«الثورة الإسلامية».. تنقل إيـران من حظيرة الأمركـة إلى قلب المقاومة
- تم النشر بواسطة غازي المفلحي/ لا ميديا
غازي المفلحي / لا ميديا -
أصبح محور المقاومة اليوم قوة عنيدة صاعدة أمام أمريكا ومحور شرها، أثر وغير توازنات المنطقة وبدد طموحات الكيان الصهيوني، والخطط الأمريكية الطامعة الاستعمارية التي رضخت لها الدول العربية وكادت تصبح قدرا مسلما به. وكانت البداية الأولى لولادة هذا المحور في 1979، وذلك عقب انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، لينشأ تحالف بينها وبين الجمهورية العربية السورية.
وبالتالي فإن إيران وسوريا كان لهما دور ريادي في تأسيس محور المقاومة الذي توسع لاحقا إلى ما هو عليه اليوم بعد انضمام كل من لبنان والعراق وفلسطين واليمن له، وهو يتجه ليصبح كيانا دوليا له وجوده الوازن والمؤثر في المنطقة والعالم.
حلف ندية لا تبعية
نجح محور المقاومة بصدارة إيران وبشكل كبير في تشكيل جبهة أو حزام مقاوم، في مقابل الحزام الأمريكي ودول التطبيع. أما دور إيران في دعم ومساندة دول المحور فيقول الدكتور الفلسطيني حسن مرهج: "يتفق الكثيرون بأن إيران تتعامل مع دول المحور بأخلاقيات وأدبيات الثورة الإسلامية، إذ تؤدي إيران واجباته تجاه دول المحور وتجاه شعبها، بما يتوافق والمصالح الإقليمية للدول المقاومة وشعوبها”.
ويرى مرهج أنه لا يُمكن لأحد أن ينكر قدرة إيران التكتيكية والاحترافية، بهندسة واقع إقليمي يعتمد على مبادئ الثورة الإسلامية في إيران، قائم على مبدأ احترام دول الإقليم، ومنع التعدي على سيادة أي دولة في المنطقة، ولعل هذه الثوابت الإيرانية قد حققت لدى الشعوب اكتفاءً لجهة التموضع في الصف الإيراني ومحور المقاومة، فما حققته إيران خلال السنوات السابقة، يكاد يكون انتصارا استراتيجيا وتفوقا عسكريا على غالبية دول المنطقة.
وكحال كل التحالفات فإيران تقدم الدعم والعون لبقية دول محور المقاومة. وبالرغم من أنه دعم وحلف ندية وليس تبعية، فالأتباع الخليجيون يصنفون ذلك الدعم أو التعاون ضمن المحظورات الكبرى، والدعم في أساسه كان نحو التنمية الاقتصادية والعسكرية والإصلاحات الوطنية الداخلية وإيجاد بدائل تقي الشعوب كوارث الاقتصاد والحصار الأمريكي، ومساندة الأنظمة العربية الحاكمة أو الصحوات الوطنية لنفض غبار التبعية لأمريكا ووكلائها، بما يحقق طموحات شعوب دول ذلك المحور ووجوده الإنساني الكريم في حد ذاته والداعم للمظلوميات من حوله كالمظلومية الفلسطينية. ولكن عندما حال محور الشر الأمريكي الإسرائيلي الخليجي دون أي محاولات لتلك الشعوب للعيش واستغلال ثرواتها والحفاظ على أمان بلدانها من أخطار الإرهاب والعمالة والحفاظ سيادة أراضيها وسياساتها واستهدافها بالحروب والمؤامرات، ساعدت إيران تلك الدول اقتصاديا وعسكريا وسياسيا ولوجستيا، بخاصة سوريا ولبنان والعراق وفلسطين، أما اليمن فقد كان هناك خطط لإقامة مشاريع تنموية واقتصادية مشتركة بين إيران واليمن عقب ثورة 21 أيلول، لكن العدوان حال دون ذلك فاقتصر التعاون الإيراني اليمني على مساندة إيران الإعلامية والسياسة والحقوقية لليمن في مواجهة العدوان.
معركة كبرى ضد محور الشر الأمريكي
تكتّل محور المقاومة اليوم يبدأ من طهران، ويمر بالعراق واليمن ولبنان وسوريا وفلسطين، ويقوم على تبني قضايــــا الأمــة، ورفـــــض الظلم والاضطهاد، ونصرة المستضعفين. ويخوض هذا المحور واحداً من أكثر أشكال المواجهة تعقيداً مع أمريكا وحلفائها، ويؤسس لواقع إقليمي جديد يفرض قواعد اشتباك جديدة، قائمة على قاعدة أن أمريكا لم تعد الحاكمة للمنطقة.
ولا شك أن إيران هي التي أعطت هذا التكتل الزخم في تحدي ومجابهة التكتل الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ الخليجي الذي أصبح يعمل ضد مصالح الشعوب العربية والإسلامية بشكل عام، ويعتدي عليها بالحروب والمؤامرات كما هو حال لليمن وسوريا ولبنان والعراق، وهو المحور الذي اصطفّ اصطفافــاً سياسيـــــاً وعسكرياً واقتصادياً كامـــلاً مـع أمريكا، بقيادة السعودية ودول الخليج ودول أخرى، وتبنّى رؤية الإدارة الأمريكية وسياساتها بكلّ تفاصيلها، إضافةً إلى بيع القضية الأم فلسطين وتبني خيار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
ولأن تحدي واشنطن ومحورها ليس بالأمر السهل، فقد تعلم محور المقاومة من إيران الحرفية السياسية والردع العسكري، والمعادلات الاستراتيجية المؤثرة والفاعلة على مستوى التوازنات الإقليمية، وتعزيز واقع الصمود لدى شعوب المحور، مع التأكيد على تلبية مطالبها وتحديدا في الجوانب الاقتصادية، لما لهذه الجوانب من أهمية عميقة ومؤثرة في بنيان محور المقاومة.
كما تنتهج إيران ومحور المقاومة سياسة تشمل التوسع في قبول التعددية الأيديولوجية بشكل عام، كما هو حاصل مع حركة حماس "السنية" في فلسطين، وإيجاد مقاربات بنّاءة في المسار السياسي أو الاقتصادي، خدمةً لمصالح الأمة أولاً، وتبني برنامج ينصب العداء للكيان الصهيوني والولايات المتحدة ومن يقف خلفهما من المطبّعين الذين اصطفوا في الركب الإسرائيلي الأمريكي ضد مصالح شعوبهم وقضية فلسطين.
يوم القدس العالمي
كانت ولاتزال القضية الفلسطينية قضية الأمة الأولى بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل إنها كانت مرتكزاً أساسياً من مرتكزات قيام الثورة الإيرانية عام 1978، وهو ما تجلى منذ البدايات الأولى للثورة، وذلك بإعلان الإمام آية الله الخميني عن يوم عالمي تضامني مع القدس.
فبعد أن احتلّت "إسرائيل" جنوب لبنان عام 1979، أي بعد انتصار الثورة الإيرانية بعام واحد، أصدر الإمام الخميني (رحمه الله) في يوم 13 رمضان 1399هـ، الموافق 7 آب/أغسطس 1979، بياناً طالب فيه باعتبار آخر جمعة من شهر رمضان يوماً عالمياً للقدس.
يوم القدس العالمي أو اليوم العالمي للقدس هي مناسبة سنوية يتم فيها إقامة المظاهرات المناهضة لـ"إسرائيل" والصهيونية، والمعارضة لاحتلال القدس، في بعض الدول العربية والإسلامية والمجتمعات الإسلامية والعربية في مختلف أنحاء العالم، وبخاصة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
هذه المناسبة العالمية التي انطلقت من إيران أصبحت أكبر حدث سياسي يجمع الأمة العربية والإسلامية في يوم واحد يندد فيه الكل بوحشية واحتلال "إسرائيل”.
وقد انتشرت هذه المناسبة في الأعوام الأخيرة بين المسلمين وحتى في البلدان غير الإسلامية ومنها أمريكا الراعية للصهيونية، ولا تقتصر المشاركة في يوم القدس على العرب أو المسلمين، بل إنّ بعضا من غير المسلمين أيضاً -ومنهم اليهود الأرثوذكس المعادون للصهيونية- يشاركون فيه.
وتولي إيران يوم القدس أهمية قصوى إذ يلقي فيها قائد الثورة الإيرانية علي خامنئي خطابا، وتقام العديد من الفعاليات والتظاهرات التضامنية مع الشعب الفلسطيني، وبالتوازي مع الأهمية القصوى التي توليها إيران ليوم القدس فإنها كانت ولاتزال تقدم كل سبل الدعم لفصائل المقاومة الفلسطينية في سبيل إحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وتلقت وتتلقى حركة حماس الفلسطينية دعما ماليا وعسكريا من إيران، وقال قائد حركة حماس يحيى السنوار في خطاب في مايو 2019 إن صواريخ غراد وفجر، التي تم إطلاقها على مدن مثل تل أبيب وبير شيفا الإسرائيليتين، قدمتها إيران أو تم تطويرها بدعمها المالي والفني في عين المكان.
وبغض النظر عن الاختلافات العقائدية -كون حماس منظمة سنية- فإن إيران تدعمها ليتطور وجودها في قطاع غزة لمقاومة وتهديد "إسرائيل"، وبدورها فحماس تستقبل تلك المساعدة بصدر رحب، وأكده السنوار بقوله: "بدون دعم مقاومتنا من جانب إيران لما امتلكنا أبدا هذا القدر من الإمكانيات"، مشيداً بإيران قائلا: "أمتنا العربية تخلت عنا في اللحظات الصعبة في الوقت الذي دعمتنا فيه إيران بالأسلحة والعتاد والمعرفة”.
المصدر غازي المفلحي/ لا ميديا