
تقرير / لا ميديا -
تُواصل غزة كتابة فصلها الأكثر قسوة من ملحمة البقاء. المدينة المحاصرة منذ أكثر من عقد ونصف، والمنهكة من اعتداءات متكررة، تشتعل فيها اليوم نيران لا تهدأ، وتنزف منها دماء لا تجف. ومن تحت ركام البيوت، ينهض صوت المقاومة، ليعلن أن الحياة رغم الألم لاتزال تنبض في العروق، وأن غزة، كما كانت دائمًا، أقوى من الموت.
في أحدث مشهد من مشاهد الصراع، أعلنت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة حماس- عن تنفيذ عملية نوعية شرق حي التفاح بمدينة غزة، حيث تمكن مقاتلوها من استدراج قوة هندسية صهيونية إلى نفق مفخخ مسبقًا، وما إن دخلت القوة حتى فجّر المقاومون النفق، موقعين أفرادها بين قتيل وجريح. وأكدت القسام أن مقاتليها عادوا بسلام من خطوط القتال، بعد تنفيذ العملية بدقة وحرفية، في واحدة من أكثر الهجمات تعقيدًا منذ أسابيع.
هذا الإنجاز المقاوم، الذي يثبت أن غزة مازالت تمتلك أوراق المواجهة، جاء في ظل حمم من القصف المتواصل، ودماء تسيل من كل زاوية في القطاع.
وفي تطور لافت، كشف إعلام العدو الصهيوني أن قوات الاحتلال دفعت بمقاتلين جدد من لواءي «غولاني» و«غفعاتي» إلى داخل غزة، رغم أنهم لم يُكملوا تدريباتهم العسكرية، إذ تم تجنيدهم قبل 4 أشهر فقط. ويعزى ذلك إلى نقص حاد في عدد القوات التي يواصل الاحتلال الدفع بها في محاور القتال.
جحيم الطفولة
خلال 24 ساعة فقط، استشهد 39 فلسطينيًا، وأُصيب 62 آخرون بجراح متفاوتة، معظمهم نساء وأطفال لترتفع حصيلة الشهداء منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر 2023 إلى أكثر من 51,240 شهيدًا، وأكثر من 10 آلاف جريح وقرابة 117 ألف إصابة، في حرب إبادة جماعية تُنفّذ بدعم سياسي وعسكري غربي، في مقدّمته الولايات المتحدة.
تؤكد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا أن ما لا يقل عن 600 طفل في غزة استشهدوا منذ نكث العدو باتفاق وقف إطلاق النار واستئناف العدوان الأخير على غزة قبل 35 يومًا، وهو رقم مخيف يعكس حجم المأساة التي يعيشها جيل كامل لم يعرف من الطفولة سوى أصوات الطائرات وصفارات الإنذار.
من جانبها وزارة الصحة في غزة أكدت أن أطفالًا كثيرين يفارقون الحياة بسبب الجوع وسوء التغذية، في ظل منع دخول الأجهزة والمستلزمات الطبية من قِبل العدو الصهيوني. وارتفعت نسبة الإصابات الخطيرة والحروق نتيجة استخدام أسلحة شديدة الفتك، بينما خرجت معظم المستشفيات عن الخدمة بفعل الاستهداف المباشر أو نفاد الوقود.
جنوبًا، وفي منطقة «الزنة» بخان يونس، قُصِف منزل عائلة «بركة» فجر الاثنين، ما أسفر عن استشهاد 5 مدنيين، بينهم أطفال، وإصابة عدد آخر بجراح، بالتزامن مع قصف مدفعي وجوي طال الحدود الشرقية للمدينة.
مجزرة الـ15 مسعفًا
العدوان الصهيوني يأخذ أشكالًا متعددة، من غارات جوية عنيفة إلى قصف مدفعي على المدن والمخيمات، وصولًا إلى استهداف مباشر لخيام النازحين والمراكز الطبية. وفي رفح، قبل أيام ارتكب الاحتلال مجزرة بشعة بحق 15 مسعفًا ورجل إنقاذ، تم إعدامهم ميدانيًا بشكل موثق، بحسب ما كشفته مقاطع فيديو صادمة، أثارت موجة غضب شعبي ورسمي.
حركة حماس قالت في بيان أمس، إن ما أعلنته قوات الاحتلال عن فتح «تحقيق داخلي» هو محاولة مفضوحة للتهرّب من المسؤولية، والتقليل من وقع الجريمة التي هزّت ضمير العالم. وطالبت بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة لكشف حقيقة ما جرى وتسليط الضوء على الجرائم المرتكبة بحق المؤسسات المدنية والمستشفيات وفرق الإغاثة.
شهيد ومصاب في الضفة الغربية
أما الضفة الغربية المحتلة، فليست بأحسن حال. من نابلس إلى طولكرم، مرورًا بجنين والخليل، لا يمر يوم دون اقتحامات واعتقالات وهدم للمنازل. وفي بلدة سنجل شمال رام الله، استشهد الفلسطيني وائل باسم غفري (48 عامًا) اختناقًا بالغاز، في أحدث ضحايا التنكيل الصهيوني اليومي.
العدو الصهيوني صعّد من عملياته في مخيم جنين الذي دخل يومه الـ91 من الحصار، حيث تشير التقارير إلى تدمير أكثر من 600 وحدة سكنية بشكل كامل، وتحويل منازل أخرى إلى مواقع عسكرية مغلقة. ومع كل محاولة للبلدية لإصلاح البنية التحتية، يتجدد القصف، ليترك أهالي المخيم في ظلام دامس بلا ماء أو كهرباء أو أمان.
وفي ظل هذا المشهد الدموي، خرج من يسمى «وزير المالية الإسرائيلي» بتسلئيل سموتريتش ليعلن عن خطط لبناء 5 «مستوطنات» جديدة في الضفة الغربية، وإقامة 1900 وحدة استيطانية جديدة في القدس المحتلة، في إطار سرقة صهيونية تسمى «أملاك الغائبين»، في مشهد يُظهر الوجه الحقيقي للسياسات الصهيونية القائمة على التهجير والاستيطان تحت حماية البندقية.
المصدر لا ميديا