تحقيق:عادل بشر / لا ميديا -
أنقذت العناية الإلهية عدداً من الأطفال المُصابين بـ«لوكيميا الدم» من كارثة كادت تُكرر مأساة الدواء الملوث الذي تسبب بوفاة وإصابة 21 طفلاً من مرضى سرطان الدم، في مركز علاج لوكيميا الأطفال بمستشفى الكويت الجامعي بصنعاء.
مصادر طبية أفادت «لا» بأن 11 طفلاً مصابين بسرطان الدم، ويتعالجون في مركز اللوكيميا بمستشفى الكويت، تلقوا، في 29 تموز/ يوليو الماضي، جرعة دواء مُقررة لهم؛ غير أن سبعة منهم تعرضوا لمضاعفات بعد فترة قصيرة من تلقيهم الجرعة.
وطبقاً للمصادر فإن الأطفال الـ11 تم حقنهم بدواء «ميثوتركسيت» مُصنع لدى شركتين دوائيتين مختلفتين، وتسبب الصنف الصادر من إحدى الشركتين بمضاعفات خطيرة لسبعة أطفال، بينما الأربعة الآخرون لم تظهر عليهم أية أعراض؛ كونهم تلقوا الدواء المنتج من الشركة الأخرى.
ويُعد دواء «ميثوتركسيت» نوعاً من العلاج الكيميائي يعمل على إبطاء نمو الخلايا السرطانية أو إيقافها.
المصادر ذاتها أوضحت أن إدارة المركز، وبمجرد ظهور المضاعفات على الأطفال، تحركت بشكل عاجل، وأخرجت أهالي الأطفال المرافقين لهم إلى فناء المركز، واستدعاء الطبيب المختص على وجه السرعة، وتم اتخاذ الإجراءات الطبية المناسبة، ووضع الأطفال تحت الملاحظة حتى استقرت حالتهم واختفت المضاعفات في اليوم التالي.
وبحسب المصادر فإن هذه المضاعفات تشبه تلك التي ظهرت على الأطفال الـ21 ضحايا الجرعة الملوثة التي تلقى 19 منهم الجرعة في المركز نفسه، أواخر أيلول/ سبتمبر 2022، وأودت بحياة 11 طفلاً، وإصابة 8 بمضاعفات كبيرة، تزامناً مع إصابة اثنين آخرين بالمضاعفات ذاتها في مركز اللوكيميا بسيئون محافظة حضرموت، في جريمة هزّت المجتمع وأثارت سخط الرأي العام.
مدير مركز علاج لوكيميا الأطفال بمستشفى الكويت الجامعي، الدكتور عبدالرحمن الهادي، أكد معلومات صحيفة “لا” حول ما وصفها بـ”الآثار الجانبية” التي حدثت للأطفال السبعة؛ غير أنه قلّل من مخاطر ذلك على صحة الأطفال. وفي الوقت ذاته تطرق إلى إجراءات اتُّخذت يومذاك، الأمر الذي عدّهُ مُختصون اعترافاً بكارثة كادت تلتهم سبعة أرواح بريئة.
وقال الدكتور الهادي لـ”لا”: “ما حدث السبت قبل الماضي (29 تموز/ يوليو)، أن 11 طفلاً من مرضى لوكيميا الدم تم إعطاؤهم الدواء بشكل اعتيادي وبحسب المقرر لهم دورياً، وظهرت آثار جانبية على البعض منهم، وتم التغلب عليها في حينها”، مشيراً إلى أن الدواء المستخدم للأطفال هو الدواء ذاته؛ غير أنه مُصنعُ لدى شركتين: “السبعة الذين ظهرت عليهم الآثار الجانبية استخدموا دواء هندياً، بينما الأربعة الآخرون تلقوا دواء تُركياً ولم يُصابوا بأي أعراض جانبية”.
ولفت إلى أن ما وصفها بـ”الآثار الجانبية” التي أُصيب بها السبعة هي “حُمّى زيادة وصُداع”، وهي بحسب قوله “تظهر مع أي علاج كيميائي”، مُرجعاً السبب في الحادثة الأخيرة إلى “زيادة فاعلية” العلاج المستخدم للأطفال السبعة.
وبتذكيرهِ بكارثة أيلول/ سبتمبر 2022 التي تسببت بها جرعة دواء ملوث مُصنع لدى شركة “سيلون لابز” (CELON LABS) الهندية، ومواجهتهِ بحديث المصدر الطبي للصحيفة بأن الأعراض الجانبية للأطفال في الحادثة الأخيرة لا تختلف عن تلك التي أزهقت 11 روحاً وأصابت 10 بمضاعفات مازالوا يعانون منها إلى اليوم، قال مدير مركز علاج لوكيميا الأطفال: “حادثة السبت قبل الماضي مختلفة تماماً، ففي الحادثة الأولى (كارثة أيلول/ سبتمبر 2022) كان العلاج ملوثاً وسبّب لهم حُمّى دماغية، ودخلوا في غيبوبة. أما هذه (الحادثة الأخيرة) فكانت آثاراً جانبية عادية تحدث مع أي علاج”.
وعما إذا كان الدواء الهندي المُستخدم في الحادثة الأخيرة صادراً من الشركة الهندية ذاته (سيلون لابز) المُصنعة للدواء الملوث المتسبب بالكارثة السابقة، قال الدكتور عبدالرحمن الهادي: “الدواء الأخير نوع ثانٍ جديد، هندي؛ ولكن ليس من الشركة نفسها”، مشيراً إلى أن الأدوية الخاصة بالأطفال مرضى اللوكيميا في المركز منتجة من ثلاث شركات هندية، وشركة رابعة تُركية.

إجراءات عاجلة
جرت العادة -وفقاً للدكتور الهادي- أن تظهر آثار جانبية كالحُمّى والصُداع والغثيان، على طفل أو طفلين من بين عشرة أو عشرين طفلاً يتلقون الدواء نفسه، و”لا أحد يدري بها؛ لكن عندما تكون ثلاث أو أربع حالات أو أكثر، فإنها تُلفت النظر”. لذلك قام مركز علاج لوكيميا الأطفال بإيقاف صنف الدواء وإبلاغ المركز الوطني لعلاج الأورام السرطانية، المسؤول عن تزويد مركز لوكيميا الأطفال بالأدوية. “قمنا بإيقاف استخدام هذا العلاج حتى يُعاد فحصه ومعرفة ما إذا كان فيه سُميّة زيادة، إذا فاعليته زيادة، واستخدمنا علاجاً آخر، أيضاً هندي، ولم تحدث أي مشكلة”، مضيفاً: “أبلغنا مركز الأورام، والذي بدوره أبلغ وزارة الصحة، ورفعنا تقريراً إلى مركز الأورام وصندوق مكافحة السرطان والوزارة، بأن لدينا شكوكاً حول هذا العلاج، وجاءت لجنة وحققوا في الموضوع، ولا أعرف متى ستظهر نتائج  التحقيق”.
وفيما استبعد الدكتور الهادي أن يكون الدواء المستخدم للأطفال السبعة ملوثاً، فإنه رغم ذلك ألقى بالمسؤولية على المركز الوطني لعلاج الأورام السرطانية، قائلاً: “الدواء ليس ملوثاً، وهو مفحوص من التلوث غالباً، هم قالوا لنا إنهم قاموا بفحصه ومطمئنون أنه ليس ملوثاً”. وأردف: “مركز الأورام هو من يمولنا بالأدوية، نحن لا ندري كيف يستوردون الأدوية، أو كيف يتأكدون من صلاحيتها. نحن نعرف كيف نستخدم العلاج، وهذه مهمتنا”، موضحاً بأن الأدوية التي لدى المركز جميعها “مفحوصة في الهيئة العليا للأدوية، ومكتوب عليها أنها خالية من التلوث”.
وأضاف: “نحن جهة إعطاء علاج، ليس لنا علاقة كيف يأتي الدواء أو من أين يأتي، لديهم إدارة في الوزارة وأخرى في مركز الأورام، يسمونها إدارة التموين الدوائي، ولديهم خبراء ومختصون، وإذا كان هناك مشكلة فنية في الأدوية فعليكم كصحفيين أن تسألوا مركز الأورام؛ هو المسؤول عن استيراد الأدوية، والمفترض أن يزودونا بها آمنة”.

أخطاء 
وأشار الدكتور الهادي إلى أن مركز علاج لوكيميا الأطفال في مستشفى الكويت لديه اتفاقية مع المركز الوطني لعلاج الأورام السرطانية وصندوق مكافحة السرطان، بتزويدهم بالأدوية اللازمة، وذلك مستمر على مدى نحو 12 عاماً ومازال حتى الآن، لافتاً إلى وجود ما وصفه بـ”القصور والأخطاء الكبيرة”، قائلاً: “أحياناً تحصل أخطاء كما حصل تلك المرَّة (كارثة أطفال اللوكيميا) جاء علاج ملوث، يعني هناك قصور؛ لكن بصراحة القصور ليس من مركز الأورام ولا من صندوق مكافحة السرطان، وإنما لعدم وجود اعتماد مالي لأدوية رسمية تأتي عن طريق الوكلاء”.
وأضاف: “تلك المرة عندما حصلت المشكلة (كارثة أطفال اللوكيميا) هم اشتروا أدوية مهربة، وحتى هناك أخطاء كثيرة، يعني العلاج كان ملوثاً من أساسه، لكنهم تكتموا على الموضوع، وإلا هو ملوث من المصنع، والأدوية المهربة لا تخضع للفحص في الوزارة”.
وأكد مدير مركز علاج لوكيميا الأطفال أن ما حدث أواخر أيلول/ سبتمبر 2022، للأطفال الـ(21) “كان ناتجاً عن جرثومة حُقنت لهم في الظَهر”، وهذه الجرثومة، طبقاً للدكتور الهادي، سببها الدواء الملوث، الأمر الذي أودى بحياة 11 طفلاً، وتعرض 10 لمضاعفات، بينهم اثنان في مركز اللوكيميا بمديرية سيئون محافظة حضرموت، موضحاً بالقول: “الذي اكتشفناه أن الأطفال الذين تعرضوا لمضاعفات لم يعودوا يستجيبون للمضادات الحيوية القوية إطلاقاً”.

طرقت صحيفة “لا” باب مكتب مدير عام المركز الوطني لعلاج الأورام السرطانية، الدكتور عبدالله ثوابة، وطرحت عليه ما طرحه مدير مركز لوكيميا الأطفال، فأكد ثوابة أن الأدوية يتم شراؤها من شركات دوائية عالمية معترف بها وتُوزَّع في دول كثيرة.
وقال: “ميزانية الأدوية التي تُقدَّم للمركز من وزارة المالية ضئيلة جداً ولا تكاد تُذكر”، مشيراً إلى أن “الأدوية الكيميائية يتم شراؤها عبر مناقصات بدعم من المركز الوطني لعلاج الأورام السرطانية، وصندوق مكافحة السرطان، وبذلك استطعنا توفير جميع الأدوية لمرضى السرطان، العلاجات الكيميائية والموجهة والمناعية، وهي باهظة الثمن”.
وأضاف ثوابة: “أحياناً يكون هناك نقص، وبالذات في الأدوية الداعمة، وهي رخيصة الثمن ومتوفرة في السوق المحلية، فيتم شراؤها من السوق”.
واجهناه بحقيقة أن الكثير من الأدوية المتواجدة في السوق “مُهرَّبة”، وأن ما حدث في كارثة أطفال اللوكيميا أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، سببه الدواء المُهرَّب، فقال: “خلال فترة العدوان والحصار، عندما أُغلقت المنافذ، والشركات الدوائية غادرت الوطن، كان أغلب الأدوية يدخل عن طريق التهريب، والحمد لله لم تحدث مشاكل كثيرة؛ ولكن كانت الضربة الأخيرة (كارثة أطفال اللوكيميا) التي أوجعت الجميع  وجعلت الجميع يعيدون حساباتهم، والآن بدأنا نتجاوز مرحلة الحصار قليلاً، وكل الأدوية تأتي عن طريق المناقصات”.
وفيما يتعلق بالمضاعفات التي تعرض لها الأطفال السبعة مؤخراً في مركز اللوكيميا بمستشفى الكويت، ومدى التشابه بينها وبين كارثة أيلول/ سبتمبر الماضي، في المركز ذاته، قال ثوابة: “الحادثة المأساوية للأطفال في شهر 9/ 2022 كانت بدواء ملوث، تم تهريبه وإدخاله إلى السوق المحلية بطرق غير قانونية وتم شراؤه من قبل أهالي بعض المرضى بشكل مباشر من الصيدلية. وما حصل مؤخراً لبعض الأطفال في مستشفى الكويت كان عبارة عن مضاعفات ناتجة عن الأدوية الكيميائية، وهي أدوية سليمة 100٪ ولا يوجد أية مشكلة فيها”، مضيفاً: “هناك بعض القصور، بعض الملاحظات، ويوجد تقرير مهني بذلك، وسيتم تجاوزها”.
ويستند مدير المركز الوطني لعلاج الأورام السرطانية، في تأكيده سلامة الأدوية، على إجراءات الفحص التي تقوم بها الهيئة العليا للأدوية، قائلاً إن الهيئة “هي المسؤولة عن دخول الدواء وسلامته ومراقبته. أمّا نحن فإن الأدوية تصل إلى مخازننا بعد إجراءات الهيئة العليا للأدوية، ونستخدم الأدوية مثلنا مثل بقية الجهات”.