تناحرات العدوان وجدليات الانهيار
- تم النشر بواسطة علي نعمان المقطري / لا ميديا
علي نعمان المقطري / لا ميديا -
في الموضوعات السابقة ركزنا في عدة حلقات وأقسام على الأوضاع التي يمر بها العدوان من النواحي العسكرية والـسيـاســية والحربـية والتحالفية والداخلية والإقليمية، لنوضح أن العدوان يمر في أسوأ أزماته وأكثرها شمولا وتفككا وانقساما وهزائم وقيادة ومعنويا وعقيديا، وكل هذه الأزمات جاءت كنتيجة للصمود اليمني في معارك الدفاع عن الوطن التي امتدت ثمان سنوات ومازالت مستمرة.
إن انتصارات اليمن وجيشه وقواته الثورية واضحة جلية لا تحتاج إلى مزيد إيضاح وبيان، ومع ذلك فانهيارات العدوان مستمرة لا تتوقف منذ سنوات وسوف تستمر حتى الوصول إلى القاع، والسقوط لا يتوقف إذا بدأ في ظاهرة أو جسم أو واقعة مهما كان ذلك يجري ببطء، فالنهاية المحتمة هي القاع، بخاصة إذا كان الجسم في حالة انهيار شامل وعام، وهو ما يواجهه العدوان الآن ويصاحبه التفكك والتحلل والتمزق ويتوقف عن العمل وفقا للنظام السابق القديم الذي قاد إلى هذا التفكك والتمزق والانهيار، ومظاهر التمزق والتفكك والانهيار تكشف عن نفسها في كل مجال من مجالات العدوان وفي بنيته الداخلية.
إن احتراب العدوان وفصيليه الأساسيين من عدن إلى أبين وإلى شبوة هو ميل مباشر ومستمر ولن يتوقف أبداً حتى النهاية الحتمية لهذا الصراع الانتحاري، أي السيطرة على كامل الجنوب اليمني المحتل الحالي الواقع تحت الهيمنة الأجنبية، لأن هذا الصراع كامن من البداية ومصاحب لقوى العدوان وهو جزء من أهداف العدوان وضروراته، والصراع قانون من قوانين هذا التحالف المبرقش كثيرا، التنوع يستخدمه العدوان لإنجاز أهدافه في جميع المراحل، حيث ليست جميع المراحل تتطابق مع كل أطراف العدوان المختلفة في أهدافها النهائية من الحرب في اليمن، رغم أنها تجتمع على هدف كبير واحد هو العداء للقوة الثورية الاستقلالية الوحيدة الآن، بعد أن ذهبت كل القوى التي كانت تدعي الوطنية والثورية واليسارية والقومية والتقدمية إلى جبهة العدوان وإلى صف الإمبريالية والاستعمار والرجعية، وهي تفعل ذلك بوعي منها ولا تجهل حقيقة ذلك أبداً، لكنها قد غرقت قيادتها بالفساد السياسي والاسترزاق المالي وروح الانحلال الأخلاقي والقيمي، فاتجهت تقلب الحقائق وتدعي الجهل وانعدام المعرفة، واستغفلت قواعدها وجماهيرها كلما صدمتها الحقائق، بخاصة أنها كانت أكبر مصدر للتثقيف السياسي الوطني اليساري الثوري في البلاد طوال عقود ماجدة مضت.
وقد حاولت إحراق كل كتاب ثوري يذكرها بالماضي ويلطم على وجهها ويهزها بعنف كلما تناست، وبدلا من أن تفيق وتعود إلى رشدها راحت تخترع لها كذبات جديدة تقنع بها أتباعها الساذجين والمضللين، وهذا يوضح أنها لم تكن يوما ثورية أو وطنية حقيقية، وإنما كانت مدفوعة بتيار جارف يجتاح المنطقة والعالم اعتقدت أنه غالب كل شيء في طريقه، ولم يكن يهمها إن كان حقا أم باطلا، المهم أنه سوف يتغلب على الآخرين أو ورقة اللعب الرابحة كما يقول السياسيون المحترفون في الغرب أو "الذي تغلب بيه العب بيه"، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، هكذا أصبح العديد من المثقفين في صف الوطنية والثورة والقومية.
وعندما هزمت تلك التجارب أو تعثرت وتعرضت لانهيارات مؤقتة أو دائمة سرعان ما تخلوا عنها بنفس السرعة التي ركبوا فيها سفنها، وبحثوا عن سفن جديدة ورياح جديدة وهداهم رشدهم المنحرف إلى البضاعة الجديدة الرائجة خلال العقود الماضية منذ أن (تعولم العالم وتأمرك وتصهين وتأخون)، هكذا ركضوا إلى أقرب ماخور يقدم لزبائنه حساء جيدا وجعة جيدة تساير موضات العصر الحديث وتواكب أمزجته. هكذا رأينا اليساريين في أحضان الرأسماليين الإمبرياليين والقوميين في أحضان الاستعماريين ورأينا التقدميين في أحضان الرجعيين والفرسان في أقبية الملوك والإقطاعيين.
جمــع المتناقضــات
كل هذه التناقضات لم تكن مرئية للجميع لكنها حقيقة موضوعيا، فما الذي يجمع كل هذه المتعارضات؟
أليس التمصلح المشترك والوقوف على قاعدة واحدة وعند مصدر واحد للمصالح الطفيلية الجديدة، وعندما كانت المبادئ الوطنية اليسارية مربحة وتدر على أصحابها وقادتها الفائدة والنفوذ وترفع من مكانتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية كانوا يتسابقون لحفظ النصوص الملونة والفاقعة الحمرة، ويستقتلون باسمها ويصفق الناس خلفهم معتقدين أنهم أصحاب مبادئ ثابتة، وكان أحد القوميين من الكتبة الكبار قد لخص المرحلة الغريبة التي بانت من بداياتها بأنها "عصر الثروة المسيطرة على الثورة"، وهذا صحيح من بعض وجوهه فقط، فهو يشير إلى هذه القوى الاجتماعية الملونة الباحثة عن الفوائد الذاتية من خلف كل نظام جديد يمكن فتح الطريق إلى قنواته والتعايش والتساكن معه وخدمته لا مشكلة، وقد رأينا شخصيات فكرية ويسارية وقومية ووطنية سرعان ما ذابت في التيارات التي أفرزتها الطفرات النفطية (البترودولارية) ومخلفاتها، وهي قامات كبيرة خنعت ونخت أمام الحالة الجديدة ولم تقاومها أبداً، بل بحثت لها عن منطق يسوغ لها انعطافاتها الجديدة.
لم تكن معجونة من نضال أمة مكافحة مستعدة للتضحية والصمود تبحث في قضيتها الكبرى حريتها واستقلالها وكرامتها وحقوقها، بل كانت طفحا جلديا تبحث عن ذاتها الفردية وأنانيتها، وتتجه نحو منافعها القريبة، وأين سوف تعين وتوظف بشكل أفضل وبدخل أحسن وبدرجة أميز.
وإذا كان من أسباب لهذه الظاهرة فإن من أهمها في عالمنا العربي والإسلامي هو خراب العقائد الروحية الصحيحة لدى تلك الشرائح التي تعلمت وتربت على أيدي الأجانب شرقا وغربا، والذين كانوا ومازالوا في حالة حرب مع خالقهم ولا يرون ما هو أسوأ منه إنهم فاقدو الإيمان مخروبو العقيدة، والإيمان لا يكون إلا شموليا وكليا، فلا يمكن أن يكون جزئيا أو مفرقا أو اختياريا، فالذي لا يؤمن بخالقه الأعلى لا يمكن أن يؤمن بالأجزاء والفروع ويهمل الأساس والجذور، هكذا صنعوا من تربة فاسدة لا تنبت إلا الأشواك فلا قيم ولا أخلاق ولا التزامات ولا واجبات ولا روادع أو وازعات وكل شيء مبني على الجدوى والفائدة المادية المباشرة والمنفعة الذاتية والشخصية من أي مصدر كان ومع أي قوة كانت، وهذا ما تكشفه أوضاع الحال الراهن وطريقة التعامل معها من قبل أولئك المحسوبين على الوطنية واليسارية والقومية.
كما أن هؤلاء القيادات لم يعرفوا زمن الكفاح الضاري في الميادين، وإنما سمعوا عنه مجرد سماع وتخيلوا أنهم قد فهموه واستوعبوه عبر كتبهم ومقروءاتهم السطحية، ومنهم من فهم الكفاح الوطني من زاوية قروية أو عشيرية أو مدينية إقليمية، لأن ذلك كان أقرب الإطارات التي تلجأ إليها النفوس الضيقة الانتهازية المنحرفة التي ورثتها عن المستعمر وعن ثقافته ومخلفاته الفكرية ومورثاته (الحضارية).
وكما انفجر الصراع الأساسي في بنية العدوان ستنفجر حتما بقية الصراعات والتناقضات، وهي تأخذ أشكالا عنيفة وباردة، لكنها تتفجر بعد أن اصطدمت أطرافها بمصالح بعضها البعض وعجزت عن التوفيق بينها، فكيف توفق بين التوجه الوحدوي اليمني والتوجه الانفصالي الجنوبي مثلا، بين من يريد أن يفوز باليمن كاملا أو على الأقل بالقسم الذي يريد أن يقسمه إلى أجزاء مبعثرة متناثرة، وبين من يتمسك شكلا بالهوية الإقليمية اليمنية وبين من يتنكر للهوية اليمنية؟
بعد أن هزم العدوان وانهارت قواه وعجز عن مواصلة الحرب العدوانية، انتقل إلى تمكين الانفصاليين بأفضل الأسلحة والإمكانات من أجل السيطرة على الجنوب، حيث تم الانتقال إلى مرحلة الحرب بالانفصاليين الجنوبيين ضد اليمنيين الوطنيين الوحدويين، وعندما لا ينصاعون للتوجهات الإمبريالية العليا فإن الطريقة المجربة هي استخدام فصيل يقاتل الفصيل الآخر ويؤدبه ويعيده إلى تحت الهيمنة، وهذا ما جرى في شبوة وعدن وأبين وغيرها، وهذا هو التوجه الراهن والقادم للعدوان، وهو توجه حاد ومنعطف تاريخي للعدوان وتحالفاته وتعكس أزماته وعقده، لكنها متوقعة من قبله، فالأمريكي يقول إنه سيستخدم الوطنيين المغفلين، ثم العملاء الواعين، ثم الانفصاليين، ثم الانسلاخيين ولكل نوع ولون حقبة من الزمن، فالحرب مستمرة، ولكن بأساليب مختلفة متنوعة.
الأجنبي يغير جلده كلما أكل هزيمة كبرى جديدة
إن العدوان الكوني لا يهمه الألوان والأسماء والشعارات كثيرا بقدر ما يهمه أن تتحقق أهدافه هو وليس أهداف مرتزقته، فعندما تتحقق أهدافه أولاً عبر الشعارات الوحدوية والدولة والشرعية، فهذا جيد ومطلوب التمسك به والانتصار له، وهذا ما كان العدوان يحاوله خلال المراحل الأولى من العدوان عندما كان يتقدم نسبيا على الأرض ويحقق إنجازات في الجغرافية اليمنية وهو مازال في أوج قوته وعافيته، لذلك كانت أهدافه هي السيطرة على كامل الجغرافية اليمنية، لذلك تظاهر بشعار الوحدة اليمنية والدولة الموحدة والشرعية، وكان مرتزقة الوحدة أقوى فصائله ولديها أكثرية في التسليح والإمكانات والقدرات، لأنها كانت تعد وتؤمل بالسيطرة على العاصمة صنعاء واستعادة اليمن كاملا من تحت سيطرة الأنصار ومناهضي العدوان، وكان هذا يسيل لعاب العدوان ويستثير شهيته الوحشية لابتلاع الوطن ككل موحدا، وكان آنذاك يوعز لأنصاره الانفصاليين بتجنب الإثارة والمواقف المتطرفة ومسايرة الوضع القائم واحتمالاته.
وكان لافتا آنذاك أنه سلم جميع المواقع القيادية والإدارية لأنصار (الوحدة التابعة) في كل مكان، وعندما بدأ هذا الجناح يخسر ويتراجع بشكل واسع ويفقد المناطق التي كان يحتلها العدوان ومرتزقته التابعون (الوحدويون) خلال عامي 2017 و2018، وعندها احتاج إلى جهود القطاع الانفصالي الإماراتي ليحمل معه بعض الحمولة ليتمكن من تركيز قواته على المناطق الاستراتيجية حول العاصمة والمحافظات الكبرى الشمالية وحدها، وهكذا جرى إعادة توزيع المسؤوليات بين الطرفين في الفنادق وعلى الأرض، وتمت إعادة توزيع جديد لقوى الطرفين في مواجهة الأنصار، حيث سلمت عدن للانفصاليين ليرتبوا أوضاعهم للمستقبل القادم، بينما سلمت قيادة مسرح الشمال المركزي للإخوان والأحمريين، وسلم الساحل الغربي من تعز وغربها والحديدة حتى أبوابها للإماراتيين الانفصاليين العمالقة وأتباعهم، وأضحت تعز مقسومة بين توجهين عدوانيين متعارضين متناقضين؛ الإخوان السعوديين في المدينة والإماراتيين في غربها وجنوبها وساحلها، ولم يتوقف الصراع المكشوف والمكتوم بينهما في الساحات المتزاحمة المختلطة من عدن إلى تعز إلى الساحل والمخا إلى شبوة إلى مأرب وإلى حضرموت وسقطرى والمهرة، ونشبت حروب بينية محدودة، لكنها عنيفة أراد العدوان الأعلى إضعاف الطرفين أحيانا وأحيانا إضعاف طرف منهما حسب مقتضيات مصالح العدوان الأعلى نفسه وأجنداته القادمة ومن يحتاجه أكثر في مشروعاته التالية، وهكذا دواليك.
وعندما طلب ابن سلمان من (هادي) التخلي عن علي محسن لصالح عيدروس الزبيدي، ولما لم يجد الحماس المطلوب منه قال له لن نستمر في تدمير اقتصادنا من أجل سواد عيونكم ومضى، وأرسل له قائد حرسه الخاص ليكلمه باللغة التي يفهمها جيدا، لغة الإهانات والتهديد والوعيد، لأن هادي من طول الاعتياد على التبعية السعودية اعتقد أنها الشقيقة بجد، وأنها تدافع عن شرعيته بجد، وأنه هو من يمنحها شرعية التدخل في اليمن، لأن الشرعية هو ممثلها الأعلى وبلا منافس، فنام طويلا هناك حتى أيقظته أقدام عسكر ابن سلمان من أحلامه وهم يحملون إليه ورقة التنازل عن "الشرعية" للزبيدي وجماعته ومجلسهم الجديد، وتم طي صفحة هادي وشرعيته المزورة.
وقد حاول الإعلام الأجير أن يسوغ الحادثة الجديدة بأنها من أجل إنجاز السلام والمصالحات وتوحيد فصائل العدوان المختلفة، وقد هلل منهم من هلل وبكى منهم من بكى واستبكى على الأطلال والديار ومازال يبكي ويستبكي على "الشرعية" التي زالت والمشرعية التي ولت وبانت وضاعت، وهو في الحقيقة لا يبكي إلا ضياع أمجاده ودولته الفانية الكرتونية الافتراضية، دويلة المنفى والفنادق كما يقولون، وأن عهدا جديدا ينفتح أمامهم أنه عهد آخر مختلف عن الماضي، وقد كانوا توسلوا طويلا لابن سلمان وأبيه وللأمريكيين بأن يمنحوهم فرصا جديدة في الجبهات الشمالية ليدخلوا العاصمة ولتستمر الموازنات والإمكانات والقدرات إليهم، ولم يحشد العدوان قوات وقدرات كما حشدها على جبهات مأرب، صنعاء العاصمة، حتى تحولت مأرب المدينة إلى عاصمة جديدة بحق، وتضاعفت أعداد ساكنيها وجلهم من المرتزقة وخدمهم والمسترزقين خلفهم أينما كانوا وولوا، جيوش كثيفة الأعداد، ومناطق عسكرية عديدة وجحافل محاربة تجاوزت أعدادهم الثلث مليون محارب ومرتزق وآلاف الدبابات والمدرعات والطائرات والمسيرات والمدافع والأسلحة الأحدث في العالم.
وظلت رحى الحرب تطحنهم طحنا وهم يمنون أنفسهم وأسيادهم بأن النصر قريب والاجتياح لم يبق منه إلا سيلة قصيرة وهجمة موفقة.. وهكذا، وكانوا قد وصلوا إلى أبواب العاصمة صنعاء طوال أعوام 2015 و2016 و2017. وفي نهاية العام 2019 بدأوا يتراجعون ويفرون من مواقعهم على مشارف العاصمة المحاصرة بعد أن اصطدموا بقوة الشعب المحارب وأبنائه وصموده وجسارته وعبقرية قيادته وشجاعتها وحكمتها وصبرها وحنكتها وجلدها واتساع رؤيتها ووطنيتها وعزيمتها التي لا تلين ولا تغلب أمام المكاره والتحديات ولو قاتلت العالم كله، ولا يشغلها عن الوطن وحمايته تجارة ولا غرض ولا لهو ولا أنانيات خاصة.
وهكذا جاء عاما 2020 و2021 وهم يتراجعون ويواصلون التراجع على جميع الجبهات ويخسرون الأسلحة والمواقع والرجال حتى اعترفوا بأن خسارتهم البشرية وحدها تجاوزت 300 ألف قتيل وجريح.
لم يكن أمام قيادة العدوان سوى أن تعترف بالهزيمة إذا كانت تريد الخروج منها بما يحفظ لها ما تبقى، فقد أيقنت أنها لا تستطيع الاستمرار في هذا النمط من الحرب الخاسرة المكلفة والمنهكة بعد أن بلغ بها الإنهاك والخراب مدى بعيدا جدا، أما قيادة المرتزقة المحليين فقد أصبح العدوان بالنسبة لهم تجارة مربحة تدر عليهم الأموال والقصور والعمارات والاستثمارات التي تتضخم وتتضاعف في عواصم الاستعمار وجزره، فلا يعنيهم إن كانت تموت بهدف أو بغير هدف حقيقي أو كانت تحترق طالما يمكن تغطية ذلك بالوسائل الإعلامية والدعائية، وهم لا يريدون أن يسمعوا إلا ما يحقق تلك الغايات الذاتية المحضة لهم ولأتباعهم المقربين، ولا يهمهم ما يسقط من اليمنيين أو يتجرع من آلام ومآس شملت كل بيت أو يتعفن من الحصار والجوع، وكل ما بات يهمهم هو استمرار ضخ الأموال إلى جيوب مقاولي المرتزقة، واستمرار الحرب العدوانية هو المهم مادامت ماكينة الأوراق المالية مستمرة في طباعة البنكنوت الجديد.
واجه السعوديون أخيراً صورة مصيرهم ومصير مشاريعهم الإجرامية بعد أن انتقلت حرب اليمن إلى قصورهم وصالوناتهم وبين قادتهم وإلى غرف نومهم، تطاردهم أشباحها وتحيط رقابهم عفاريتها، ونتائجها تتفجر ألغاما بين أيديهم كل يوم وفي كل مكان. وبعد أن كانت جحيما على اليمنيين وحدهم فقد تحولت مع الزمن إلى جهنم المستعرة بينهم هم، ولن ينجو منها أحد منهم، فهي تتحول إلى عاصفة دموية تغرقهم جميعا بأيدي بعضهم البعض وبأيدي اليمنيين أيضاً.
وكل ما تكابده أسرة بني سعود اليوم هو من نتائج عدوانها على اليمن الذي يتحول إلى لعنة تطاردها إلى الأبد، ولن تنجو منها مهما أنفقت وفعلت وجيشت وحزبت سوف يرسم مصيرها ونهاياتها المريعة على أيدي اليمانيين كما كانت نهايتها السابقة في القرون الماضية حين أطيح بهم بأيدي فرسان الجزيرة العربية من أبناء قبائل قحطان ويام وهمدان وحمير وغيرها من القبائل العربية المظلومة، فالظلم يردي بصاحبه إلى نفس المصير الذي سقاه لغيره.
ويتناسى بنو سعود كما تناسى من قبلهم غيرهم من الغزاة أن اليمن هي "مقبرة الغزاة" عن حق وفعل عبر التاريخ القديم والحديث، ومازالت لم تتغير عن هويتها الوطنية التحريرية، وهي أكثر الشعوب والأمم خبرة وطاقة في منازلة الغزاة وهزيمتهم من الرومان إلى الأتراك إلى الإنجليز وإلى المماليك والبرتغاليين وإلى الأحباش وإلى السعوديين والوهابيين، وكل تلك الإمبراطوريات قد خرجت مهزومة ذليلة محطمة منها.
وباختصار، لقد أخفقت حروب العدوان القديمة وهزمت قواته وأساليبه وخططه واستراتيجياته وتكبد خسائر بتريليونات الدولارات، وعاد من حيث بدأ أول مرة بخفي حنين يجر أذيال العار والنكال والشنار.
فبالنسبة للعدوان السعودي، الحرب على الطريقة القديمة قد انتهت الآن وكل من يسمع هذا الكلام قد يستغرب، ولكن طبيعة مجريات الحرب خلال السنوات الأخيرة ونتائجها قد أكدت هذا المنحى الكبير، فالسعودية لم تعد قادرة على الطريقة السابقة ولا على نفقاتها ونتائجها وهذا ما لم يحاول أن يفهمه (هادي) وأتباع "الشرعية" القديمة.
إن السعودية هي التي غيرتها الحرب العدوانية على اليمن ومقاومتها الوطنية هي التي فرضت حقائقها الموضوعية وصارت أقوى تكريسا ووضوحا ويقينا، فقد انعكست الهزائم المتوالية المستمرة اليومية على كل جوانب العدوان السعودي ومجالاته وبنيته ووحدته وتنظيمه وفصائله وقواته وقياداته وتفكيره وعقلياته السابقة السائدة ومدارسه الفكرية والاستراتيجية التي كان لها مكانة ووضع المقدس في الماضي، وقد تعرضت كلها للنقد والنقض والدحض الفكري والعملياتي الميداني.
وإذا عدنا إلى البدايات سنجد أن مسارات العدوان ومقاومته خلال السنوات المنصرمة قد مزقت وحدة الأسرة العليا التي كانت مستقرة طوال قرنين وأكثر، ولم تكن المملكة قد شهدت كل هذا الحراك الداخلي والتغييرات والصراعات والتجديدات والتناحرات الجارية في بنيتها إلا بسبب حرب اليمن وإدارتها وأساليبها وإنجازاتها الحربية والسياسية والاستراتيجية، فالقرار القيادي المركزي الموحد السابق الذي كان قائما بداية العدوان قد انفجر وتبعثر بسبب تناقضات أطرافها والهزائم المتوالية عليها في كل الجبهات والصدمات الهائلة التي نزلت على رؤوس قيادات العدوان المتنافرة المتنافسة بصمت ونفاق وتناحراتها جعلتها مكشوفة لا يمكن إخفاؤها أو التغطية عليها بعد أن فاقت كل التقديرات والتصورات.
يجب أن نتذكر أن العدوان السعودي على اليمن كان يعود بانقلابات داخل المملكة نفسها كما حصل مع فيصل وسعود العام 1964 بعد ثورة 26 سبتمبر 1962، والحرب السعودية عليها، حيث دبت التآمرات بين الأمراء الحاكمين والصراع حول العرش، حيث تمرد عدد كبير من الأمراء المعارضين للحرب ضد الثورة اليمنية وفروا إلى القاهرة وصنعاء وظلوا هناك يقودون المعارضة ضد السلطة الثيوقراطية القائمة، وهم من عرفوا بالأمراء الأحرار المطالبين بالتغيير والتحرر والاستقلال، وما لا يريد السعوديون تذكره هو أن كل اعتداء على اليمن يتبعه انفجار سياسي في الداخل السعودي، وهذا يتكرر دوما بسبب تداخل القبائل العربية الكبيرة الممتدة عبر الجزيرة العربية ومركزها اليمن.
كما أن مصير كيان بني سعود الوهابي كان قد حددته القبائل اليمنية القحطانية من يام والعجمان والخوالد من نجران وعسير وصعدة ومن شرق الجزيرة العربية وقبائل قحطان في نجد وشمر والحجاز، والتاريخ وصفحاته وكتبه تفيض بتلك الحقائق والوقائع والأحداث يمكن الرجوع إليها، وأهمها كتاب تاريخ بني سعود للشهيد البطل ناصر السعيد، العربي الحر الأبي الذي واجه بني سعود وفضح جرائمهم وأصولهم اليهودية الصهيونية وكانت نهايته على أيدي جلاوزة فهد وعرفات.
ويشعر بنو سعود منذ مؤسسهم الأول اليهودي مردخاي بن موسى بن أبرام، أب سعود الأول، بالعداء تجاه العرب، وهو الشعور الذي يسد الطريق عليهم في أن يندمجوا مع العرب، نتيجة إحساسهم بالغربة والعدوانية تجاه العرب أهل الأرض، والجرائم التي ارتكبوها حتى يمهدوا الأرض للاستعمار البريطاني الصهيوني ومازالوا هم قوام كل مؤامرة على العرب والمسلمين منذ ظهورهم خداما عملاء في ركاب البريطانيين والأمريكيين والصهاينة الطامعين الغزاة المجرمين وطليعة حرب على الله ورسوله وعلى المسلمين والعرب أجمعين.
أسئلة الحرب
وقد انفجر الصراع بداية حول الإجابة على سؤال الهزيمة والحرب وكيف نواجهها بعد كل ما حدث لنا؟ وكانت الإجابة متعددة متنافرة لا يمكن التوفيق في ما بينها.
أراد ابن سلمان مواصلة العدوان والحرب وتوسيعهما ومهما كانت الهزائم والأكلاف، فإنها سوف تصل إلى استنزاف اليمنيين الذين لا بد أن يركعوا حتما بسبب الحصار الشامل وسوف يركعون بسبب الجوع إذا لم يركعوا بسبب قوة الهزائم، وكان هذا بعد مرور السنوات الأولى من العدوان، وكان هذا في أواخر عهد أوباما وكيري الديمقراطيين، ولكن ابن نايف وجماعته وهم أغلب أمراء البيت الهالك رأوا بوضوح أن المقاومة الوطنية اليمنية لا قبل لأحد بها وأن الهزائم المتوالية سوف تتسع ولا تتراجع، والإمكانات والقدرات اليمنية سوف تكبر أكثر فأكثر، وأن الحصار لا يمكن أن يسيطر على كامل الجغرافية الحدودية اليمنية الطويلة الواسعة، وأن مخازن اليمن نفسها مليئة بكميات مهولة من السلاح أكثر من أي دولة في العالم والمنطقة، وأن تقنيات الصناعة العسكرية الأساسية متوفرة وهي تتوسع ولا تتراجع، وأن التحالف لن يستطيع إنجاز أكثر مما تم إنجازه في أيامه الأولى.
وقد قال ابن نايف وجماعته، وهو مازال وليا للعهد ونائب الملك سلمان الرسمي بعد أن توالت الهزائم خلال العام الأول للعدوان، قال: "يجب الخروج من المستنقع اليمني بأسرع وقت وبأقل الأكلاف الممكنة، ووضع حل سياسي وتحمل المسؤولية وتحمل التعويضات الضرورية قبل الغرق في المستنقع اليمني عميقا حتى لا نستطيع يومها أن نجد من يساعدنا في الخروج، ولو أردنا ذلك فسيكون الوقت قد فات كما حصل مع الإمبريالية الأمريكية في فيتنام أو أفغانستان".
ورغم تحذيرات ابن نايف، إلا أن ابن سلمان وأباه وحزبه وجماعة اليمين الأمريكي الصناعي المهيمن، اعتبروا ذلك انهزاما أمام اليمن الفقير الضعيف، والتخلي عن أهدافهم وأطماعهم في ثروات اليمن ومواقعه وموانئه ومزاياه التي لا تعوض، وأن الطريق إلى الملك سوف يغلق أبوابه في وجه الشاب الطموح، وأن الهزيمة ستكون من نصيبه حتما، فهو قد دخل الحرب ليثبت قوته وتفوقه على أقرانه من الأمراء الآخرين واعتبر الأمريكيون آنذاك أن إنهاء الحرب في اليمن بسرعة دون تحقيق الغايات الكبيرة لا يتفق مع استراتيجياتهم ومطامعهم وطموحاتهم ولا يستجيب لمصالح مجمع الحرب العسكري الصناعي الأمريكي الذي يريد استمرار الحرب سواء كسبوا أم خسروا، المهم استمرار الصفقات الحربية العسكرية وبيع الأسلحة وحلب أموال الخليج والسعودية باستمرار دون توقف، وكلما انطفأت نيران حرب يجب إشعال نيران حرب جديدة، لأن إله صناعات الحرب يجب أن يأكل ويعيش وينتعش دوما، ولذلك رأينا القرابين تقدم للنحر بالجملة في مملكة الدماء بشكل متواصل ومستمر حتى جاء على صلب المملكة القديمة ودمرها من الأساس.
أصبحت الحرب على اليمن واستمرارها تعني مصير ومستقبل ابن سلمان ومن خلفه من الاحتكارات الدولية الحربية مهما استهلكت من الأموال والقدرات، فالخزائن عامرة والبنوك مذخرة والاستثمارات والفوائض تسيح ولا تجد من يستغلها ويوظفها للمصلحة.
وذهب أوباما وجاء ترامب، ووجدها ومن خلفه فرصته الذهبية التي لا تتكرر لاحتلاب البقرة السمينة الوافرة، وكان لا بد لترامب أن يتحول إلى دلال أسلحة ومتطلبات حروب لكي تدور ماكيناته المتعطلة وتخف بطالتها، وأمريكا أولاً مهما كان الثمن الذي تدفعه الوكالات الرملية وممالك التراب.
وهكذا وجه بإنشاء جيوش جديدة وجديدة وجديدة حتى بلغت المليون وأكثر من ذلك جيوش تقدم وجيوش تهلك وجيوش تفر وجيوش تتآكل وتموت وتندحر وأسلحة تأتي وأسلحة تخرب وأسلحة تشترى وأسلحة تذوب وتحترق وأسلحة تضيع في الهواء، حتى شفط خلال حكمه لأربع سنوات أكثر من تريليون دولار في صفقات تسلح جديدة مكنته من التقدم في بعض المناطق لمدة عامين فقط، حيث تقدم إلى مناطق استدراج عميقة جدا ليس بعدها سوى الخراب والخراب الكامل للغزاة ودخول بلا خروج وبعد عامين من المناورات والاستنزافات والالتفافات والمؤامرات، ثم بدأت انبثاقات جديدة من تحت الخراب الكبير الذي راكمته حملات القصف الجوية والصاروخية التي تواصلت لسنوات وسنوات حتى أرهقت قوى المعتدين أنفسهم من هول ما رأوا وما واجهوا من صمود لا يتزعزع وصلابة لا تلين وعزة، ونفوس حرة حيدرية بالغة نصرها مهما تكن العوائق والتحديات، وهكذا انهارت مجددا جبهات العدوان الكبرى وبدأت فلولها تولي الأدبار مهزومة لا تلوي على شيء تاركة خلفها إمداداتها وأسلحتها الضخمة الغالية الثمن غنائم بأيدي الوطن لتعزز صموده ومواصلة حربه الوطنية التحررية.
وجاء من بعده بايدن، وقد استنزفته السنوات قبل أن يبدأ حكمه ليواجه إرثا ثقيلا من تركة ترامب الذي باع لابن سلمان ولاية العهد والبطش بالمعارضين وتأسيس أسرة ملكية جديدة وتم تعميدها أمريكيا و"إسرائيليا"، ولما لم تشمل بركات ابن سلمان وأبيه الجناح الأمريكي الآخر المراهن على الجناح العائلي الآخر الذي عزل وغيب في المعتقلات والسجون والمنافي ومنه من أعدم ومحي، راح يرفض الاعتراف بما تم ويريد إعادة تنظيم الطاقم الحاكم وفقاً لمواصفاته وحده.
وهكذا استعرت الحرب في بنية التحالف الدولي العدواني نفسه، وهو ما نشاهد فصوله الآن أمام أعيننا وسوف يستمر للسنوات القادمة، وهكذا استعرت الحرب داخل البيت السعودي وداخل العلاقة الكولونيالية القديمة التي منحها ترامب لابن سلمان مقابل الكثير من الأموال، ولكن الحرب داخل الأسرة كانت موصولة بحرب داخل التحالف الكولنيالي (السعودي السلماني الأمريكي البايدني).
التبعية ومصيرها يتحدد الآن
ولكن هل يمكن إعادة المياه إلى مجاريها بعد أن يعود الجمهوريون وترامب إلى الحكم بعد عامين من الآن كما يراهن ابن سلمان.
إن اللكمات المتبادلة بين الصديقين (السابقين) لا تبدو أنها لكمات محبة، فالضربات المتبادلة جامدة وتصب في مقاتل الجانبين وإن كانت غير متكافئة، فالخسائر المترتبة عليها تبدو بكل الحسابات الموضوعية خسائر مدمرة لا تبقي حجرا على حجر في بنية التحالفات القديمة وفي صلبه وأن هناك مجريات كثيرة وقوى تجري في مجرى الصراعات القائمة الآن وتوسع من نتائجها وسوف يصبح الوضع بعد عامين خطرا جداً على مكانة الأمريكيين في المنطقة والمملكة، ولو عاد ترامب والجمهوريون أيضاً، فـ"العطار لا يصلح ما أخربه الدهر"، ذلك أن مصالح طرف الحكم الحالي في المملكة هي التي انقطعت وخربت وارتبطت الآن بأطراف دولية أخرى مضادة للولايات المتحدة وتتوسع علاقاتها بها بشكل مستور ومعلن، ولن يستطيع أي تيار وقف هذا التوجه إلا إذا تم التخلص من أسرة سلمان بكاملها من حكم المملكة وهو ما عجز عنه بايدن إلى الآن، وقد كشف هذا الصراع مدى العجز الاستراتيجي الذي وصلت أمريكا إليه في الواقع والهزائم التي تتوالى عليها من كل جانب واتجاه هزائم ساخنة وهزائم باردة.
إن الروح الاستقلالية اليمنية العربية الحرة قد نفحت بأنفاسها القوية إلى المنطقة العربية كلها وأثرت على كل ما يجاورها من أوضاع وأنظمة وقوى وشعوب وحكومات وأفاضت عليها بحكم وبروحيات جديدة وهذا من عظيم النعم التي أفاض بها الله علينا وعلى ثورتنا وشعبنا وأمتنا.
لقد شرحنا في السابق حقيقة وضع العدوان في الظروف الراهنة وأزماته والسياسات والاستراتيجيات التي يحاول اللجوء إليها أملا في الخروج من مأزقه الراهنة.
استراتيجيات العدوان في الظروف الجديدة
تتطور وتتغير الاستراتيجيات في خدمة الأهداف وتتحرك وفقاً لمدى مرونتها وتوائمها مع الأهداف والأغراض التي تنطلق منها قوى العدوان وحربها وأطماعها البعيدة والقريبة.
ويعتبر خيار الانفصال والانسلاخ والتقسيم إحدى أهم أوراق ووسائل العدوان منذ بدايته، لأنه يحقق الحد الأدنى من أهداف العدوان الاستعماري ويمنحه الغطاء المناسب الذي يستطيع معه إنكار دوره المباشر في العدوان والتقول بأنه يدعم تحركات وحراكات شعبية محلية داخلية في اليمن، وأن الحرب هي حربها هي، أي هي حرب (يمانية -يمانية)، ولا علاقة للخارج بها ولا شأن له بالصراعات الجارية التي لها أسبابها في البنية الداخلية اليمنية والمذهبية القبلية والاجتماعية والسياسية، وأنه مجرد وسيط خير يبحث عن حلول سلمية للصراع بين اليمنيين لا أكثر ولا أقل، ولكي لا تندلع نيران الفتنة بين اليمنيين لتحرق مناطق حدودية تخص السعودية، بينما التدخل الدولي والأمريكي والغربي والخليجي بإيجاز هو فعل خير ومؤسسات إحسان إنسانية.
الهدف الاستراتيجي للسعودية وأسيادها وحلفائها الآن
بعد أن هزمت الصيغ القيادية السابقة لدول العدوان والحرب المباشرة التي أعادت الحرائق إلى نحور أصحابها وإلى عواصمهم وإلى مراكز اقتصاداتهم وإلى قلوب قصورهم ومراكزهم العميقة في غرف عملياتهم وقياداتهم وقواعدهم الكبرى، وبعد أن استنزفتهم ماليا وبشريا وسياسيا واستراتيجيا وعسكريا، وبعد ثمان سنوات فقد حان وقت التراجع التكتيكي الاستراتيجي وتقديم إلى الواجهة بيادق الحرب الجديدة التي أعد لها العدوان، بعد أن أضحت السعودية غير قادرة على الاستمرار في قيادة العدوان بالطريقة السابقة وبنفس القدرات والإمكانيات المالية والتقنية والتحالفات والتحشيد المليوني السابق للمرتزقة، فلقد جندت مرتزقة ما يكفي للسيطرة على قارة بأكملها وليس على قطر بمفرده كاليمن، فلماذا لا يعتمد المرتزقة المحليون على أنفسهم في الإدارة والقيادة الميدانية وسوف يدعمونهم من الخلف من غرف العمليات والبنوك ومصادر الأموال والمخابرات السرية التي سوف تستمر في التدفق عليهم، ويمكنهم استئجار الكثير من المرتزقة الأجانب والقياديين والمهنيين العسكريين المؤجرين عبر العالم وما أكثرهم وما أكثر شركاتهم الخاصة وعديدهم ووسائلهم التقنية والمهم هي الأموال ما أكثرها بأيدي المرتزقة وسوف تستمر في السيلان بدون عوائق أو حواجز.
إن صيغة حرب الانفصال والانقسام والاحتلال هي التي تحقق الأهداف العدوانية الاستراتيجية الآن دون التورط بالحرب المباشرة الطويلة بالاستناد إلى الأدوات الإقليمية المحلية التي بنتها خلال السنوات الماضية ممثلة بالمليشيات الانفصالية والانقسامية الاحتلالية المحلية التي تسيطر عليها دول العدوان الرباعية الشهيرة.
إن مرتزقة العدوان الانفصاليين والاحتلاليين والانسلاخيين والتبعيين المتواجدين في المناطق المحتلة، وبخاصة الجنوبية منها والساحل هم القوة التي تراهن عليها السعودية وأسيادها الآن في حربهم الجديدة التي يجري التحضير لها على قدم وساق، ويستغلون الهدنة الحالية لإنجاز ذلك المشروع والانتقال إليه بأسرع وقت، خصوصا بعد انتهاء معركة مأرب التي شارفت أن تحسم من جانب الجيش اليمني والأنصار الشعبيين، ولا يعني هذا نهاية الخدمة للإخوان و"القاعدة" و"داعش"، وإنما احتواءهم ضمن المشروع الجديد وفي خدمته، وسيظلون خدم العدوان دوما، ولكنهم لم يعودوا موضوعين على رأس الحرب الجديدة، وإنما في مؤخرتها بالتبعية المباشرة لمجلس المرتزقة الجديد المسمى "مجلس القيادة الرئاسي"، وهو الصيغة الراهنة للعدوان التي تستند على القوة الانسلاخية الجنوبية وحلفائها من مرتزقة الإمارات المكلفة بإدارة الملف نيابة عن السعودية ومقاولة من الباطن ليتسنى لها القول بأنها قد خرجت من الحرب كما تتصور.
مجلس العصابات الثماني
تم التخلص من "شرعية هادي علي محسن الأحمر" بعد أن أضحت أكلافها وهزائمها لا تحتمل، ويراد الظهور بمظهر القوة المختلفة عن الماضي المناهضة له، المستعدة لتسوية إقليمية بين القوتين المسيطرتين على الأرض في الشمال والجنوب، وهي قوة لم تكن من قبل على صعيد مواجهة واحدة مع أنصار الله.
ويتشكل المجلس الجديد للمرتزقة أو "الشرعية" كما يسمون أنفسهم ويسمونهم، من التكتلات المكونة للعدوان من فصائل الإمارات وفصائل السعودية، حيث يغلب عليه جماعات الإمارات وتراجع دور الجماعات المسعودة من الإخوان، فلم تمثل إلا بعدد محدود أقل من الجناح الآخر الذي أعطيت له المناصب العليا رئاسة المجلس وزعامة القوات الانفصالية ومجلسها الحكومي، وأعطيت الأهمية السياسية لعدن كعاصمة مزدوجة للانفصال ولـ"الشرعية" معاً.
منجزات المجلس الثماني وأهدافه
كانت أهم منجزات المجلس الثماني هي دحر قوات الإخوان من محافظة شبوة ومواصلة تصفية نفوذها من أبين عدن وسقطرى والسيطرة على المحافظات الخمس الجنوبية من خلال معارك شرسة جرت على أرض شبوة أدت إلى تراجع قوات الإخوان نحو مأرب وحضرموت.
كانت قوات العمالقة المنقولة من الساحل الغربي هي القوة الرئيسية المستخدمة ضد الإخوان وقواتهم مدعومين بطيران الإمارات ومسيراتها وبتأييد المجلس الثماني ورئاسته، وقد تمكنت تلك القوات أن تنزل خسائر مريرة بالإخوان وقواتهم وتدفع من بقي منها إلى الرحيل خارج المحافظة نحو حضرموت ومأرب، وتوقف الاشتباكات عند حدود شبوة الآن مجرد تأجيل لمهمة التزمت بها قوى العمالقة الانفصالية بأن تستكمل تحرير الجنوب كاملا من الإخوان وقواتهم الشمالية الباقية في محافظة حضرموت والمهرة كآخر المحافظات الجنوبية التي كانتا تحت سيطرة قوات (هادي الإخوان)، وسوف تكمل المهمة في حضرموت لاحقا وعلى مهل.
إن جوهر وأهداف مجلس الرئاسة العدواني يتحدد في أنه أداة المرحلة الجديدة للعدوان وإطارها السياسي و"شرعية المرحلة" بعد أن انهارت "الشرعية" السابقة وتآكلت نتيجة انهيارات العدوان وهزائمه.
إن مجلس مرتزقة العدوان الجديد قد جاء بعد فشل الأساليب السابقة وإحباط مشروعات السعودية المباشرة في اليمن، ومحاولة لإعادة التموضع الاستراتيجي والتكتيكي للعدوان السعودي الأمريكي، وقد جاء هذا المجلس لتحقيق مجموعة من الأهداف الأساسية له الآن وفي المسقبل القادم وأههما هي إعادة بناء الاستراتيجية الحربية ضد اليمن وقواه الوطنية، والتقدم إلى مقدمة المشهد الحربي الراهن وتمكين السعودية والإمارات من التراجع عن واجهة المشهد الحربي، وإبعاد السعودية وإماراتها عن الواجهة الحربية المباشرة وتصوير السعودية بأنها قد خرجت من الحرب العدوانية المباشرة وأنها ترعى مساعي الوصول إلى السلم والصلح (اليمني -اليمني)، والاستعداد للحرب الأهلية (اليمنية -اليمنية) تحت دعاوى عديدة.
القضية الأولى في دعاواهم القادمة، هي الادعاء بمحاربة النفوذ الشيعي الإيراني في شمال اليمن الواقع تحت سيطرة الأنصار، والانتصار للسنة والجماعة والجهاد المقدس تحت راية الوهابيين والجهميين والإخوان السلفيين المزورين بمساعدة الدول الإسلاموية والخليجية، وتحت هذه الدعاوى الغطاء سيخوض العدوان حربه الصليبية الجديدة القديمة، وعندما تستنزف تلك الدعوة وتهزم قواها وتنتكس راياتها في الطين سوف تنتقل إلى دعوى جديدة صريحة هي دعوى انفصال الجنوب عن الشمال وانفصال المناطق الغربية الوسطى والشرقية وانفصال سكان الهضبة عن الجبل الشيعي عن الشمال الزيدي، ويتضح هذا الاتجاه من خلال المحاور التي يجمع بينها مجلس العدوان الجديد.
إن المشروع الحالي قد جاء بعد أن خسرت السعودية "حرب الشرعية" في مأرب والشمال والساحل وميدي والحدود الشمالية وتهديد المناطق اليمنية المحتلة الواقعة تحت سيطرة السعودية من الماضي، وبالتالي فإن قضية "الشرعية" وحدها لم تعد رائجة ولم تعد قادرة بقواها على تبرير وجودها، بخاصة وأنها مرفوضة في الجنوب رفضا قاطعا ولا يُقبل لها حضور مهما كان ضئيلا.
كما لا يمكن القبول بالتجنيد والقتال تحت رايتها من قبل القوات الجنوبية المسلحة البالغة أكثر من ربع مليون مقاتل هناك أقامتها السعودية والإمارات منذ ما قبل وبعد العدوان ومازالت تبنيها لهذه الظروف كاحتياط استراتييجي للعدوان للانتقال به إلى الخطة (ب) بعد فشل الخطة (أ) خلال السنوات الثمان السابقة، والفارق بينهما هو أن الخطة (أ) للعدوان كانت تقضي بالسيطرة على كامل اليمن وإعادته تحت الوصاية السعودية الأمريكية السابقة بعد هزيمة الجيش اليمني ولجانه الشعبية وقواه الوطنية وشعبه في الميادين الحربية المباشرة، وهذا قد صار مستحيلا لم يتحقق ولن يتحقق إطلاقا وقد تم إفشاله وهزيمته الآن ومازالت انتكاساته مستمرة، ولذلك انتقل العدوان إلى الخطة (ب) الاحتياطية، أي الانتقال من الحرب الهجومية الشاملة الفاشلة إلى الحرب الدفاعية غير المباشرة، وخوض حرب استنزاف جديدة قليلة التكاليف استنادا إلى قاعدة "الأرض المحتلة" التي مازالت تحت سيطرة العدوان، أي إلى المناطق الجنوبية وما حولها في الساحل الغربي والمخا وتعز الغربية وسواها، وهي في تفكير العدوان ومقاصده الحالية مسرح الحرب الجديدة الاستنزافية قليلة التكاليف.
ويقصد بالحرب الاستنزافية قليلة التكاليف أنها ستكون حرب مشاة وقوات خاصة وهجمات صاروخية خفيفة بقوات كلها يمنية محلية الأصل وبأسلحة لا ترقى إلى السلاح العالي التقنية غالية الثمن، بل سيتم الاعتماد على السلاح التقليدي الخفيف والمتوسط والثقيل النوعي بدون الطائرات الحربية المكلفة والصواريخ المكلفة، فالبنية التحتية اليمنية قد تم قصفها مرات ومرات من قبل العدوان الرباعي ولم تعد بحاجة إلى المزيد من ذلك الترف الحربي.
ملامح حرب الاستنزاف العدوانية الجديدة
والهدف الرئيسي للعدوان الآن هو الاحتفاظ بالأرض الجنوبية اليمنية المحتلة وما جاورها التي تسيطر على موارد النفط والغاز والذهب والمعادن والأسماك والجزر والممرات الاستراتيجية باعتبارها "درة عقد التاج" واستثمارها وامتصاصها بأساليب مجحفة لا تدع فيها آثارا خلال سنوات قليلة "واستحلاب الدماء من الضروع إذا جف اللبن"، كما عبر أحد حكام بني أمية.
إن شروط العدوان الحالية الزمنية والتاريخية والسياسية وحتى نهاية العامين القادمين لا تلائمه لخوض حرب كبيرة كما في السنوات السابقة لأكثر من سبب أولها أن ميزانياته قد أصيبت بالأضرار البالغة جراء الهزائم المتوالية وخسائره في المعدات والبشر وفي العتاد والتكاليف المالية.
كنا قد أوضحنا سابقا بإيجاز خسائر العدوان ومعانيها، وقلنا إن الخسائر المالية فقط بلغت أكثر من 10 تريليونات دولار، بمعدل سنوي يبلغ تريليون دولار ونصفا، وكلها ذهبت إلى جبوب الشركات الأمريكية وحكومتها، وهي مبالغ تعد أكبر من معدل الدخل القومي السنوي للسعودية (والخليجيين عامة)، وهذه الخسائر والأكلاف الهائلة للحرب العدوانية السعودية هائلة وكارثية ولا يمكن تحملها بعد الآن.
وعليه، فإن السعودية تنتظرها كوارث هائلة مالية اقتصادية واجتماعية، ستخرج منها إذا تمكنت من ذلك وقد استنزفت كافة أموالها الموفورة والتي تستثمر في بنوك الغرب الأمريكي وقد تبخرت في هواء الشركات الغربية الأمريكية وأصبحت مدينة للغير، ينتظرها مصير حالك السواد هو نفس مصير الدول الكبرى العدوانية الخاسرة التي حاربت في الماضي ضد الشعوب المستضعفة فأذلها الله، كأمريكا في أفغانستان وفيتنام وكوريا وكمبوديا ولاوس وغيرها.
إن أية حرب تخوضها دولة كبرى لوقت طويل في العصر الحالي لم يعد يمكنها تحمل أكلافها نتيجة للسياسة الاحتكارية لشركات الأسلحة الغربية والدولية، ولأن معداتها الحديثة ذات التقنيات والجديدة التي ترتفع أسعارها كل يوم وتصل إلى أرقام فلكية فوق مستوى تحمل أي دولة مهما تكن قدراتها المالية والاقتصادية، ولأن وتيرة زيادة الدخل القومي الوطني السنوي لدولة لا يستطيع مجاراة زيادة أسعار الأسلحة والمعدات وتكاليف التشغيل والحركة والاستشارات والاستعانة الخارجية بالأمور اللوجستية والبيانات والمخابرات والمعلومات والأقمار الصناعية وغيرها من أنظمة التشغيل والتوظيف والاستئجار والعمليات المصاحبة، ما يجعل مصير كل دولة متورطة في حروب طويلة شاملة مكلفة باهظة، محفوفا بالمخاطر.
تبخر مشروعية العدوان
وسيكون ساذجا جدا من يعتقد أن العدوان جاء بناء على طلب من "الشرعية" اليمنية القديمة أو نتيجة للخوف على أمنه القومي أو بسبب الروح الثورية اليمنية، وهذا ما يكذبه العدوان نفسه ويناقضه في الكثير من المقولات والمواقف والأحداث والتصريحات الصادرة عن قادة العدوان أنفسهم.
لقد جاء العدوان إلى اليمن لأنه يطمع في موقعها وثرواتها البترولية الطبيعية وممراتها وسواحلها وجزرها ومنافذها الدولية وبحارها، وهذه هي دوافع العدوان ولا يوجد أي شيء له علاقة بـ"الشرعية" أو بغيرها مما يتفوه به العدوان ومرتزقته وإعلامه وقنواته وكتابه وأكاديمييه وشيوخه، ولذلك فإن هدفه الأكبر هو الاحتلال والسيطرة على كل اليمن أو على جنوب وشرق اليمن، وقد حاول تحقيق الهدف الأعلى له، إلا أنه لم يستطع بعد هزائمه المتوالية أن يستمر في وضعه السابق.
والآن، عاد إلى نقطة سابقة، وهي استمرار السيطرة على الجنوب والشرق البترولي وغرب تعز وساحله، وذلك هو محتوى الخطة (ب)، أي الخطة الاحتياطية التي يلجأ إليها بعد فشل الخطة (أ) العالية المستوى والعودة للخطة الدنيا الواقعية المعتمدة على الواقع القائم الحالي، وجوهرها الحفاظ على ما تحقق من سيطرة على الأرض وموارد ومنافذ واستمرار الحصار والهجمات واستعادة الأراضي الواقعة تحت سيطرة الجيش واللجان أو الحفاظ على ما هو تحت يديه وبتكاليف قليلة نسبيا قياسا للتكاليف السابقة التي أهدرت في حالة واحدة هي الانتقال من حروب الجيوش النظامية الكبيرة إلى حروب الاستنزاف بالجماعات الصغيرة والمجاميع والعصابات الشعبية المستندة إلى حواضن محلية واستخدام الأسلحة البسيطة والنوعية والتخلي عن استخدام الطائرات والدبابات، أي تقليد حروب المقاومة الشعبية الناجحة، وتلك هي فكرة العدوان الجديدة التي يركز على استيعابها من قبل مرتزقته.
من هم قوته الرئيسية في الظروف القادمة الجديدة؟
إنهم الانفصاليون الجنوبيون من العمالقة والسلفيين و"القاعدة" و"داعش" وطوارقهم وعفافيشهم وإخوانهم في تعز والساحل الغربي والمخا والمندب وشبوة وحضرموت وعدن ولحج والضالع وغيرهم.
وأما الإخوان المرتزقة فقد تم تدمير قواتهم خلال السبع السنوات السابقة من العدوان حين كانوا هم القوة الرئيسية للعدوان ولم يعد ينظر إليهم الآن إلا بشكل ثانوي، وهذا ينعكس في تركيبة المجلس الرئاسي الثماني الجديد، فالعدوان في حربه الجديدة يريد التحول إلى حروب العصابات الشعبية وإلى حروب المقاومة الشعبية قليلة التكاليف واستخدام الأرض والجغرافية والحواضن الاجتماعية لدعم حربه الجديدة التي يتصورها في الجنوب والشرق حيث توجد الظروف المثلى لخوضها واستمرارها في نظره.
كانت الحرب السابقة تنطلق من الحدود السعودية وبشكل معلن وتتدخل الطائرات السعودية الإماراتية والخليجية وغيرها على نفقات السعودية صاحبة المشروع العدواني الأساسي، فهي حربها في الأصل، وقد كلفها ذلك كثيراً، وهي الآن تريد من يخرجها من مستنقع اليمن كما تقول ولكن ليس كلية، وإنما تحولها إلى إدارة العدوان والحرب من خلف المشهد المباشر والانتقال إلى الحرب السرية غير المباشرة ضد اليمن من خلف المرتزقة المحليين والإقليميين، وبذلك تحقق أهدافها بتكاليف زهيدة وتطيل الحصار، والحرب تصبح أهلية يمنية انفصالية ومذهبية وجغرافية في صورتها الظاهرية، وتستطيع السعودية الادعاء أنها لا تدخل فيها مباشرة.
وهذا يجعل السعودية غير مسؤولة قانونا عن التدمير والقتل السري الذي يتواصل بأيدي المرتزقة المحليين المستعدين للدور المرسوم لهم لقاء الأموال والفتات والأوهام، وبهذا تحقق أهداف العدوان من خلال بقائهم في السواحل والجزر والصحارى النفطية والغازية والممرات البحرية وهي تغذي الحرب وتجني الفوائد دون خسائر كبيرة، وهكذا تتصور ويزين لهم الشيطان حروبهم وما يزين الشيطان إلا غرورا.
وحيث يستطيع المرتزقة الدفاع عن مواقعهم السابقة في الجنوب والشرق فهذا هو المطلوب دون حاجة إلى إظهار السعودية وأسيادها في الصورة المباشرة، وأما أن تتقدم قوات الجيش واللجان جنوبا فتضطر قوات العدوان في سواحل الجنوب أن تظهر نفسها بصورة جديدة وهي الدفاع عن الممرات الدولية والاقتصاد العالمي والطرق النفطية والسلم الدولي، وهنا يمكن الانتقال إلى مستوى جديد هو إعلان الانفصال مباشرة، واستخراج تبريرات قانونية تجيز الاستعانة بقوات دولية أجنبية باسم الدفاع عن حقوق الأقليات والجماعات الاستقلالية ومواجهة الإرهاب وتأمين السواحل اليمنية المرتبطة بطرق النفط والتجارة العالمية وعبرها تأتي المزيد من الأساطيل العالمية الإمبريالية وإقامة قواعد دولية عسكرية على سواحل الجنوب اليمني والجزر، والتقسيم للبلاد إلى أقاليم عديدة بين أمراء الحرب الحاليين، وهناك مؤشرات تشير إلى ذلك وتؤكده في الواقع لولا الهدنة الأممية التي أوقفت تقدم القوات اليمنية نحو أهدافها الرئيسية مؤقتاً حتى تنتهي مقتضيات الهدنة الإنسانية التي تشمل توفير الاحتياجات الإنسانية الضرورية التي تمس احتياجات الشعب اليمني المحاصر كله، حيث يتم احتجاز سفن المازوت والبنزين والغاز والقمح والغلال والعلاج، ويجري إغلاق مطار صنعاء أمام المرضى والمحتاجين إلى العلاج في الخارج، كما يمنعون مرتبات موظفي الدولة اليمنية العسكريين والمدنيين، برغم أنهم قد نقلوا مقر البنك المركزي وفرضوا الحصار على وصول موارد النفط والغاز اليمنية التي يعتمد عليها صرف المرتبات، فأصبحت كل الموارد اليمنية السيادية تحت سيطرة قوى العدوان منذ بدايته، وهم يستخدمون الحصار كسلاح استراتيجي بغية إثارة النقمة الشعبية على الحكومة الوطنية في صنعاء، إذ يشيعون عبر إعلامهم وقنواتهم أن صنعاء تصل إليها الأموال من كل مكان بما فيها أموال النفط والغاز والمعادن المباعة والمصدرة إلى الخارج، وكلها أكاذيب، وقد وافقت حكومة الوطن على الهدنة المشروطة بالوفاء بأهم الاستحقاقات الإنسانية كالمرتبات والرحلات العلاجية وإيصال السلع الضرورية وفتح الموانئ والمطارات.
وإذا نظرنا إلى المؤشرات الواقعية والميدانية والسياسية والتحركات الاستراتيجية للعدوان نلاحظ أن هناك مجموعة من المحددات التي تتحكم بنتائج تحركات العدوان واستراتيجياته، وأهمها: الوضع الخارجي والوضع الداخلي والوضع الميداني للعدوان، وقد شرحنا جانبا هاما منها تساعدنا في فهم وإدراك الاتجاه القادم للعدوان، وعلى ضوء تلك المحددات الأساسية يمكننا قراءة الاتجاهات الأساسية للسياسة الاستراتيجية التي يتبناها العدوان في الوضع الراهن، وبالتالي بناء الخطوط الاستراتيجية للمقاومة الوطنية التحررية الظافرة.
المصدر علي نعمان المقطري / لا ميديا