
تقرير / لا ميديا -
منذ قرابة 20 شهرا، وقطاع غزة يجلَد بحمم الموت التي لا تنطفئ، ويُقتل سكانه جوعاً وقصفاً، بينما العالم يكتفي بمراقبة الابادة وعد الضحايا.
في غزة أصبحت الحياة مرادفًا للموت، وتحولت المستشفيات إلى مقابر مؤقتة.
في يوم آخر من أيام غزة الممتلئة بالموت، ارتقى أكثر من 45 شهيدًا تحت القصف الصهيوني خلال 12 ساعة فقط، من بينهم طفلان لم يستشهدا بصاروخ، بل بفعل التجويع، نتيجة الحصار القاتل الذي يخنق به العدو الصهيوني القطاع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فيما أعلن العدو مؤخراً عن توسيع نطاق عدوانه في عملية أطلق عليها اسم «عربات جدعون» كعنوان آخر لمرحلة أشد وحشية من عدوان الإبادة.
وبينما تمزق الغارات الحاقدة الجسد الفلسطيني في غزة، يزداد نزيف الأرواح بلا توقف. وزارة الصحة الفلسطينية بغزة أحصت خلال 24 ساعة فقط استشهاد 79 شخصًا وإصابة 211 آخرين، ليرتفع عدد ضحايا عدوان الإبادة إلى 53,901 شهيد و122,593 جريحًا، فيما أكثر من 10 آلاف لايزالون تحت الأنقاض، في مشهد يُعدّ من أفظع الجرائم المرتكبة في العصر الحديث.
لكن الأرقام، على قساوتها، لا يمكن لها أن تحكي وحدها القصة. القصة الحقيقية تُروى في وجوه الأمهات، في دموع الأطباء، وفي تفاصيل الفقد التي لا توثقها نشرات الأخبار.
طبيبة تستقبل 9 من أطفالها شهداء
في قصة يرتعش لها القلب، وهي قصة واحدة من بحر القصص المفجعة في غزة، كانت الطبيبة آلاء النجار تُداوي صغار غزة في مستشفى التحرير بمجمع ناصر الطبي. غادرت منزلها صباح الأمس كعادتها، برفقة زوجها الطبيب حمدي النجار، لتمارس عملها في إنقاذ الأطفال. لكن في ساعات الظهيرة، وصلت جثامين أطفالها التسعة إلى قسم الطوارئ ذاته، ملفوفين بالأكفان البيضاء، بعد أن طالهم الجرم الصهيوني في خان يونس.
استُشهد يحيى، ركان، رسلان، جبران، إيف، ريفان، سيدين، لقمان، وسيدرا. لم يكن أكبرهم قد تجاوز الثانية عشرة. وحده الطفل العاشر، آدم، نجا، لكنه يرقد في العناية المركزة بجانب والده المصاب. أما آلاء، التي اعتادت تهوين آلام الأمهات، فوجدت نفسها أمام ألم لا يُحتمل. قالت وهي تنظر إلى جثامين صغارها: «كل أطفال غزة أطفالي... لكن هؤلاء كانوا حياتي».
مستشفيات تُقصف ومرضى يُتركون للموت
القصف طال أيضًا مستشفى غزة الأوروبي، ليمنع الطواقم الطبية من الإخلاء أو تلقي الإمدادات. وأطلقت وزارة الصحة بيأس نداء استغاثة آخر لتوفير «حماية دولية» للمرافق الصحية، بعدما أصبح من المعتاد أن تكون هدفًا مباشرًا لغارات العدو الصهيوني. وأفاد مكتب الإعلام الحكومي بتسجيل 58 وفاة بسبب سوء التغذية و242 وفاة نتيجة نقص الغذاء والدواء، إضافة إلى أكثر من 300 حالة إجهاض بسبب نقص العناصر الغذائية.
موقف إسباني
ضمن أصوات الرفض الدولي لجريمة الإبادة وما خلفها من نوايا صهيونية، قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إن «غزة ستبقى للفلسطينيين... وسنواصل رفع صوتنا ضد الانتهاك الصارخ للقانون الدولي».
ودعا سانشيز إلى وقف فوري لـ»العمليات العسكرية»، ومشددًا على أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد للسلام العادل. ومع ذلك، لاتزال أصوات أخرى -خصوصًا في الغرب- تلتزم صمتًا ثقيلًا، رغم أن الأطفال يموتون يوميًا، لا فقط بالقذائف، بل بالجوع والعطش وفقدان الدواء.
صراعات داخل الكنيست
في داخل «كنيست» الاحتلال، اندلعت مشادة نارية بين النائب عن «الليكود» عميت هليفي ووزير الحرب يسرائيل كاتس، بعد أن وصف هليفي عملية «عربات جدعون» بأنها بلا جدوى.
وأفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» التابعة للعدو باندلاع مشادة كلامية حادة داخل «الكنيست» بين هليفي ووزير الحرب في حكومة الاحتلال كاتس، خلال اجتماع للجنة الخارجية والأمن، وذلك على خلفية انتقادات وجهها هليفي لقادة العدوان على قطاع غزة.
وقال هليفي في الجلسة إن عملية «عربات جدعون»، التي تشنها دولة الاحتلال في قطاع غزة، لن تؤدي إلى إخضاع حركة حماس أو القضاء عليها، رغم ما وصفه بـ»الهجمات العنيفة والتوغلات الواسعة»، التي زعم جيش الاحتلال تنفيذها أو التخطيط لها.
وأضاف: «نخوض حرباً منذ عشرين شهراً بخطط فاشلة، ولا نحقق نتائج حقيقية... عرفنا كيف نخضع أعداءنا في حروب سابقة، لكننا اليوم نعجز عن إخضاع حماس». وهاجم حكومة بنيامين نتنياهو متهماً إياها بـ»الكذب على الشعب» في ما يتعلق بالحديث عن الإنجازات المزعومة في غزة.
هذه التصدعات، وإن كانت داخلية، تشير إلى وهنٍ في الرواية الرسمية الصهيونية حول «النجاح الميداني»، الذي لا يظهر منه إلا الركام والجثث والدمار.
الضفة المحتلة: اختطافات واغتيال الحياة الفلسطينية
على امتداد فلسطين، لا تتوقف آلة الجريمة الصهيونية عن محاولة تحقيق طموح سرقة كل فلسطين بكل الطرق الأشد عنفا وإجراما. في الخليل، استشهد شاب فلسطيني برصاص العدو الصهيوني على حاجز «تل رميدة»، بزعم محاولته تنفيذ عملية طعن. فيما داهمت قوات الاحتلال مدينتي نابلس وجنين، واعتقلت عدة شبان بعد اقتحام منازلهم. وفي يطا جنوب الخليل، أقدم غاصبون على اقتلاع عشرات أشجار الزيتون وتخريب ممتلكات المواطنين، في محاولة مستمرة لتهجير الفلسطينيين قسرًا.
* كوشير: بالعبرية تعني مباح أو حلال.
المصدر لا ميديا