حين يروى عن السيد أنه كان صلباً في الميدان، هناك من عرفه رقيقاً في البيت.. أي الحكايات تود أن تشاركها لتكسر هذه الصورة النمطية؟
الحقيقة يحار الشخص من أين يبدأ بالكلام، فالسيد ليس فقط رقيقاً في البيت، هو أصلا يتسم بصفات رحمانية ولطيفة وإنسانية، يحمل صفة الإنسان بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.
فصاحب هذا البأس هو مصداق للآية الكريمة «أشداء على الكفار رحماء بينهم»، يعني أقل وأبسط مثال إذا كان يحضر أو يشاهد نشيدا أو تقريرا عن الشهداء وعوائل الشهداء كانت عينه سريعة الدمعة كما هي، أيضاً، في الأدعية والمناجاة.
حب لا يعرف الشعارات
محبته لشعبهِ وللبنان وفلسطين واليمن ولرفاقه الشهداء لم تكن شعارات.. كيف تجلّت هذه المحبة في حياته اليومية وعلاقاته القريبة؟ وكيف استقبل سماحته أخبار استشهاد رفاقه مثل (عماد مغنية، فؤاد شكر، إبراهيم عقيل، إسماعيل هنية، وغيرهم)؟
تجلت المحبة بصدق العلاقة وإخلاصه لها، وبصدق التقديم لأية معونة أو مشورة وصولاً إلى تقديم روحه، ولا يوجد أصدق وأبلغ من الشهادة في لواء وركاب القضية التي آمن بها وأحبها، وهي القضية الفلسطينية التي هي، أيضاً، قضية الأمة، وكذلك قضية المقاومة والإيمان برسالتها السامية في حفظ الأرض والعرض والسيادة والدفاع عن المقدسات الإسلامية، وكذلك الإيمان بقدسية وجودها في وجه الاستعمار والاستكبار، باعتبارها هي الهوية، وهي العزة والشرف والكرامة، وغيرها استضعاف واستعباد وذلٌ وهوان.
أما استقبال أخبار استشهاد رفاقه، فكان سماحته دائماً يقول «نحن في حرب ونحن رجالها» يعني أشداء حيث البأس، بالتأكيد كان يتأثر ويتألم كثيراً لاستشهاد أي قائد عسكري أو سياسي، أو استشهاد مقاتل في متراسه أو على خطوط التماس أو في الصفوف الأخرى، أو استشهاد مجاهد في موقعه الجهادي أياً كان، وكذلك استشهاد أي مواطن لبناني، فلسطيني، يمني، إيراني، عراقي.. أو أي من أبناء الأمة، كان يتأثر لفقدانهم، ويتمنى لو يستطيع الذهاب والوصول إلى كل بيت لتقديم العزاء والتهاني بهذا الشرف الكبير، لكنه في الوقت ذاته كان يتحلّى بإيمان عميق بأن مكانة الشهداء في أعلى مرتبة بجنة الخلد، وأن المقاومة بطبيعتها ولاّدة، ولاّدة للقادة والأبطال والمقاتلين والصابرين والمحتسبين والصامدين، وكان السيد بطبيعته طيب القلب وصاحب وفاء كبير، أمَّا لحظاته الخاصة فكانت بينه وبين الله.
الفن المقاوم: جبهة أخرى للوعي
للسيد بصمته في دعم الفن المقاوم.. تجلّى ذلك بعدد من المسلسلات المقاومة والاجتماعية الهادفة التي أنتجها مركز بيروت للإنتاج الفني، مثل (زمن البرغوث، قيامة البنادق، الغالبون، بوح السنابل) هل نستطيع الاطلاع على علاقة سماحته بمركز بيروت ومدى إيمانه بأهمية الفن المقاوم؟
أول شيء خبرية جديدة عن علاقة السيد بمركز بيروت، مركز بيروت هو أحد المراكز التي تُعنى بالفن وعلى ما أذكر أن المركز كان تحت إشراف سماحة السيد هاشم صفي الدين، ولكن طبعاً السيد حسن نصر الله كان يشاهد ويشجع على الفن المقاوم الهادف في الكلمة وفي الصوت وفي الإنتاج وفي أي شيء، الفن الذي يدعم المقاومة ويدعم القضايا المحقة ويخلق وعياً لدى الجمهور.
الوجه المبتسم
في الغياب يظل الناس يبحثون عن صور جديدة للشهيد.. لو أردت أن تُظهر لنا وجه السيد الذي أحبه الناس ولم يروه بعد، أي وجه تختار؟
هم رأوا كل الوجوه، الغاضب والمحب والحزين واللطيف والمزوح، وكل وجوهه لكن أحب وجه هو الوجه المتبسم.
الحزب وتحدياته
كيف هو حزب الله اليوم، قوته، تماسك بنيته ومؤسساته، وماذا عن الضغوط التي يواجهها فيما يتعلق بسلاحه؟
حزب الله جيد رغم الضربة القاسية والقوية التي تلقاها باستشهاد الأمينين العامين سماحة السيد حسن نصر الله وسماحة السيد هاشم صفي الدين، والاغتيالات التي طالت عددا من القيادات، والضربات المتتالية وحرب 66 يوماً، والآن يواجه ضغوطاً سياسية وميدانية وما إلى هنالك، لكن إن شاء الله سيخرج الحزب من هذه الأزمة منتصراً، يكفي أن اسمه حزب الله، وكان والدي يقول «حزب الله وُلِد ومطبوع في جبينه النصر إن شاء الله»، وإن شاء الله لن يكون إلا النصر تلو النصر ولا تُهزم له راية.
أُمّة لا تستسلم
كيف يقرأ السيد جواد التطورات القادمة، لا سيما في ظل التصعيد المتواصل من قبل العدو الصهيوني، هل سنشهد جولة جديدة من الحرب اللبنانية مع كيان الاحتلال؟
لست محللاً سياسياً، لكن المحسوم والمقطوع به والأكيد أن هذه الأمة لا تستسلم، أهل المقاومة هم أهل الفداء والصمود والمواجهة وإن شاء الله لا يكون إلا الظفر والنصر والهناء لأهل هذه المقاومة ومجاهديها مهما كبُرت وعلت التحديات.
إرث السيد
بعيداً عن كل ذلك، من هو جواد اليوم؟ أين تصب اهتماماتك الخاصة، شعرك، فنك، مشروعك الإنساني؟
حالياً ما في شعر ولا فن، أعمل نفس العمل على الصعيد المهني، إلى جانب انشغالي بجمع ما أمكن من تراث وأثر سماحة السيد حسن نصر الله مع كل المحبين، وأنا أقوم بكل ما يُمليه عليَّ الواجب والضمير والتكليف إن شاء الله.
جواد الشاعر
هل السيد جواد يكتب الشعر احترافا أم هواية؟ ولماذا لم نقرأ إلى اليوم ديواناً باسمه؟
أنا أكتب الشعر هواية، ولكنني قليل الكتابة بشكل كبير خاصة في السنوات الأخيرة بسبب الانشغالات وعدم الإقبال النفسي على كتابة الشعر، وبخصوص إصدار ديوان باسمي، لدي مجموعة جيدة من القصائد تحتاج إلى الهمة وإلى بعض الوقت لجمعها وإصدارها في كتاب صغير إن شاء الله.
قصة أغنية «عاب مجدك»
الفنانة جوليا بطرس ارتبط اسمها بصوت المقاومة، وكتبتم أنتم لها قصيدة «عاب مجدك» التي تحولت إلى نشيد خالد لجمهور المقاومة.. ما الذي جمع بين قصيدتك وصوتها في تلك اللحظة؟ ولماذا لم يتكرر هذا التلاقي؟
الست جوليا بطرس كما ذكرت أنها صوت المقاومة وتغني لمناضلين، قصيدة «عاب مجدك» أنا كتبتها ضمن عدة أناشيد، وقام بتلحينها زياد بطرس، شقيق المطربة جوليا، فسمعتها جوليا صُدفة في استوديو زياد، وكان أحد الشباب هو من يقوم بإنتاجها مع كورال «الفرسان الأربعة» وطلبت جوليا أن تغنيها وتم ذلك، يعني جرى الأمر بهذه البساطة دون أي تنسيق أو اتفاق مسبق، أما تكرار التلاقي بأعمال فنية أخرى تُغني فيها المطربة جوليا مِن كلماتي، فهذا الأمر محكوم بالظروف خاصة وأنني حالياً لا أكتب الشعر.
رسالة للشباب العربي وكلمة لليمن
في ختام اللقاء، ما الرسالة التي تود أن توصلها للشباب العربي وحتى للأجيال القادمة؟ وما الكلمة التي توجهها لليمن قيادة وجيشاً وشعباً؟
أولاً أخصّ الرسالة للشباب العربي أن يحذروا كل أشكال المؤامرات التي تحيكها «الجبهة الإبراهيمية» على الشباب في الوطن العربي وخاصة الشباب المسلم، وأن يحذروا من الفتن والتضليل الذي يراد منه أن يأخذ باهتمامات الشباب إلى أمور جانبية وثانوية وتسخيف وتفريغ اهتماماتهم وحرف بوصلتها عن القضايا الكُبرى. وأوجه رسالة للشباب بأن يحفظوا أوطانهم ولا ينجروا وراء العناوين الخادعة، وأن يكونوا أهل بصر وبصيرة وصبر، وأن يكونوا دائماً صادقين مع أنفسهم ومع الله حتى ولو أدى ذلك إلى خسران الدنيا ولكن يقينا هناك مكسب وربح في الآخرة.
أما الكلمة التي أوجهها إلى اليمن، يكفي أن أقول لهم إني أحبكم وأسأل الله أن يجمعني معكم في الدنيا قبل الآخرة وأزور هذا البلد الطيب والشريف والعزيز والذي يبعث على الافتخار، سلمكم الله، حماكم الله، نصركم الله وأعزكم، حفظ الله السيد القائد أبو جبريل وكل المجاهدين في اليمن العزيز.
المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا