
تقرير / لا ميديا -
في غزة، السماء لا تعني المطر أو الغيوم، بل تعني عواء الطائرات الصهيونية، وانفجارات تبتلع بيوتاً وعائلات، ومجتمعاً بكل ما فيه من القصص والأحلام.
في غزة، توقفت عقارب الحياة منذ بدأ عدوان الإبادة، بات الموت هو اليومي والمألوف والمشترك بين الناس.
أكثر من 53,500 شهيد و121,000 جريح منذ بدء العدوان الصهيوني، فيما لا يزال أكثر من 10 آلاف مفقودين تحت الأنقاض، في أرقام تتجاوز الفهم البشري، وتكسر ظهر الإنسانية. وفي الساعات الأربع والعشرين الماضية وحدها، ارتقى 87 شهيداً جديداً، و290 جريحاً، كثير منهم بلا أطراف، بلا مأوى، بلا أمل. إنها المجازر المستمرة، التي لا تفرق بين رضيع وامرأة ومُسنّ، مجازر تُبثّ على الهواء مباشرة أمام عالم لا يجرؤ على الصراخ.
استشهاد 33 طفلاً في 5 ساعات
في قلب مخيم النصيرات، قُصف مكان نزوحٍ ظنه ساكنوه ملجأً من رعب حمم العدوان الصهيوني. استشهد مدير مدرسة العز بن عبد السلام، الأستاذ أحمد نصار أبو أسامة، مع زوجته وأربع من بناته، وغيرهم من أفراد أسرته. كانوا يحتمون في «محطة راضي»، اسم يحمل دلالة الاستكانة؛ لكنه لم يكن كافياً لإقناع صواريخ العدو بأن تذهب في مسار آخر.
خمس ساعات فقط كانت كافية لقتل أكثر من 50 مدنياً، 33 منهم أطفال ونساء، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة. مجازر متواصلة لا تتيح للدم أن يجف، ولا للتراب أن يهدأ.
رغم ذلك، لاتزال جذوة المقاومة مشتعلة، إذ أعلن العدو الصهيوني، أمس، مقتل أحد جنوده خلال معارك شمال قطاع غزة، في ظل استمرار المواجهات الشرسة مع فصائل المقاومة الفلسطينية.
وأعلنت سرايا القدس - الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، أمس، أن مجاهديها استهدفوا بقذيفة (آر بي جي) دبابة ميركافا صهيونية توغلت في منطقة خزاعة شرق خان يونس.
من جانبها تحدثت وسائل إعلام العدو الصهيوني أمس عن فرض الرقابة العسكرية على حدث أمني وقع في قطاع غزة.
مفاوضات صحراوية
أما في الدوحة، فقد توقفت جولة جديدة من مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى دون أي تقدم؛ بسبب تعنت وتحايل العدو الصهيوني. وأكدت قطر أن الهوة بين العدو وحماس لا تزال عميقة، وأن ألاعيب السياسة (التي يمارسها العدو الصهيوني) تكررت.
وقالت حركة المقاومة الإسلامية حماس إن بقاء الوفد الصهيوني في العاصمة القطرية الدوحة دون صلاحيات حقيقية، وتمديده إقامته بشكل يومي منذ السبت الماضي، يكشف عن مناورة مكشوفة من رئيس وزراء الاحتلال، المجرم بنيامين نتنياهو، لتضليل الرأي العام العالمي، دون الدخول في أي مفاوضات جادة.
وأكدت الحركة أن تصريحات نتنياهو بشأن إدخال مساعدات إلى قطاع غزة ما هي إلا محاولة لذر الرماد في العيون، إذ لم تدخل حتى اللحظة أي مساعدات فعلية، ولم تستلم الجهات الدولية القليلة منذ أن وصلت الشاحنات إلى معبر كرم أبو سالم أي شحنة. وأشارت حماس إلى أن تصعيد العدوان بالتزامن مع الإفراج عن الأسير الأمريكي عيدان ألكسندر، ووجود الوفود في الدوحة، يفضح نوايا نتنياهو في رفض التسوية والتمسك بـ»الحرب». وحمّلت الحركة الاحتلال مسؤولية إفشال الجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق، في ظل تصريحات مسؤوليه عن عزمهم مواصلة العدوان وتهجير الفلسطينيين.
الضفة الغربية... جريمة لا تتوقف
في مشهد موازٍ، تتواصل الجرائم اليومية والاختطافات في الضفة الغربية المحتلة، من جنين إلى طولكرم، ومن نابلس إلى الخليل. هدمٌ للمنازل، اعتقال شبّان تحت ذرائع أمنية واهية، اعتداءات من الغاصبين الصهاينة، آخرها إصابة زوجين في مسافر يطا بجنوب الخليل، وطفح الغضب في قرية بيتللو برصاص الغاصبين الذي لا يتوقف.
«إسرائيل» بلا أخلاق... وشبح العزلة كبير
الداخل الصهيوني ليس أكثر استقراراً. يائير غولان، الجنرال السابق وزعيم حزب «الديمقراطيين»، حذّر من أن الكيان الصهيوني يسير نحو العزلة، بقيادة حكومة وصفها بـ»الانتقامية التي تفتقر إلى الحد الأدنى من الأخلاق».
وفي تصريحات لاذعة، شدد غولان على أن «الدولة العاقلة لا تشن حروباً ضد المدنيين، ولا تقتل الأطفال والرضع بدافع الهوس، ولا تتخذ من تهجير السكان هدفاً لها»، في إشارة إلى ممارسات العدو الصهيوني في غزة.
ويبدو في لغة غولان الحادة صدى قلق داخلي يتصاعد من أن العدوان على غزة لا يحرق غزة فقط، بل يحرق ما تبقى من كذبة «إسرائيل» عن الأخلاق أمام العالم.
وأضاف أن حكومة الاحتلال «تعج بأشخاص تحركهم مشاعر الانتقام ويغيب عنهم الحد الأدنى من الأخلاق»، مؤكداً أنها «عاجزة عن إدارة الأوضاع، وتشكل خطراً حقيقياً على مستقبل ووجود إسرائيل بين الأمم».
مواقف دولية خجولة وكلمات أثقل من الفعل
في سياق ألعاب السياسة الدولية وتضارب المصالح، أعلنت الحكومة البريطانية تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع الكيان الصهيوني، واستدعاء سفيرته في لندن، في خطوة تُقرأ ضمن إطار التباينات السياسية والاقتصادية المتنامية بين الجانبين. ورغم تبرير لندن القرار «بتفاقم العمليات العسكرية في غزة»، فإن مراقبين يرون أن الخطوة تعكس خلافاً في الأولويات والمصالح بين حكومة نتنياهو والإدارة البريطانية، خاصة في ظل الضغوط المحلية والدولية التي تواجهها بريطانيا داخلياً بشأن علاقاتها التجارية الخارجية.
ولأن الأمر لا يعدو كونه رسائل سياسية بريطانية أكثر من كونه تعبيراً عن موقف إنساني صريح تجاه الكارثة في غزة، فقد ألمح وزير الخارجية البريطاني إلى تعليق مبيعات السلاح للعدو الصهيوني؛ لكنه مجرد تلميح فقط، إذ إن نهر السلاح الغربي يتدفق ولايزال إلى العدو الصهيوني ويرتكب بذلك السلاح إبادة غير مسبوقة في التاريخ المعاصر.
وفي سياق بعض المواقف الدولية الباردة الأخرى، طالبت السويد بفرض عقوبات على «وزراء إسرائيليين».
أما الاتحاد الأوروبي فبدأ يتحدث عن «مراجعة» علاقاته مع «إسرائيل»، في ظل تصاعد الأصوات التي تطالب بوقف الاستثمارات والتعاون الذي قد يدعم جرائم الإبادة. ومع ذلك، تظل الخطوات الفعلية محدودة، وكأن الدم الفلسطيني لا يزال بحاجة إلى موافقة دبلوماسية ليتحول إلى كارثة.
المصدر لا ميديا