تحقيق:عادل بشر / لا ميديا -
استهداف سلة غذاء اليمنيين وما تبقى من سبل عيشهم، عبر أسلحة بيولوجية تضرب التوجه الوطني لتعزيز الأمن الغذائي والقومي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الزراعة في مقتل، لم يقف عند شحنات البذور الملوثة التي يتم استيرادها وإدخالها إلى اليمن بطرق مختلفة، عبر لوبي محلي، بل تجاوز ذلك إلى تورط منظمات دولية بإدخال أطنان من البذور المغشوشة لمحاصيل تحتل المرتبة الأولى في السلة الغذائية اليمنية.
تواصلاً للملف الزراعي الذي تنشره صحيفة «لا» لليوم الرابع توالياً، تخصص الصحيفة حلقة اليوم لجانبٍ من فساد أممي منظم يكشف مدى الحرب الكونية التي واجهها اليمن على مدى السنوات الماضية، عبر أدوات مختلفة، احتلت حرب البذور الجانب الناعم من تلك الحرب؛ ولكنه أشد خطراً من القنبلة والصاروخ.

حرب طويلة
في هذا الصدد أكد لـ»لا» مصدر مسؤول في وزارة الزراعة والري أن استهداف الزراعة في اليمن يجري منذ عقود ماضية، وبطرق عدة، وبعلم وموافقة الحكومات المتعاقبة؛ غير أن هذا الاستهداف زاد أكثر منذ بدء الحرب على اليمن مطلع العام 2015، حيث رافق العدوان العسكري عدوان آخر لا يقل خطورة، تمثل في إغراق البلاد ببذور مهربة، وأخرى دخلت بطرق وصفها بـ»الملتوية»، وبموافقة من جهات الاختصاص في الزراعة، وثالثة عبر منظمات دولية. بعض تلك الشحنات  تحمل أشد الفيروسات والآفات خطورة وفتكاً بخصوبة الأرض وقيعانها الزراعية.
وأوضح أن بلادنا استقبلت خلال سنوات الحرب عدداً من الآفات النباتية المهاجرة والعابرة للحدود، منها آفات مثّلت خطراً دائماً على المحاصيل؛ كونها تهاجم المحاصيل في مختلف المواسم الزراعية وتتكاثر بشكل سريع، بحيث يصعب على المزارعين استئصالها، الأمر الذي تسبب بتحول مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة إلى قاحلة.

استهداف أممي
وكشفت وثائق -حصلت «لا» على صور منها- عن ضلوع منظمات دولية، من بينها «الفاو» و»الصليب الأحمر»، في توريد بذور مجهولة وأخرى تحتوي على شوائب ومصابة بأمراض فطرية خطيرة، خلال سنوات الحرب.
ومن تلك البذور ما تناولته وثيقة صادرة عن إدارة الرقابة على جودة مستلزمات الإنتاج بوزارة الزراعة والري، حول نتائج فحص مدخلات زراعية عبارة عن بذور طماطم وخيار، قدمها الصليب الأحمر لمكتب الزراعة والري بمحافظة صعدة.
وأكدت الوثيقة، الصادرة في أيلول/ سبتمبر 2018، أن تلك البذور مجهولة وغير مسجلة لدى إدارة الرقابة على جودة مستلزمات الإنتاج الزراعي في الوزارة.
وثيقة أخرى صادرة بتاريخ 15 كانون الأول/ ديسمبر 2018، عبارة عن محضر اجتماع لجنة مكلفة بمراجعة مدخلات الإنتاج الزراعي (بذور، أسمدة، أدوية بيطرية، أعلاف) أفادت بحدوث مخالفات في تداول بذور محاصيل مختلفة وتوزيعها على المزارعين بطرق مخالفة للقوانين المنظمة ودون الرجوع للجهات المسؤولة عن تقييم جودة البذور.
وأشارت الوثيقة إلى أن تلك المخالفات حدثت نتيجة للحرب والحصار، حيث قامت بعض المنظمات، مثل «الفاو» و»الصليب الأحمر» و»مرسي كرويس» و»أكتد» وغيرها، بالتدخل في توريد وتوزيع البذور على المزارعين، مستغلة الفراغ الإداري في مؤسسات الدولة بسبب الحرب.
وتطرقت الوثيقة إلى كمية من البذور تم ضبطها من قبل الجهات الأمنية في نقطة «الصُّباحة» على المدخل الغربي لأمانة العاصمة، وهي بذور تم توزيعها عبر منظمة «الفاو» في مديريتي بيت الفقيه وزبيد بمحافظة الحديدة، رغم أن وزارة الزراعة سبق أن خاطبت المنظمة بإيقاف توزيع هذه البذور كونها مخالفة للقوانين.
وأوضحت الوثيقة أن «الفاو» تعمل دون الالتزام بالقوانين، وبمعزل عن وزارة الزراعة والري، حيث تقوم بتوريد وتوزيع بذور زراعية غير مسجلة لدى وزارة الزراعة، وعبر أسماء منتجين وهميين.
وحسب الوثيقة يتم استيراد بذور بمواصفات وأسماء تجارية مشهورة، وعند وصولها إلى اليمن يتم إدخالها بدون الرجوع للجهات المختصة، ولا تخضع لأي إجراء رقابي أو حجر، باستثناء بعض العينات التي يتم سحبها بواسطة المنظمة وإرسالها إلى الوزارة، في حين لا تعلم الوزارة عن باقي الكميات.
وأكدت الوثيقة أن منظمة «الفاو» لا تلتزم بنتائج الفحص والتحليل، وكأن هذا العمل من باب إسقاط الواجب ليس إلا، عوضا عن أن عبوات هذه الشحنات لا تحمل البيانات وفقا للقوانين النافذة.
ومن ضمن المخالفات إدخال «الفاو» بذوراً مجهولة المصدر، والتعامل مع شركات غير متخصصة في الإنتاج الزراعي وغير مرخصة بالإنتاج، وورّدت منها بذوراً لمكاتب الزراعة في عدد من المحافظات، خصوصاً بذور محاصيل الباميا، الفلفل الحار، بصل بافطيم (محسَّن 1)، وكذا الاتجار ببذور أصناف مجهولة المصدر عليها ختم مكتب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، كالفلفل الحار وبصل بافطيم أحمر والفجل والباميا.
وتكشف الوثيقة تورط «الصليب الأحمر» في مخالفات، منها غش سماد مركب (NPK) «سوبر نيوكال» بتركيبات مختلفة، وتوريد بذور أصناف مجهولة المصدر، كطماطم «ريو جراند» والخيار (أكارينا، جميلة F1)، والفلفل الحار، وتوزيع بعض المحاصيل كالذرة الرفيعة والقمح والشعير، على أنها بذور في حين أنها مخصصة للأكل.
وكشفت مذكرة رسمية صادرة من وكيل وزارة الزراعة لقطاع تنمية الإنتاج السابق، وموجهة إلى وزير الزراعة في حكومة الإنقاذ، بتاريخ 15 آب/ أغسطس 2018، أن منظمة الصليب الأحمر الدولي قامت بتوزيع حبوب بعض المحاصيل على أنها بذور على المزارعين في محافظة عمران.
وأفادت المذكرة بأن المنظمة وزعت بذور ذرة رفيعة وقمح وشعير وكميات من السماد الكيماوي، لم يتم فحصها لدى الجهات المختصة في وزارة الزراعة، وإنما لدى جهات غير مختصة قانونا بفحص البذور.
وحسب المذكرة فإن الجهتين اللتين تم فيهما الفحص أكدتا أن ما تم فحصه حبوب للأكل وليست بذوراً.
ومن تلك الحبوب التي تم توزيعها على أنها بذور:
- 16 طناً من حبوب الذرة الرفيعة نوع «عداهي»، أكد الفحص أنها حبوب صغيرة أصغر من بذور العداهي المعروفة ولا تصلح كبذور.
- 15 طناً من بذور القمح، أكد الفحص أنها مخلوطة من صنفين، هما صنف «بوني» وصنف «بحوث 13 زراعي». ولأن بذور هذين الصنفين مخلوطة ببعضها فإنها لا تصلح كبذور، لأن النمو لن يكون متجانساً، ولن يتمكن المزارعون من حصاده في الوقت نفسه.
- 8 أطنان من شعير سقلة، لا توجد ملاحظات عليها.
- 17 طناً من سماد يقال إنه (NPK) موزع في شوالات صغيرة «قُطَم» وزن كل واحدة منها 10 كجم، ولا يوجد عليها كتابة توضح بلد المنشأ وتاريخ الإنتاج والانتهاء، على أساس أن توزع لكل مزارع «قطمة».
وخلصت المذكرة إلى أن بعض المنظمات، كمنظمة الصليب الأحمر الدولي، تتجرأ على شراء كميات من الحبوب من مصادر مجهولة وتقوم بفحصها لدى جهات غير مخولة بالفحص قانونا. ولأن تلك الجهات تعلم أن فحص البذور ليس من اختصاصها، تكتب في تقارير الفحص أنها قامت بفحص حبوب لا بذور.
إلى ذلك أُثير في مجلس النواب بصنعاء، في 11 تموز/ يوليو 2020، موضوع إدخال بذور ذرة رفيعة ملوثة إلى الحديدة.
ووجه البرلمان سؤالاً إلى وزير الزراعة والري في حكومة الإنقاذ حول دخول شحنة بذور الذرة الرفيعة عبر منظمة «الفاو»، وتحتوي الشحنة على شوائب في الحدود غير المسموح بها، كما تحتوي على فطر جديد على البلاد، سجل تأثيره على الإنسان والحيوان، بحسب تقرير نتائج فحص الشحنة من قبل الإدارة العامة لوقاية النبات التابعة لوزارة الزراعة.

رقائق إلكترونية
وتوصف البذور بأنها في مقام «الرقائق الإلكترونية» في مجال الزراعة، حيث تحوّلت في الوقت الحالي إلى سلاح جديد لحرب من نوع آخر، استخدمته دول الاستكبار العالمي للقضاء على الزراعة في الدول المعادية لها.
في عام 2014 أطلقت إحدى القنوات الفرنسية فيلماً وثائقياً بعنوان «حرب البذور» أكدت فيه أن خمس شركات عالمية كبرى تسيطر على إنتاج 75% من البذور في العالم، هذه الشركات هي:
- شركة «مونسانتو»، التي تمتلك 30% من سوق البذور المعدلة وراثياً، وتحقق إيراداً سنوياً قدرة 10.25 مليارات دولار كعائد سنوي من هذا القطاع.
- شركة «بايونير» الأمريكية.
- شركة «ليماغران» الفرنسية.
- شركة «سانجانتا» السويسرية، والتي تحقق إيراداً سنوياً قدره 13.6 مليار دولار.
- شركة «باير» الألمانية، التي تحقق إيراداً سنوياً قدره 19.5 مليار دولار.
وأوضح الفيلم أن البذور التي تنتجها هذه الشركات عقيمة، ولا يستطيع المزارع الاحتفاظ بجزء من المحصول لاستعماله كبذور للموسم القادم وإكثاره، ما يضطره إلى الاستمرار في شراء هذه الحبوب من الشركات الكبرى، بالإضافة إلى آثارها على الأرض والزراعة والبيئة والصحة العامة.


رابط الحلقة الأولى من التحقيق
👇🏻👇🏻👇🏻