حلقات يومية يكتبها القاضي محمد الباشق / لا ميديا -
نماذج من الحالة القارونية
هناك سلوكيات وتصرفات يمارسها بعض الناس، رغم تفاوت قدراتهم المادية والاجتماعية؛ لكنها بالنظر إلى بواعثها، وبالنظر إلى نفسية من قام بها، تدل على إرث من البغي القاروني حازها ذلك الشخص، ولو تمكن وله قدرة مالية أكثر ووجاهة أكبر لكان له إرث من هامان، والبعض لو أن لديه سلطة وقوة وتمكينا في الأرض لظهرت منه تصرفات وسلوكيات فرعونية، والبعض يمارس تصرفات وسلوكيات شيطانية...
وهكذا بالنظر إلى نماذج سلوكيات البشر تجد أن من سبق ذكرهم من الطواغيت لهم أتباع وورثة ومقلدون ومتشبهون بهم، وصح في الحديث: «من كثر سواد قوام فهو منهم». فمن يذهب للمحكمة أو النيابة أو أي جهة ذات صفة ضبطية وهو يعلم أنه على باطل وإنما يريد أن يشغل فلانا من الناس حسدا أو حقدا أو بغيا أو لسبب قديم لا يبرر له أن يكون مصدر أذية ونكد له، فإن هذا التصرف صفة قارونية.
ولو تأملت أخي القارئ الكريم ما ترى وتسمع وتشاهد من مواقف وسلوكيات في الحياة اليومية في جميع المجتمعات البشرية لوجدت أن كل موقف فيه استخدام للمال كوسيلة أذية للخلق فهي صفات قارونية، وكل قصص القرآن الكريم وأمثاله لها نماذج حية ومعاشة ومشاهدة في حياة الناس.
ونحن في رحاب شهر الصيام ينبغي أن يجلس كل واحد منا مع نفسه جلسة مراجعة وتقييم لما يقول ويفعل، تقييما صادقا يصل به إلى تقييم النوايا، فبسموِّها يرقى العبد في مراتب القرب من الله. ولو تأملنا في المشاجرات التي تحدث وحالات الصياح التي تشاهد في الشوارع والأسواق وبعض البيوت لوجدنا أن الغضب والتسرع وسوء الظن والعُجب بالنفس وتعظيم الذات وقلة الذوق والصبر وفقدان الحكمة والحرمان من الرشد... كلها أسباب تؤدي إلى كثير من المشاكل.
وهنا أود أن أذكر نفسي وإخواني وأخواتي جميعا بأن في الحديث الشريف الذي في استقبال شهر الصيام جملة: «شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله»، فاستشعار أننا في ضيافة الله حتما أن العيش في رحاب هذا الشهر الكريم بنفسية من يستشعر أنه في ضيافة الله، هذا الإحساس وهذه المشاعر تضبط بها جميع السلوكيات، فنحن لسنا في ضيافة قد تكون ضيافة يتيمة، واللقاء عابر والمعرفة سطحية، ولا تكون ضرورة أو مصلحة للمعرفة واستمرار العلاقة بأي مفهوم بشري قاصر.
نحن في ضيافة الله خالقنا سبحانه وتعالى ومالكنا ومصيرنا إليه ولا غنى لنا عنه طرفة عين، حاجتنا إليه دائمة، ومصيرنا جميعا إليه، وقد شرفنا وتفضل علينا ودعانا دعوة خاصة أن نكون في شهر رمضان المبارك في ضيافته، وأنزل لنا مائدة، هي كتابه الكريم (القرآن)، وجاءنا شرف الدعوة على لسان حبيبه ورسوله سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وآله، فأي ألفاظ وأي كلمات نستطيع أن نعبر بها ونتحدث عن معنى ضيافة الله جل شأنه سبحانه وتعالى، أن أكون أنا وأنت في ضيافة الله؟!
أعتقد أن مشاعر الخجل والحياء، وأن ظاهرنا وباطننا وكل خلية في أجسامنا تكتسي حياء ومهابة من الله، فلا نملك إلا أن نقول بكل أدب وبكل حياء: ربنا ظلمنا أنفسنا وإلا تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، نحن عبيدك المذنبون، تفضلت علينا وأكرمتنا ودعوتنا لنكون في ضيافتك، اللهم عفوك وعونك لنا وحنانك بنا لنستمر على وفي استصحاب مشاعر أننا في ضيافتك.
ونصيحتي لكل أب وأم ولجميع الخطباء والمرشدين أن يذكروا الناس دائما بهذه الجملة من قول رسولنا صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: «شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله».