نشوان دماج / لا ميديا -
دخلت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أسبوعها الرابع، ويبدو أنها ستحتاج إلى وقت أطول بحسب المؤشرات على الأرض. وإذا كان ثمة انعكاسات للعملية صاحبتها منذ اليوم الأول، فإن الوقت مازال مبكرا للحديث عن التداعيات التي ستنجم أو تترتب على العملية حين الانتهاء منها، والتي بالتأكيد لن تقتصر على أوكرانيا وروسيا فحسب، بل ستمتد لتشمل العالم بأسره.
في هذه المقاربة نحاول مع عدد من الخبراء والمتخصصين والمحللين السياسيين استشراف أفق الحرب الروسية في أوكرانيا عسكرياً وسياسياً، وكيف تسحب هذه الحرب نفسها على المنطقة العربية، وتحديداً سورية واليمن سلباً وإيجاباً. كيف تؤثر علاقة روسيا بالكيان الصهيوني ودول التطبيع الخليجية على مواقفها من مسار الاشتباك في سورية واليمن. ولماذا على سبيل المثال تتخذ موسكو موقفاً متواطئاً وشبه معادٍ في نظر البعض تجاه صنعاء يلتقي مع أمريكا، بينما تصطدم مع الأخيرة في أوكرانيا، وهل ستسهم المتغيرات الأخيرة في تعديل موسكو لمواقفها المتناقضة.
من المبكر التنبؤ بتأثيرات الحرب
يقول الدكتور أحمد الصعدي، أستاذ الفلسفة في جامعة صنعاء، لصحيفة  "لا": "أصبح الخبراء الروس الذين يتحدثون عبر وسائل الإعلام الروسية، مخاطبين المواطنين الروس، يقرون بأن أوكرانيا التي كانت قائمة قبل 24 فبراير، أي قبل ما يسمونها العملية العسكرية للدفاع عن جمهوريتي دانتسك ولوغانسك، لم تعد موجودة ولا يمكن أن توجد".
ويضيف الصعدي بخصوص تأثير الحرب في أوكرانيا: "من المبكر التنبؤ على وجه الدقة، ولكن هناك شيئا يبدو محسوما؛ ألا وهو أن أمريكا ليست القوة التي لا تعجز عن أي شيء وأن لقوتها حدودا مما سيؤثر في معنويات أتباع أمريكا وخصومها ولكن في اتجاهين متعاكسين".

دول «الحديقة السوفيتية»
الكاتب والسياسي اللبناني علي ضاحي يرى أن ما يجري اليوم في أوكرانيا هو استكمال لمفاعيل الحرب الباردة ووقف مفاعيل هذه الحرب. فمن الواضح تماما، بحسب ضاحي، أن "روسيا تعتبر دول الجوار ولاسيما دول الاتحاد السوفييتي بمثابة حديقة لها"، وبالتالي لم تكن لتقبل على الإطلاق ما تقوم به الولايات المتحدة والغرب من تحركات في أوكرانيا تهدد أمنها القومي بالدرجة الأولى.
ويضيف ضاحي لصحيفة "لا": "أعتقد أن الرئيس الروسي بوتين فهم اللعبة الأمريكية مبكراً، فهو منذ تولي بايدن للرئاسة يتحفز وينتبه ويحذر لمثل هذه المخططات. فالاستعمار الأمريكي المعادي يريد التخريب، مثلما تريده الإدارة الأمريكية الجديدة هي أيضاً، رغم أنها تتمتع أو تتمظهر للعالم بلغة هادئة ومهادنة، فهي لا تريد الحرب الشاملة، وفي الوقت نفسه لا تريد الحسم، وهذا أخطر".

قلق وخوف غربي
يؤكد الكاتب السوري أخيل عيد لصحيفة "لا" أن الموقف الذي اتخذه الغرب منذ ما قبل العملية الروسية يبدو طبيعياً، فـ"الغرب قلقٌ وخائف وهو يتابع مشاهد أرتال الدبابات وصور اللاجئين في أوكرانيا، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن أعدادهم وصلت إلى أكثر من مليون ونصف لاجئ. تذكر هذه الأحداث الغربيين بمشاهد غزو بولندا وبالرعب والصدمة اللذين شعروا بهما عندما بدأ هتلر سلسلة حروبه. فالخصم هذه المرة يمثل دولةً نوويةً عظمى منتجة للسلاح وتقنياته وليس جيشاً من العالم الثالث بعتادٍ سوفياتي قديم ومنظوماتٍ عفا عليها الزمن وقيادةٍ جاهلةٍ بالحروب".
ويضيف عيد: "الاعتقاد السائد في الغرب بأنه إذا كانت الحرب العالمية الثانية قد أزالت أوروبا عن زعامة العالم لصالح أمريكا والسوفييت وحرمتها مستعمراتها، فإن هذه الحرب ستزيل الغرب نهائياً عن مسرح التاريخ وستعيده إلى زراعة البطاطا وأكل السمك المقدد، وأن بوتين إذا ما هضم أوكرانيا فإنه لن يتوقف وسيشجع الصين وباقي العالم أن يحذوا حذوه، وسيتملكون الثروة الاحتكارية التي ستجعلهم متحكمين في العالم الجديد، كما تنبأ روجيه غارودي منذ ثلاثين عاماً تقريباً عن قدوم مستغرب من الشرق إلى الغرب ليدرس انهيار هذه الحضارة الغربية".

لبنان.. علامة الاستفهام الكبرى
بالنسبة للدول العربية، كان موقف لبنان هو علامة الاستفهام الكبرى، على الأقل بالنسبة للروس، فالبيان الذي خرجت به وزارة الخارجية كان مفاجئاً حتى لوزراء داخل حكومة ميقاتي نفسها. لكن لا يعود الأمر مستغرباً إذا عرفنا أن بيان "الإدانة" صيغ داخل السفارة الأمريكية، بحسب الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله.
أما سوريا فلا شك أنها ستكون من أوائل الدول المؤيدة للموقف الروسي، فالعلاقة التي تحكم البلدين هي من العمق والتقارب بحيث لا يمكن أن نتوقع من دمشق إلا ذلك الموقف تجاه موسكو.
وفي هذا الصدد، يشير الكاتب اللبناني علي ضاحي إلى أن التسوية السياسية في الملف السوري لم تنطو بعد، "فبالرغم من تماسك الشعب السوري والجيش السوري والقيادة السورية وتمكنهم من كسر شوكة الإرهاب ودحض الهجمة التي شنتها أكثر من 80 دولة وعلى رأسها أمريكا ودول الخليج بقيادة السعودية، إلا أن الحرب في سوريا لم تضع أوزارها بالمعنى الفعلي للكلمة، بل هي حرب مستمرة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وعسكرياً"، وبالتالي "الحرب في سوريا هي أيضاً طويلة، على ما يبدو، والروسي يتعامل بدقة مع الأمريكي ويصطدم معه في سوريا وأيضاً مع العدو الإسرائيلي ولكنه أيضاً لن يتخلى عن ورقة رابحة ونفوذ على المتوسط".
ولعل زيارة الرئيس السوري الأخيرة إلى الإمارات تأتي ضمن "التعامل الدقيق" للروسي مع الأمريكي.

مواقف ارتجالية وليست استراتيجية
وأما سياسة السعودية والإمارات فرهن أمزجة وليس رهن استراتيجيات، حتى لو كان موقفهما من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ملفتاً، فإحداهما (الإمارات) امتنعت عن التصويت لصالح القرار الذي طرحته الولايات المتحدة على مجلس الأمن بإدانة روسيا، فيما الأخرى لم تعلن أي موقف سوى أن ولي عهدها عرض، في اتصال مع الرئيس الروسي، بحسب وكالة الأنباء الرسمية لمملكته، التوسط لحل الأزمة. ربما هي الوساطة نفسها التي عرضها الكيان الصهيوني؛ مع فارق أن الارتجالية لم تكن هي الدافع بالنسبة للأخير، كما هي عند ابن سلمان.
وإذا كان الإبقاء على خفض الطاقة هو الموقف السعودي الإماراتي المشترك، فإن الإمارات سريعاً ما ستغير موقفها، وتعلن على لسان سفيرها في واشنطن عزمها على زيادة إنتاج الطاقة؛ الأمر الذي اعتبرته السعودية طعنة في ظهرها. ومرة أخرى نتحدث عن طعنات في ظهر ابن سلمان الذي لم يعد يحتمل المزيد مما يسدده له ابن زايد بين الحين والآخر.

واشنطن تبدأ تصفية حسابها مع الإمارات من اليمن
لا شك أن امتناع الإمارات عن التصويت لصالح القرار الأمريكي قد أزعج الولايات المتحدة إلى حد كبير، بحيث كانت بدأت بوادر ذلك الانزعاج تتجلى في الأيام الأخيرة، التي شهدت فيها العلاقات الأمريكية الإماراتية أسوأ مراحلها، أو بحسب تعبير السفير الإماراتي في واشنطن "مرحلة الاختبار". على أن تصفية واشنطن حسابها مع الإمارات يبدو أنها كانت ستبدأ من اليمن وليس من مكان آخر. فسر الكثيرون الزيارة الأخيرة للمبعوث الأمريكي برفقة القائمة بأعمال السفير الأمريكي إلى بلحاف شبوة، القاعدة الأهم للإمارات، ثم إلى حضرموت المحافظة النفطية الأخرى التي تسعى الإمارات لفرض سيطرتها على ثرواتها، على أنها تأتي في سياق تصفية الحسابات مع إمارات ابن زايد وتدفيعها ثمن موقفها في مجلس الأمن لصالح روسيا أو ضد قرار الإدانة الأمريكي. لكن الإمارات سرعان ما ستكفر عن "ذنبها" في حق الأمريكي بموقفها الأخير من زيادة إنتاج الطاقة، وينتهي الأمر في العلاقات بين البلدين كما يبدو عند "مرحلة الاختبار" فقط.

مساندة روسيا للعدوان على اليمن لم تكن لصالحها
في مقابلة له مع صحيفة "الأخبار" اللبنانية في آذار/مارس 2018، تحدث قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي عن الموقف الروسي من العدوان على اليمن، قائلاً: "للروسي حساباته واهتماماته وسياساته، ولسنا مراهنين عليه ولا معولين عليه. ولعله يدرك في يوم من الأيام أن تجاهله للعدوان على اليمن ومساندته لقوى العدوان وتسليمه أموال الشعب اليمني إلى المرتزقة لم يكن موقفاً لصالحه. ولعل نيران الأمريكي توقظ الدب الروسي من سباته الشتوي".
فهل أن الدب الروسي قد لسعته أخيراً نيران الأمريكي في الأزمة الأوكرانية فاستيقظ من سباته في عملياته العسكرية الأخيرة؟ وهل ستدفعه المتغيرات الأخيرة لتعديل مواقفه "المتضاربة"؟


لا تبدل قريبا لسياسة موسكو تجاه القضايا العربية
لكن إذا كان للعملية الروسية في أوكرانيا أن تجعل موسكو تعيد النظر في دورها وحضورها الدولي والسياسي من منطلق المنتصر وليس الخاسر، وبحسب ضاحي "من المبكر الحديث عن تبدل سياسة موسكو الخارجية تجاه القضايا العربية، والحكم على توجه مختلف لإدارة بوتين".
ويرى ضاحي أنه لا يمكن تحميل روسيا ما يجري في اليمن، فالعدوان في النهاية أمريكي سعودي إماراتي خليجي أوروبي. أما روسيا فهي في النهاية "دولة كبرى تتعاطى السياسة ولها مصالحها أيضاً. وربما أنها كانت في الملف اليمني تحاول استرضاء الأمريكي أو تقوم بمحاولة منع الصدام مع الأمريكي في الملف اليمني، مقابل الملف السوري".
ويضيف: "الملف اليمني مرهون باقتناع أمريكا ونزولها عن الشجرة وأن تضغط فعليا على النظام السعودي الوهابي لينسحب مباشرة من هذه الحرب القذرة وأن يوقف عدوانه على الأطفال والنساء والشيوخ في اليمن بدون شرط أو قيد، وكذلك الإمارات. وأعتقد أن الملف اليمني لن يتأثر بالحرب الروسية في أوكرانيا. فالمبادرة هي اليوم بيد اليمنيين وبيد المقاومين الشرفاء باستمرار العمل النضالي وإيلام السعودية واستهدافها من الداخل كي تقتنع في نهاية المطاف أن عليها أن ترحل وتلملم جراحها وأشلاء جنودها وتقتنع بأن الشعب اليمني لن يستسلم وأن اليمن ستبقى حرة وستعود لأهلها كاملة".

مصالحها أولاً ومن ثم البقية
ومع ذلك، كان وقوف روسيا إلى جانب الإمارات في مشروع قرارها الذي قدمته إلى مجلس الأمن بخصوص حظر بيع الأسلحة على اليمن موقفاً إن لم يكن مدفوع الثمن فإنه في أحسن أحواله جاء مقابل امتناع الإمارات عن التصويت لصالح قرار إدانة روسيا بخصوص عمليتها العسكرية في أوكرانيا. 
فمن هذه الناحية، بحسب الدكتور الصعدي "لا يمكن لحكومة الأنصار أن تقدم شيئاً يرقى إلى مستوى ما تقدمه السعودية والإمارات حتى لو اقتصر التعاون على مجال إنتاج النفط والغاز للحفاظ على أسعار مربحة للدول المنتجة".
ويضيف الصعدي: "بالنسبة لاختلاف موقف روسيا في قضية أوكرانيا عن مواقفها في موضوع اليمن فالأمر ببساطة هو أن أوكرانيا مثل القلب يمكن أن تكون إصابته مميتة بينما تشبه البلدان البعيدة الأطراف مهما أصيبت بجروح لن تكون الإصابات خطيرة ومميتة كإصابة القلب. هكذا يجب أن نفهم السياسة الدولية. وهناك ملاحظة يجب أن تقال بصراحة وهي تتعلق بغموض رؤية الأنصار للعلاقات الدولية. فباستثناء تصريح واحد للسيد عبدالملك الحوثي لصحيفة فرنسية عن الاستعداد لإقامة علاقات مع جميع بلدان العالم باستثناء الكيان الصهيوني لم نقرأ إلا تغريدات هنا وهناك مليئة بالشطحات".
ويختتم الدكتور الصعدي حديثه لصحيفة "لا": "لا أرى أن موقف موسكو متناقض من أنصار الله أو أنها معادية لهم، بل هي تفعل ما تفعله جميع الدول وهو الدفاع عن مصالحها الأمنية أولاً والاقتصادية ثانياً ومن ثم بقية المصالح".

موقف روسي سلبي تجاه اليمن
الكاتب أخيل عيد يرى موقف روسيا السلبي في العدوان على اليمن تكمن مشكلته في أن "مجموعة بريكس أو ما تبقى منها لا يتصرفون كحلفاء إذ يوجد تنافس بين الإيرانيين والروس، وهو السبب الأساس في موقف روسيا السلبي تجاه اليمن ويفترض بالمواجهة الواسعة مع الغرب أن تجمعهم أكثر وهو ما يفترض بالروس أن يفعلوه تجاه اليمن فعدو عدوي صديقي والأهمية الاستراتيجية للممرات المائية التي جعلت السوفييت يركزون وجوداً كبيراً في جنوب اليمن يجب أن تدفع القيادة الروسية الحالية إلى تبني موقف أكثر إيجابية تجاه معركة اليمن مع الغرب وأدواته".