غازي المفلحي / لا ميديا -
تستخدم الصهيونية وبرعاية أمريكية وبريطانية تكتيكاً جديداً، هو الأخبث ربما، يسمى «الإبراهيمية»، وهي مؤامرة تزاوج بين الدين والسياسة بهدف إنجاح مخطط سيطرة الكيان الصهيوني على العالم العربي وما يسمى «الشرق الأوسط».
وبالتزامن مع رفع وتيرة التطبيع السياسي وحماس بعض الأنظمة العربية له وخجل البعض الآخر ومعاداة القلة القليلة له مثل اليمن، أطل على مسرح صراع الأمم والحضارات الذي لا يجيد العرب النزال فيه، مصطلح «الإبراهيمية»، وهو مصطلح لمخطط كبير ومخيف كما يرى كثير من الباحثين، وإن نجح فسيجتث العرب والمسلمين من العالم ولو بقوا على قيد الحياة في الظاهر.

سامري العرب
تحت مسمى «الإبراهيمية» تحولت الصهيونية الأمريكية وبؤر الإنجيلية في أوروبا إلى استراتيجية جديدة لفرض الخرافة التوراتية الصهيونية، في محاولة لاختطاف الإسلام ومقدساته ووضعه تحت جناح الصهيونية، وبالنتيجة السيطرة على الوطن العربي، والبداية هي الاحتلال الكامل لفلسطين وإنهاء عداوة العرب والمسلمين للكيان الصهيوني تحت مظلة «الإبراهيمية» المزورة التي تفسر أن المسلمين واليهود والمسيحيين إخوة وأبناء إبراهيم ويجب إحلال السلام بينهم.
هذه الاستراتيجية الجديدة تقوم بدعم المسار السياسي التفاوضي بمسار الحوار الديني، مستغلين حالة الضعف العربي، ووجود أكبر تشكيلة من الحكام العرب والخليجيين العملاء اليوم.
تضطلع بمخطط «الإبراهيمية» أدوات دينية من «حاخامات» اليهودية والمسيحية والإسلام، فتحت هذا المصطلح فإن علماء البلاط المسلمين يرقون إلى حاخامات، وبالإشارة إلى حاخامات الإسلام، وحكام الأنظمة العربية والخليجية على وجه الخصوص، فهم خراف هذه الطبخة.
مهمة هؤلاء الحاخامات الجدد، وبتبني وحماس سامري الوطن العربي (الإمارات)، هي تأويل الآيات القرآنية وتطويعها للسردية التوراتية كمدخل لتغيير معتقدات الشعوب العربية والإسلامية وإعادة صياغة آياته بما يتوافق مع نفي ما جاء عن اليهود من رذائل ارتكبوها بحق الأنبياء عليهم السّلام.. وكل ذلك لصالح السردية التوراتية المكذوبة.
وإن كانت بعض الدول العربية والإسلامية لا تشجع على الإبراهمية كما هي تصريحات شيخ الأزهر أحمد الطيب، إلا أنها تهرول بسرعة نحو الإبراهمية وستجر معها كل شيء حتى الجانب الديني.

محو الإسلام لصالح الرواية الصهيونية
يقول الكاتب والمحلل السياسي الأردني موفق محادين إن الولايات المتحدة الأمريكية هي الرافعة لما يُعرف بـ»الإبراهيمية» كأخوية مزعومة لحقن دماء أبناء إبراهيم كما يزعمون. و»الإبراهيمية» هي تأويل مزور لتاريخ اليهود، وهدفه الجوهري هو بناء «مركز يهودي سيد ومحيط تابع»، ومحو الإسلام والبعد العالمي له لصالح اليهودية، وهي الظاهرة الإرهابية العنصرية التي تقوم على فكرة ما يُسمى «الشعب المختار» مقابل «الغوييم» أو بقية الشعوب التي ينظر إليها «يهوه» كـ»عبيد وبهائم في خدمة الشعب المختار»، كما أنها ترى العرب والمسلمين جنساً لا يستحق الحياة ويجب إبادته.
ويرى محادين أن خطورة «الإبراهيمية» لا تكمن فحسب في ما تمثله من تأويلات لتاريخ الأديان خارج سياقاتها، أو ما توفره من غطاء للمشاريع الصهيونية للهيمنة على المنطقة، بل إن خطورتها تكمن في تفكيك الدول والمجتمعات واستبدال هوياتها.

إعداد المؤامرة منذ «كامب ديفيد»
ليست «الإبراهيمية» خطة مستحدثة، فقد طرحت بتأويلاتها الصهيونية منذ معاهدة «كامب ديفيد» عام 1978 كطريقة وحل لـ»السلام»، كما كتب الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ومستشاره ويليام أوري بعد «كامب ديفيد»، وكرره شمعون بيريز بعد «أوسلو» و»وادي عربة». ثم إطلاق مؤسسة «المسار الإبراهيمي» في برولدر ـ كولورادو.
وسقطت أنظمة عربية في التطبيع تواليا منذ السبعينيات، وحتى بدء التنفيذ الأقوى للمؤامرة الأمريكية الصهيونية مع مخطط كونداليزا رايس لما سمته «الشرق الأوسط الجديد»، وما حصل من حروب وأزمات مشبوهة في الوطن العربي دمرت وأضعفت الكثير من دوله، وما تعرض له الإسلام من تشويه شديد بالتنظيمات التكفيرية مثل «داعش»، كلها تصب في ذات السياق.
ثم ظهرت اتفاقيات التطبيع الجديدة التي تم تمريرها تحت يافطة المشاريع «الإبراهيمية» للسّلام، ومحاولة تصوير المطبعين على أنهم ينتمون إلى نسل إبراهيم عليه السّلام، وإيهام شعوب المنطقة بأن التطبيع مع الكيان الصهيوني اللقيط شيء إيجابي.

الولايات الصهيونية المتحدة
بحسب كتاب «الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي» الذي صدر مطلع هذا العام للكاتبة المصرية هبة جمال الدين، فأهداف المؤامرة «الإبراهيمية» التي تبنتها جامعة فلوريدا أولاً، أنها جزء من الحرب الأيديولوجية الأمريكية، ولأجل التغطية على تصفية القضية الفلسطينية، وتدمير الهويات الوطنية لمصلحة مناخات وهويات طائفية باسم «الإبراهيمية»، وبناء ذاكرة جديدة تلغي ذاكرة التاريخ الوطني وثقافة المقاومة، والدعوة لبناء أمة صهيونية جديدة بين النيل والفرات تسمى «الأمة الإبراهيمية» ومركزها العقل والخطاب اليهودي، وإقامة مشروع «الولايات الإبراهيمية المتحدة» كصيغة فيدرالية تجمع العرب مع «إسرائيل» وتركيا وإيران، وبمركزين لهذه الفيدرالية؛ واحد صهيوني يتّخذ من القدس عاصمة موحدة لأبناء إبراهيم، ومركز تركي.
والحقيقة أنه مركز صهيوني فقط، فلا ثقل لأي وجود تركي، لأن تركيا أصلاً هي تحت العباءة الأمريكية والصهيونية وليست خارجها.
وبحسب جمال الدين، فمن أبرز الآليات لترجمة المؤامرة «الإبراهيمية»، إقامة المؤتمرات والورش الدولية التي تركز على «الإبراهيمية»، وبناء كوادر ومدربين مشبعين بفكرة «الإبراهيمية»، وخصوصاً في الوسط الشبابي، ودمج جماعات محلية في المسارات «الإبراهيمية»؛ من ناشطين وهيئات سياحية وثقافية ونسائية وشبابية، وتوفير الدعم المالي والإعلامي لها، إلى جانب دعمها بالفعاليات الأدبية والفنية والرياضية، مثل مقترح رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، جياني إنفنتينو، في أكتوبر الماضي، أن يستضيف الكيان الصهيوني كأس العالم 2030 بالتعاون مع دول المنطقة وعلى رأسها الإمارات.
وكذلك يندرج تحت المساعي لإنجاح المؤامرة «الإبراهيمية» ما يعرف بمشروع «نيوم» الذي تقوم المملكة السعودية بإنشائه.

وقاحة الطموحات الصهيونية
لا يوجد في التاريخ ولا في القانون الدولي وشرع الأمم ما يُبيح أن يكون الدين أساساً لإقامة حق السيادة على الأرض. لكن الصهيونية تقيم ادعاءها بالأرض على أساس السردية التوراتية التي تنص بنفس الوقت على غربة اليهود عن الأرض. المسيحية الصهيونية بدورها تدعم المنطق الصهيوني انطلاقاً من اختراق الصهيونية للمعتقد المسيحي.
وبسبب الانبطاح العربي غير المسبوق وتجهيز علماء ومشائخ دين عرب رهن إشارة وطلب الحكام وحكامهم من الصهاينة والغرب، فإن طموحات الكيان الصهيوني توسعت بقوة لدرجة رغبتها بإلغاء الإسلام والسيطرة التامة على المسيحية، وتوحيد الجميع تحت ديانة جديدة واحدة وجامعة هي «الإبراهيمية»، تستند على الرواية الصهيونية التي لا تعترف بالإسلام، وإن كان المسلمون يعترفون باليهودية، وفعلا، قد بدأ العمل من أجل ذلك، إذ أقيم مؤخرا أول معبد للديانة «الإبراهيمية» الجديدة المزعومة في دويلة الإمارات.

تاريخ مسروق من الجلدة للجلدة
كان نبي الله إبراهيم عليه السلام أول الداعين للتوحيد بالله في عصر كانت تسوده الوثنية، وهذا ينافي كل كلمة في الرواية التوراتية الوثنية، كما ولد النبي موسى عليه السلام بعده بـ600 عام، ولم يلتزم اليهود بشريعته.
ثم بدأت كتابة خرافات العهد القديم التي اصطلح على أنها «الأسفار الخمسة» الأولى بعد وفاة النبي موسى نفسه بـ700 عام، أي بأثر رجعي يعود إلى 1300 عام من وفاة النبي إبراهيم، وتحدثت على لسان النبي إبراهيم وبشأنه، إلا أنها لم تذكر أي كلمة عن عقيدته التوحيدية. واستمرت كتابة الأسفار 400 عام، تناوب عليها أصحاب أهداف مختلفة تتحدث وتخص قبيلة من دون البشرية، واتخذت إلهاً حكرًا لها (يهوه) أثبت التاريخ الموثق بعلم الآثار أنه من الأوثان المعروفة.
وتنسب الصهيونية نفسا اعتسافاً ليعقوب النبي ابن النبي إبراهيم، واتخذت من «إسرائيل» اسماً لكيانها السرطاني لتشرعن وجودها واحتلالها للأرض والمقدسات الإسلامية.
والقرآن أكد أن اليهودية ليست ديانة نبي الله موسى، وفي كل موضع ذكرت فيه اليهودية كان القرآن يؤكد أنها منهج قوم خالفوا كل ما أمر به موسى، وقد أشار إلى ذلك السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي. وبالمجمل فلم يذكر القرآن أن اليهودية والمسيحية ديانتان، وإنما سماها مللاً.
وتزخر أسفار التوراة الصهيونية هذه بعبارات العنصرية وعدم الاعتراف بالآخر، وتؤصل للإرهاب. ونصوص التوراة اليوم بما فيها من أفكار وقصص أثبت التاريخ الموثق بعلم الآثار أنها سُرقت من حضارات الأمم الأخرى وملاحمها، هذه الأسفار والخرافات الصهيونية المسروقة والعدوانية للعالم يُراد أن تكون هي المقدسة في لعبة «الإبراهيمية».