لماذا لا يستسلم حزب الله؟
- تم النشر بواسطة «لا» 21 السياسي

«لا» 21 السياسي -
حقاً، لماذا لا تستسلم المقاومة اللبنانية الآن وتُريح بعض اللبنانيين وبعض العرب (دون الحاجة للحديث عن العدو طبعاً)، خصوصاً بعد هذه الضربات «الموجعة» التي تعرضت لها منذ منتصف أيلول/ سبتمبر الفائت تقريباً؟!
أولاً: أعتقد أن مُجرد طرح سؤال كهذا على تنظيم «مُقاوم»، ينطلق من خطأ مفاهيمي بيِّن وعميق. فلو أن مفهوم الاستسلام وارد من أساسه لدى الأفراد والجماعات الذين يقررون إنشاء حركة أو تنظيم من هذا النوع، لما سموا أنفسهم «مقاومة». اسأل نفسك بهدوء: لو أني قررت أو نويت أن أستسلم اليوم أو غداً أو بعد غد، فلماذا أنشئ «مقاومة» أو أنخرط فيها؟! علينا أن نتنبه إلى خطورة هذا الخطأ المفاهيمي العميق في ما يخص مقاربة هذه المرحلة وفي ما يخص فهم توجهات هؤلاء الناس بالتحديد.
ثانياً: وفي إطار ليس ببعيد واقعاً: كيف يُمكن لتنظيم يبني جُل عقيدته المقاوِمة والثورية على البُعد الثقافي (الكربلائي)، كيف له أن يقبل بفكرة الاستسلام –وما يشبهها– من أساسها؟! بموضوعية وبصدق وبهدوء أيضاً: هل نفهم حقاً، في الداخل وفي الخارج، معنى ومضمون الخطاب الكربلائي؟! هل نُدرك حجم العمل التربوي والتعبوي والثقافي والأكاديمي والإعلامي حول هذا الموضوع منذ ما يُقارب النصف قرن في أقل تقدير ضمن زماننا المُعاصر في لبنان؟! بطريقة أكثر رمزية، وربما أقرب إلى الفهم: هل يقول الحسين بن علي وهو مُقبل على الذبح وقطع الرأس وسبي الأهل، هل يقول: «لا، والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أُقر لكم إقرار العبيد»، ثم يقول حسن نصر الله أو نعيم قاسم أو محمد عفيف أو غيرهم –مع حفظ الألقاب– غير ذلك في لحظة مُشابهة، وهم يبنون جُل عقيدتهم الثورية والمقاوِمة على الحسين وعلى هذه المقولة وعلى هذا المفهوم منذ عقود وأكثر (إن لم يكن منذ 1300 عام)؟!
ثالثاً: هل يُمكن لقيادات المقاومة اليوم أن تُخاطر بمستقبل مشروع المقاومة في المنطقة برمته، وبمستقبل بيئتها في لبنان برمته، من خلال تنازلات يُمكن اعتبارها «مُذلة» أو مقتربة من هزيمة استراتيجية وفي هذا التوقيت؟! فلنفكر بطريقة عقلانية وبهدوء هنا أيضاً!
• ما هي كلفة التنازل اليوم في ما يخص مستقبل الصراع مع العدو؛ مع العلم بأن المطروح في المقابل هو تقدم للوضعية الاستراتيجية لهذا الأخير وتراجع لوضعية المقاومة، إن كان في لبنان أو في المنطقة ككل؟!
• ما هي كلفة هذا التنازل نفسه بالنسبة إلى مستقبل «البيئة» ضمن التركيبة اللبنانية وضمن التركيبة العامة في هذا المشرق المُبين، ونحن نرى مثلاً شياطين الماضي اللبناني الفاشي تُحاول أن تستفيق من سُباتها العظيم؟! أيهما أصعب: القتالُ قتالَ صناديدِ العربِ والعجمِ وكل ذي إيمان مَتين، مع الحفاظ على شرف المُقاتِل والمواجِه والمقاوِم، كما والحد الأدنى من وضعيته القوية، أم تحمل تبعات التراجع المهزوم لسنوات ولعقود (وربما لأكثر من ذلك)؟! ما هو الأصعب: تحمل فترة قصيرة نسبياً –وهو تحمل الكربلائيين الاستشهاديين– أم القبول بعودة قدر كبير من القهر والاستضعاف، في الخارج وفي الداخل؟! مجدداً، نحن نتحدث هنا من زاوية موضوعية ومن خلال فهمنا المتواضع للطريقة التي يُفكر بها هؤلاء القادة. ومن الواضح أن ثمن موقف «لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل» هو أقل بكثير من ثمن موقف التراجع الآن ولو قيد أنملة، في الدنيا وفي الآخرة أيضاً (من زاوية تفكيرهم هم).
رابعاً: هل في أوضاع الميدان حالياً ما يُجبر –حقاً– حركة «مُقاوِمة» على الاستسلام أو التراجع الدراماتيكي في ثبات مواقفها التفاوضية والسياسية (دون ذكر العسكرية طبعاً)؟! عند هذا الحد أيضاً، علينا التذكير بما أوردناه سابقاً حول سوء الفهم الخطير في ما يخص هذه المرة: مفهوم الأهداف التي تضعها لنفسها حركات «المقاومة» بشكل عام ضمن أي معركة من المعارك. باختصار، ومهما كانت الأخطاء الاعلامية والخطابية السابقة المرتكبة من قبل أوساط هذه المقاومة نفسها، علينا ألا ننسى أن هدف كل حركة «مُقاوَمة» هو، قبل أي شيء آخر:
• منع العدو من تحقيق أهدافه الاستراتيجية الأساسية.
• تكبيد العدو الحد الأقصى المُمكن من الخسارة، كماً ونوعاً. أعود وأكرر: نحن هنا أمام مشكلة مفاهيمية كبيرة وعميقة لم يزل كثيرون عالقين فيها، ضمن بيئة المقاومة وخارجها.
هذا هو هدف «المُقاومة» المركزي إذن، اليوم، منطقياً وعقلانياً وتاريخياً. مهما أغضبَنا ذلك، فليس هدف حركة «مقاومة» عادةً أن تقوم بحرب متماثلة مع عدوها، أو أن تبطش بمدنييه كما يفعل هو. فهل هناك ما حصل أو يحصل، موضوعياً، في الميدان، وحتى الآن، مما يُجبر المقاومة العسكرية اللبنانية على نوع من الاستلام؟! بكل موضوعية، وبهدوء: نعم، من الواضح أن «حزب الله» قد تكبد بعض الخسائر المؤثرة في الشهرين الماضيَين، ولا شك في ذلك، ولم يُنكرْه هو نفسه. ولكن، انطلاقاً مما سبق كله، ومع:
• الثبات «المقاوِم» (غير المتماثل طبعاً) في المواجهات البرية.
• استمرار إطلاق عشرات، بل مئات الصواريخ والمُسيّرات يومياً نحو العمق «الإسرائيلي».
• تصاعد نوعية السلاح والتقنيات المستخدمة في الميدان بشكل واضح.
• عجز العدو عن تحقيق أي هدف استراتيجي ملموس من الأهداف التي وضعها هو لنفسه حتى الآن.
• ثبات الموقف السياسي والإعلامي والتعبوي للمقاومة حتى الآن أيضاً.
• سد جزء كبير من ثغرة الانكشاف الأمني التي اتسمت بها المرحلة الأولى من المواجهة...
مع ذلك كله، ومع تذكر الأهمية والفرادة التاريخيتَين لظاهرة أن تكون جهة عربية تدك يومياً العمق «الإسرائيلي» وبلا توقف؛ مع هذا وذاك كله إذن، لا يُمكن الادعاء اليوم أن هناك من الوقائع الملموسة والمؤثرة جوهرياً، ما يُجبر المقاومة اللبنانية على القبول بالاستسلام أو بما يُشبهه بأي شكل من الأشكال.
باختصار، وهذا في نظري مضمون مضامين خطاب سماحة الشيخ نعيم قاسم وخطاب الحاج محمد عفيف: ليس في الإمكان، لمقاومة كهذه، حتى أن تُفكر بأي شكل من أشكال الاستسلام أو الهَوان، مهما كبُرت التضحيات، ومهما ارتفع في الظاهر منسوبُ الألم والأحزان.
مالك أبو حمدان
خبير ومدير مالي
باحث في الدراسات الإسلامية
المصدر «لا» 21 السياسي