مارش الحسام / لا ميديا -

ظلت أملاك الأوقاف سائبة على مدى عقود وفيدا لأصحاب النفوذ في الحكومات السابقة التي كانت سببا رئيسيا في إهدار أراضي وعقارات الأوقاف التي تناوب مسؤولوها على نهبها والبسط عليها.

إيقاف النزيف
في ظل غياب قاعدة بيانات دقيقة لأملاكها التي طالها العبث لسنوات نشطت فيها عصابات التزوير والتلاعب والبسط على أراضي وزارة الأوقاف التي تسعى اليوم جاهدة لإيقاف النزيف لأراضيها وعقاراتها وبصعوبات لا حصر لها تحاول حصر وتوثيق أملاكها.

ألغاز وأحاجٍ
تبدو عملية حصر ممتلكات الأوقاف مهمة شبه مستحيلة في ظل غياب قاعدة بيانات دقيقة، وما هو متاح لديها هو أرشيف أثري مكتوب بخط اليد تم تدوينه في عهد الأئمة، ونظرا لقدمه يبدو ما ورد فيه ألغازاً وأحاجي، فأسماء المناطق في ذلك الحين لم تعد متداولة، وحلت محلها أسماء جديدة، كما شهدت تلك المناطق تغيرا ديموغرافيا. والصعوبة تكمن في المواءمة بين الأسماء القديمة في الأرشيف والأسماء الجديدة للأحياء والشوارع.

البحث عن إبرة في كومة قش
تغير أسماء الأحياء والمناطق، وظهور أسماء جديدة لها حلت محل الأسماء القديمة، يمثل تحديا كبيرا للأوقاف التي وجدت نفسها في دوامة من التيه والتخبط.
أحد أعضاء اللجنة المكلفة بالحصر يقول لصحيفة «لا»: «تغير أسماء المناطق ومخالفتها للأسماء بالوثائق القديمة، يمثل عائقا كبيرا، وأشبه بالبحث عن إبرة في كومة من القش، وكثيرا ما نلجأ إلى التخمين التقريبي».
ويضيف: «لدينا أرشيف قديم يتوهنا، على سبيل المثال مدون فيه أرضية وقف مثلا في قرية سعوان قرب البئر الفلانية ومحاذية للبستان كذا أو جامع كذا، حاليا لا بئر ولا بستان ولا جامع في المنطقة التي شهدت تغيرا ديموغرافياً وفي المسميات».
ويتابع: «المعلومات المدونة في الأرشيف تكون أشبه بلغز أو أحجية، وأحيانا نضطر للاستعانة بالعجائز والمعمرين وكبار السن في تلك المناطق وممن تجاوزوا العقد الثامن وما فوق لحل الأحجيات، ونسألهم عن أسماء للمناطق وأين كان موقع البستان الفلاني أو الجامع الفلاني، ومن كان مستأجراً أراضي أوقاف في هذه المنطقة، وللأمانة استفدنا من بعض كبار السن وليس الكل، فمنهم من أفادنا بمعلومات دقيقة، ومنهم من توهنا أكثر، فالبعض من كبار السن هؤلاء صار لديهم ضعف في السمع، ومنهم من أصابهم الخرف والزهايمر فتكون إجاباتهم خارج الموضوع تماما، فيكون السؤال في واد والإجابة في واد آخر».

الترهيب
مصدر خاص في وزارة الأوقاف يؤكد لصحيفة «لا» أن الوزارة عمدت إلى سياسة الترهيب بدلا من الترغيب لاسترداد أراضي وعقارات الأوقاف.
ويقول المصدر الذي اشترط عدم ذكر اسمه، إن الإجراءات التي اتخذتها الوزارة من مضاعفة الإيجارات وتشديد إجراءات النقل لأراضي وعقارات الأوقاف واحتساب مبالغ باهظة، كانت نتائجها سلبية، وصارت سببا في ضياع الكثير من أراضي وعقارات الأوقاف، ودفعت البعض إلى إنكار أن هذه الأرض ملك للأوقاف ليتجاوز تلك الإجراءات، فيما قام آخرون بإجراءات بيع صورية لإثبات ملكية الأرض على أنها حر وليست وقفاً.
ويضيف أن الوزارة لم تتعامل بدبلوماسية أو مرونة مع مستأجري أراضي أو عقارات الأوقاف ممن كانوا يتهربون عن دفع ما عليهم من إيجارات للأوقاف لسنوات طويلة. وأن كثيراً من المواطنين باتوا يبذلون جهودا كبيرة لإنكار تبعية الأرض للأوقاف بسبب مضاعفة الإيجارات عليهم.
ويشير إلى أن هناك من جاء متطوعا ليريح ضميره ودفع ما عليه من إيجارات، إلا أنه يصطدم باحتساب مبالغ كبيرة، ومطالبته بدفع إيجارات منذ مطلع الثمانينيات أو السبعينيات، فيتراجع ويتخلى عن الفكرة ويقوم بإنكار تبعية الأرض للأوقاف. 
ويقول: «كان الأحرى بالوزارة تسهيل إجراءات نقل أراضي وعقارات الأوقاف وتخفيض الإيجارات وتحسين وتطوير مواردها وتصريفها بما يكفل تحقيق أهدافها بدلا من التشديد في الإجراءات التي تسببت في ضياع كثير من أملاك الأوقاف، وزيادة نشاط عصابات التزوير».

المحاصصات السياسية
يؤكد فؤاد ناجي، نائب وزير الأوقاف، لصحيفة «لا» أن الحكومات السابقة تعد سببا رئيسيا في إهدار وضياع أموال وعقارات الأوقاف والتي تناوب كبار مسؤوليها على نهبها والبسط عليها. لافتاً إلى أن المحاصصات السياسية هي الأخرى لعبت دورا كبيرا في العبث بأراضي الأوقاف.
ويقول ناجي: «لم يكن هناك توجه للحكومات السابقة في الحفاظ على ممتلكات الأوقاف التي كانت عرضة للفيد والنهب، كما أن ضعف إدارة الأوقاف في الفترات السابقة شجع على زيادة نشاط عصابات التزوير والتلاعب بأراضي الأوقاف، وكثير منها تم استغلالها لمصالح حكومية، وهناك عشرات المليارات والمديونية لم تسدد من قبل الجهات الحكومية حتى الآن».

الحوثي وضع البلسم على الجرح
ويضيف فؤاد ناجي أن العبث بممتلكات الأوقاف ما كان ليتوقف لولا الخطوة الجبارة التي قام بها عضو المجلس السياسي، محمد علي الحوثي، والتي أوقفت النزيف ووضعت حدا للعبث بممتلكات الأوقاف، وكانت بمثابة وضع البلسم على الجرح.
ويؤكد أن عدداً من الصعوبات تواجه الوزارة في حصر أراضي وعقارات الأوقاف، أنتجتها جملة من العشوائيات المتراكمة التي خلفتها الحكومات السابقة، منها عدم وجود قاعدة بيانات دقيقة لممتلكات الأوقاف.

أرشيف أثري
ويتابع ناجي قائلا: «حاليا لدينا أرشيف كامل بأراضي وعقارات الأوقاف، والأرشيف الحالي هو الأرشيف الذي حفظ لنا من عهد الأئمة، واليوم ونحن بصدد حصر ميداني لأراضي وعقارات الأوقاف نستشعر خطورة تغير الأسماء الجديدة للأحياء والمناطق ومخالفتها للأسماء في الوثائق القديمة، وحاليا تتم المواءمة بين الأسماء القديمة بالأرشيف مع الأسماء الجديدة للأحياء والشوارع، وإدخال البيانات إلكترونياً لضمان إيجاد قاعدة بيانات إلكترونية».

استرداد عشرات الوثائق
ويضيف: «بناء على الخطوة التي بادر بها أبو أحمد الحوثي، تم إيقاف العبث الذي كان يتم داخل وزارة الأوقاف، كما تم استرداد عشرات الوثائق الخاصة بالأوقاف والتي كانت لدى أبناء المتنفذين في الحكومات السابقة، كما تم استرداد عشرات الآلاف من اللبن على مستوى الجمهورية ومساحات شاسعة في محافظات الحديدة وذمار وإب وصنعاء وأمانة العاصمة، كما تم ضبط عدد من عصابات التزوير بالتنسيق مع وزارة الداخلية».
ويشير إلى أن الوزارة بصدد إنشاء الشرطة الوقفية على غرار الشرطة السياحية والشرطة القضائية.
وحول الخطوات التي اتخذتها الوزارة بخصوص إجراءات النقل لأراضي الأوقاف، يقول ناجي: «لا ننكر وجود بعض الإجراءات المعيقة لسلاسة عملية النقل، وهي جزء من السبب في ضياع بعض الأراضي، ولكنها ليست السبب الرئيسي، وحاليا نحن في متابعة مستمرة لعمل مكاتب الأوقاف لمنع أية إعاقة تتسبب في ضياع أموال الأوقاف، وهناك رقم شكاوى تم تعميمه في وسائل الإعلام وعبر الـ(sms)، وبإمكان أي شخص أن يبلغ عن شكواه».

لاتزال إيجارات الأوقاف متدنية
وعن مضاعفة إيجارات الأوقاف، يقول: «لاتزال إيجارات الأوقاف متدنية بعكس ما يشاع، اللبنة بـ500 ريال في السنة أو 350 أو 1000 ريال في بعض المناطق، ومن غير المنطقي أن يقال إنها مرتفعة، ولكن عندما يتأخر الشخص عن دفع ما عليه من إيجارات للأوقاف لـ30 أو 40 سنة يعتبرها كبيرة، ونحن لا نمتلك الصلاحيات لإعفائه».
وعن إيقاف الأمناء الشرعيين يقول ناجي: «كان هناك تلاعب وعبث من بعض الأمناء دون الرجوع إلى الأوقاف، ومن تم إيقافهم هم أمناء غير شرعيين وغير رسميين، وتم البحث في سجلات الكثير منهم ووجدناها مليئة بالمخالفات التي أضرت بأموال الأوقاف والدولة بشكل عام، والإيقاف المؤقت لهؤلاء من أجل ترتيب أوضاعهم وفرزهم وضبط ووضع آلية عمل والتنسيق مع الجهات المعنية في وزارتي العدل والأوقاف».