«لا» 21 السياسي -
انفجار «داعشي» أو بالأصح «مدعشن» يهز محيط مطار حامد كرزاي في العاصمة الأفغانية كابول ويسقط عدداً من القتلى والجرحى، بينهم أمريكيون.. هكذا إذن تتم «سركلة» الأدوار والوظائف والمهام على خشبة المسرح الأمريكي.. إعادة واستعادة.
«لم يعد هناك إرهاب في أفغانستان يهدد مصالحنا والعالم، وطالبان تغيرت».. هكذا تحدث الأمريكيون في سياق غير بريء لتبرير إعلانهم سحب قواتهم من أفغانستان بعد عقدين من الاحتلال.
أيامٌ بين هكذا حديث وهكذا انفجار صارت فيها ومعها كابول هي جغرافيا الحدث «الأمريكي» الأهم عالمياً بعد أن كانت كذلك جراء «الغزو السوفيتي» لها بنهاية سبعينيات القرن الماضي.
أيامٌ ازدحمت ساعاتها برحلات الإجلاء والإخلاء وامتلأت دقائقها بتصريحات جوزيف بايدن وذبيح الله مجاهد، واختنقت ثوانيها الأخيرة بانفجارات سبقتها تحذيرات مصادر مخابراتية غربية بعد أن كانت هذه المصادر نفسها ومع الثواني الأولى لهذه الأيام ذاتها تطمئن: «لم يعد للإرهاب وجود في أفغانستان».
ثمة من يقرأ هكذا أحداث بعين واحدة لا ترى سوى هزيمة أمريكا لا غير، وهناك من يرى بالعين الأخرى انتصاراً طالبانياً فقط، أما من أراد مشاهدة هذه الأحداث على نطاق أوسع وأعمق فعليه إمساك خيوط الأحداث أو بعضها وإدراك الأصابع التي تحرك تلك الخيوط وتنتهي إليها أو بعضها.. طبعاً يحتاج الأمر بكل تأكيد إلى أكثر من عينين مفتوحتين.
لم يحطم قادة طالبان اللوحة الجدارية المعلقة خلف كرسي مكتب الرئاسة التي جلسوا عليها فور دخولهم كابول.. إنهم أناسٌ «إتيكيت» وطيبون، يؤمنون بالفن ويعتقدون الإبداع.. دعك من تحطيمهم لـ»تماثيل بوذا» التاريخية قبل 20 عاما، فتلك حادثة صارت من التاريخ، ومن أحدثها هم «العرب الأفغان» انتقاماً من طالبان التي طردتهم لأنهم عرب بأوامر أمريكية، وأبقت العربي «أسامة بن لادن» بتوجيهات أمريكانية أيضاً.
مفاوضات (مباحثات) الدوحة لم تكن أكثر من رفع جزء من ستار أحد فصول المسرحية الأمريكية، وهي الفصول التي لم يُسدل على بعضها الستار ولم يُرفع عن بعضها الآخر.
ليس في الأمر استسلام لفرضيات نظريات المؤامرة، رغم تحول بعضها إلى حقائق، كما ليس فيه قبول غير مشروط بتعاليم «عقيدة رامسفيلد»، وإن تحولت بعض تلك التعاليم إلى وقائع.. وما يمكن قوله هنا هو أن ثمة عملية تخليق نماذج أمريكية جديدة في المنطقة ظاهرها إعلان العداء للأمريكي وباطنها إعداد الغداء له.
ما يتم هو إعداد وتهيئة وتخليق تلك النماذج المعلبة والكرتونية القديمة نفسها وإن بطلاءٍ جديد في محاولة صهيونية أمريكية جديدة لضرب نماذج المقاومة الحقيقية المواجهة لمشروع الوصاية والاستلاب والعمالة والخضوع القائم في المنطقة.
هناك في الحقيقة استحواذ أمريكي شامل لأفغانستان من قبل ومن بعد، وما أشبه الكلام عن صنع الانسحاب الأمريكي العسكري لفرص صينية أو روسية في ذلك البلد، بالحديث عن عملية استلام وتسليم بين يد التاجر اليمنى ويده اليسرى.
في الداخل الأفغاني سيتم استدعاء نظائر النموذج الطالباني متمثلة في «القاعدة» و«داعش» و»خراسان» في تحريكٍ احترافي لقواعد لعبة التحرير والاستقلال وتحريفٍ «بروفيشنال» لمشاهد مسرحية التطرف والإرهاب.