بشرى الغيلي / لا ميديا -

الشهداء ضحوا بدمائهم من أجلِ رفعةِ وكرامةِ اليمن، غادروا الحياة الفانية لينعم الجميع بالسكينةِ والأمان، أولئك الشهداء تركوا خلفهم أسرهم وعوائلهم وفلذات أكبادهم، وأغلبهم لم يخلفوا وراءهم شيئاً من متاعِ الدنيا سوى أمهاتٍ صابراتٍ محتسبات، وأطفالٍ فقدوا عائلهم الوحيد. «من هنا جاءت فكرة إنشاء مؤسسة رعاية أسر الشهداء كتعبيرٍ رمزي عن الوفاء والقيم الإنسانية التي يحملها اليمن شعبا وقيادة، وما يتم تقديمه ليس شيئاً مقابل التضحيات العظيمة» حسب تصريح المدير التنفيذي للمؤسسة طه أحمد جران لـ«لا» التي بدورها التقت بعض الأسر لتستطلع عن قُربٍ معاناتهم وما إن كانت هناك بعض التسهيلات التي تُقدم لهم عبر مختلف المجالات الطبية، أو التعليمية، أو المادية والغذائية وغيرها.. وهنا ننقل الصورة كما وجدناها، فالبعض أثنوا على المؤسسة وما تقوم به من جهودٍ في حدود الممكن تجاه أسر الشهداء، والبعض لم يحظوا بشيء من تلك الرعاية، واستفسرنا المؤسسة عن سبب ذلك القصور فأوضحوا لنا بدورهم بعض الأسباب، تفاصيل أكثر ضمن السياق.

«بعنا من الله»
سيدة اللاحجي ـ أم أربعة من الشهداء، تقول إن كل أسرة قدمت فلذة كبدها أو بعلها أو شقيقها لأجل إعلاء كلمة الله ونصرة الحق والوطن، فلا تنتظر المقابل إلا ممن تعاهدت معه بالتجارة الرابحة، أما عن تقديم مؤسسة الشهداء واهتمامها في ظل العدوان الغاشم، فهو بارز وملموس في واقعنا وتخلده ذكرى الشهيد تحت قيادة السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي، أما عن تلقيها أي مساعدات تضيف في هذا الجانب أنهم لا يستقبلون أي مساعدات إلا بعد الاستفسار و(التطقس) من أي جهة يتم الدعم، أما إن كانت تقدم لهم أي تسهيلات في المشافي، أو المدارس، أو الجامعات تقول: هناك مقاعد مجانية لأبناء الشهداء في معظم المدارس الأهلية والجامعات، وهي محدودة وفي كل أسرة أكثر من شهيد، وأما عن الدعم المادي والغذائي لأننا في حصارٍ وعدوان يقدمون بقدر استطاعتهم، وأتذكر وصية ابني الشهيد أيمن قال لي ذات يوم: «يا أمي لا تطلبوا ولا تنتظروا أي مالٍ أو شكرٍ أو شيء من أحد، فنحن بعنا من الله، ومن مدت يده لأموال سبيل الله أنحسده على جهنم!».

سيري الدريهمي!
إحدى أمهات الشهداء تحفظت عن ذكر اسمها قدمت فلذة كبدها في سبيل الله، الذي وصفته بالمقدام الشجاع لدرجة أنه ودعهم بعد زفافه بعشرين يوما، واستشهد في الدريهمي بالساحلِ الغربي، وهي تسكن في بيوت الإيجار لم تستطع دفع الإيجارات المتراكمة عليها فأغلق صاحب البيت (الشقة) على أثاثهم، فتواصلت مع أحد المشرفين تشكو له حالها وما وصلت إليه، فقال لها بالحرف الواحد: «لا تمني علينا أنكِ قدمت ابنش، تشتي شيء سيري الدريهمي».
أم البتول (شقيقة شهيد) تقول إن معظم الخدمات والتسهيلات يلمسونها كالمدارس الخاصة والحكومية، كذلك تقوم مؤسسة الشهداء بتقديم هدايا رمزية لأسر الشهداء في فعاليات أسبوع الشهيد وتشعرهم أنهم محط الاهتمام، أما من ناحية التسهيلات الجامعية تضيف أنها قدمت عبر البوابة الإلكترونية لكي تحظى بمعقدٍ من مقاعد أسر الشهداء وقدمت كل الأوراق المطلوبة ولم يتم لها ذلك، فيئست وسجلت على حسابها الخاص.
أما الطالب «أ. م» أحد أبناء الشهداء يسكن بجوار إحدى المدارس الأهلية، والمقاعد امتلأت بأولاد الشهداء، بينما هذا الولد لم يتبق له مقعد، والآن إدارة المدرسة تطالبه بدفع الرسوم، ولا تدري والدته كيف تواجه معاناته.
هنا تتجلى المعاناة الحقيقية لبعض النماذج التي وجدناها ضمن أسر الشهداء ممن لا تشملهم الرعاية والاهتمام من قبل الجهات المختصة.. نحن بدورنا في «لا» استفسرنا عن سبب ذلك القصور، فأوضح طه أحمد جران ـ المدير التنفيذي لمؤسسة رعاية أسر الشهداء ـ قائلا: «أولا نسأل الله القبول والتوفيق فإن أحسنا فهو أقل القليل تجاه أسر الشهداء، والفضل لله ثم لجهود السيد القائد، صحيح لا ننفي وجود أي تقصير إلا أننا نستفيد من الأخطاء ونعالجها فور وصولها ولا نسمح بأي تقصير أو تهاون تجاه أسر الشهداء من عاملٍ يتبعنا، وقد يكون جزء من تلك الشكاوى نتيجة تقيدنا في المؤسسة برعاية أسر شهداء الواجب المقدس ممن قضوا وهم يذودون عن الدين والإنسان والأرض والحرمات كأولوية قصوى دون بقية شهداء القصف من المدنيين، وفي هذا الصدد نعتذر من كافة أسر الشهداء ممن طالهم قصور أو إهمال أو سقطوا سهوا أو نسياناً، ونؤكد أنه ليس تجاهلا، ولا عدم اهتمام، إنما نتيجة استمرار العدوان الظالم، والحصار الجائر، وشحة الموارد، وتزايد أعداد الشهداء، أو عدم تحمل الجميع مسؤوليتهم تجاه أسر الشهداء».

سلة غذائية كل 4 شهور
زينب شرف الدين، شقيقة الشهيد بلال شرف الدين، تقول: يقدمون معاشاً للشهيد وسلة غذائية كل ثلاثة أو أربعة أشهر. أما من ناحية التسهيلات لهم في المشافي أو المدارس أو الجامعات تضيف: هناك تسهيلات بالمشافي بنسبة محددة، أما في المدارس لا يوجد، حسبما قالت.
أم الشهيد الحسين الكبسي تقول إنهم يتلقون سلة غذائية كل 4 إلى 5 شهور، وتضيف: بحسب ما سمعت أن مؤسسة بنيان تساهم بدورات تدريبية لتأهيل أسر الشهداء، ويحصل الطلاب في المدارس الخاصة أشقاء الشهداء على تخفيض بنسبة 50% بينما أبناء الشهداء بنسبة 100% بتوجيه من مؤسسة رعاية أسر الشهداء، وختمت أم الشهيد الحسين أمنيتها بأن تحظى أسر الشهداء في القرى وأطراف المدن بالرعايةِ والاهتمام «حيث دائما ما نسمع شكاوى عن ضعف الرعاية هناك أو عدمها».

شموخ وصمود
إشراق الكبسي، شقيقة الشهيد وليد محمد الكبسي، تقول: في الذكرى السنوية للشهيد وفي كل يوم بعد استشهاد أخي الغالي، نحن نعيش في شموخ وصمود رغم ما نستشعر به من ألم الفراق إلا أننا نسعد لعطاء ما قدموا من أجل الوطن وإعلاء كلمة الحق فما تقدمه لنا مؤسسة الشهداء من هدايا رمزية في هذه الذكرى إلا أن معناها كبير جدا، في رفع المعنويات وتزيدنا قوة في مواجهة الأعداء والمضي في خطى شهيدنا البطل.
وتضيف الكبسي: من المؤسسات الأخرى التي تلمس أسر الشهداء جهودها والتي تترجم توجهات القيادة الممثلة بالسيد عبدالملك (حفظه الله ونصره) الهيئة النسائية لأنصار الله التي تقيم فعاليات بهذه المناسبة، وعلى مستوى الأحياء تقام ولائم وضيافة على مدى أسبوع، والجهة الحكومية التي كان شقيقي الشهيد أحد موظفيها تقوم بدعوة والدي وأخي وأبناء الشهيد وتقوم بتكريمهم عرفانا لدم وتضحية أخي الشهيد المهندس في مطار صنعاء الدولي وليد محمد الكبسي.
أما من ناحيةِ التسهيلات في المدارس تضيف: نعم هناك تسهيلات في المدارس لأولاد الشهيد، وفي المعونات الغذائية حسب استطاعة مؤسسة الشهداء رغم أنه من الواجب علينا دعم المؤسسة، فالجهاد بالمال والنفس كما حثنا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم وكما وصانا بها أخي الشهيد سلام الله عليه وعلى جميع الشهداء.

تضحيات عظيمة
وتحدث طه جران عن مؤسسة رعاية الشهداء، قائلا: تم إنشاؤها تعبيرا رمزيا عن الوفاء والقيم الإنسانية التي يحملها اليمن شعبا وقيادة، وما يقدم ليس شيئا مقابل هذه التضحيات العظيمة، وفي مقابل الإحسان الكبير الذي قدمه الشهداء العظماء الذين أكرمونا بدمائهم وبتضحياتهم.
ويضيف جران عن الخدمات التي تقدم لأسر الشهداء: «أقل القليل هو أن نهتم ونرعى أسرهم، وما تقدمه مؤسسة الشهداء من خدمات رعائية وأنشطة ومشاريع هي في مناح عدة أهمها الجانب الاجتماعي والمادي كمشروع المرتبات والذي تم بفضل الله سبحانه وتعالى وبجهود القيادة الثورية والسياسية أيضا، وأصبحت ثابتة معتمدة معززاً بها من وزارة المالية إلى وزارة الدفاع وتصرف بين فترة وأخرى وقد تتأخر نتيجة للوضع القائم فقط وهناك مشاريع موسمية مستمرة كمشروع العيدية لعيدي الفطر والأضحى والتي تصرف لأبناء الشهداء في سن اليتم تحت سن الـ18، وتستهدف كل أبناء الشهداء بمبلغ بسيط جدا هو 10 آلاف ريال لكل ابن شهيد. كما في كل عيد الفطر نقدم مشروع الكسوة لأبناء الشهداء كافة في عموم المحافظات أيضا».

رعاية مادية لكل من تصلنا احتياجاتهم
ويشير جران إلى أن الرعايةِ المادية التي تقدمها المؤسسة تواكب كل من تصلهم احتياجاتهم من أسر الشهداء في شتى مناحي المعيشة، مشاريع إغاثية وعينية وغذائية ونقدية متنوعة، وأيضا هناك مشاريع أخرى كمشاريع الذبائح تقدم بين فترة وأخرى ومحافظة وأخرى. وفي ما يتعلق بالرعاية الصحية تقدم المؤسسة العديد من الخدمات عبر مراكز استقبالنا وعبر وزارة الصحة في المستشفيات والهيئات الحكومية، ونتقدم من منبر صحيفة «لا» بالشكر الجزيل لكل المستشفيات والهيئات التي تتعاون معنا في استيعاب واستقبال أسر الشهداء وتقديم مختلف الخدمات الصحية مجانا، وأيضا يصرف مبالغ لحالات كثيرة في ما يتعلق بالجانب الصحي كإعانات في العلاجات والمستلزمات الطبية ونحوها، وما يتعلق بمشاريع التربية والتعليم هناك مشاريع عدة منها مشروع الحقيبة المدرسية ومستلزماتها والتي تعودنا عليها في كل عام وتصرف قبل بدء العام الدراسي سنويا وتغطي كل أبناء الشهداء في عموم المحافظات وفي كل المدارس الأهلية والحكومية، كما هو الحال أيضا التنسيق مع وزارة التربية والتعليم والمدارس الأهلية لتقديم المنح المجانية لأبناء الشهداء، وهناك استيعاب لعدد ضخم من أبناء الشهداء في عموم المحافظات وأهمها أمانة العاصمة لكثافة المدارس الأهلية فيها، وأيضا ما يتعلق بالتعليم العالي والجامعات والمعاهد هناك منح مجانية تقدم عبر وزارة التعليم العالي وعبر الجامعات الخاصة وتستهدف أبناء الشهداء وأرامل الشهداء كذلك كدرجة أولى وأيضا الدرجة الثانية إخوان الشهداء، وأيضا هناك مشاريع أخرى معنوية كإحياء المناسبات والفعاليات التي تخلد تضحيات الشهداء والتي أبرزها هي هذه الذكرى التي نستقبلها الآن الذكرى السنوية للشهيد، وفيها تقدم العديد من الأنشطة أبرزها زيارات أسر الشهداء وتكريمهم بتقديم الهدايا الرمزية والمعنوية لأسرهم، كذلك زيارات روضات الشهداء وإحياء الفعاليات والفعالية الكبرى في هذه المناسبة.

مؤسسات تشترك بنفس الهدف
أما عن المؤسسات التي تترجم توجهات القيادة لهذا الغرض يوضحها جران: «أنشئت الهيئة العامة لرعاية أسر شهداء الواجب المقدس في 2017م بقرار الرئيس الشهيد صالح علي الصماد، وأبرز الأنشطة والمشاريع التي تعنى برعاية أسر الشهداء تتبناها مؤسسة الشهداء وهذه الهيئة الحكومية، وأيضا هناك مؤسسات أبرزها مجلس رئاسة الوزراء ومؤسسة الرئاسة وأيضا مؤسسة وزارة الدفاع كأبرز الجهات التي تسهم إسهاما كبيرا في ما يتعلق بالعناية بأسر الشهداء كما هو حال الهيئة العامة للزكاة، الآلية التي تتبع في هذا الأمر ما يتعلق بوزارة الدفاع لدينا تنسيق كبير وآلية في ما يتعلق باستيعاب الموقف اليومي والبلاغات اليومية أولا بأول، مؤسسة الشهداء تستقبل عبر إدارة البلاغات والعمليات الموقف اليومي للشهداء الذين يسقطون يوميا أولا بأول ويوماً بعد يوم، وتتلقى كافة البلاغات من كافة المناطق العسكرية والمحاور العسكرية كذلك، ومنها إلى وزارة الدفاع يرفع الموقف يوميا ويرفع أيضا توثيق شهري نهاية كل شهر، وعلى إثر ذلك يتم التنسيق مع وزارة المالية لاعتماد التعزيز المالي بالمرتبات. وما يتعلق ببقية المؤسسات هي عبارة عن علاقات وتنسيق ونحو ذلك، وتحول إلى خدمات متفاوتة لأسر الشهداء».

أبرز الخدمات
أبرز الخدمات التي تقدمها مؤسسة الشهداء، يقول طه جران: هناك مزايا ومنح وخدمات، فمثلا هناك تنسيق مع وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي وإشراف مكتب رئاسة الجمهورية وأيضا وزارة التعليم الفني، وتقدم عبر هذه المؤسسات لأبناء الشهداء العديد من المنح المجانية سواء في المدارس الأهلية أو في الجامعات الخاصة أو الجامعات الحكومية أو ما يتعلق بالمعاهد الفنية والتقنية.. وتقدم هذه المنح المجانية وتستهدف ما يتعلق بالمدارس الأهلية أبناء الشهداء بشكل كامل أو من وصل إلى الإدارة التربوية بلاغاتهم ومطالبتهم كذلك، وما يتعلق بالتعليم العالي والجامعات نستوعب حتى إخوان الشهداء مع الأبناء والأرامل كذلك. أيضا هناك منح مجانية علاجية من بعض المستشفيات الخاصة وإن كانت قليلة جدا، تقدم هذه المنح عبر وزارة الصحة، وكما أسلفت تقدم منح مجانية شهريا وإن كانت قليلة إلا أنها لا بأس تغطي جزءاً بسيطاً من الالتزامات علينا في ما يتعلق بالمعالجات. وهناك خدمات صحية متعددة تقدمها الهيئات والمستشفيات الحكومية التي تشرف عليها وزارة الصحة.

شهداء الواجب المقدس
ويضيف: نحن في مؤسسة الشهداء بالتعاون الرسمي والمجتمعي نعنى برعاية كافة أسر شهداء الواجب المقدس الذين استشهدوا بسلاح العدو في الجبهات أو في غيرها، وهناك توجه من القيادة السياسية لاستيعاب ضحايا العدوان ضمن الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء ومناضلي الثورة اليمنية، وبدأت بدراسة وإعداد مشروع مسح بيانات الشهداء المدنيين الذين قضوا بقصف طائرات العدوان تحت الأنقاض في المنازل والأسواق والأماكن العامة وغيرها، وعلى أمل دراسة وتخطيط احتياجات تلك الأسر المكلومة.