خونة الأمس واليوم.. من أبي رغال إلى الدنابيع

تقرير: مارش الحسام / لا ميديا -
يقال إن أحدهم سأل هتلر: مَن أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتك؟ فأجاب: أولئك الذين ساعدوني على احتلال بلدانهم.
فعلا؛ فهذا الفعل هو الأسوأ على مر التاريخ، ولا يوجد أحقر من ذلك، والذي يرضى أن يدوس المحتل على تراب وطنه فإنه لا يستحق احترام حتى مَن وهب لهم عرضه وشرفه.
عملاء ومرتزقة اليمن اليوم، الذين جلبوا الاحتلال السعودي الإماراتي، نبذهم الشعب اليمني وسقطوا سقطة كبيرة في شر أعمالهم، حتى أنهم في أعين المحتلين ليسوا سوى تلك الفئة التي تحدث عنها هتلر.الخيانة فعل حقير متأصل في نفوس أصحابه، مهما كانت الدوافع والأسباب. وللخيانة أوجه عديدة، وخيانة الأوطان أعلى مراتبها، وبالتالي ليست موضة جديدة، وإنما قديمة قدم تاريخ البشرية، ويشترك المنخرطون فيها في بئس المصير.

من أبي رغال إلى الدنابيع
خونة الماضي ذكرهم التاريخ، وخونة الحاضر تعريهم شعوبهم وسيكتب التاريخ عنهم بذكرهم في صفحات سوداء سواد أفعالهم.
من أبرز الخونة في تاريخينا العربي والإسلامي والجاهلي هو أبو رغال، الذي أرشد أبرهة إلى مسلك مكة ليهدمها؛ لكنه لم ينل مراده من أبرهة، فمات منبوذا من العرب وباتت ترمي قبره بالحجارة.
خائن آخر يذكره التاريخ هو ابن العلقمي، الذي طلب من التتار احتلال بغداد وساعدهم على ذلك، طمعاً في مكاسب ومناصب من هولاكو، الذي طالما استعان بالخونة لبناء إمبراطورية المغول على حساب بلدانهم، وكان يكافئ الخونة بالقتل، وله مقولة مشهورة، وهي: “لا أثق بشخص خائن”. ومع ذلك كافأ ابن العلقمي بأن أبقاه حيا؛ لكنه ما لبث أن مات مقهورا بعد فتره قصيرة.
أما في تاريخنا المعاصر فقد تسبب خونة اليمن والجزائر وفلسطين وغيرها من الدول العربية والإسلامية بشلالات من الدماء وقتل وتشريد المئات من أبناء جلدتهم، وكافأهم الغازي بالموت بعد الانتهاء منهم. مصير الخونة في أحسن الأحوال أشبه بمصير عملاء ومرتزقة الاحتلال الفرنسي للجزائر، الذي تنكر لما وصفوه بتضحياتهم من أجله، ورفض إجلاءهم مع قواته المنسحبة أو منحهم حق اللجوء، وتركهم يواجهون مصيرهم مع الثوار، وأيديهم ملطخة بدماء مليون شهيد.
مصير مرتزقة الجزائر كان من المفترض أن يكون عبرة لكل الخونة والعملاء الذين يقدمون على بيع أوطانهم رخيصة للمحتل.
وحتى لا نذهب بعيدا في ضرب الأمثلة تأكيداً لهذه الحقيقة التي لا تقبل الجدل، فسنركز على خونة اليمن في الماضي والحاضر.

وجوه الاحتلال وأدواته
اليمن، ولما يتميز به من موقع استراتيجي وجيوسياسي هام، كان ومازال مطمعا للغزاة والمحتلين، منذ فجر التاريخ وحتى اليوم، بوجوههم الأمريكية والبريطانية والصهيونية المتربصة باليمن بخططها التآمرية، مستغلين ذيولهم وعملاءهم من مرتزقة الداخل، الذين هم بالنسبة لمشغليهم مجرد طُعْم في المصيدة يحققون به أهدافهم وتنفيذ مخططاتهم، وحين ينتهون من خيانتهم يتخلصون منهم في أقرب مزبلة للتاريخ.

بين مرتزقة الأمس واليوم
حقائق ساطعة يوردها مؤرخو تاريخ اليمن القديم وحملات الاحتلال التي تعرض لها منذ عصور، وتقول بأن أول ضحايا الغزاة هم مرتزقته الذين جلبوا الغازي وساعدوه على احتلال بلدهم.
في كتابه “اليمن مقبرة الغزاة”، يؤكد الباحث عبدالله عامر أن كل حملات احتلال اليمن فشلت واندحر الغزاة، باستثناء تلك التي استندت على خونة الداخل من المرتزقة اليمنيين.
ويضيف الباحث أنه وعلى مدى التاريخ لم يستطع أي احتلال أن يثبت أقدامه في اليمن إلا بمساعدة عملائه ومرتزقته اليمنيين، والذين استغلهم الاحتلال ثم بدأ بالتخلص منهم بعد أن انتهى من خيانتهم.
كما يؤكد الباحث عبدالله عامر أن أول من اكتوى بنار الاحتلال الروماني والبرتغالي والحبشي وغيرها هم مرتزقة الاحتلال الذين ساعدوه على احتلال بلدهم.
ومن الحقائق التاريخية التي يوردها ابن عامر في كتابه أن أول صدام للاحتلال وعلى مدى التاريخ كان في الغالب مع المرتزقة الذين أدخلوه إلى عقر دارهم، وحين ثبت أقدامه بدأ باضطهادهم وتهميشهم والتخلص منهم، وهو ما تسبب في نشوب مصادمات بينه وبينهم، وشرعوا في مقارعته ثم تشكيل جبهات لمقاومته.
بخلاف خونة الحاضر الذين يعتبرون جرائم العدوان السعودي الإماراتي جرائم “صديقة” على الأرض، وإذا استهدفهم من الجو فهي غارات “خاطئة”.
خونة الماضي ندموا يوم لا ينفع الدم، وبالأخص بعد تنكيل الغازي بهم، فيما خونة اليوم ورغم تنكيل العدوان بهم إلا أنهم لم يصلوا إلى مرحلة الندم، رغم كل ما ارتكب ويرتكب بحقهم، في السجون السرية والنفي القسري والإقامة الجبرية والاغتيالات وغيرها من الجرائم، والتي يصعب حصرها على الأرض، وسنكتفي برصد تنكيل العدو بمرتزقته بالغارات  الجوية.

إنما الأعمال بالنيات
كثيرة هي الغارات التي استهدف بها تحالف العدوان مرتزقته وكشف بعضها الإعلام الوطني، وكثيرا ما كان يتكتم عليها إعلام المرتزقة.
والذي استحدث فيما بعد، ومع توالي غارات العدوان القاصمة لظهور مرتزقته، مصطلح “غارات خاطئة”، وكان يبررها ويصفها بـ”الصديقة”، وأن المقصود بها كان قوات “الحوثيين”، وحسب وصفهم “إنما الأعمال بالنيات”.
وتوالت الغارات على مواقع وتجمعات المرتزقة التي يصفها إعلامهم بـ”الخاطئة” طوال سنوات العدوان، وفي أحسن الأحوال يزعم العدوان أن تلك الغارات كانت نتيجة معلومات استخباراتية خاطئة أو مضللة؛ غير أن سياقها الزمني والمكاني يكشف حقيقة تلك الغارات والأهداف منها، وهي من أخطر الوسائل الدموية للعدوان التي يوجهها لمرتزقته ويسعى من خلالها إلى إعادة هندسة الأوضاع في الجنوب المحتل وترتيب المشهد السياسي والعسكري.

مئات القتلى والجرحى
وفيما يلي  أبرز الغارات التي استهدف بها العدوان مرتزقته من مليشيا الإخوان الموالية للعدوان، والمليشيات الأخرى المدعومة منه:
- 7 تموز/ يوليو 2015: استهدف العدوان مقرّ قيادة اللواء 23 ميكا، وأوقع 90 قتيلاً، بينهم المرتزق اللواء أحمد الأبارة، قائد المعسكر، وقيادات كبيرة مؤيدة للعدوان، إضافةً إلى أكثر من 200 جريح.
- 30 كانون الثاني/ يناير 2016: قتل القيادي بمليشيا الخونج التابعة للعدوان، مبارك رقيب، بغارة على منطقة قرب مفرق الجوف بمأرب.
- 24 حزيران/ يونيو 2016: قتل 20 جنديا مرتزقا، بغارة نفذها طيران تحالف العدوان، بعد فرارهم من المعارك على متن سيارتين تم استهدافهما في “المتون” غرب محافظة الجوف.
- 25 حزيران/ يونيو 2016: غارة لطيران العدوان قتلت 15 جنديا من “جيش” المرتزقة الموالي للعدوان  في صرواح غرب مأرب. الإعلام الوطني أفاد بأن الجنود المرتزقة القتلى كانوا بصدد تسليم أنفسهم لقوات الجيش واللجان.
- 30 تموز/ يوليو 2016: قتل تسعة من “جيش” المرتزقة الموالي للعدوان في حدود جيزان.
- 16 كانون الثاني/ يناير 2017: ارتكب طيران العدوان مجزرة كبيرة بحق مرتزقته الفارين من أرض المعركة في صرواح مأرب، وأسفر عن الغارات سقوط 85 مرتزقا بين قتيل وجريح.

مصرع 200 مرتزق في شهر واحد
سقط أكثر من 50 قتيلا وجريحا من الفصائل الموالية للتحالف في جبهة موزع بغارة شنها طيران التحالف يوم السبت 30 تموز/ يوليو 2017 في الجهة الغربية من معسكر خالد، واستهدفت تجمعات لكتيبة المدعو بسام الحرق، وكان كل الضحايا من أبناء يافع.
استهداف العدوان لمرتزقته بالغارات الجوية يتكرر بشكل دائم، وبعض الأحيان أكثر من مرة في اليوم، وغالبا ما يأتي الاستهداف في أعقاب إخفاقهم في التقدم نحو موقع معين.
وقد بلغ إجمالي عناصر المرتزقة الذين قتلهم طيران العدوان، وبحسب مصادر عسكرية، أكثر من 200 عنصر منذ 20 حزيران/ يونيو 2017 وحتى تموز/ يوليو من العام ذاته، وذلك في محافظتي تعز ومأرب.
فقد أقدم طيران العدوان، في منتصف حزيران/ يونيو 2017، على قتل العشرات من جنوده المرتزقة بغارات جوية في منطقة الشق بالمسراخ. وقبلها، في 19 تموز/ يوليو 2017، أقدم على قتل العشرات من أتباعه في مديرية موزع بمحافظة تعز مرتين متتاليتين في أربع وعشرين ساعة.
وفي اليوم نفسه استهدف طيران العدوان طقمين عسكريين تابعين للفصائل الموالية له من اللواء 141 بمحافظة مأرب، مخلفا العديد من القتلى والجرحى.
وفي أواخر حزيران/ يونيو الماضي استهدف طيران العدوان مرتين متتاليتين تعزيزات عسكرية موالية له في مديرية صرواح بمحافظة مأرب، إحداها أسفر عنها مقتل 80 عنصرا.
في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، استهدف طيران العدوان السعودي الأمريكي مرتزقته في محافظة البيضاء بعدد من الغارات، أثناء فرارهم من جبهة ناطع، بعد أن شهدت انكسارا كبيرا لمرتزقة العدوان والذي يعمد إلى استهداف مرتزقته في كل جبهة عند محاولتهم الفرار من المواجهات مع أبطال الجيش واللجان الشعبية.
في 18 كانون الثاني/ يناير 2020، سقط أكثر من 120 قتيلا مرتزقا بغارات للعدوان استهدفت معسكر “القوات الخاصة” في مأرب، ونفت قوات الجيش واللجان مسؤوليتها عن الحادثة.
وفي 29 آذاؤ/ مارس 2021، سقط عشرات القتلى والجرحى المرتزقة بغارات لطيران العدوان استهدفت تجمعاتهم غرب نخلا بمحافظة مأرب.

300 مرتزق في العلم
في 29 آب/ أغسطس 2019، استهدف العدوان أحد فصائله المتناحرة في الجنوب المحتل بغارات جوية أسفر عنها مصرع 300 مرتزق وعشرات الجرحى.

و200 في “نصر من الله”
وفي أيلول/ سبتمبر 2019، أعلن الإعلام الحربي، في حديثه عن الحصيلة النهائية لعملية “نصر من الله” التي نفذها أبطال الجيش واللجان الشعبية في محور نجران، مقتل أكثر من 200 من المرتزقة بعشرات الغارات التي استهدفهم بها طيران العدو السعودي لمنعهم من الفرار والاستسلام، وحال دفاع الجو التابع للجيش واللجان الشعبية دون وقوع قتلى أكثر أثناء محاولاته تحييد طيران العدو.
وفي 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، ارتكب طيران التحالف مجزرة مروعة بعدة غارات استهدفت لواء النقل بمديرية الخوخة، أقصى جنوب الحديدة، ما أسفر عنه مصرع العشرات، معظمهم من أبناء مديرية دار سعد.
وفي 30 كانون الأول/ ديسمبر 2021، شن طيران العدوان غارة استهدفت مليشيات مرتزقته في جبهة امقوة بمديرية مرخة بمحافظة شبوة، سقط فيها 30 مرتزقاً بين قتيل وجريح.
وفي 8 كانون الثاني/ يناير 2022، لقي قائد “اللواء الثالث عمالقة”، المرتزق التابع للإمارات اللواء الركن أبو حرب الردفاني، مصرعه مع مجموعة من قادة الكتائب الذين كانوا برفقته، بغارة لطيران العدوان في إحدى مناطق عسيلان بمحافظة شبوة.

بعد أحداث شبوة.. الخونج يحصون قتلاهم بغارات العدوان
مؤخراً، وبعد أن فقد مرتزقة الخونج سيطرتهم على محافظة شبوة، نشرت قناة “بلقيس” الخونجية تقريرا حول إحصائيات قتلى حزبها بغارات العدوان.
ولفتت إلى أن التحالف كان يضغط على قيادة حزبها لكي لا تفصح عن تلك الغارات.
بعدها بأيام، كشفت وسائل إعلام تابعة لحزب الخونج مقتل وإصابة المئات من عناصرهم، بغارات طيران العدوان طوال السنوات الماضية.
من جهتها، نشرت قناة “يمن شباب” الخونجية إحصائية إنفوجرافيك كشفت فيها عن مقتل وإصابة أكثر من 865 جندياً في 9 وقائع منذ العام 2015. كما أشارت إلى أنه لم يتم رصد عدد ضحايا العمليات الأخيرة لـ”التحالف” ضد قوات الخونج في محافظة شبوة.
الإحصائية اتهمت تحالف العدوان باستهداف معسكر القوات الخاصة في مأرب في كانون الثاني/ يناير 2018، وذلك بعد أن كان قد تم اتهام الجيش واللجان بالوقوف خلف الاستهداف. وأشارت القناة إلى أن “الحوثيين نفوا صلتهم”.
إحصائية “يمن شباب”، القناة العاجزة عن أن تصدق لمرة واحدة ولو بالصدفة، حوت كثيرا من المغالطات فيما يخص أسماء المناطق التي تم فيها استهداف مرتزقة حزبها، وتدعي أنهم قتلوا في مناطق جغرافيا السيادة الوطنية التي سبق أن تم دحرهم منها.
ولقد أربكت الإحصائية محرك البحث جوجل، فحين قام كاتب هذه السطور بإدخال أغلب البيانات التي وردت في الإحصائية، كانت المفاجأة أنه لا وجود لها في الشبكة العنكبوتية ولم يسبق الحديث عنها.