وكالة «بلومبيرغ» الأمريكية
ترجمة خاصة:أقلام عبدالملك مانع / لا ميديا -
تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها على زيادة الضغوطات في كفاحهم للحد من هجمات السفن التي يشنها المسلحون الحوثيون في البحر الأحمر، من خلال قطع مصادر إيراداتهم بشكل متزايد، وهي خطوة تهدد اتفاق السلام الذي يهدف إلى إنهاء حرب مستمرة منذ ما يقرب من عقد من الزمن في اليمن.
وأبلغت واشنطن الأطراف، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، أن العناصر الرئيسية لخارطة الطريق التي تقودها الأمم المتحدة، والتي تم الالتزام بها في كانون الأول/ ديسمبر لا يمكن المضي فيها قدماً ما لم توقف الجماعة، المدعومة من إيران، حملتها البحرية العدائية المستمرة منذ حوالى سبعة أشهر، حسبما قال العديد من الأشخاص الذين التقوا مؤخرا مع مسؤولين أمريكيين.
وكان من الممكن أن يشمل ذلك دفع الرياض ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار من رواتب الموظفين المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وفقاً لشخص مشارك في المفاوضات على الصفقة.
وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية، طلب عدم الكشف عن هويته لحساسية الأمر، إن إدارة الرئيس جو بايدن تدعم السلام في اليمن لمعالجة الأزمات الاقتصادية والإنسانية القائمة منذ فترة طويلة في البلاد. لكنه شدد على أن الاتفاقيات المرتبطة بما يسمى خارطة الطريق، التي وضعتها الأمم المتحدة، لا يمكن أن تستمر إلا إذا أوقف الحوثيون هجمات البحر الأحمر، التي بدأت في نوفمبر/ تشرين الثاني ظاهريا للضغط على إسرائيل لإنهاء حربها في غزة.

هجمات الحوثيين بالقرب من مضيق باب المندب
هاجمت الجماعة، المدعومة من إيران، عدة سفن تجارية وعسكرية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، منذ منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر.
وتكشف هذه الخطوة كيف أن الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية ضد الحوثيين منذ أوائل كانون الثاني/ يناير لم تحقق الكثير لردع الجماعة، التي أدت هجماتها الصاروخية وعمليات اختطاف السفن إلى تحويل حركة الشحن عن أحد الشرايين الرئيسية للتجارة العالمية. ومع ذلك، فإن تعليق اتفاق السلام يمكن أن يؤدي إلى التراجع عن الهدنة الهشة التي استمرت عامين، ويعيد إشعال القتال البري بين الفصائل المتحاربة في اليمن، مما قد يجذب المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى مثل الإمارات العربية المتحدة.
إن تجدد صراع آخر في الشرق الأوسط، إلى جانب الحرب بين إسرائيل وحماس، من شأنه أن يسلط الضوء بشكل أكبر على كفاح إدارة بايدن لتحقيق الهدوء في المنطقة، قبل أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/ نوفمبر. وتسعى واشنطن جاهدة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة منذ عدة أشهر دون نجاح يذكر.
بنوك الحوثي
تزامناً مع القرار الأمريكي بشأن خارطة السلام الأممية (في اليمن)، اتخذ البنك المركزي اليمني، وهو جزء من الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والمدعومة من السعودية ومقرها عدن، سلسلة من الإجراءات ضد البنوك الموجودة في مناطق سيطرة الحوثيين في شمال اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، ما من شأنه أن يقوض سلطة الحوثيين ويمنع حصولهم على العملة الأجنبية.
عندما أطاح الحوثيون بالحكومة في العام 2014 وسيطروا على صنعاء، استولوا على جميع المؤسسات، بما في ذلك البنك المركزي الوطني آنذاك، وحددوا سعر صرف الريال اليمني وقواعد جميع المعاملات المالية المرتبطة بالتجارة والمساعدات الإنسانية والتحويلات المالية. وفي آذار/ مارس الماضي قاموا بسك عملة.
أوقف أحمد غالب، محافظ البنك المركزي (بنك عدن)، عمليات ستة بنوك في صنعاء الأسبوع الماضي، لعدم امتثالها لأمر نقل مقرات جميع المؤسسات المالية إلى عدن، بينما أصدر توجيهات جديدة لتوجيه اليمنيين إلى استبدال الأوراق النقدية القديمة المتداولة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
وأضاف أن ذلك يهدف إلى حماية النظام المالي في اليمن، خاصة بعد إعادة تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية عالمية في كانون الثاني/ يناير. إنها في الواقع محاولة لإنهاء النظام المصرفي المزدوج ونظام العملة الذي ظهر في اليمن منذ استيلاء الحوثيين على السلطة.
وقال أربعة أشخاص على دراية مباشرة بالوضع إن خطوة البنك المركزي تحظى بدعم الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين، ومن المرجح أنها حصلت على موافقة ضمنية من السعوديين، الذين يمولون حكومة عدن والبنك المركزي هناك. ورفض مسؤول وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على هذا الجانب من الخطة، في حين لم يرد المسؤولون في وزارتي الدفاع والخارجية السعوديتين الذين يتولون ملف اليمن على الرسائل التي تطلب التعليق.

الحرب الاقتصادية
الحوثيون اتهموا الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بتدبير وشن حرب اقتصادية جديدة ضدهم، ردا على موقفهم من الصراع في غزة. وهدد أعضاء بارزون في الحركة بشن هجمات صاروخية على القواعد الجوية السعودية، وكذلك المشاريع الرئيسية المرتبطة بخطة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد.
وقال عبد الملك الحوثي، زعيم حركة «أنصار الله» التابعة للحوثيين، الأسبوع الماضي: «إن لعبة صب الوقود على النار خطيرة».
يسعى محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية، منذ فترة طويلة، إلى إنهاء حرب اليمن، وأعطى الضوء الأخضر لإجراء مفاوضات مباشرة مع الحوثيين، بعد فشله في الإطاحة بهم من السلطة من خلال تدخل عسكري استمر سبع سنوات وأدى إلى مقتل 377 ألف شخص، وأدى إلى معاناة إنسانية واسعة النطاق، وعرّضت المملكة العربية السعودية لمئات من الهجمات الصاروخية وبالطائرات بدون طيار، بما في ذلك ضد منشآتها النفطية الحيوية.
وفي محاولة لنزع فتيل الأزمة الحالية، دعا مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن كبار قادة الحوثيين والحكومة التي تتخذ من عدن مقراً لها إلى الاجتماع لمناقشة الحلول الممكنة بشأن العملة والبنوك؛ لكنهم لم يستجيبوا بعد، حسب ما قال شخص مطلع على هذه الخطوة طلب عدم الكشف عن اسمه نظرا لحساسية الجهود الجارية.
ورفض المبعوث هانز جروندبرج التعليق على الدعوة؛ لكنه قال إن الأمم المتحدة عازمة على تنفيذ خريطة طريق السلام.

نقطة تحول
وقال ماجد المذحجي، رئيس مجلس الإدارة والمؤسس المشارك لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، إن تحركات الحكومة اليمنية، إذا تم تنفيذها بالكامل، ستؤدي إلى استنزاف السيولة في مناطق الحوثيين وتؤثر في جميع المعاملات المالية هناك.
وقال: «نحن في إحدى نقاط التحول الرئيسية في حرب اليمن؛ لأنه إذا انهارت الهدنة الحالية فسيكون من الصعب للغاية إعادتها».
تريد الفصائل المناهضة للحوثيين، التي تقول إنها استُبعدت من اتفاق السعودية مع الحوثيين واضطرت إلى التوقيع عليه في كانون الأول/ ديسمبر، الاستفادة من الضغوط الدولية على الجماعة لانتزاع تنازلاتها الخاصة، أي من خلال إنهاء الحوثيين حظر تصدير النفط من الجنوب، كما قال المذحجي.
وقال عمرو البيض، المسؤول الكبير في المجلس الانتقالي الجنوبي، أحد الفصائل الرئيسية في الحكومة التي تتخذ من عدن مقراً لها، إن الأمر سيتطلب أكثر من الضغط المالي لمعالجة التهديدات طويلة المدى التي يشكلها الحوثيون، الذين تم تسليحهم، تمويلهم، وتدريبهم من إيران منذ سنوات.
وقال فتحي الفحم، وهو تاجر ورجل أعمال يمني يعمل بشكل رئيسي في صنعاء، إن الإجراءات المصرفية إذا تم تنفيذها ستؤثر في قدرته على استيراد المواد الغذائية الأساسية، مثل القمح من أستراليا. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تفاقم الصعوبات التي يعاني منها اليمنيون في واحد من أفقر البلدان في العالم.
وأضاف: «كما هو الحال، فإن الوضع خطير».