لا ميديا -
رسمت الولايات المتحدة، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، التصوّر الاستراتيجي للردّ على عملية «طوفان الأقصى»، والذي يقوم، في جانب رئيس منه، على حصر المواجهة في قطاع غزة، ومنع امتدادها إلى مناطق أخرى في المنطقة، إلّا أن اليمن، بتدخله العسكري إلى جانب محور المقاومة، أطاح بهذا التوجّه الأميركي، ودخلت صنعاء في معركة مباشرة مع واشنطن، التي اعتبرت إقدام اليمن على إغلاق الممرات المائية في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، في وجه الملاحة الصهيونية ومن بعدها الامريكية والبريطانية، انتقالاً من التهديد التكتيكي المرحلي إلى المستوى الاستراتيجي الدائم، وهو ما يمس جوهر فكرة الولايات المتحدة عن الإمساك بقرار العالم عبر التحكم بالبحار والمحيطات والممرات المائية.
حول هذا، قال مركز «المجلس الأطلسي» الأمريكي لأبحاث الشؤون الدولية، إنه بعد ستة أشهر من إطلاق إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عملية «حارس الازدهار» فإن أكبر مشكلة تواجه البيت الأبيض هي فشل الولايات المتحدة في حشد الشركاء والحلفاء خلف قيادتها.
وأكد المركز، في تقرير حديث له، أن هجمات القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر «تُسلط الضوء على تآكل القيادة الأمريكية في المنطقة»، حيث فشلت الولايات المتحدة في حشد الدعم الإقليمي والدولي لعملية «حارس الازدهار» التي أطلقتها من أجل مواجهة تلك الهجمات، الأمر الذي يكشف عن صعوبات متزايدة تواجه واشنطن.
وفي فقرة حملت عنوان «إحباطات أوروبية وخليجية من الاستراتيجية الأمريكية»، قال التقرير إن «الحلفاء الأوروبيين كانوا متشككين، حيث أعربوا عن عدم موافقتهم على دعم واشنطن للعملية الإسرائيلية في غزة، وشككوا في الأهداف الاستراتيجية لعملية «حارس الازدهار»، ونتيجة لذلك، في 19 شباط/ فبراير الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي عن عملية «اسبيدس»، وهي عملية أمنية بحرية خاصة به».
وأوضح التقرير أن «إنشاء عملية «اسبيدس» أثار التوترات بين المسؤولين من جانبي المحيط الأطلسي»، مشيراً إلى أن «مسؤولين أمريكيين قالوا إن «اسبيدس» تبعث برسالة الفرقة بين حلفاء الناتو بدون تقديم بديل موثوق به على المستوى العسكري».
وبحسب التقرير فإن «العملية الأوروبية لها مشكلاتها، خصوصاً فيما يتعلق بالقدرات البحرية المتواضعة التي توفرها الدول المساهمة، فحتى اليوم، تعتمد العملية فقط على أربع سفن حربية لمواجهة هجمات الحوثيين، ويعاني الأوروبيون أيضاً من محدودية قدرات الدفاع الجوي».
وأضاف أن «رد الولايات المتحدة على أزمة البحر الأحمر قوبل بعدم الثقة من جانب الشركاء في الخليج. ومن بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي الستة، انضمت البحرين فقط إلى عملية «حارس الازدهار»».
ويرى التقرير أن السعودية والإمارات شعرتا بالإحباط من تطور موقف الولايات المتحدة فيما يتعلق بالعدوان على اليمن، وأن من وجهة نظرهما، دعمت واشنطن في البداية التحالف الذي قادته السعودية للعدوان على اليمن، ولكن بعد ذلك تغير الكونجرس وانتقد دول الخليج عندما واجهت طريقاً مسدوداً في ساحة المعركة مع اليمنيين.
وقال إنه «يُنظر إلى الحملة الأمريكية الحالية ضد الحوثيين في الرياض وأبوظبي على أنها عملية محدودة التصميم، ومن غير المرجح أن تحل معضلات السعوديين والإماراتيين، والأسوأ من ذلك أن مشاركتهم قد تنقلب ضدهم، وتؤدي إلى استئناف هجمات الحوثيين على مدنهم».
وبخصوص موقف دول آسيا، قال التقرير إن «الأنشطة البحرية الهندية لم تدفع بحكومة الهند إلى الانضمام إلى العملية الأمريكية أيضاً. ويعود هذا في الغالب إلى رغبة نيودلهي في الحفاظ على تقاليد عدم الانحياز، على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري».
وخلص التقرير إلى أن أزمة البحر الأحمر بشكل عام، تسلط الضوء على عجز الولايات المتحدة عن حشد شركائها خلف قيادتها، وعلى المدى الطويل تنبئ بالصعوبات المتزايدة التي تواجهها واشنطن في تشكيل البنية الأمنية للشرق الأوسط.
تفوق يمني على الخِبرة الأمريكية
في خط موازٍ، قالت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية إن عمليات قوات صنعاء في البحر الأحمر تستنزف الذخائر الدقيقة للبحرية الأمريكية بشكل ضار، وأن الغارات على اليمن في اليوم الأول استهلكت أكثر مما تم شراؤه خلال العام الماضي بأكمله من صواريخ «توماهوك».
وذكرت المجلة في تقرير حديث أنه «بعد عشرين عاماً من عمليات الانتشار غير المتنازع عليها إلى حد كبير في الشرق الأوسط، أصبح لدى البحرية الأمريكية الآن خصم يرد بإطلاق النار: الحوثيين في اليمن»، مضيفة: «لكن الخبرة المتزايدة في مجال الدفاع الصاروخي والطائرات بدون طيار لا تتفوق على الاستنزاف الضار للذخائر الدقيقة».
وأوضحت المجلة أنه «في الصراع مع الحوثيين، استهلكت البحرية من صواريخ توماهوك الهجومية البرية في يوم واحد عدداً أكبر مما اشترته في عام 2023 بأكمله»، لافتة إلى أنه «في المقابل يمكن للحوثيين استبدال جميع المعدات التي دمرتها الهجمات الأمريكية».
وكانت مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية ذكرت في وقت سابق أن الولايات المتحدة استخدمت في ضربات أول يوم من العدوان على اليمن أكثر من 80 صاروخ «توماهوك»، في حين أنها اشترت 55 صاروخاً من هذا النوع خلال عام 2023 بأكمله.
كما ذكر موقع «بريكينغ ديفينس» العسكري الأمريكي، في تقرير له الخميس الماضي، أن البحرية الأمريكية تبحث عن حلول لخفض تكاليف عمليات مواجهة هجمات قوات صنعاء، بعد أن أكد وزير البحرية في نيسان/ أبريل استنفاد ذخائر دفاعية بقيمة مليار دولار.
وتؤكد القوات المسلحة اليمنية أن عملياتها البحرية ضد السفن الصهيونية والمتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة، وكذلك السفن الأمريكية والبريطانية تأتي انتصاراً للشعب الفلسطيني ودفاعاً عن اليمن.
المصدر موقع ( لا ) الإخباري