خاص دمشق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
حظيت الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو باهتمام خاص نظرا للتطورات التي سبقت ورافقت الزيارة والملفات التي كانت على قمة الرئيسين الأسد وبوتين.
الزيارة جاءت على خلفية تطورات إقليمية ودولية مهمة جداً، أبرزها دولياً الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والذي وضع الولايات المتحدة الأمريكية في أزمة ثقة، وتساؤلات حول مكانتها ودورها في العالم، خاصة وأن أمريكا مقبلة على انسحاب آخر من العراق وما يتطلبه هذا الانسحاب من انسحاب مماثل من سورية لصعوبة بقاء القوات الأمريكية في سورية وهي تنسحب من العراق وما سيتركه هذا الانسحاب من تطورات دراماتيكية على الوضع في سورية وكامل شرق المتوسط والخليج.
وفي التطورات السورية الداخلية والإقليمية تزامنت الزيارة مع دخول القوات السورية إلى درعا البلد وكامل الجنوب السوري، وبمواكبة روسية مباشرة لاستكمال سيطرة الجيش والدولة السورية عليها، وإنهاء الوضع الشاذ في المنطقة، الناتج عن اتفاق خفض التصعيد عام 2018 والذي ترك بعض التواجد والسيطرة للمجموعات الإرهابية المسلحة في المنطقة، وما نتج عن ذلك من تشابكات داخلية وإقليمية ومحاولات الكيان الصهيوني عرقلة دخول الجيش السوري إلى المنطقة بسبب مجاورتها للجولان السوري المحتل والحدود مع فلسطين المحتلة، لكن محاولاته هذه فشلت وأنجز الجيش السوري المهمة ودخل كامل المنطقة ليتفرغ لمنطقة أخرى وتحديدا إدلب.
كما تزامنت الزيارة مع التطورات المتسارعة التي نتجت عن سفينة الوقود الإيرانية للبنان عبر سورية، والتي كانت أكبر بكثير من مجرد سفينة وقود مع الارتدادات التي نتجت عنها، والحقائق التي أكدتها، والتغيرات في قواعد الاشتباك التي أحدثتها، وتوازنات القوى التي ثبتتها، والتي عادلت بمجملها انتصاراً لحلف المقاومة في معركة كبيرة.
فتداعيات السفينة الإيرانية أدت إلى كسر الحصار الأمريكي على لبنان وسورية، وإسقاط قانون قيصر من قبل الولايات المتحدة نفسها، وإعطاء الضوء الأخضر لتشكيل الحكومة اللبنانية، وزيارة الوفد الوزاري اللبناني إلى دمشق لبحث موضوع نقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سورية، واللقاء الرباعي لوزراء الطاقة في سورية ولبنان والأردن ومصر لوضع القرار موضوع التنفيذ، والذي كان من الصعب تنفيذه بدون إنهاء الوضع في درعا لصالح الدولة السورية.
إقليمياً أيضاً جاءت الزيارة بعد الحقائق التي أكدتها قمة الجوار العراقي التي عقدت بغياب سورية بقرار أمريكي بألا شيء ممكناً في المنطقة بدون سورية، وألا شام جديدة بدون سورية قلب الشام، لتأتي التطورات اللبنانية لتؤكدها وتثبتها.
هذه التطورات المتسارعة سورياً وإقليميا ودولياً جعلت الولايات المتحدة -ومعها "إسرائيل" مرغمة- تقتنع وترضخ لحقاق التاريخ والجغرافيا، بألا نهوض اقتصادياً ولا أمان ولا اطمئنان على الأمن في لبنان والعراق والأردن بدون معالجة الوضع في سورية ووقف سياسة الحصار والضغوط عليها، ومن المصلحة الأمريكية تهدئة الوضع حتى تؤمن انسحابا آمنا من العراق ومن سورية حنى لا يتكرر ما جرى في أفغانستان وإظهار أمريكا كدولة ضعيفة ومهزومة، مع تأكدها بأن إيجاد مخرج يحفظ ماء وجه أمريكا من خروج مذل وغير محسوب من العراق وسورية على الطريقة الأفغانية يطيح بما تبقى من هيبة لها كإمبراطورية عظمى يتطلب الرضوخ للوقائع الميدانية على الأرض، وهو ما تكفلت به روسيا والرئيس بوتين تحديداً، التي تعتبر الانسحاب الأمريكي من المنطقة انتصارا استراتيجيا لها ومن مصلحتها تسهيله.
مجريات قمة الرئيسين الأسد - بوتين سهلت قراءة عناوينها، حيث بدأت باجتماع ثنائي علني، وضع فيه الرئيسان الخطوط العريضة للقمة وعناوينها ورسائلها. وحاول الرئيس بوتين إضفاء جو من الود والصداقة على العلاقات الثنائية بين البلدين، ومع الرئيس الأسد شخصياً بتهنئته بعيد ميلاد الأسد قبل أيام، وتأكيده النتائج الجيدة التي حققها في الانتخابات الرئاسية، ووصفه هذه النتائج بأنها "تؤكد أن السوريين يثقون بك، ورغم كل الصعوبات والمآسي التي شهدتها السنوات السابقة، فإنهم يعوّلون عليك في العودة إلى الحياة الطبيعية".
كما كان لافتاً تأكيد الرئيس الروسي بأن الرئيس الأسد يفعل الكثير لإقامة حوار مع المعارضين السياسيين في بلاده.
وعن التطورات الميدانية قال بوتين: "بجهودنا المشتركة وجهنا ضربة للإرهابيين، فالجيش السوري يسيطر على أكثر من 90٪ من أراضي البلاد، رغم بقاء عدد من بؤر الإرهاب قائمة". وأضاف: "المشكلة الأساسية لسورية هي الوجود غير الشرعي للقوات الأجنبية الموجودة في مناطق معينة من البلاد دون قرار من الأمم المتحدة ودون إذن منكم، وهو ما يتعارض بشكل واضح مع القانون الدولي ويمنعكم من بذل أقصى الجهود لتعزيز وحدة البلاد ومن أجل المضي قدما في طريق إعادة إعمارها بوتيرة كان من الممكن تحقيقها لو كانت أراضي البلاد بأكملها تحت سيطرة الحكومة الشرعية".
وفي الشأن الاقتصادي، أشار الرئيس الروسي إلى أن التبادل التجاري بين روسيا وسورية تضاعف بمقدار 3.5 مرات في النصف الأول من هذا العام، كما تم تسليم أولى شحنات لقاحات "سبوتنيك V" و"سبوتنيك لايت" لسورية.
من جانبه وصف الرئيس الأسد العقوبات المفروضة على بلاده بأنها لا إنسانية ولا شرعية. وأشار إلى أن جيشي سورية وروسيا حققا نجاحات ملموسة في القضاء على الإرهاب، مضيفا أن لبعض الدول تأثيرا مدمرا على سير العملية السياسية في سورية، شاكرا موسكو على دورها البناء. وأضاف الأسد أن الجيشين السوري والروسي حققا إنجازات كبيرة ليس فقط من خلال تحرير الأراضي أو من خلال إعادة اللاجئين إلى قراهم ومدنهم، ولكن أيضا من خلال حماية مواطنين أبرياء كثر في هذا العالم. وأضاف أن عملية "تحرير الأراضي" تجري بالتوازي مع "العملية السياسية".
وفي الواقع العملي على الأرض تشير كل الدلائل والتطورات الميدانية إلى استكمال الاستعدادات لبدء عملية عسكرية في إدلب تستهدف فتح طريق "M4 حلب – اللاذقية" الذي طال إغلاقه، كمرحلة أولى على الأقل، تمهيداً لخطوات لاحقة تعيد إدلب إلى السيادة السورية، وفقاً لخطة عمل حول تفكيك الجماعات الإرهابية وإخراجها من الميدان.
اللافت في الأمر هو استبعاد تركيا من الاتصالات لبحث هذا الموضوع، وصدور عدة مواقف تستهدف تحجيم دورها، أبرزها تكذيب سورية تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن وجود اتصالات مع سورية، وتأكيد سورية أن تركيا راعية للإرهاب، وألا لقاء معها.
وتأتي هذه المواقف بعد مماطلة تركيا في تنفيذ تعهّداتها هناك، بموجب الاتفاقات العديدة المبرمة بينها وبين روسيا، وخاصة بين الرئيسين بوتين وأردوغان في قمتي موسكو وسوتشي، التي تنصل منها أردوغان، ما دفع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى اتّهام أنقرة علناً بعدم الوفاء بالتزاماتها.
وما يؤكد هذا التوجه تنفيذ الطيران السوري الروسي غارات متعددة ومتلاحقة لقصف وتدمير مقرات محددة للمجموعات الإرهابية في إدلب، وتحرّك وحدات من الجيش السوري على تخوم جبل الزاوية مع إعلان فصائل مسلحة سورية تابعة لتركيا تحرّكها على المحور نفسه أيضاً، الأمر الذي يعني استمرار تعنّت أنقرة، ومحاولتها فرض خريطة السيطرة الميدانية الحالية كأمر واقع، وهو ما ترفضه دمشق وموسكو وقد يكلف أنقرة كثيراً.
أما الاحتلال الأمريكي الراعي للحالة الانفصالية التي تشكلها مليشيا قسد في شمال شرق سورية، فتزداد المؤشرات إلى قرب انسحاب أمريكي من المنطقة، ما يعني تلقائيا انتهاء هذه الحالة الانفصالية، وما يتم بحثه حالياً هو طريقة إنهاء هذه الحالة وكيفية ملء الفراغ الذي سيحدثه الانسحاب الأمريكي، وبما يسحب البساط من تحت الحجج التركية لسحب مبررات وجودها غير الشرعي في بعض مناطق شمال سورية. وهذا الأمر كان بالتأكيد على جدول أعمال قمة الرئيسين الأسد وبوتين، وهو ما يبقي الأمريكيين على خط الاتصالات الممهدة للانسحاب المتوقع لقواتهم، وهذا ما أكده اللقاء الذي أعقب القمة، والذي جمع مبعوث الرئيس الأميركي ومسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فريشنين، والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرنتييف، للبحث بهذا الأمر.
وعلمت "لا" من مصادر سورية أن ميليشا "قسد" تطلب من روسيا التوسط لعقد اتفاق مع الحكومة السورية للوصول إلى تسوية شاملة.
وتزامنت هذه التحركات مع انسحابات مفاجئة لعناصر مليشيا "قسد" من مواقع وحواجز حدودية في شمال الجزيرة السورية نحو القرى التي تبعد بين 20 إلى 30 كم جنوباً وتمركزهم ضمن الأحياء الشعبية.
وعلى الصعيد الاقتصادي والإنساني وإعادة الإعمار فقد تأكد أن هناك جهوداً سورية روسية لاستعادة النازحين وإطلاق عملية إعادة الإعمار ومعالجة آثار العدوان والإرهاب، خاصة وأن "قانون قيصر" أسقطته الولايات المتحدة بنفسها في موضوع الكهرباء والغاز للبنان.
وأكدت مصادر سورية أن الاجتماع تناول التفاهمات التي توصلت إليها اللجنة المشتركة السورية الروسية، لاسيما في مجال توريد القمح الروسي إلى سورية، وإعادة تأهيل عدد من المحطات الكهربائية والعمل على إقامة مشاريع مائية، والتعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات.
أما الملف السياسي، فقد تراجعت أهميته إلى المرحلة الأخيرة بعد الانتخابات الرئاسية، والتطورات الإقليمية والدولية، وتشتت المعارضات وفقدانها الرعاة الإقليميين والدوليين، ومع ذلك فقد كان هذا الموضوع على طاولة القمة، مع الحديث عن احتمال عقد لقاء جديد في جنيف للجنة مناقشة الدستور، مع بقاء الاحتمالات ضئيلة لتحقيق أي تقدم.
المصدر أحمد رفعت يوسف / لا ميديا