غازي المفلحي/ لا ميديا -
بعكس خطط وآمال الكيان الصهيوني وبريطانيا وأمريكا والصهيونية العالمية فإن الكيان المحتل وبعد أكثر من 74 عاما من دسه في الأراضي الفلسطينية العربية، لم ينل الاستقرار ولم ينجح في خطف كل الأرض الفلسطينية من قلوب وعقول الفلسطينيين، ومازال حتى اللحظة يواجه مقاومة قوية متصاعدة من قبل الشعب الفلسطيني والذين انضم لهم في عداوة الكيان الصهيوني أصدقاء أقوياء في المنطقة، ولم يعد الأمر يقتصر على مقاومة الكيان الصهيوني وخوض المعارك معه بل أصبح هذا الكيان أمام واقع يهدد وجوده.

عام 1998، وبمناسبة احتفال الصهاينة بمرور 50 عاما على احتلالهم الأراضي الفلسطينية أعد جون سمبسون، المحرر السياسي لشبكة (BBC) البريطانية، ثلاثة تقارير تلفزيونية ميدانية بثتها القناة الأولى في حينه، أظهر فيها معظم تناقضات هذا الكيان الداخلية، ومصادر تهديده الوجودي من خلال لقاءات مع مختلف ألوان الطيف السياسي والعسكري، وتنبأ في ختامها، بأنه لا يعتقد أن الكيان الصهيوني وشعبه، قد يحتفل بالعيد المئة لتأسيسه.

هناك كثير من النبوءات التي تتحدث عن زوال الكيان الصهيوني، منها السياسي ومنها الديني، ونكتفي هنا بسرد بعض السياسي والذي جاء من قبل محللين سياسيين صهاينة.

الأولى للجنرال المتقاعد شاؤول أرئيلي، المستشرق المُختص في الصّراع العربي "الإسرائيلي" الذي نشر مقالًا في صحيفة “هآرتس” قال فيه إن الحركة الصهيونيّة فشلت في تحقيق حُلم إقامة “دولة إسرائيليّة ديمقراطيّة، بأغلبيّة يهوديّة، وان الوقت ليس في صالح "إسرائيل"، وأن هذه النظريّة سقطت”.

الثانية للمحلّل "الإسرائيلي" آري شافيط، الذي نشر مقالًا في الصّحيفة نفسها كان أكثر تشاؤمًا، وقال فيه: “اجتزنا نقطة اللّاعودة، وإسرائيل تَلفُظ أنفاسها الأخيرة، ولا طعم للعيش فيها، والإسرائيليّون يُدركون مُنذ أن جاؤوا إلى فلسطين أنهم ضحيّة كذبة اختَرعتها الحركة الصهيونيّة استخدمت فيها كُل المَكر في الشخصيّة اليهوديّة عندما ضخّمت الهولوكوست (المحرقة) واستغلّتها لإقناع العالم بأن فلسطين أرض بلا شعب، وأن الهيكل المزعوم تحت الأقصى”. واختتم مقاله بالقول: “حان وقت الرّحيل إلى سان فرانسيسكو أو برلين”.
وأضاف شافيط أن هناك عشرات ومئات الآلاف من المستوطنين، الذين عادوا إلى أوطانهم الأم، أو لجؤوا إلى إحدى الدول الغربية بصمت ودون ضجيج، لإدراكهم المستقبل الذي يتجه إليه الكيان، وهو الانهيار والاختفاء من الجيوبوليتك، فكما جاء فجأة، سيزول فجأة، بفعل التناقضات الداخلية، وانتفاء مشروعية الدولة الصهيونية بكل المعايير التاريخية والسياسية والقانونية والثقافية والدينية.

الثالثة جاءت في مقالة للكاتب "الإسرائيلي" اليساري جدعون ليفي، ويقول فيها: “إنّنا نُواجه أصعب شعب في التّاريخ، وعمليّة التدمير الذاتي والمرض السرطاني الإسرائيلي بلغا مراحلهما النهائيّة، ولا سبيل للعِلاج بالقبب الحديديّة، ولا بالأسوار، ولا بالقنابل النوويّة”.

البروفيسور إسرائيل شاحاك، وهو أحد النقاد الصريحين لحكومات الكيان وللمجتمع "الإسرائيلي"، يقول إنه متأكد من أن الصهيونية ستندثر في المستقبل، فهي تعمل بعكس الآراء المشتركة لمعظم شعوب العالم، مؤكداً أنها ستجلب كارثة على المنطقة، وقبل الكل على اليهود أنفسهم.

المؤرخ "الإسرائيلي" الشهير بيني موريس، وبرغم أنه صهيوني متعصب، فقد افترض أفقا زمنيا لنهاية محتومة في رأيه لكيانهم في أرض فلسطين المحتلة، بحيث اعتبر أن نهاية الكيان محتومة، لقلة اليهود من جهة وكثرة أعدائهم من جهة أخرى، ما سيدفع إلى تطور العنف، وسيدفع كل من يستطيع من اليهود للهرب إلى أميركا والغرب.

رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) السابق، الصهيوني يوفال ديسكن، بدوره تنبأ بزوال الكيان ولكن من زاوية أمنية وديمغرافية، واجتماعية واقتصادية، وعرضها في مقال لجريدة "يديعوت أحرونوت"، خلص فيه إلى أن "إسرائيل لن تبقى للجيل القادم"، معللًا ذلك بازدياد نسبة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة من جهة، وازدياد نسبة "الحريديم" (اليهود الأصوليون والطقوسيون الذين يعتبرون نظام الكيان الصهيوني نظاما علمانيا يهدد الحياة والعقيدة اليهودية التقليدية، ويرفضون التعاون مع مؤسساته). كما أن الأغلبية الساحقة من اليهود الحريديين يرفضون الخدمة في الجيش الصهيوني.
 لذلك فإن الحريديم -برأي ديسكن- هم عالة على المستوطنين الآخرين، لأنهم لا يؤدون التزاماتهم ل“الدولة" ولا يخدمون في الجيش، ما سيدفع المستوطنين للهجرة، وعندها يصبح الفلسطينيون هم الأكثرية.

رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق بنيامين نِتنياهو قال في تصريحٍ أيضاً: "سأجتهد لكي تبلغ إسرائيل عيدها المئة". والتاريخ يذكر أن أطول عُمر لأيّ دولة لليهود لم يَدُمْ أكثر من 80 عامًا (دولة الحشمونائيم).
هذه القناعة التي ظهرت عند كثير من "الإسرائيليين" بحتمية زوال كيانهم الهش واستحالة العيش فيه باستقرار، هي بسبب أن الرهان الصهيوني على محو ذاكرة الأجيال الفلسطينية فَشل فشلًا ذريعًا، والكيان المحتل يواجه مقاومة شعبية ضارية فلسطينية منظمة ومسلحة في قطاع غزة، وفي الضفّة الغربية، والقدس، والداخل المحتل، وهي مقاومة مستقلة كليا عن سياسات الحُكومات والدول العربية التي طبع أكثرها سرا وعلنا، وهي مستقلة أيضا عن سلطة عباس المطبعة والتي لا تفيد هي ولا الحكومات العربية المطبعة الكيان أو تحميه من حقيقة المخاطر التي يواجهها.
إلى جانب ذلك فإن قدرات المقاومة الفلسطينية تتطور ولا تنحسر، وامتلكت الصواريخ وتقنية صناعتها، وتطور أساليب قتالها مثل تكتيكات الأنفاق، وقوة مقاتليها في المعارك البرية.
كما أن الداخل المحتل يشتعل ضد الكيان الصهيوني ومستوطنيه دائما بعمليات فدائية.
الكيان أيضا محاط بأكثر من جبهة وأكثر من طوق، يبدأ بالمقاومة الفلسطينية المسلحة والمقاومة الشعبية في الضفة والداخل المحتل.
ويليه حزب الله من لبنان وسورية، وكذا إيران والعراق واليمن.
كل ذلك غير جميع المُعادلات العسكريّة والسياسيّة على الأرض، وأنهى التفوّق الصهيوني الذي كان يحسم الحُروب مع الحُكومات العربيّة في ساعات، وجعله يرى في المعارك القادمة مع المقاومة الفلسطينية ومع محور المقاومة كله بمثابة "أمر إزالة" للكيان الصهيوني لا مجرد معركة عادية.