اللواء محمد عباس محمد في حوار خاص مع «لا»:الضربة الإيرانية للعدو الصهيوني بداية تحول استراتيجي وثبتت قواعد اشتباك جديدة في المنطقة
- تم النشر بواسطة أحمد رفعت يوسف / لا ميديا
أجرى اللقاء في دمشق: أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
مع العدوان «الإسرائيلي» على دمشق، وضربها القنصلية الإيرانية فيها، وبشكل مخالف لكل القوانين الدولية، والرد الإيراني بضرب العمق «الإسرائيلي»، بمئات الصواريخ والطائرات المسيرة، يمكن التأكيد أن قواعد الصراع والاشتباك في المنطقة، تغيرت كثيرا.
فهذه التطورات لم تأت من فراغ، وإنما جاءت استمرارا لعملية «طوفان الأقصى»، التي هزت أسس الكيان الصهيوني، وما تلاها من عدوان إسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة، والفشل «الإسرائيلي» الأمريكي، في تحقيق أي من الأهداف الاستراتيجية للعدوان، خاصة وأن التصدي للعدوان «الإسرائيلي»، ترافق مع فتح جبهات الإسناد، من المقاومة اللبنانية، على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، ومن اليمن المقاوم، الذي أغلق البحر الأحمر، أمام السفن المتوجهة إلى الكيان الصهيوني، وتوسيعه لاحقا ليشمل بحر العرب، ورأس الرجاء الصالح، وفي عمليات فصائل المقاومة في العراق وسورية، ضد العدو «الإسرائيلي»، والقواعد الأمريكية غير الشرعية في سورية والعراق.
كل هذه التطورات، تؤكد أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة من الصراع، مع العدوين «الإسرائيلي» والأمريكي، عنوانها بدء انهيار الكيان الصهيوني، وإخراج أمريكا من كامل منطقة غرب آسيا.. لقراءة هذه التطورات المهمة، وتداعياتها ومؤشراتها، التقت «لا» اللواء محمد عباس محمد، الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، والذي شغل مناصب عسكرية رفيعة في الجيش السوري.
إيران هددت بالرد على الاعتداء على قنصليتها في دمشق، ونفذت تهديدها.. في العلم العسكري، ماذا يعني أن تهدد وتنفذ وتتمكن من استهداف الكيان الصهيوني على هذا البعد؟
عندما تتمكن إيران من إنتاج وسائط التأثير الناري، وتحقيق الضربات لمسافات تزيد عن 2500 كم، وتنفيذ التهديد والتأثير الناري، على مسافة تزيد عن 1100 كم، هذا يعني أننا أمام حالة تشير إلى قدرة إيران على فرض سيطرتها النارية، وقدرتها على الاستطلاع الدقيق، ومعرفة الأهداف المعادية بشكل مفصل، وأيضا ممارسة العمل النفسي والمعنوي والإعلامي والدعائي، لأن هناك نقطة ضعف لدى الإيرانيين، وهي أنهم بحاجة إلى مسافة زمنية طويلة لوصول الصواريخ والطائرات إلى أهدافها، مما يجعل الدفاع الجوي الصهيوني والأمريكي قادراً على التحضير والاستعداد، والتعامل معها قبل دخولها في أجواء فلسطين المحتلة، وبالتالي عندما تستطيع هذه الوسائط، أن تخترق منظومة الدفاع الجوي الصهيونية، وتصل إلى أهدافها، رغم أن الدفاع الجوي الصهيوني والأمريكي، تمكن من إسقاط أعداد كبيرة منها -وهذا أمر طبيعي من وجهة النظر العسكرية- لكن الصواريخ التي أريد لها أن تصل وصلت، وهذا يعني في العلم العسكري، أن العملية نفذت بمهارة وبكفاءة عالية وتمكنت من تحقيق أهدافها، بدون أن يتم اعتراضها.
لماذا ردت إيران عبر سلاحها، ومن أراضيها، وليس عبر حلفائها، الأقرب إلى الكيان الصهيوني؟
الرد الإيراني بسلاحها، ومن أراضيها، وليس عبر الحلفاء، هو تأكيد أولاً على حق إيران في الدفاع عن النفس، وبأنها عنصر أساسي ومحوري في محور المقاومة، وحقها في حماية سيادتها الوطنية، التي استبيحت، باستهداف مقر قنصليتها في دمشق.
بالتأكيد استهداف العدو أسهل من جبهة الجنوب اللبناني، ومن جبهة الجولان، ومن الجبهات الأخرى، لكن هذا لا يحقق الحضور النوعي لوجود إيران في المنطقة، كعنصر داعم واستراتيجي وهام، في محور المقاومة، ومكافحة الإرهاب، وبالتالي نحن ندرك تماماً أهمية المتغير الجيواستراتيجي، والجيوسياسي، والجيوعسكري، والجيواقتصادي، والجيواجتماعي، وماذا تمكنت هذه الضربة من تحقيقه، ومن إنجازه، في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة.
برأيك كيف سينعكس الرد الإيراني على الاعتداءات التي كانت تقوم بها «إسرائيل» في سورية، بحجة ضرب التواجد الإيراني فيها؟
في تصوري، الكيان الصهيوني مازال يراهن على مسألة توجيه ضرباته، إلى أهدافٍ في الداخل السوري، وفي اعتقادي أن الأهداف، التي طالما استهدفها، كان يقول إنها لأهداف إيرانية، ولكن في الحقيقة هي أهداف ترتبط بالدولة السورية، وبالجيش السوري، والبنى التحتية الاقتصادية السورية، وبتصوري أيضاً، أن الوقت الآن أصبح مفتوحاً لخيارات الرد والتصعيد.
السؤال الآن، هل هذا يعني أن الضربة الإيرانية، قد ألجمت الكيان الصهيوني؟ باعتقادي أن الكيان الصهيوني، بما يملك من الغطرسة وعقدة التفوق، ربما تشكل هذه الضربة، لحظة مراجعة لحساباته، لكن لا أعتقد أنها سوف تمنعه عن الاستمرار في توجيه الضربات إلى داخل سورية، أو في مناطق أخرى ضد محور المقاومة، سواء كانت الحرب المباشرة بالضربات الصاروخية أو الدرون أو الوسائط الصهيونية، أو غير مباشرة باستخدام الجيوش البديلة مثل «داعش» و«النصرة»، وتنظيم «القاعدة»، و«قسد» وغيرها من المجموعات الإرهابية في سورية.
برأيك ماذا ستغير الضربة الإيرانية من قواعد الاشتباك في المنطقة، سواء مع «الإسرائيلي» أو الأمريكي؟
نشأ الكيان الصهيوني، منذ عام 48، وهو يستند في «نظرية الأمن الإسرائيلي»، إلى مبدأ امتلاك قوة الردع، والقدرة على تهديد دول الجوار، وأهم عنصر في هذه القدرة، هو القوة الجوية، التي تشكل الذراع الصهيونية الطويلة، القادرة على الوصول إلى كل الأهداف في المنطقة العربية، كما حدث في تونس والسودان وليبيا، إضافة إلى ذلك، «إسرائيل» أشاعت في مساحات الوعي والعقل في المنطقة أنها الأقوى والقادرة على أن تمارس ما تشاء، والآن جاءت نقطة التحول الاستراتيجي في المنطقة، وعندما يتحدث القادة الإيرانيون ويهددون وينتقلون للتنفيذ، فهذا يعني أنك أمام متغير استراتيجي كبير، يؤكد قدرة إيران على التنفيذ وتوازن الردع، لا بل التفوق الاستراتيجي، لأن التهديد بالرد وتنفيذه، رغم أن الأمريكيين و«الإسرائيليين» كانوا يراقبون المنطقة، فهذا يدل على مستوى الثقة بالنفس والقدرة العسكرية الإيرانية والعقل العسكري الاستراتيجي على اتخاذ القرار وتنفيذه.
لماذا لم ترد الولايات المتحدة الأمريكية، ونصحت الحكومة «الإسرائيلية» بعدم الرد، رغم أن قواعدها بجوار إيران؟
أمريكا ليس في مصلحتها الرد، لأنها لو ردت في المنطقة أو تدخلت بشكل مباشر، فسوف تكون مستهدفة، وتتعرض مصالحها للخطر، وسوف تكون في وضع من انتقل من معركة استراتيجية مع روسيا في أوكرانيا، ومع الصين في شرق آسيا، للدخول في صراع جديد في الشرق الأوسط، وأمريكا لا قدرة لها الآن، على خوض ثلاث حروب في آن واحد، لذلك تحاول تجنب الرغبة «الإسرائيلية» في زجها في حرب مع إيران، وبايدن والقيادات الأمريكية، يدركون أن قواعدهم العسكرية، المنتشرة في محيط 2500 كيلومتر، تقع كلها في دائرة الاستهداف، وضمن مدى التأثير الناري، الذي تمتلكه إيران ومحور المقاومة، وهذا قد يفتح الباب على مصراعيه لتتدحرج الكرة إلى حرب إقليمية، وربما إلى حرب عالمية، لا قبل الآن لأمريكا في الدخول فيها، أو في تحمل نتائجها وتبعاتها، لأن الاقتصاد الغربي والأمريكي، والنفط، ومعابر مضيق باب المندب وقناة السويس والبحر المتوسط، هذه المناطق واقتصاد الطاقة العالمي جميعها، تشكل مصالح حيوية لأمريكا والمنطقة والعالم، وأي حرب إقليمية سوف تؤدي إلى كوارث في الاقتصاد العالمي.
كيف سيتم صرف العملية الإيرانية في السياسة؟
لا شك أي عمل عسكري، يقوم بخدمة المفاوض السياسي، خاصة وأنه إذا كانت الحرب صراع إرادات، فإن السياسة هي حوار الإرادات، والمفاوض السياسي الإيراني، بات مدعوماً الآن بقوة صاروخية كبيرة تستطيع أن تضمن حماية القرار السيادي، وأن تعزز من قدرة المفاوض الإيراني، سواء كان في الملف النووي أم في ملف المشاكل الإقليمية العالقة في المنطقة، ولن تتمكن أمريكا من مواجهة إيران بشكل مباشر، لكنها بتصوري سوف تسعى مرة أخرى إلى محاولة زعزعة استقرارها من الداخل، وممارسة الضغوط على القيادة الإيرانية أو تحضير لعناصر جديدة، سواء كانت المجموعات الإرهابية التي تعمل في الداخل الإيراني والقادمة من دول الجوار أو أن تخلق لها مشاكل جديدة في أرمينيا، وبالتالي الحرب ستبقى مستمرة وصراع الإرادات مستمرا في السياسة وفي الحرب.
برأيك ماذا أحدثت هذه التطورات وتحديداً الرد الإيراني من تغيرات على خارطة الصراع في المنطقة وفي العالم؟
الرد الإيراني شكّل عنصراً متغيراً استراتيجياً كبيراً جديداً، ولم يكن في حسابات «الإسرائيلي» والأمريكي أن إيران قادرة على تجاهل التحذيرات الأمريكية بهذا المستوى، وأنها قادرة على الوصول إلى الأهداف التي قررت إصابتها وتدميرها، وبالتالي هذا متغير استراتيجي كبير، ويشكل أيضاً سابقة بقواعد الاشتباك ومعادلات الردع، ومحاولة إيران لتثبيت نتائج الضربة وقواعد الاشتباك الجديدة، وبالتالي سوف تكون هنالك خيارات واحتمالات للعب والتحرك على حافة الهاوية، لأن أي خطيئة يمكن أن تحصل في المنطقة قد تنتقل إلى صراع إقليمي، ربما سيتدحرج إلى حرب عالمية ثالثة، خاصة وأن روسيا والصين، تراقبان كل هذه التغيرات في المنطقة، وتقفان إلى جانب إيران، وإن يكن بشكل غير مباشر، لأن إيران تشكل جزءا من منظومة شنغهاي، وبريكس، وجزءا من منظومة محور مكافحة الإرهاب الذي تقوده أمريكا في العالم.
هناك من يرى بأن التطورات التي تشهدها المنطقة، وآخرها الضربة الإيرانية، تضع الكيان الصهيوني على طريق الانهيار وإخراج الأمريكي من المنطقة.. هل تتوافق مع هذا الرأي؟
الكيان الصهيوني يعيش عقدا وجودية أفرزتها نتائج المعركة في غزة، في «طوفان الأقصى»، وعززتها نتيجة الضربة الإيرانية، والكيان الصهيوني الآن يعيش عقد الخوف والشك من البقاء والاستمرار، وهم يدركون تماماً أن خسارة حرب واحدة في تاريخ هذا الكيان تعني خسارة وجوده، الآن سلسلة الهزائم بدأت منذ 21 آذار عام 1968 في معركة الكرامة بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني في نهر الأردن، واستمر هذا المسلسل في حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973، وعامي 2000 و2006 في لبنان، وفي الانتفاضات الفلسطينية، وفي «سيف القدس»، وصولاً إلى «طوفان الأقصى»، كل ذلك يؤشر إلى أن الكيان الصهيوني يعيش عقدة الخوف من البقاء، ومسألة انهيار الكيان مسألة باتت تدخل في وعي وعقل وإدراك المستوطنين الصهاينة، وهم يبحثون عن جوازات سفرهم لجنسياتهم القديمة، خاصة وأن مئات الآلاف من الصهاينة، غادروا فلسطين المحتلة، منذ «طوفان الأقصى» وحتى اليوم.
أما في ما يتعلق بالوجود الأمريكي، فأمريكا بتصوري وبرأيي الشخصي، بقاؤها مسألة وقت، وهذا الوقت مرهون بمدى قدرتها في الاعتماد على بعض الأطراف التي تستند إليها، سواء في أربيل في العراق أو «قسد» في سورية أو بوجود المجموعات الإرهابية والجيوش البديلة، مثل «القاعدة» و«داعش» و«النصرة» وأخواتها، إذن في تصوري مسألة الخروج الأمريكي مسألة وقت، وعندما تزداد فاتورة وجودهم في سورية والعراق، ولا تكون أمريكا قادرة على إقناع مواطنيها بأن هذا الوجود ضرورة ملحة، وعندما يتعرض هذا الوجود إلى المزيد من الضربات، أعتقد أنهم سوف يغادرون وبسرعة.
اللواء محمد عباس محمد
- باحث وخبير عسكري استراتيجي.
- دكتوراه في العلوم العسكرية.
- تولى مناصب عسكرية مهمة منها نائب مدير الأكاديمية العسكرية في سورية.
- يعمل الآن محاضرا، ودائم الحضور على وسائل الإعلام كمحلل عسكري وسياسي واستراتيجي.
المصدر أحمد رفعت يوسف / لا ميديا